موفق نيسكو
الفرق بين اللغة الآرامية أو السريانية، والأكدية بلهجتي بابل وآشور ج٣
1: يقول الدكتور إبراهيم السامرائي: اللغة الأكدية بلهجتيها البابلية- الآشورية، تبتعد كثيراً عن أخواتها الساميات حتى إن جماعة من المعنيين بالآشوريات يرون أن اللغات السامية جميعها بما في ذلك العربية والحبشية تؤلف مجموعة مستقلة بالقياس إلى الآشورية التي فقدت الكثير من السامي القديم كفعل الماضي وأصوات الحلق، ولذلك فالآشورية تدرس مع البابلية فقط. (التوزيع اللغوي والجغرافي في العراق، ص59-60).
2: في كتابه، التأويل Scholion، يقول الراهب السرياني الشرقي النسطوري ثيودوروس بركوني سنة 600 تقريباً، وهو من قلعة سكر العراقية حالياً، من كنيسة الآشوريين والكلدان الجدد الذين سَمَّاهم الغرب: إنك لو قابلتَ اللغة البابلية القديمة مع السريانية فلن تجد فيها واحداً بالمئة من السريانية. (التأويل، باريس1910م، سرياني مج1 ص113. نشره المطران أدّي شير).
3: يقول المؤرخ أحمد سوسة: تُعد اللغة الأكدية فرعاً من لغة الجزيرة العربية الأم، وأصبحت اللغة الرسمية في العراق القديم بابل وآشور، وهي تتميز عن اللغات السامية الغربية، أي لغات سوريا، واستمرت حتى العصر البابلي الثاني أواخر القرن السابع قبل الميلاد، ثم أزاحتها اللغة الآرامية وأزالتها من التداول، وقد اقتبس الأكديون خطهم من السومريين وحوروه ليتلاءم مع لغتهم، وقد استعارت اللغة الأكدية عبارات جمة من اللغة السومرية. (تاريخ حضارة وادي الرافدين، ج2 ص24).
4: يقول الدكتور عامر سليمان عضو المجمع العلمي العراقي وأستاذ اللغة الأكدية في كلية الآداب- جامعة الموصل في كتاب اسمه: اللغة الأكدية (البابلية- الآشورية): في بداية الأمر شاع استعمال اسم الآشورية على اللغة الأكدية لأن الآثار اكتشفت شمال العراق، وبعدها توضَّحت الصورة والعلاقة بين الآشورية والبابلية، فأُطلق عليها الأكدية منذ منتصف القرن الماضي، وجاء اسم اللغة الأكدية في الكتابات المسمارية (Lisan Akkadi لسان أكدي)، ولصعوبة الأكدية وتعابيرها الصوتية أضاف لها العلماء الذين اكتشفوها رموزاً أخرى، وتميزت لهجة بابل وآشور الأكديتين بخصائص لكل منهما، وقد تأثرت الأكدية بالسومرية كثيراً ودخلت إليها مفردات سومرية الأصل واكتسبت صيغة أكدية وكأنها أكدية الأصل، ولم يقتصر تأثر الأكدية بالسومرية بل تعداها إلى الأساليب النحوية أيضاً، واستمرت اللغة الأكدية حتى أواخر الألف الأول قبل الميلاد حيث بدأت تصارعها اللغة الآرامية بخطها وأبجديتها البسيطة حتى تمكنت منها وأزاحتها، وظلت اللغة الأكدية بلهجتها البابلية تُستعمل في عهد الدولة الكلدية (636-639 ق.م.) وبدأت تدريجياً بشكل واضح تتأثر باللغة الآرامية وأبجديتها وخطها، ويضيف قائلاً: كان أكثر الباحثين باللغة الأكدية المكتشفة من اليهود، لذلك لم تخلُ الدراسات من مقاصد سياسية ودينية، فهم نقلوا النصوص إلى القواميس بالحرف اللاتيني والعبري وقارنوا بين الأكدية والعبرية وتم تدريسها في العديد من الجامعات الصهيونية، وأحد الأهداف كان كتابة اللغة الأكدية بالحرف العربي. (اللغة الأكدية "البابلية- الآشورية"، ص16، 44-45، 69، 93-94، 99، 104-112، 118).
5: إلى جانب العهد القديم الذي يذكر اسم اللغة الآرامية في (عزرا 4:7، دانيال 2:4، 2 ملوك 18:26، وإشعيا 36:11)، نورد هنا شواهد من الآثار الآشورية تحديداً على أن اللغة التي استعملتها الدولة الآشورية بعد اضمحلال لغتها الأكدية، هي الآرامية (السريانية) وليست الآشورية، وتسمية آشوريي اليوم الجدد للغتهم، آشورية، هو تزوير لغرض سياسي، فالشعب الآرامي ولغته يختلف عن الشعب الآشوري ولغته، والآشوريون القدماء أنفسهم فرَّقوا بين لغتهم الأكدية القديمة والآرامية، لأن الدولة الآشورية القديمة كانت في آخر قرنين قبل سقوطها دولة آرامية، لغةً، ثقافةً، وأغلبية آرامية عنصراً، وندرج عدة قطع أثرية ورسائل:
ا- سنة 1979م اكتشف في تل الفخيرية تمثال هدد يسعي شمس نوري يعود لنهاية القرن التاسع قبل الميلاد تقريباً، وهو ملك مملكة بيث بحياني الآرامية، وعلى التمثال كتابة ثنائية باللغتين الأكدية والآرامية.
ب- رسالة من سرجون الثاني يؤنب موظفه لأنه كتب بالآرامية فيقول الموظف: إذا كان مقبولا للملك دعني اكتب وابعث رسالتي بالآرامية على رسائل ملفوفة، وكان جواب الملك: لماذا لم تكتب لي بالأكدية على رقم طيني، رسائلك التي كتبتها يجب أن تتوقف بهذا الأمر الملكي.
ج: رسالة بعث بها حاكم آشوري إلى الملك يقول فيها: الرسالة الآرامية التي كتبتها للملك سيدي.
د: ورد عدد من أسماء الكتاب الآراميين في الدولة الآشورية مثل، أباكو ونوريا، أحو، عوبري، حملا، أيلي.
ه: ورد ذكر اللغة الآرامية في البلاط الآشوري من حاكم صور المدعو قوردي- آشور- لامور إلى الملك الآشوري يقول فيها: بعثت نابو- اوشيزب مع الرسالة الآرامية من مدينة صور.
و: رسالة عن ستة أشخاص معروفين مدونة أسماؤهم في الوثائق الآشورية والآرامية، لدفع الضريبة في نهاية السنة.
ز: عُثر في نمرود ونينوى على نقود وصكوك وأختام وتماثيل بالمسمارية والآرامية، بعضها يحمل أسماء ملوك آشور.
ج: وردت عدة نقوش آرامية كنقش قصر تل بارسيب لعهد الملك تغلاث فلصر يظهر فيه كاتبان أحدهما آشوري يكتب بالمسمارية على طين وآخر آرامي يكتب بالآرامية على البردي، (الدكتور يوسف قوزي، كلية اللغات جامعة بغداد، ومحمد كامل روكان، كلية الآداب جامعة القادسية، آرامية العهد القديم، ص15-20. وانظر الدكتور عدنان حميد ألويس، كلية اللغات، بغداد، دراسة في آرامية بلاد آشور معززة بنص آرامي جديد من نينوى (تل النبي يونس)، مجلة بين النهرين 1990م، ص3).
ومنذ القرن الثامن قبل الميلاد أصبحت الآرامية لغة الدولة الآشورية وصار لها كُتَّاب ورد ذكرهم في النصوص الآشورية بصيغة: Lu A, Ba, Mes Kur Aramaia، والجزء الأول يعني كُتَّاب، وترجمته الحرفية (رجال ألاف باء)، والثاني الآراميين، ويعني (الكتبة الآراميين).
ح: يقول الدكتور أ، دوبون سومر: هناك رسالة مهمة بالآرامية تعود إلى عهد آشور بانيبال تُسَمَّى صدفية آشور وجَّهَهَا موظف آشوري يدعى براتير إلى موظف آشوري آخر يدعى فيراور، وتمَّ اكتشاف مصطلحات آرامية كثيرة تدل على استعمال اللغة الآرامية في آشور وبابل، منها قوائم بأسماء تسليم حصص النبيذ في مدينة نمرود، ونقوش على الأوزان وعقود البيع والشراء وغيرها (الآراميون، ترجمة الأب ألبير أبونا، ص 108.)
6: تقول الدكتورة بهيجة خليل مديرة المتحف العراقي/ بغداد: استُعمل الخط المسماري لتدوين لغتين هما، السومرية والأكدية، واللغة الأكدية فرعان، الآشورية والبابلية، والأكدية هي الفرع الشرقي من لغات أقوام الجزيرة العربية الأقوام الجزرية)، أمَّا الآرامية فهي من الفرع الغربي، وجاءتنا نصوص من المسمارية والآرامية منذ القرن السابع قبل الميلاد، ونتيجة لاكتشاف آثار الكتابة المسمارية التي تعود للحقبة الآشورية في الألف الأولى قبل الميلاد، ظهر علم الآشوريات، وتتحدث بإسهاب عن مراحل تطور اللغة الأكدية ( الكتابة، مجموعة مؤلفين، حضارة العراق، بغداد 1985، ج1 ص228-229، 234-235، 240).
7: يقول الدكتور والآثاري بهنام أبو الصوف: بعد سقوط الإمبراطوريتين الآشورية والكلدية (البابلية الثانية) سنة 612 و 539 ق.م على التوالي، انتهت تقريباً اللغتان الآشورية والبابلية من التداول في بلاد الرافدين والأقطار المحيطة في فلك هاتين الدولتين ما عدا استمرار الخط المسماري في بعض المدونات الكهنوتية والتراثية، وجد آخرها في مدينة الوركاء في العهد السلوقي بعد الإسكندر بسنوات (200 ق.م تقريباً)، وحلَّت الآرامية في معظم بلاد الرافدين وكل بلاد آشور تدريجياً، واستعمل الآشوريون الكتبة الآراميين فتجد مع الكاتب الآشوري بالمسمارية على الطين مدون آخر آرامي بيده جلد غزال يكتب بالآرامية، وفي مرحلة معينة أصبحت هناك لغة ثنائية آشورية بالمسماري وآرامية بالآرامي، وحتى سقوط آشور كانت تجاورهم اللغة البهلوية، لغة الدولة الأخمينية المنتصرة التي احتلت بابل سنة 539 ق.م، وبسبب هذه الأحداث لم يتبق في بلاد الرافدين أية لغة آشورية أو كلدية بابلية عدا مخلفات قليلة كهنوتية في المراكز الدينية المحافظة، وهذه أيضاً كانت في طريقها إلى الانقراض كما انقرضت قبلها بأكثر من ألف سنة السومرية، وآخر كيان سياسي للآشوريين بعد سقوط نينوى كان في حرَّان حيث قضى عليهم نبوخذ نصر، وتأسيساً على هذا، فمن كان يتكلم باللغة الآشورية، لغة الحاكمين في الإمبراطورية الآشورية، انقرضوا تماما في مطلع القرنين الخامس والرابع ق.م، وما بعدهما حتى مجيء المسيحية حيث كانت اللغتان السائدتان هما، الآرامية واليونانية.
للراغبين الأطلاع على الجزء الثاني:
https://algardenia.com/maqalat/48788-2021-04-24-09-09-27.html
وشكراً/ موفق نيسكو / يتبع جزء ٤
3405 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع