الجزء الخامس - أحداث ساخنة في الصراع بين السلطة في العراق والحركة الكردية ١٩٦٨ – ١٩٧٥

                                             

             المحامي المستشار محي الدين محمد يونس

       

أحداث ساخنة في الصراع بين السلطة في العراق والحركة الكردية 1968 – 1975 الجزء الخامس

المبحث الثالث

الجبهة الوطنية والقومية التقدمية
في 15 تشرين الثاني من عام 1971 طرح حزب البعث مشروعه لإقامة جبهة مع الأحزاب والتيارات السياسية الموجودة على الساحة العراقية وقد اختلفت ردود الأفعال تجاه هذا الطرح فقد انقسم الحزب الشيوعي في مسألة قبول الانضمام الى الجبهة الى فريقين ، فريق ضد العلاقة مع حزب البعث وعقد الجبهة معه لاعتقادهم بعدم إمكان الاعتماد عليه وتصديق وعوده والشك من نواياه اما الفريق الثاني ومعهم الأكثرية من اللجنة المركزية (1) للحزب كانت مع فكرة التوجه لإقامة الجبهة مع حزب البعث والذي نجح في إيجاد أرضية للتقارب بينهما من خلال طلب مشاركة الحزب الشيوعي في الحكم والذي استجاب له واستهوته شهوة السلطة وفعلاً قام بترشيح كل من (مكرم الطالباني) لوزارة الري و (عامر عبدالله) وزيراً للدولة،

         


استمرت اللقاءات والمناقشات بين الحزبين لغاية يوم 23 تموز 1973 وهو يوم التوقيع على ميثاق الجبهة، وقع من قبل (احمد حسن البكر) امين سر القيادة القطرية لحزب البعث و (عزيز محمد) سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي اما الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد رفض الانضمام للجبهة الا بعد حل المشاكل العالقة بينه وبين حزب البعث بالإضافة الى رفضه القاطع وعدم قبوله للقيادة المطلقة للجبهة من قبل البعث والخنوع والقبول بدور هامشي فيه(2).

               


الا ان هذا لا يعني بان جميع أعضاء قيادة الحركة الكردية كانوا مع رفض الانضمام للجبهة فقد كان العديد منهم ضد هذا الخيار ومع الدخول في الجبهة والتعاون مع السلطة(3) وفي مقدمة هؤلاء (صالح اليوسفي).

            


الحزب الشيوعي العراقي بتصرفه الخاطئ هذا ينطبق عليه المثل الكردي القائل (الجاهل يقع في الفخ بقدم واحدة اما العاقل فيقع فيه بقدميه) او كما يقال (غلطة الشاطر بألف) لا استبعد من جهتي ان يكون التقارب الذي حصل من الحزب الشيوعي العراقي ودخوله في هذه الجبهة كان بتأثير وايعاز من الاتحاد السوفيتي الذي سبق له ابرام معاهدة الصداقة والتعاون مع العراق في 9 نيسان 1972 ضماناً لمصالحه الاستراتيجية في المنطقة اذ لا يعقل ان يخطو هذا الحزب العريق صاحب التجربة والخبرة السياسية الطويلة حيث تأسس في 31 اذار من عام 1934 وله باع طويل في التعامل مع مختلف الأنظمة والأحزاب منذ تشكيل الدولة العراقية في عام 1921 وعلاقاته المتشنجة على الخصوص مع حزب البعث العربي الاشتراكي طيلة الفترات السابقة على توقيع العمل الجبهوي بينهما واحداث المجازر المرتكبة من قبل البعثيين بحق الشيوعيين في اعقاب انقلاب 8 شباط 1963 ليست ببعيدة ولا يستبعد اعجاب الفريق المؤيد للتقارب مع حزب البعث ودخول الجبهة الوطنية والقومية التقدمية معه هو شعار الجبهة الرنان وشعار حزب البعث في الحرية والاشتراكية لا سيما وانهم على ثقة باستحالة تحقق الهدف الأول لحزب البعث في الوحدة بين الدول العربية لعدم استعداد أي رئيس او ملك او امير عربي في التنازل عن سلطته ومركزه والحالة حتى مع اشد المنادين بالوحدة الا وهو (صدام حسين) فانه كان يريدها وحدة للأقطار العربية بشرط ان يكون هو زعيمها لا احد غيره، لقد اعجب البعض من الشيوعيين بشخصية نائب الرئيس العراقي (صدام حسين) عند الاتفاق مع حزب البعث العربي الاشتراكي من خلال تبنيه للاشتراكية كهدف واعجابهم بالقيادة المتميزة لكاسترو العراق (صدام حسين)(4) والذي كانت شخصيته تتميز بالكاريزما العالية وحب الذات وهنا وفي موضوع ذو صلة بما نحن فيه رأيت من الصواب ان اشير الى اللقاء الذي اجراه الدكتور (حميد عبدالله) في برنامجه شهادات للتاريخ(5) مع الإعلامي والكاتب (امير الحلو)،

         

حيث يذكر الأخير باستدعائه مع أربعون شخصية محسوبة على التيار القومي من مختلف فئاته للحضور في قاعة المجلس الوطني في الساعة العاشرة من صباح احد أيام النصف الأول من عام 1973 ونترك له الحديث عن ما جرى في هذا اللقاء حيث يقول " دخل القاعة (صدام حسين) يرافقه عضو القيادة (محمد فاضل)(6) وبعد جلوسه رحب بنا وكان ودوداً معنا واستهل كلامه بالقول احنه من تيار قومي واحد ما نختلف فكرياً وما يجب ان نختلف والمطلوب ان تقفوا معانا وهسة انتو امام خيارين .. من تطلعون من هاي القاعة اذا احد منكم اقتنع بان حزب البعث هو الممثل الوحيد للتيار القومي في العراق وممنوع إقامة أي تنظيم غيره حتى لو خمسة اشخاص هذه ممنوعة كلياً فقط حزب البعث فمن يؤمن بهذا الطرح يوقع الاستمارة وهو سيكون عضو في حزب البعث دون المرور في الحلقات المعروفة .. واللي ما يريد على هاي الشروط اللي ذكرناها وهي وجود تنظيم غير حزب البعث" يضيف الكاتب والإعلامي (امير الحلو) بان (صدام حسين) بعد ان أكمل حديثه عاد وأضاف (احذر أي انسان ان يلتقي بالعسكر اللي يوصل للعسكر مصيره الإعدام... واللي ما يوقع الاستمارة هو في عهدة (صدام حسين) بالشروط اللي ذكرتها"، فاذا كان تعامل (صدام حسين) بهذا الشكل الودود حسب وصف (امير الحلو) مع التيار القومي الذي يجمعه مع حزب البعث وحدة التيار من الناحية القومية والفكرية فكيف الحال في تعامله مع الحزب الشيوعي او الحزب الديمقراطي الكردستاني وهما حزبان يختلفان عن حزب البعث فكرياً وقومياً لكون الحزب الشيوعي حزباً اممياً والحزب الديمقراطي الكردستاني حزباً كردياً، نعود فنقول من يقرأ كلام (صدام حسين) مع من جمعهم مجبرين لا مخيرين من التيار القومي في هذه القاعة بإمعان يستنتج منه التهديد العلني والضمني لهم بعدم ممارسة حقهم الطبيعي في العمل السياسي المشروع بالرغم من كونهم معه في نفس التيار القومي والفكري حسب ادعائه هو! والشيء الوحيد الذي يشكر عليه (صدام حسين) في هذا اللقاء هو ضمان حياة من لا يوقع الاستمارة أي لا ينظم لحزب البعث بشرط ان لا يتدخل في السياسة ضمن تنظيمات خارج حزب البعث فهو في هذه الحالة في عهدة (صدام حسين) والذي سيستمر في تعامله معه بشكل ودي كما هو الحال مع الكاتب والإعلامي (امير الحلو) لغاية سقوط النظام في عام 2003، كان(صدام حسين) جاداً في تهديده للمحسوبين على التيار القومي من الذين يشاركون في إقامة أي تنظيم يمثل هذا التيار ولا يقتنعون في كون حزب البعث هو الممثل الوحيد للتيار القومي في العراق حيث لم ينجو ابرز قيادات هذا التيار من الملاحقة ومحاولة الإبادة بالرغم من هروبهم وتركهم للعراق خوفاً على حياتهم الى القاهرة واستقرارهم فيها حيث يذكر رائد الامن السابق (صباح الحمداني) في مقابلة له مع الدكتور(حميد عبد الله) في برنامج تحت عنوان (هندسة الاغتيالات في النظام العراقي) من ان مديرية الامن العامة كانت قد قررت اغتيال عشرة من قادة هذا التيار واختارت ثلاثون ضابطاً ومفوضاً من منتسبيها وقسمتهم الى عشرة فرق وكلفت كل فرقة لاغتيال شخصية معينة وتم نقلهم الى القاهرة مع المستلزمات وأدوات تنفيذ العملية بالتنسيق مع السفارة العراقية في مصر وقد وقع اختيار مدبري هذه العملية على تفضيل اغتيال هذه المجموعة مرةً واحدة بدلاً من اللجوء لعمليات الاغتيال الفردي والتي تكلف جهداً كبيراً وزمناً طويلاً واحتمالا ضعيفاً في النجاح.
بعد عمليات الاستطلاع من قبل المجاميع المكلفة بالتنفيذ مع ادلاء حددت الساعة السادسة من صباح يوم 26 شباط 1972 حيث تحركت هذه الفرق لتصل الى أهدافها في وقتٍ متقارب نسبياً وشرعت بالتنفيذ الى انها جميعاً منيت بالفشل وقد تم القاء القبض على العديد من أعضاء هذه الفرق من قبل قوات الامن المصرية ولجوء آخرين الى السفارة العراقية وافتضاح سيناريو هذه العملية ودور السلطة في العراق للأعداد لها وتنفيذها ونذكر في ادناه أسماء سبعة من الشخصيات المستهدفة في هذه العملية ولم نتمكن من الحصول على الأسماء الاخرى.
1- صبحي عبد الحميد.
2- عارف عبد الرزاق.
3- عرفان عبد القادر وجدي.
4- حميد الحصونة.
5- رشيد محسن.
6- عبد الهادي الراوي.
7- احمد الحبوبي.
فاتني ان اذكر ما ورد على لسان (بهاء الدين نوري) سكرتير الحزب

            


الشيوعي العراقي السابق في مذكراته من ان السفارة السوفيتية في بغداد قدمت معلومات تفصيلية عن محاولة انقلاب (عبد الغني الراوي) في كانون الثاني 1970 وارسل الحزب الشيوعي (مكرم الطالباني) موفداً الى (احمد حسن البكر) حاملاً اليه خبر المؤامرة التي أحبطت فيما بعد وفي اليوم التالي من احباطها استدعى البكر الطالباني الى القصر الجمهوري وشكره وقال له ما معناه "لن انسى ما حييت هذا الجميل لقد انقذنا الحزب الشيوعي من السقوط الوشيك ولن تكون هذه شوارب رجل (مدَّ أصابعه لشاربه) ولن يكون لي شرف عسكري اذا أصاب الأذى شيوعياً واحداً في عهدي"(7) . وفعلاً اوفى (احمد حسن البكر) بوعده حيث لم يصيب الأذى شيوعياً واحداً في عهده وانما أصاب الأذى المئات منهم ابتداءً من عام1976 حيث بدأ حزب البعث هجوماً مكشوفاً على الحزب الشيوعي في جميع انحاء العراق بهدف تصفيته بالتدرج من المناطق الجنوبية ومن ثم مناطق الفرات الأوسط ثم بغداد وضواحيها واخيراً مناطق كردستان والحملة الأشد بدأت لإبادة الحزب الشيوعي بالتزامن مع الخطاب الناري الذي القاه (احمد حسن البكر) في 17 تموز عام 1978 حيث اتهم الحزب الشيوعي بالتآمر والخيانة.

           
 
ويؤكد نتائجها (نعيم حداد) السكرتير العام للجبهة الوطنية والقومية التقدمية عندما صرح في 17 تموز عام 1980 قائلاً (ان الحزب الشيوعي العراقي لم يعد له أي وجود في أوساط شعبنا لقد لفضته الجماهير)(8) وهنا لابد لي ان اشير بهذه المناسبة واخاطب الحزب الشيوعي العراقي بالمثل القائل والمثل يقال ولا يقاس عليه (أُكلتَ يوم أُكلَ الثَور الأبيض) فلا يعقل ان لا يدرك هذا الحزب من ان نوايا البعث في التقارب والتحالف معه هي لغايات تكتيكية مرحلية لا غير ينفذ من خلالها اجنداته في التفرد بالسلطة في العراق حيث لا يمكن لــ (صدام حسين) أن يقتنع ويقبل في ان يشاركه ويزاحمه في قمة المسؤولية أي حزبٍ او شخص وهو الذي همَّشَ الاب القائد (احمد حسن البكر) عندما كان نائبه ومن ثم ازاحه بأدب واحترام وارسله الى بيته حفاظاً على صحته ومن اجل قيامه برعاية عائلته اما رفاقه في الحزب فقد ازاح الكثيرين منهم بمختلف الطرق والأساليب بمجرد ان رأى فيهم مواصفات شخصية تشكل خطورة على موقعه وسلطاته المطلقة ولم يبقِ الا التابعين له والملازمين لظله الى نهاية المشوار بدون تردد او اعتراض على سلوكه في كافة الأصعدة من مسيرة وبرامج الدولة.

          

اذا كان هذا ديدنه في التعامل مع رفاقه فكيف سيسمح لكردياً او شيوعياً او قومياً عربياً او اسلامياً سنياً او شيعياً في ان يكون نداً له ويشاطره نشوة وامتيازات الحكم، إن ما يثير استغرابي هو سذاجة هذا القائد الشيوعي المخضرم (عزيز محمد) سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي عندما يعتقد بصدق النوايا الظاهرية لحزب البعث وشفافيتها ويبني عليها الآمال في مشاركة هذا الحزب في السلطة مشاركة فعلية وحقيقية ولا يقف طموحه عند هذا الحد بل يتجاوزه الى هدف اندماج الحزبين في حزب واحد دون النظر الى الفرق الشاسع بين أيديولوجية الحزبين من كافة النواحي الشكلية والموضوعية عندما خاطب (صدام حسين) قائلاً "اننا نتطلع الى تضييق الخلافات والفوارق بين الحزبين (البعث والشيوعي) الى حد الاندماج" وكلامه هذا شجع الوزير الشيوعي (عامر عبدالله) على تقديم اقتراح الى حزب البعث بتشكيل لجنة مشتركة لتوحيد الحزبين(9) "هذا السلوك من قيادة الحزب الشيوعي كان له نتائج وخيمة عليه حيث لم تمضِ فترة طويلة من الزمن حتى بدأ التناقض ظاهراً بين قيادة الحزب وقواعده كما بدأ واضحاً ان هذه القيادة غير بعيدة عن توجيهات قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي بل وفرض ارادته على مجمل سياسته ولا سيما بعد ان وقع البعثيون معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي"(10).
العلاقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي مع نهايات عام 1973 والتقارب الذي وصل اليه مسار العلاقات بين الحزبين البعث والشيوعي اتخذ شكل التحالف الجبهوي وكان في المقابل هناك مسار اخر بالتباعد بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزبين المذكورين وكان من تداعيات هذا المشهد الذي حصل نتيجة التوقيع على ميثاق الجبهة من قبل الحزب الشيوعي ومناقشة صيغة الحكم الذاتي المطروحة من قبل حزب البعث والذي كان الحزب الشيوعي يدعي مشاركته في صياغته في حين كان تأثيره في المسألة محدوداً جداً(11) حيث كان الطرف الامر الناهي هو حزب البعث وحده في تشريع بنوده بالإضافة الى تطبيقه حسب اهوائه.
لم تقتصر علاقات الحزب الشيوعي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني على التباعد فيما بينهما بل تطورت الأمور الى حرب كلامية من خلال صحيفتيهما في توجيه الاتهامات سرعان ما تحولت الى اعمال عنف واشتباكات مسلحة بين الطرفين وانسحاب مسلحي الحزب الشيوعي وكوادره الى المراكز الحكومية للسلطة وقد كان من تداعيات هذا الوضع الجديد المتأزم قتل وجرح العديد من مقاتلي الحزبين والأكثر من جانب الحزب الشيوعي وفي هذا الصدد يذكر (مسعود البارزاني)(12) بان هذا الموقف اشاع في البعث الحاكم مشاعر التشفي والارتياح وهم يرون رفاق السلاح بالأمس يشتبكون فيما بينهم اليوم وما دمنا نتحدث عن الجبهة الوطنية والقومية التقدمية ولغرض الوقوف على الطرف المهيمن والمسيطر عليها نذكر الهيكل التنظيمي لها والذي يتكون من(13):
أ‌- رئيس اللجنة العليا للجبهة وهو امين سر القيادة القطرية لحزب البعث (احمد حسن البكر) او نائب امين سر القيادة القطرية (صدام حسين) .
ب-أعضاء اللجنة ويتكون من :
 ثمانية أعضاء يمثلون حزب البعث العربي الاشتراكي
 ثلاثة أعضاء يمثلون الحزب الشيوعي
 ثلاثة أعضاء يمثلون الحزب الديمقراطي الكردستاني(14)
 عضو واحد يمثل الديمقراطيين المستقلين
قبل الانتقال الى مرحلة القطيعة النهائية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب البعث العربي الاشتراكي والانتقال من وضع الحرب الباردة خلال السنوات الأربعة من عام 1970 الى مرحلة الحرب والقتال الحقيقي الذي بدأ في بداية شهر نيسان من عام 1974 وفي احداث ذات صلة اذكرها وكان لي علاقة بها او اطلاع عليها فيما يلي توثيقاً لما حصل في تلك الفترة:
الحدث الأول ـ في ربيع عام 1973 كنت برتبة ملازم شرطة وبمنصب ضابط مركز شرطة راوندوز وكانت هناك مناسبة تخص الحزب الشيوعي العراقي يحتفل بها في المدينة من خلال نشر اللافتات والصور والشعارات التي لها علاقة بهذه المناسبة على واجهات المباني وشوارع القضاء وفي صباح اليوم التالي راجعني احد مسؤولي الحزب الشيوعي شاكياً ليخبرني بان جميع الشعارات والصور المعلقة قد تم تمزيقها بالإضافة الى تشويه صورة القائد الشيوعي (لينين) من خلال التلاعب بملامح وجهه متهماً انصار ومؤيدي الحزب الديمقراطي الكردستاني بهذا العمل.
الحدث الثاني ـ قبل نهاية عام 1974 جرى التحضير لانتخابات اتحاد الكتاب الكرد وكانت لدى السلطة في بغداد مخاوف من استحواذ مرشحي الحزب الشيوعي الحليف! على اغلبية المقاعد من خلال أصوات أنصاره وانصار الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي كان في حالة قتال مع النظام.
المنافسة كانت بين الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي فطن الى حيلة شرعية مفضوحة حيث لجأ من خلال موقعه السلطوي الى تنظيم هويات انتساب لأكثر من خمسمائة شخص من أنصاره في المحافظات الثلاثة (أربيل، السليمانية، دهوك) من حملة الشهادات الجامعية وفي اليوم المحدد لأجراء الانتخابات في قاعة الجامعة المستنصرية في العاصمة بغداد تم نقل الأشخاص المذكورين بواسطة حافلات أهلية تم استئجارها لهذا الغرض على نفقة حزب البعث وكانت المفاجأة للقيادي الشيوعي (مكرم الطالباني) ومن معه من الكادر الشيوعي المكلفين بالإشراف على الانتخابات بالاشتراك مع قيادي وعدد من كوادر حزب البعث عند دخولهم الى القاعة ومشاهدتهم امتلائها بالحاضرين للاشتراك في التصويت لاختيار رئيس وأعضاء اتحاد الكتاب الكرد وكان القيادي الشيوعي في حالة ذهول واستغراب مما يراه وغير مصدق ولكن وكما يقال "ما في اليد حيلة " حيث جرت الانتخابات وكانت الأصوات بأغلبيتها لصالح مرشحي حزب البعث العربي الاشتراكي والذي تصدق بعد ذلك ! على مرشحي الحزب الشيوعي بعدد من المقاعد تمكنه من السيادة والسيطرة على الاتحاد.
الحدث الثالث ـ الذي كان من تداعيات حالة الخصام والقتال بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي في مناطق كردستان العراق في المرحلة التي نحن بصددها حيث جاءني نداء من سيطرة النجدة عندما كنت مكلف بواجب ضابط خفر شرطة محافظة أربيل في احد أيام شهر اب من عام 1976 يخبرني بوقوع حادث قتل لاحد الأشخاص من كوادر الحزب الشيوعي داخل مدينة أربيل وفور انتقالي الى محل الحادث شاهدت رجلاً في الستين من عمره حليق الرأس ملقى على وجهه في الشارع ومفارق الحياة والدماء تنزف من الجرح في مؤخرة رأسه من اثر اصابته بطلق ناري من مسدس بعد قيامي بالإجراءات التحقيقية المقتضية والامر بنقله الى دائرة الطب العدلي استصحبت معي الى الدائرة زوجة وشقيق القتيل والذين افادا بانهما يوجهان الاتهام في قتل المذكور الى عائلة احد الأشخاص والذي قتل في عام 1973 نتيجة الاشتباكات بين الطرفين وكان ذلك القتيل من كوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني انتقلت الى احدى القرى في اطراف مدينة أربيل وقبضت على المتهم ابن القتيل الاول واحضرته معي الى الدائرة وكان بعمر الواحد وعشرون عاماً وبدأت التحقيق معه مستغلاً إمكانياتي وخبراتي التحقيقية وضعف الحالة الفكرية والتكوين الاجتماعي للمتهم حيث وجهت له الأسئلة على الشكل التالي:
فلان....انت بطل انت شهم أخذت بثأر والدك اليوم وقتلت من سلبه حياته ..
فاجابني .... ماذا تقول عن أي ثأر تتحدث لا علاقة لي بمقتل أي شخص .. متى قتلته وكيف عدت الى قريتي بهذه السرعة
فكرت في تغيير طريقة استجوابه فقلت له :
أنا انسان لا افهم من أمور الحياة شيئاً كيف أتصور ان تقوم انت بقتل هذا الرجل وتأخذ بثأرك وانت شاب تافه وحقير ولا يليق بك هذا العمل الذي هو من شيم الرجال .... لقد قتلوا الرجل ولم تستطع انت الاخذ بثأرك منه ويلعنك والدك في قبره أيها الجبان.
نهض منتفضاً من مكانه وهو يردد .... انا قتلته واخذت بثأر والدي .... نعم انا قتلته بعد ان راقبته ورصدت تحركاته واليوم تعقبته وسرت خلفه وكان الشارع خالياً من المارة وقت الظهيرة والجو حاراً ومن مسافة قريبة وكان مسدسي في حالة الجاهزية حيث اطلقت عليه النار في منطقة الرأس وسقط على الأرض مفارقاً الحياة على الفور.
بانتهاء الحديث عن فترة الأربع سنوات والتي بدأت بتوقيع بيان الحادي عشر من اذار عام 1970 والذي كان يفترض تطبيقه خلالها ولكن كلما مرت السنين تراكمت الأدلة على عدم رغبة الحكومة العراقية بالالتزام بتطبيق بنوده وكانت تعد نفسها للجولة العسكرية القادمة وتهيئة ظروف سياسية وعسكرية انسب بالنسبة لها ونجحت في مساعيها كمرحلة أولى في القضاء على الحركة الكردية ايما نجاح(15).
ان الحديث عن أخطاء السلطة ونواياها الخفية ضد الحركة الكردية لا يعني تبرأة الأخيرة من اقتراف الأخطاء والتصرف بعكس روح ما مدرج في بيان الحادي عشر من اذار 1970 والتهرب من تنفيذ الالتزامات التي تقع عليها تجاه السلطة ولكنني اجزم وبشكل قاطع من ان الحركة حتى لو تجاوبت ونفذت ما عليها من التزامات او لم تنفذه فهذا لم يكن ليغير من الامر شيئاً فالنتيجة واحدة لان هدف النظام ممثلاً في شخص (صدام حسين) هو الاستئثار بالسلطة دون شريك والاستعداد للحرب وبذلك أصبحت الحركة الكردية امام خيارين لا ثالث لهما فاما ان تقوم بتسليم ما بحوزتها من أسلحة وتتخلى عن المناطق الخاضعة لها للنظام فتحكم على نفسها بالاعدام او ترفض مشروع النظام وتوجهاته وتكون المجابهة العسكرية امراً لا مفر منه(16).

هوامش المبحث الثالث:

1- أحمد باني خيلاني – مذكراتي / ص 221
2- مسعود البارزاني – البارزاني والحركة التحررية الكردية / ص 282
3- د. احسان شيرزاد – مذكرات / ص 594
4- احمد باني خيلاني – المصدر السابق / ص223
5- د. حميد عبد الله – لقاء مع الإعلامي والكاتب امير الحلو في برنامج شهادات للتاريخ
6- محمد فاضل – أعدم في عام 1979 فيما يسمى بمؤامرة محمد عايش
7- شامل عبد القادر – مؤامرة عبد الغني الراوي في كانون الثاني 1970 / ص184
8- شامل عبد القادر – لمحات صحفية عن عراق صدام حسين 1968-2003 / ص 93
9- صالح الحيدري – مجموعة مقالات / ص117
10- حامد الحمداني – صفحات من تاريخ العراق الحديث ج2 / ص37
11- بهاء الدين نوري – مذكرات / ص 321
12- مسعود البارزاني – المصدر السابق / ص 284
13- د. عبد الخالق ناصر العامري - البارزاني مصطفى والقضية الكردية في العراق 1931-1975 / ص323
14- بعد انهيار العلاقة بين حزب البعث والديمقراطي الكردستاني حاولت السلطة استغلال بعض المنشقين عن الحزب الأخير ومنهم (عزيز عقراوي) عضو المكتب السياسي و(هاشم عقراوي) عضو اللجنة المركزية فأوعزت اليهما لتأسيس حزب يحمل اسم نفس الحزب (الحزب الديمقراطي الكردستاني) واجازت له اصدار صحيفة تحمل اسم (العراق).
15- د. عبد المصور سليمان البارزاني – المسألة الكردية البديل الديمقراطي – تجارب سياسية 1974-2009 / ص 33
16- صلاح الخرسان – التيارات السياسية في كردستان العراق / ص213

للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:

https://algardenia.com/maqalat/45507-2020-08-04-19-57-14.html

    

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

506 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع