ضرغام الدباغ
سد النهضة، تداعيات واحتمالات
في أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا، يلاحظ بكل بساطة أن الموقف الأثيوبي هو مرسوم وبحدود مثبتة، ويبدو أن المفاوض الأثيوبي، مع أطراف الأزمة: مصر والسودان، أو الأطراف الأفريقية التي تعرض وساطتها، يبدو خلالها الوسيط الأثيوبي بالغ التصلب، وموقفه يفتقر لأي مرونة، مما يؤكد أن الوفد الأثيوبي المفاوض بصرف النظر عن مستواه، يفتقر إلى صلاحية اتخاذ القرار، فالمناورة في أزمة كهذه هي أكبر بكثير من قدرات أثيوبيا، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، واستعداء دولتين كمصر والسودان بثقلهما، مقابل مكاسب تبدو هزيلة قياساً إلى المتوقع من الخسائر، مما يشير بوضوح أن هناك قراراً قد أملي على الموقف الأثيوبي، بالمضي بالتصلب، إلى أبعد حد، وتجاوز جميع الاحتمالات .. وأن هناك طرفا خفياً يريد استثمار الأزمة إلى أقصى درجة والحصول على جائزة ... ترى ما هي الجائزة، وبما وعدوا أثيوبيا، وماذا يريد من هو وراء الأزمة ...؟
أثيوبيا سوف تتحكم بجزء كبير من مياه نهر النيل شريان الحياة في مصر، وتمتنع أثيوبيا من التوصل لأي أتفاقية ملزمة، دون إبداء أسباب وجيهة مقابل مخاطر جدية وحيوية لمصر والسودان. فبوسع أثيوبيا أن تنتج الكهرباء، وبوسعها أن تقيم التنمية وبوسعها أن تحقق الأمن والسلم الاجتماعي، ولكن دون إلحاق الضرر الشديد بمصر. وبوسع السودان أن تقيم السد وأن توفر المياه، ولكن بخطوات مدروسة وبرنامج متفق عليه لا يخسرها شيئاً، ولا يلحق الضرر بمصر والسودان. ولكن اثيوبيا ترفض وتصم أذنيها عن كل حل معقول، كل الحلول المفيدة التي لا تضر أحد من الأطراف مرفوضة، فالخطة التي فرضت على أثيوبيا " ألحاق الضرر بمصر والسودان هو الهدف الأول والأخير ".
ومن تلك السيناريوهات التي عرضت على أثيوبيا منها ما يتعلق بالأحداث الطبيعية كالزلازل والبراكين والفيضانات. كما وضع أمام الإثيوبيين عدة احتمالات لتفادي أي أضرار محتملة لسد النهضة، منها في حالة أن يكون السد العالي وسد النهضة ممتلئين بالمياه، فماذا سيكون الوضع وكيف يمكن تشغيلهما سويا؟ وماذا لو كان السدان ممتلئين وكان الفيضان عاليا وكبيرا فماذا نفعل؟ وما الكمية المتاحة للتخزين والتصريف؟ فالمخاطر هنا شديدة فيما لو تعرض السد الأثيوبي لحادث أو لضغط وأضراره على السودان، وعلى السد العالي (مصر)، فستجرف المياه المنفلتة مدناً كاملة.
حسناً، الأمر لن يعبر على الإدارة المصرية ذات الباع الطويل علماً ومقدرة كفاءة في أدارة المياه، وأي أزمة مماثلة. فمصر تسعى ما استطاعت لذلك سبيلاً، أن تتجنب تصعيد الأزمة مع أثيوبيا إلى حدود قد تتجاوز القدرة على السيطرة، وتبذل جهوداً دبلوماسية كبيرة، وتستخدم نفوذها وثقلها الأفريقي، ولكن دون أن يتزحزح الموقف الأثيوبي قيد شعرة رغم إدراكها التام أبعاد العداء مع مصر ذات الثقل العربي والإسلامي والأفريقي، وهذا يؤكد مرة أخرى أن هناك من يوحي ويلقن ويحرض ...!
ولا يحتاج الأمر للكثير من الذكاء لمعرفة من وراء الاستشراس الأثيوبي ...! وقد سربوا الرسائل لتصل بصورة مباشرة أو غير مباشرة لمصر ... وتحقيق جملة أهداف بعيدة وقريبة، تجعل مصر تنشغل بحالها ضعيفة لا آفاق كبيرة أمامها، وتحديد عدد السكان ... والهدف المباشر هو رسالة مقتضبة من كلمتين : تخلوا عن سيناء لتقام عليها الدولة فلسطينية. سيناء مقابل النيل ...
والقيادة المصرية بالطبع تدرك أبعاد الأزمة، ومن معها ومن خلفها، وأدوار المشاركين الأبعدين والأقربين.، وهم أفضل من يجيد قراءة الأجندات والاحتمالات، وقد استعدوا لها وللمشكلات المتوقعة، وسبل تفادي أزمة مياه. والخيارات المصرية(بتقديري)، هي أبرزها:
1. أجرت الأجهزة المصرية دراسات عن نقل مياه الكونغو من مسافة 600 كم من خلال 4 محطات ضخ، وقدراته الكبيرة إلى مجرى النيل عبر السودان الجنوبي والسودان، ومصر، ومن ثم ليعوض عن شحة المياه الأثيوبية. ونهر الكونغو هو ثاني أكبر نهر في العالم من حيث الدفق المائي بعد نهر الأمازون حيث يلقي هذا النهر ما يزيد عن ألف مليار متر مكعب من المياه في المحيط الأطلسي. يشمل حوض نهر الكونغو، عدة دول هي جمهورية الكونغو الديمقراطية والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى والغابون وجزءا من غينيا. وكشف المقترح عن إمكانية توليد طاقة كهربائية تبلغ 300 تريليون وات/ ساعة وهي تكفي لإنارة قارة أفريقيا، والمشروع يمكن أن يتم على عدة مراحل حسب توافر ظروف التمويل، وأن المدى الزمني لتنفيذ المشروع، في حالة تنفيذ السيناريو الثالث يستغرق 24 شهرًا بتكلفة 8 مليارات جنيه مصري وهي تكلفة محطات الرفع الأربع لنقل المياه من حوض نهر الكونغو إلى حوض نهر النيل، بالإضافة إلى أعمال البنية الأساسية المطلوبة لنقل المياه.
2. تنظيم ممتاز للموارد المائية المصرية وذلك عبر الاستفادة من بحيرات توشكي والقنوات المائية المرتبطة فيها.
3. ترشيد استهلاك المياه، والتصرف بحكمة بالموارد المتاحة.
4. تعبئة منخفض القطارة : إما بالمياه العذبة الفائضة من السد العالي، أو بملئها بمياه مالحة من البحر الأبيض المتوسط، مما سيساعد على تحسين البيئة، وزيادة نسبة الأمطار.
5. تكثيف إقامة محطات تحلية المياه، لتخفيف أزمة الماء للشرب.
نحن على يقين أن القيادة المصرية ستختار أفضل الخيارات لمواجهة .. هذا الموقف وتفرعاته .. اللهم أحفظ مصر العروبة وشعبها وجيشها ...
الأهداف البعيدة لتطويق مصر بالأزمات، معروفة، وهي بخلاصة واحدة: رسم أبعاد جديدة للشرق الأوسط، ولهذه سنفرد يوماً بحثاً لهذه الموضوعة ..!
1389 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع