د. فاضل البدراني*
التهويل الاعلامي والتحول الاجتماعي الذي رافق أزمة كوفيد ١٩
قرأت منشورًا مع صورة طبيب ومصابة بفيروس كورونا، تخاطب المصابة طبيبها الذي طمأنها بتحسن وضعها الصحي وانتصارها على الفيروس: "متى سينتهي هذا الوباء الخطير؟"، فأجابها: "عذرًا أنا لا أفهم بالسياسة وأجهل دهاليزها، لكن الذي أعلمه ضمن اختصاصي الطبي بأنك بصحة ممتازة". وهذا الرأي هو مفتاح موضوعنا الذي سوف يتناول وضع البشرية أمام عدو مخيف اسمه "كوفيد – 19" يهدد حياتهم، وبين تلفيق إعلامي ارتفع سقفه عاليًا بعد توفر مبرر يساهم برفع مستوى التحدي الصحي على حياة الإنسان والتأثير في سلوكياته. وبغض النظر عن المخاطر الصحية للفيروس هناك شبهات واتهامات لمفاعيل سياسية عالمية كانت وراء هذا الوباء، وهذا الفيروس هو عبارة عن خليط من مكونات حيوانية وذات خطورة على حياة الناس الذين يعانون من أوضاع صحية حرجة.
الجدلية التي تفرض نفسها بالطرح بشأن انتشار وباء كورونا المستجد "كوفيد – 19": من الذي أنتجه؟ وما نوعه ومصدره؟ من الطرف الذي قام بنشره؟ وهل ناجم عن خطأ بشري متعمد أم خطأ بيولوجي عفوي؟ ولتقريب الصورة أكثر فالدراسات الطبية تقول إنه فيروس يتحول لكائن حي ويتكيف للانشطار عندما يدخل رئة المصاب؛ لذلك أيعقل أن تتوقف الحياة لمدة طويلة قد تتجاوز سنة 2020 وعبقرية علوم الطب تعجز وتفشل في إيجاد علاج لهذا الوباء الذي يكاد أن يكون أنفلونزا تمر بالبشرية سنويًا وتهاجمنا في فصل الشتاء أكثر من الصيف بسبب برودة الجو وتلازم المصاب أسبوعين تقريبًا؟ لقد ثبت رسميًا أن أول انتشار له حصل في مدينة ووهان بالصين أواخر عام 2019(1)، لكن العالم يتابع بقلق أن كل من يبدي استعداده لاكتشاف العلاج له يقتل، وقد وثقت هذه الحالات في كلٍّ من "الصين، وألمانيا، والولايات المتحدة الأميركية"، ووضعت علامات استفهام واضحة تقود الباحثين إلى وجود لغز محير يلف الموضوع؟
نظرية المؤامرة
إن نظرية المؤامرة التي تتهم بها شعوب العالم الثالث على أنها أكثر إيمانًا بها، تعدُّ واحدة من النظريات التي تفرض نفسها في هذه الظروف التي تمر بها البشرية بالوقت الحاضر، بدليل أن بلدان العالم الغربي بدأت تؤمن بها وتتحدث عنها مع انتشار وباء كورونا، والحديث يدور في ضوئها عن وجود مؤامرة تقودها أطراف مؤثرة دوليًا لتغيير شكل وطبيعة العلاقات الدولية في الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية وحتى النظم السياسية. فكيف للعالم الشرقي، ومن ذلك البلدان العربية على وجه الخصوص، ألا تطرح مثل هذه النظرية؟ ومناقشة التفاصيل المتعلقة بالوباء الذي شمل إلى جانب الوضع الصحي بالدرجة الأساس، قضايا البيئة والسلوك الإنساني في ضوء مفاهيم جديدة فرضت نفسها، وجعلتنا جميعًا ننظر للأمور نظرة خوف وتوجس وانعدام الثقة، والتفكير بالمخاطر المستقبلية الجمة(2). وبلا شك أن سيناريو التآمر على العالم واضحة من جهات ذات تأثير عالمي تمثل الماسونية والصهيونية واليمين المتطرف ورأس المال القذر أساسه، الهدف من ذلك استهداف الاقتصاد العالمي ومعاقبة جميع البلدان وتركيعها تحت مسمى "خطر كوفيد – 19″، فالنفط توقف والسوق العالمية منكمشة تمامًا، وحركة الملاحة البحرية والجوية والشركات العالمية كلها متوقفة. وتحت وطأة الخوف من تأثيرات الوباء على الصحة العامة، فإن مطابخ صناعة الكذب وإنتاج الخوف، هي الأخرى نشطت في ممارسة عملياتها في التأثير النفسي على الإنسان لتقييد حركة الاقتصاد وانكماشه، ووقف كل نشاطاته عالميًا لغايات ذات أبعاد عقابية استراتيجية ضد الدول بغية وضعها تحت تصرفها والقبول بما تفعل وكأننا نعود الى طريقة "كوبلز" وزير دعاية هتلر "اكذب اكذب حتى يصدقك الناس". فالعالم يتجه إلى إنتاج واحد من أخطر أفلام الكذب على الطريقة الهوليودية الأكثر شمولية التي تشرعن وجود الخطر القاتل وتغش العالم. ونجحت الجهات التي تقف وراء عملية تسويق خطر وباء كورونا في وضع العالم في قالب محكم وحبس أنفاسه، لا بل وتحنيطه بطريقة الخوف والرعب والإذلال والتركيع، وهي بذات الوقت أخذت تمارس لعبتها الكونية وتسير بالعالم بعنوان "كوفيد -19" نحو مرحلة صدام أو مواجهة بين القوى الكبرى ستنكشف تفاصيلها لاحقًا على أن الترهيب والخوف من الفيروس لا مبرر له بهذا المستوى سوى الوصول لغاية بمستوى الصراع المحتمل بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، وإن كان البعض قال إن "كوفيد – "19 هي اللعبة الوحيدة التي اتفق عليها الكبار لتحقيق أهداف كونية من بينها تقليل عدد سكان العالم بما لا يزيد على الرقم الحالي الذي يتجاوز 7 مليارات ونصف المليار تقريبًا، وأيضًا للتخلص من كبار السن(3). وقصة "كورونا" بالرغم من كل هذا الضخ المعلوماتي الذي أنتجته، فإنها ما زالت جائحة غامضة من حيث هوية الطرف المعني بإنتاجه ونشره، بل وحتى غامضة من حيث حقيقة ما يطرح من مخاطرها المعلنة، أو من حيث طبيعة التطورات التي ستدفع العالم نحوها. ولربَّما التصريحات والتحليلات والآراء المطروحة بشأن الوباء قد تكون وضعت الأصبع على التشخيص الحقيقي له، بيد أن ذلك كله يخضع لرقيب خاص هو وحده من يراقب ويتابع أين تسير الأحداث والاتجاهات العالمية بصدد الموضوع في قصة مخطط لها أن تكون ضمن برنامج أو مسلسل أحداث ببعد زمني قد يطول لسنوات لاحقة، ومتوقع أن يجر البشرية لمزيد من التداعيات والمآلات، والمطلوب من ذلك الاستمرار بديمومة الحفاظ على سرية الأمور من دون كشف بواطنها. غير أن المتابع والمعني بقراءة وتحليل المشهد عبر متابعة ما يطرح من تطورات وتفسيرات ونتائج حتى اللحظة، تتضح له الرؤية باختلاق كثير من المغالطات وقضايا التزييف لقصة الوباء وإن كانت موجودة، في حين عملية تصنيعها جاءت بشكل مبيت للبشرية، والتي نضع حولها أكثر من علامة استفهام(4) بدليل وجود اعترافات بعمليات اغتيال حصلت لعلماء الصحة والأمراض والعلماء المتصدين بتوفير علاج لفيروس كورونا تقوم بها جهات متخصصة ومهيئة.
ومفهوم الكذبة العالمية اليوم مبني على مبدأ أن العالم يجب أن يغالط نفسه، ومفروض على كل الدول أن تصدق الكذب وتسير في فلكه، بمعنى "الكذب المركب" على طريقة الدائرة التي يجب أن يكتمل محيطها وتستمر بالحركة والاستهلاك الفكري واللهو والعيش بين الشك واليقين؛ ليصبح الإرباك هو السلوك الطاغي لوقت من الزمن، يكون فيه مساو لخط النتائج المتحققة "التكييف الفكري أو الانصياع للرأي" بالاستناد إلى موضوع يعتبر أداة أولية أو فعلاً مباشرًا متمثلاً بموضوع الكوارث أو الجوائح، وعلى سبيل ما نتحدث به مثل فيروس كورونا. وهذا الأمر بات يجسد الواقع الدولي ضمن حلقات فيلم يبدو مشواره طويلاً، وكأنه حقًا – كما أسلفنا – من قصص أفلام هووليود التي تعتمد الكذب والتلفيق وتشويه صورة الأطراف والجهات المعنية بالأمر. ولا أريد أن ألغي أو أتجاهل مسألة انتشار وباء "كوفيد -19" ومخاطره، فالوباء موجود ويستهدف صحة المواطنين والإحصائيات لحد الآن تجاوزت مليون شخص فارق الحياة، وتقرير منظمة الصحة العالمية تتوقع أن نسبة الوفيات تصل إلى مليوني حالة، وما يقترب من 40 مليون إصابة. مع هذا، فالقضية ضخمت كثيرًا، وأن مكمن خطورة الوباء هذا أنه سريع الانتقال بالعدوى للآخرين، لكنه غير مميت بالطريقة التي تمَّ التهويل فيها. وكما تشير التقارير الطبية أنه فيروس مطور أو مستجد، وهذا من طبيعة الفيروسات تتجدد كل سبع أو عشر سنوات وتظهر من جديد بمواصفات جديدة(5).
اغتيالات لعلماء الفيروس
ومن الأخبار التي صدمت الكثيرين من العلماء والباحثين عن علاج لفيروس كورونا، عثور شرطة مدينة روس، التابعة لولاية بنسلفانيا الأميركية، على جثة الطبيب الصيني والباحث في جامعة بيتسبيرج "بينج ليو"، في منزله، مصابًا بطلقات نارية في الرأس والرقبة والأطراف. وبحسب التقارير الأجنبية المقربة، فإن الباحث الصيني الذي عثر على جثته، اقترب بشكل كبير من إيجاد علاج لفيروس كورونا "كوفيد – 19″، وكان قد حقق نتائج واعدة في العثور على مخرج من تلك الأزمة التي تسببت في وقف أغلب الأنشطة في العالم. وتقول شبكة CNN، إن الباحث الصيني الدكتور "ليو"، الذي تمَّ العثور على جثته في منزله مقتولاً بإطلاق رصاصات في كل أجزاء جسده، لم يكن الأول في تلك العملية الإجرامية، فقد عثر المحققون في ولاية بنسلفانيا، على جثة الشخص الذي أطلق النيران على الدكتور "ليو" مقتولاً بعد أن قتل نفسه داخل سيارته أمام منزل الطبيب. وفي ألمانيا اقترب طبيب من أصل عربي تونسي من اكتشاف علاج للفيروس لكن عثر على جثته مقتولاً على طريقة سابقيه الذين تبرعوا باكتشاف العلاج، وطريقة قتله كانت غامضة، في حين المستشارة الألمانية "ميركل" تتحدث لوسائل الإعلام بأن الطبيب التونسي مات بالجلطة الدماغية، ما جعل الجميع يستهجن رأي "ميركل" دون تصديق. وفي روسيا ثلاث أطباء وباحثين مختصين بعلاج كورونا انتحروا ورموا أنفسهم من فوق عمارات عالية، كما نقلت نشرات الأخبار لوسائل الإعلام العالمية تحت مبرر الضغط النفسي! أكيد أن هذه الأحداث لم تحصل عفوية أو مصادفة، إنما تنم عن تحركات فاعلة ومحسوبة بدقة من قبل جهات تقف وراءها تحسب على قدر عال من الخطورة والقدرة في التسويق للوباء وممارسة التزييف، وتريد للعالم أن يبقى رهينتها بغية تحقيق أهداف مرسومة ستتضح للعيان لاحقًا.
و"كورونا" بغض النظر عن كونها فيروسًا معديًا يشكل نسبة خطورة عالية على المصابين، وتحديدًا الذين يعانون أمراض الصدر والقلب وأمراضًا مستعصية أخرى، إلى جانب الذين لا يملكون المناعة في مواجهته، لكنها أصبحت موضوعًا خضع للتهويل والتضخيم بنسبة 99%، ممكن أن يكون واقعًا مرضيًا له تأثيراته على الصحة العامة للمجتمع، إنما التلفيق زاد حدوده كثيرًا. ومن تداعيات ذلك قتل المناعة لدى الإنسان في كل أنحاء العالم، وأصبح الناس عرضة لشتى الأمراض إن لم يتحولوا إلى متمارضين، لتتحول إلى قصة لها مبرراتها تديرها منظمة دولية عميقة وتوظف تحت تصرفها إمكانات دول كبرى بحيث إن عمليات الاغتيال التي تحصل تديرها عناصرها التي يمكن أن تصل لأي مكان تريده، وقد نجحت إلى حد كبير في أن تطوع دول العالم وتوقف عجلة الحياة. ووردت بعض الآراء، خاصة في بداية ظهور الوباء، أن الدول التي تعلن على أنها تخلو من وباء كورونا، فإنها بإرادة سياسية اقتصادية دولية تنصاع لتعلن عن وجود إصابات تنتشر بين أفراد مجتمعها،(6)ويرى أصحاب هذا الرأي أن الجهة المعنية بتهويل القصة تمارس الرشوة، ما يدفع الدول للقبول بها، وترى أن التصديق بالكذب يمنحها دعمًا ماليًا من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، أفضل لها من خيار آخر حتمًا قد يعرضها للعقاب أو عدم تعاون المجتمع الدولي معها. وبالإشارة إلى قضية تبدو بحاجة لكشف اللثام عنها تتجسد بأن البلدان الصديقة للقوى الكبرى في الغرب هي أكثر التزامًا بموضوع الجائحة هذه، والدليل أن رؤساء وقادة ووزراء هذه البلدان هم الأكثر التزامًا على صعيد شخصي بالبروتوكول الصحي وقواعده اللازمة في التباعد الاجتماعي، وقد لا تنم عن كونها قضية التزام صحي بقدر ما هي قضية التزام بشروط تهويل القصة والمساهمة بتسويقه. وبرأي الباحث، فإنه بعد أن تكشفت نتائج أعداد الإصابات ونسب الوفيات العالية والمخاطر والتحديات، أصبحنا ندرك جميعًا أن الوباء يمثل حالة ذات خطر على الصحة العامة، وأن مستوى النجاة منه للشعوب والبلدان يتوقف على مستوى الوعي العام والوعي الصحي، إضافة إلى مستوى استقرار البلدان وتماسكها مع حكوماتها التي تعمل لتنشيط التنمية بأشكالها.
تهويل القصة
الحقيقة أن القصة بقدر ما تحمل من مخاطر صحية تهدد حياة المجتمعات، تبدو لنا بوجه آخر تحمل من التلغيم والتفخيخ الفكري ما يجعلها مبررًا للانتقال بالعالم إلى واقع جيوسياسي قادم لا محالة. وقد يقود الأمر إلى أن الفيروس – كما قلنا – حدث حقيقي، لكن الخلل يكمن في عجز العالم باكتشاف علاج له. وبطبيعة الحال، فإن ذلك يدفعنا إلى طرح ملخص الآراء التي أجمعت على أنه قد يكون هناك فيروس يسبب أنفلونزا عادية، كما تبرهن عالمة الأوبئة المعدية من منظمة الصحة العالمية، الدكتورة "ماريا فان كيرخوف"، على أن مسار هذا التفشي في أيدينا، إذا اعتمدنا تدابير الصحة العامة. وأيضًا هناك رأي طبي سابق ظهر مع بداية انتشار وباء كورونا يطمئن أن نسبة الوفيات الناجمة عنه لا تزيد على 2%، وهذه نسبة طبيعية بحيث تصادفنا في موسم الشتاء سنويًا، ويذهب ضحيتها القليل من كبار السن المصابين بأمراض مزمنة أو أمراض السرطان وعلى شاكلة ذلك.
وتبقى الشكوك واردة من حيث مستوى خطر وباء "كوفيد – 19" الذي تتحدث عنه الجهات الدولية وحجم الضخ الإعلامي والدعائي الذي رافق مسيرته. مسألة شرعية واجبة على كل باحث يناقش هموم المجتمع والفرد، أن يرصدها وينقدها بمنهجية علمية، فالخطابات التي صدرت عن منظمة الصحة العالمية تثير الهلع وخطابات القادة السياسيين أيضًا جعلت الوباء موضوعًا سياسيًا بأبعاد اقتصادية. فالرئيس الأميركي دونالد ترمب هو أيضًا ساهم بتضخيم الموضوع وفرض ضغوطات وحربًا نفسية على العالم عبر إطلالته من فضائيات عالمية مساء كل يوم ولأسابيع طويلة، شكلت نسبة الانتقاد والوعيد للصين أكثر مما منح فريقه الصحي من المستشارين فرصة الحديث عن الجوانب والإرشادات الصحية. ومن أبرز خطاباته قال "مستاء قليلاً" من موقف الصين حيال انتشار فيروس كورونا المستجد، والصين لم تشاركنا معلومات مهمة حول الوباء. وفي اليوم التالي ظهر ترمب أيضًا منتقدًا السلطات الصينية، وقال: "كان ينبغي أن تعلمنا"، مكررًا عبارة "الفيروس الصيني"، وهي العبارة التي تزعج النظام الصيني بشدة(7). غير أنه بعد الاتصال الهاتفي بالرئيس الصيني" شي جين بينغ"، الذي طال لأكثر من ساعة من الوقت، لم يعد يردد هذه العبارة المزعجة للصين، ومع الوقت تبدلت لهجة ترمب ولغة الإعلام الأميركي فتحول إلى تصعيد واضح اتسم بتحشيد الجهود الدولية للإدانة، وتطورت لغة ترمب عندما وصف أزمة كورونا بـ"أسوأ من هجمات 11 سبتمبر، وأسوأ مما حدث في بيرل هاربر في 1941″ (اليابان شنت هجومًا على الولايات المتحدة). فالصين كما يرى الخبير الدولي طلال أبو غزالة كانت على مر السنين الهاجس الوحيد للولايات المتحدة، إذ ترى الولايات المتحدة أن الصين تشكل لها تنافسًا قويًا في الهيمنة على العالم، وأن المواجهة ستندلع في أكتوبر 2020، وعلى الأرجح ستشتعل شرارتها في بحر الصين، وهو الرأي الذي ورد في تقرير لمجلة "الإيكونوميست" في 2019، أي بعد عام من إعلان أبو غزالة توقعاته بأن 2020 سيكون عام الأزمات وسيشهد حربًا.
عالم جديد
وبموازاة الموقف الأميركي المتصلب، فالصين التي لا أحد يبرئها من التهمة، بالرغم من أنها دولة تتحدث بالقليل وتفعل الكثير، فقد لوحت بالمواجهة مع الولايات المتحدة عندما صدر عن جهاز المخابرات في بكين تقرير يدعو للاستعداد للحرب ضد أميركا. وبالمقابل لم تتصرف الولايات المتحدة قطُّ كزعيم عالمي خلال شيوع وباء كورونا. كما بانت سرية الصين وتعنتها فيما يتعلق بموضوع كورونا التي تحكي عن أن رداء قيادة العالم فضفاض جدًا بحيث إنه يناسب البلاد. وتحول الرأي العام في سائر أنحاء العالم بعيدًا عن العولمة. وانتاب سكان العالم القلق عندما اكتشفوا أن صحتهم تعتمد على استيراد معدات الحماية الشخصية مثل الأقنعة، وعلى العمال المهاجرين الذين يعملون في المراكز الطبية أو المجالات الزراعية. كل هذه ليست سوى البداية، على الرغم من أن المعلومات يتم تداولها بحرية إلى حد كبير خارج الصين، ولكن هذه الحالة لا تنطبق على حركة الأشخاص والبضائع ورأس المال. فاتجهت إدارة ترمب إلى الحد من الهجرة، بحجة أنه يجب منح الوظائف في البلاد للأميركيين بدلاً من المهاجرين(8)، ومن المحتمل أن الدول الأخرى تحذو حذوها، وكأننا أمام تمحور جديد يعم الكرة الأرضية بالعودة إلى نظام عالمي جديد يختلف عن النظام الدولي الذي ساد العالم منذ بداية تسعينيات القرن الماضي. فالهوية الوطنية والتمسك بالثقافة القومية برزت، والاقتصاد الحر تراجعت مساحة حرياته كثيرًا، بما في ذلك عودة ملكية الشركات وحركة الاقتصاد بيد الدولة. والبعض يطرح رؤية استمرار الانكماش بالاقتصاد العالمي على أمد لا يقل عن عقد من السنين، حتى وضعوا مقارنة مع أزمة 1929 التي لم تكن بمستوى خطورة الأزمة الحالية في ظل بروز قصة "كوفيد – 19″، وراح البعض من المختصين بالشؤون الاقتصادية والوبائية والسياسية يطلقون على أزمة كوفيد – 19 بـ"أم الأزمات".
العرب والتكيف
وفي جدلية شغلت المتابعين والمواطنين عامة حول أسباب قلة تأثر الإنسان بالمنطقة العربية بالأضرار الصحية وحتى نسبة الوفيات، مقارنة بالعالم الغربي على الرغم من تفاوت الخدمات والرعاية الصحية المتقدمة بأوروبا، بل تبدو البلدان الفقيرة هي الأقل تأثرًا من الأغنى منها من تداعيات الوباء، والحديث عن اليمن وسوريا والأردن وفلسطين مقابل ازدياد أعداد المصابين في بلدان الخليج العربي المترفة، وتتنعم بخدمات صحية متطورة لا تقل عن نظيرتها الأوروبية. وفي هذا السياق، أثبتت أبحاث علمية متعلقة بعلم الوراثة والتكيف في المنطقة العربية نشرت بمجلات عالمية، أن الإنسان العربي أقل من غيره ضررًا بفيروس كورونا، وذلك يعود لعوامل عدة هي: وراثية منحته مناعة مكتسبة لمواجهة الفيروسات، وبحسب هذه الأبحاث العلمية فالمنطقة العربية عبارة عن منطقة صحراوية، أو غالبيتها ذات طابع ريفي أو قريب من الصحراء وتمتاز بكثبان رملية وأغبرة متطايرة محملة بالفيروسات، وفي علم الوراثة تحصل حالة تكيف في استقبال الفيروسات التي تولد المناعة، إذ إن رئة الإنسان بالمنطقة العربية تكون ذات طابع بصمة وراثية تختلف عن باقي الشعوب الأوروبية وشرق آسيا بحكم التكيف والتعود على استنشاق الأتربة والغبار. لذلك، فإن نسبة التعرض لعدد الفيروسات الحالية في المنطقة العربية هي أقل من ألف مرة بالنسبة لسكان أوروبا وسكان شرق آسيا. بمعنى آخر، إذا شخص بأوروبا والصين قد يدخل ألف فيروس على خلية الرئة، فذلك يكون مقابل فيروس واحد لشخص بالمنطقة العربية، والسبب يعود الى أن جهاز المناعة مرتاح وأكثر مقاومة للفيروسات لكونه متكيفًا بالأصل مع الفيروسات لوجود عوامل حيوية أخرى لا يمكننا الدخول بتفاصيلها كونها من اختصاص الطب والصحة. بيد أن 90 في المئة من المصابين بفيروس كورونا في مجتمعات الشرق الأوسط والعربية لا يشعرون به، ونسبة الوفيات أقل تبعًا لقدرة المناعة والمقاومة لديهم. وفي جانب آخر، أثبتت الدراسات العلمية في علم الأغذية أن نوعية الغذاء الغني بالبروتينات والعناصر الغذائية في المنطقة العربية تشكل عاملاً آخر لمنح المناعة والمقاومة لدى المصابين وتجعلهم أقل تأثرًا بالإصابة. لكن تبقى جوانب صحية أخرى تتعلق بالمنشآت الطبية والصحية التي توفر خدماتها للضحايا متقدمة كثيرًا على نظيراتها في أغلب البلدان العربية وبلدان المنطقة المحيطة بها، فضلاً عن مستوى الوعي الجماهيري، وأيضًا طبيعة تعامل الحكومات مع موضوع تطبيق قوانين الحظر والالتزام بها، والخدمات والرعاية الإنسانية ومنها توفير الرواتب وإيصال المواد الغذائية.
مجتمع التباعد الاجتماعي
العالم في قفزات جديدة من عملية الانتقال من مجتمع يسوده التقارب الاجتماعي والسلوكيات التي لا تتبدل سريعًا على مدى زمن طويل، إلى عالم جديد مختلف تمامًا عمَّا كان عليه مجتمع الأمس، وهناك جملة عوامل يتشكل منها هذا التأثير، قد تكون أنماط الرقمنة أحدها، وقد تكون الكوارث والحروب والأزمات، ومنها – مثلاً – أزمة فيروس كورونا العامل الفعلي في تمحور الإنسان وانزوائه نحو الرقميات والإدمان على خانات الدردشة عبر منصاتها وصفحاتها.
وما من شك أن مواصفات الحالة الاجتماعية التي لازمت العالم مع دخول وباء كورونا على خط الاستهداف والانتشار ضد الصحة العامة لبلدان العالم جميعًا، ساهمت إلى حد كبير في تبدل السلوك الاجتماعي لدى الناس في بلدان العالم جمعاء، فالمساجد والكنائس ودور العبادة جميعًا أغلقت أبوابها. وبالجانب الآخر، أماكن اللهو والترف من الملاهي والبارات والمطاعم وصالات اللعب أغلقت أبوابها بوجه زبائنها وأصبحت من ذكريات الماضي؛ لذلك انعدم الاندماج الاجتماعي التقليدي، وحل بديلاً عنه التواصل الاجتماعي والاندماج الافتراضي، بل تحول الناس إلى مدمنين بتواصلهم الافتراضي، وتطور الأمر أكثر بانعدام التفاعل حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، وهذا الأمر بدوره فرض سلوكًا ومزاجًا اجتماعيًا ونفسيًا جديدًا يتسم بالكآبة والملل من الآخر حتى ولو كان شريك حياتك في العديد من الأسر على صعيد عالمي، وبرزت سمات العنف الأسري واحدة من التداعيات الجديدة التي تهدد كيان الأسرة والمجتمع بحيث ارتفعت نسبة مؤشرات التنمر كثيرًا، ورافق ذلك حالات طلاق واسعة النطاق، وكأن الإنسان بدأ يتمحور باتجاه الحياة الفردية والعزلة والانزواء، لا يرغب في مشاركة أحد معه، ولم يعد أحد يتقبل الآخر بكل سلوكياته وهي بنسبة تتصاعد تدريجيًا، وذلك ناجم عن فرض واقع جديد والعيش في منزل دون مغادرته تراقب من معك بشعور غضب وتوتر وانفعال وارتباك، فضلاً عن ضغوطات اقتصادية مطلوبة منك، والتزامات وظيفية وأعمال حرة مرتبط بها، ساعات يومك تمتد لـ(24) ساعة كانت مقسمة بين عمل واختلاط واتصال واندماج بأناس متعددي الثقافات والملابس والديكورات التي تصادفك في تحركاتك اليومية(9).
إن ملامح الأسرة المنعزلة التي تفتقر إلى الحوارات بدأت مؤشراتها تلوح في الأفق منذ سنوات، وكرست من مواصفاتها الظروف التي خلقتها أزمة وباء كورونا، ويتجسد في العيش مع (امرأة الروبوت) التي أخذت الصين تنتجها بشكل واسع وتوزع عالميًا، ومتطلبات الحاجة يمكن الحصول عليها بيسر عبر خدمة الـ(دليفري) ما يجعل الرجل عنصر الخلاف الأساس بالمجتمع، لا يبحث عن الزوجة، ولا عن الأبناء في أخطر مرحلة يمر بها الإنسان، بالهروب من تحمل أعباء المسؤولية الأسرية، والعزوف عن الزواج الذي يفضي نحو تقليل النسل، فسكان العالم حتى مطلع 2020 بلغ 7.75 مليار نسمة، وقد لا يستمر مثل هذا الزحف بارتفاع عدد سكان العالم وفقًا لأسرة المجتمع المنعزل أو (الأسرة الفردية). وهذه المسألة أضحت تشكل واقع حال المجتمع الغربي، حتى جنوب شرق آسيا منذ سنين طويلة، وفي المنطقة العربية وما يجاورها، فالأسرة ما زالت في عداد المنتجة للأبناء، والرافد المهم للمجتمعات العاجزة والعازفة عن إنجاب الأطفال في بلدان الغرب التي تستفيد من تعويض النقص بالقدرات البشرية من خلال برامج الهجرة عبر آلية إنتاج الحروب في هذه البلدان التي تعاني الحروب والنزاعات الدولية والنزاعات والاضطرابات الداخلية، وإجبار الشباب على الهجرة كما هي الصورة الماثلة للعيان في بلدان النزاع العربي، مثل: العراق وسوريا واليمن ولبنان وبعض بلدان المغرب العربي، فضلاً عن البلدان المجاورة مثل باكستان وأفغانستان وإيران وحتى الهند(10).
فأزمة وباء كورونا وفرت كل سبل التحول من الأسرة المتماسكة المتحاورة إلى الأسرة المنعزلة، وفرضت سمات حياة التوحد والإدمان على التواصل الاجتماعي والبحث عن الصديق الافتراضي، وما يرافق هذا من حالات نفور وانفعال وعدم تقبل الآخر، فتحول الإنسان إلى متفاعل بالدردشة الكتابية وليس ناطقًا بالكلام. هذه المعطيات تقودنا إلى محاكاة المؤسسات والمنظمات المعنية بتنمية المجتمع إلى تبني توجهات جديدة على الأقل في المجتمعات العربية للحفاظ على ضبط إيقاع الأسرة والمجتمع وخلق حالات تفاعل اجتماعي ضمن أسرة اعتيادية. وعملية نسف التقارب أو الاختلاط بين الناس اجتماعيًا أصبحت سمة الحياة الرقمية التي ترافقها الكوارث ضد العقل الإنساني، فبالأمس كان الاختلاط هو الغاية، واليوم الافتراق هو الوقاية، سبحان من بيده البداية والنهاية.. لا يُبتلى الإنسان دومًا ليُعذَّب، وإنما قد يُبتلى ليُهَذَّب، الذي أخرجك من بين الصُلب والترائب، قادر أن يُخرجك من بين الكرب والمصائب.
الاستنتاجات
في ضوء الاستعراض الذي تناول أزمة الإنسان بالعالم مع محنة وباء كورونا، وما رافق ذلك من تلفيق إعلامي فتح شهية واسعة للشائعات والحرب النفسية، فإن الباحث أورد بعض النقاط التي يمكن أن تكون استنتاجًا لما ورد طرحه في ثنايا المقالة:
1- وباء كورونا هاجم البشرية بشكل مفاجئ، بينما لم تكن البلدان ومؤسساتها الصحية مستعدة للمواجهة؛ لذلك حصد أرواح الكثير من الضحايا.
2- المؤسسات العلمية المتطورة أصبحت متفرجة، وهذا ما يعطينا مؤشرًا بأن البلدان النامية يمكن لها أن تمارس نشاط التطور العلمي وتسابق المتقدمة في الاكتشافات بحكم ممارسة التجارب.
3- الفيروس قد يكون ناجمًا عن خطأ بيولوجي، ولكنه يأتي ضمن تجارب وتنافس بين البلدان المتقدمة لغايات مؤذية للبشرية.
4- وباء كورونا جاء بصيغة صحية ذات خطر، وتحول إلى ثنائية أكثر خطرًا عندما رافقه التلفيق الإعلامي والشائعات والخزعبلات والدعاية والحرب النفسية التي افترست مخ الإنسان وحولته إلى ضحية.
5- الوعي دليل التحضر، ومواجهة التحديات إلى جانب قوة القانون وعملية تطبيقه أو عدمه، ذلك أعطى مؤشرات تقييم لبلدان ومجتمعات عدة وقعت ضحية الوباء أو نجحت في مواجهته.
5- الإعلام شريك أساس في شؤون الحياة، كونه ينطلق من متابعة المعلومة المتعلقة بالأحداث والمساهمة في معالجتها أو تغطيتها وصناعة الرأي، فالجائحة كانت نشاطًا إعلاميًا مهمًا.
6- عالم ما بعد كورونا مختلف من حيث نظم الحكم، واقتصاديات الأسرة والمجتمع والدول، فضلاً عن أنماط وسلوكيات الإنسان عن عالم ما قبل كورونا.
7- أثبتت تجربة التصدي والممارسة الإعلامية لوباء كورونا أن وسائل الإعلام والعاملين فيها بحاجة لمزيد من الدقة والمصداقية والموضوعية ورؤية التحليل بغية الوصول إلى الحقيقة.
8- أزمة كورونا خلقت أزمة اقتصادية قد تكون الأولى في تاريخ البشرية، وربَّما ستفرض أنماطًا وسياسات جديدة منها العودة للهوية الوطنية، والبحث عن ميادين اقتصادية جديدة غير البترول.
9- جعل مؤسسات البحث العلمي، تتحول من النمطيات التعليمية المعمول بها سابقًا إلى تجربة التعليم الإلكتروني.
10- كشفت أن موازين القوى العالمية ستتغير، وأن دولاً ستتنازل عن مراكزها، وقد تظهر دول جديدة بمراتب ومراكز متقدمة اقتصاديًا وتكنولوجيًا.
*أستاذ الإعلام الدولي بالجامعة العراقية، مؤلف العديد من الكتب الإعلامية والاتصالية والرقمية، والاتكيت والدبلوماسية، والرأي العام .
800 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع