المحامي المستشار محي الدين محمد يونس
أحداث ساخنة في الصراع بين السلطة في العراق والحركة الكردية 1968 – 1975الجزء الأول
البداية
استطاع حزب البعث العربي الاشتراكي العودة لسدة الحكم في العراق للمرة الثانية من خلال الانقلاب المسخرة الذي قاده في 17 تموز 1968 وازاحة الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف ونظامه بكل سهولة ودون مقاومة او اراقة قطرة دم واحدة حيث كان المذكور رجلاً مسالماً وصالحاً وبعيداً عن حيل السياسة ودروبها والاعيبها وما كان انخراطه في هذا المسار قبلاً وبعداً الا بسبب متابعته للسلوك السياسي والعسكري لشقيقه عبد السلام عارف رئيس الجمهورية والذي لقى حتفه في حادث طائرة في محافظة البصرة عام 1966 .
اتسمت علاقة الحكومة الجديدة بالحركة الكردية بالمهادنة في اول الامر ثم تغيرت الى تحرشات ومناوشات بين الطرفين واصبحت اكثر عنفاً خلال عام 1969 وقبل نهايته تبدلت لهجة الحكومة وسلوكها حيال الحركة حيث اجبرتها المصاعب الاقتصادية وخشيتها من تعاظم دور ايران في المنطقة بالاضافة الى ضعف المستوى المعنوي والتسليحي للجيش العراقي وفي مقابل ذلك تنامي قدرة وكفاءة الحركة الكردية في جانبيها السياسي والعسكري وكانت الضربة الموجعة في هذا الجانب الاخير عندما قامت قوات البيش مركة بقصف مصافي النفط في مدينة كركوك في 1 اذار 1969 (1،2) كما يجب ان لا ننسى العزلة الجماهيرية لحزب البعث حيث كان حديث العهد في السلطة وحزباً صغيراً لا يخلو من الصراعات الداخلية ، كل هذه العوامل والاسباب الجأت الحكومة العراقية الى اختيار طريق الحوار والتفاوض بدلا من القتال وفي هذا الصدد يقول الفريق حردان عبد الغفار التكريتي وزير الدفاع حينذاك ((الاكراد استطاعوا بصمودهم البطولي اركاع النظام في بغداد لدرجة كنا نخشى ان يؤدي استمرار الحرب الى سقوط بغداد )) ويضيف حردان التكريتي (كان القصد من المفاوضات اعطاء البارزاني كل التنازلات التي يريدها في محاولة لاحتوائه)(3)
تكللت الزيارات بين وفدي الطرفين والمفاوضات الى اتفاق بينهما لانهاء الصراع العسكري في المنطقة وكان اخرها قدوم وفد كبير يرأسه ( صدام حسين )(4) نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في حينها الى جومان في 9 اذار 1970 يرافقه كل من عبد الخالق السامرائي ، صالح مهدي عماش ، مرتضى الحديثي ، طارق عزيز ، اسماعيل تايه النعيمي ، محمد علي سعيد واجتماعه بزعيم الحركة الكردية ( مصطفى البارزاني) وتوقيعهما على الاتفاقية كما يسميها الجانب الكردي والبيان بمفهوم الجانب الحكومي ليلة 10/11 اذار 1970 بعد يومين من المناقشات المستمرة في بناية متواضعة مطلية باللون الابيض في ( ناوبردان ) وتقع على مرتفع يطل على بلدة جومان(5) ويقال بان ( صدام حسين ) وبعد توقيعه على الاتفاقية خرج من البناية واخرج مسدسه الشخصي وسحب اقسامه واطلق منه عدة اطلاقات في الهواء ابتهاجاً بهذه المناسبة والتي يقول فيها ( مسعود البارزاني ) .... ( ليس بوسعي وانا بصدد هذا الحدث العظيم في تاريخ الشعب الكردي ان اغفل الشجاعة والجدية التي ابداها صدام حسين في هذا المجال ولا بدوره المركزي من الجانب الحكومي في اخراج هذا الاتفاق الى حيز الوجود )(6) وتقودني ذاكرتي في هذا الصدد الى انني كنت وزميلي الملازم حسين علي العبوسي نسير في شارع السعدون مساء يوم 11 اذار 1970 .
ويطرق اسماعنا تنبيه وسائل الاعلام الى ترقب اعلان بيان هام للشعب العراقي في الساعة الثامنة وكانت ساعتي تشير الى السابعة وخمس واربعون دقيقة فطلبت من زميلي ان نجلس في مقهى كانت مشهورة في ساحة النصر وفي الموعد المحدد اطل علينا المذيع باسماً ومتحمساً ليقدم لنا رئيس الجمهورية ( احمد حسن البكر ) ويسبق ظهوره السلام الجمهوري وبدأ يقرأ بيان الحادي عشر من اذار بكافة فقراته حول حل المسألة الكردية حلاً سلمياً وفي اليوم التالي جرى تنظيم مهرجان رسمي وشعبي في ساحة التحرير(7) حضره كبار رجال الحزب والحكومة بالإضافة الى رئيس واعضاء الوفد الكردي كما وعمت الاحتفالات في كافة ارجاء العراق ..
وبعد هذه البداية المتواضعة ننتقل للخوض في تفصيلات هذا البيان ونبحث عن النوايا ونتحرى المقاصد الحقيقية للطرفين المتعاقدين من ابرام هذا الاتفاق الذي أنعش الآمال لدى جموع الشعب العراقي بهدف وضع نهاية لحالة الحرب والاقتتال والذي اسفر عن ضحايا بشرية ومادية كبيرة من عام 1961 وطيلة التسع سنوات وخلال انظمة الحكم التي عاصرته في زمن عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف ونظام حزب البعث الذي شهد جولة من المعارك وركن اخيراً للتفاوض وابرام هذا الاتفاق.
--------------
1. د. سعد ناجي جواد / العراق والمسألة الكردية 1985 - 1970 / ص 157
2. شلومو نكديمون / الموساد في العراق ودول الجوار / ص 219
3. د.عبد الخالق ناصر العامري / البارزاني مصطفى والقضية الكردية في العراق / ص291
4. مسعود البارزاني / البارزاني والحركة التحررية الكردية / ص 242
5. كامران قرداغي / في لقاء مع صحيفة الحياة اللندنية
6. مسعود البارزاني / البارزاني والحركة التحررية الكردية / ص 243
7. المصدر السابق / ص 245
3096 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع