الدكتور أسعد شريف الامارة
التربية والتنشئة والحرب رؤية نفسية إجتماعية
التربية مفهوم شامل يضم سنوات الطفولة الاولى بين حضن الوالدين وفي الأسرة الصغيرة وهو كمفهوم في علم النفس ومدارس التربية يعني كل محاولة للاصلاح والترقي بالفرد الإنساني وتنمية ملكاته وقدراته، وصقل مهاراته وتحسين اتجاهاته كما أوردته موسوعة علم النفس والتحليل النفسي.
أما التنشئة الإجتماعية فتعرف على أنها نتاج العمليات التي يتحول بها الفرد من مجرد كائن عضوي إلى شخص إجتماعي، وتعرف أيضا بأنها العملية التي يكتسب الفرد من خلالها أنماط محددة من الخبرات والسلوك الإجتماعي أثناء تفاعله مع الآخرين، وكذلك لها تعريف آخر
هي عملية تربوية إجتماعية تم من خلالها وضع الفرد في قالب ثقافي معين، ليكتسب الخصائص الأساسية لمجتمعه، مثل اللغة، والقيم ، والإتجاهات، والمعايير والعادات، والتقاليد والمهارات الإجتماعية.
السؤال من هم ضحايا الحروب؟ يكون الجواب البديهي هم الاطفال من الذكور والاناث أولا.. والنساء ثانيًا فضلا عن البيئة الإجتماعية والقيم السائدة في المجتمع والتقاليد المتعارف عليها منذ عقود بل ربما منذ قرون، ونعني هنا المجتمعات المستقرة لسنين طويلة وحافظت على قيمها وتقاليدها ورسخت ذلك من خلال عمليات التنشئة الإجتماعية، فالحرب تستهدف كل ذلك الإنسان والبيئة الإجتماعية والبيئة الطبيعية.
أبناء الضحايا هم الأيتام بطبيعة الحال، وهؤلاء الايتام من فقد والده أو والدته فأصبح بلا اسرة متكاملة تضم الوالدين.. ووجود الوالدين هما اساس بناء الاسرة ، سنحاول التعرض لموضوعين رئيسن هما :
الأسرة والمجتمع..
والأسرة والطفل ..
الاسرة والمجتمع.. اذا كانت الاسرة هي البنيان الأساس للمجتمع ، بل هي مجتمع مصغر في حد ذاته، مستقل وفعال ومؤثر على المجتمع بقدر ما يتأثر به، وبين أن يكون مجرد إفراز لهذا المجتمع ، أو مجرد ظاهرة سلبية تعكس ما يدور بالمجتمع الأكبر فإن نتاج ذلك يكون واضحًا على الطفل بشكل عام بمراحل النمو وهي كما صنفها علماء النفس والتربية والدراسات المتخصصة في ذلك بان المراحل هي :
- مرحلة النمو الجسمي
- مرحلة النمو العقلي
- مرحلة النمو الإنفعالي
- مرحلة النمو النفسي
هذه المراحل التي حددها علماء النفس وعلماء التربية وممن درس علم نفس النمو لابد أن تمر الطفولة بهذه المراحل ولن يستطيع الطفل أن يكون سويًا بغير هذه المراحل، وربما يتسائل البعض ليس من الضروري أن يمر الطفل بكل هذه المرحل ربما يكتفي ببعضها ، يكون الجواب من المختصين في علم نفس النمو أن هذا الطفل سيتعرض مستقبلا للكثير من الأزمات المختلفة في المراحل اللاحقة من حياته وسمى علماء النفس المختصين ذلك بعدم وجود إشباع نفسي للمرحلة التي عاشها ومر بدون أن يدركها بكامل قدرته ولذا يقول استاذ الطب النفسي " الدكتور محمد شعلان" في كتابه الاضطرابات النفسية في الأطفال ج1 فالطفل الذي ينحرف أو يمرض عقليًا ينجح بطريقته الخاصة في الانتقام من سيطرة أسرته بل بهذه الطريقة قد يفرض على أسرته نوعا من السيطرة . والمعروف لدى المشتغلين في علم النفس والصحة النفسية أن وراء أي طفل مريض نفسيًا أسرة مريضة .. فتشوا عن مرضه ستجدون اسرة مريضة.
ونحن بصدد الحديث عن التربية وربطها بمتغير الحرب نجد أن طفل الحرب بالتأكيد لا يمر بمراحل النمو الطبيعية التي ذكرناها اعلاه وهي النمو الجسمي والنمو العقلي والنمو الإنفعالي والنمو النفسي بسبب تلك الظروف وما يعانيه الاب أو الام أو الأسرة باكملها من حالات خوف وفزع ورعب، لا يمكننا أن نغفل مرحلة على مرحلة أخرى أو لا تعطيها الأسرة أهمية على مرحلة أخرى، ومن المعروف أن الطفل البشري يختلف عن الكائنات الحية الآخرى من حيث الرعاية الفائقة منذ الولادة وفي الشهور الأولى بالتحديد وفي السنة الأولى حيث تؤكد الدراسات النفسية المعمقة بأن أحد اسباب ظهور علامات الشخصية الذهانية يكون عادة في السنة الأولى بعد الميلاد ونقصد هنا بالذهان هو الاضطرابات العقلية ومنها الفصام "الشيزوفرينيا" والأكتئاب العقلي الميلانخولي، والهوس بانواعه والبرانويا بشقيها العظمة والاضطهاد ، ويؤكد لنا فيلسوف التحليل النفسي الفرنسي "جاك لاكان" قوله فكل ماهو سيكولوجي في السلوك الإنساني يخضع لإضطرابات جدً عميقه، ويتضمن مفارقات جدً واضحة إلى حد تستحيل فيه معرفة ما يمكن فعله بشأنه كي يتسنى التفريق في مجاله بين الخيط الأبيض والخيط الأسود.
أما الكائن الحي الوليد حديثا "الطفل" يولد ويمارس حياته مباشرة مثل الوقوف والمشي والاكل. ولو قارنا بين طفل الإنسان وطفل الكائنات الحية الأخرى نجد ما يلي:
- الطفل البشري .. يحتاج إلى الرضاعة من أمه أو بديلها وبمساعدتها له
- الطفل البشري يحتاج إلى الحنان
- الطفل البشري يحتاج إلى من يعتني به ويحميه
- الطفل البشري .. يشعر بمن حوله فهو .. يدرك ويفكر ويتألم ويبكي
- الطفل البشري .. حينما يجوع .. يبكي
- الطفل البشري .. حينما يتألم .. يبكي
يحتاج الطفل إلى السنوات الأولى من عمره إلى والدية لرعايته والعناية به
الطفل البشري .. يشعر بوجود الأم بقربه .. ويبكي عندما تختفي عنه
الطفل البشري يحتاج الأب ويجده سندًا له ومتواجد في البيت مع الام.
اثبتت الدراسات أن الاطفال الذين عاشوا في الملاجئ بسبب الحروب وفقدان الابوين أو أحد الأبوين إلى ظهور أعراض مرضية مثل :
- الذهول
- التشتت
- التوهان
- عدم التركيز
- الميل للعدوانية واستخدام الايدي في رد الفعل
ماذا يحتاج الطفل من الوالدين في مرحلة النمو العقلي:
وهي المرحلة التي يتعلم فيها الطفل النطق والكلمات البسيطة .. وهي مرحلة تشغيل الدماغ واستخدام الكلمات واعادة ترديدها .. وهناك العديد من العادات اليومية التي يتعلمها الطفل من خلال مشاهدة الابوين وتقليدهما ..
أما مرحلة الانفعالات ..
فهي المرحلة التي يتعلم فيها الطفل
- كيف يضبط سلوكه وإنفعالاته
- كيف يضبط التبول والبراز، وهي بداية لتكوين وضبط القيم الإجتماعية الصحيحة، وكيف يمتثل الطفل عند البلوغ لقيم المجتمع وأوامر الوالدين والقانون والمجتمع.. لذا ما نشاهده اليوم من سلوك خارج على القانون من قبل شبان منفلتين لم يتجاوزوا من العمر العشرين سنة هو نتيجة عدم تطبيعهم في اسرهم للتربية وللقيم الإجتماعية السائدة بسبب إنشغال الأب أما بالواجبات العسكرية وعدم اهتمامه بتربية أسرته فضلا عن عدم قدرة الأم على متابعة الابناء في فترة النشأة والاختلاط في المدرسة ومع أفراد المجتمع.
- كيف يتعلم من الوالدين أن هؤلاء الناس من البيت وأولئك هم الاقرباء والجيران
- كيف يشذب سلوكه الهمجي الغريزي الحيواني .. بعملية التطبيع الاجتماعي التربوي من خلال :
- الاحترام
- التقدير
- تعلم القيم والتقاليد
- التعرف على النواهي والممنوعات من خلال زرع القيم الدينية وقيم المجتمع التي تعارف عليها الاهل والأقرباء والجيران وأبناء المجتمع الذي يعيش فيه.
أما المرحلة المهمة وهي متطلبات المرحلة النفسية ومنها التي تشمل:
- تكوين الثقة بالنفس
- رعاية الموهبة والقدرات
- الشعور بالانتماء لأسرة تحترمه ولها دليل ورابط أسري متزن.
- أكتساب قيم المودة والعاطفة
- أكتساب الضمير من الابوين والدين المعتدل أو في بعض الأسر الدين المتطرف.
- فرز ما هو ممنوع ومحرم ، ومقبول وصحيح وحلال
- من هي الاخت والاخ وما هي طبيعة العلاقة بهما
- ما هو المحرم شرعًا
- ما هو الحلال شرعًا
كل ما تقدم خلال هذه المراحل يحتاج جهد كبير وقدرة عالية على زراعته لدى الطفل من الذكر والانثى ..
ونعيد التساؤل مرة أخرى ..
ماذا يحدث لو ضاعت الحدود بين المراحل وتداخلت وهي بطبيعة الحال مراحل عمرية تمتد من الولادة حتى سن البلوغ ثم الرشد بسبب سيادة طبول الحرب وتشتت الأب وشعور الأم بالخذلان والوهن والضعف والأرتباك في زحمة الخوف من المجهول وماذا سيحدث كما هو الحال في عراق الحروب من العام 1980 حتى احتلال العراق في العام 2003 وما تلاه من فوضى في الأمن وفي كل معالم الحياة والمجتمع، وما يحدث الآن في سوريا واليمن وليبيا في العلن وأمام أنظار الأعلام وبادارة السياسة، أما ما يجري في الخفاء فكان أعظم في بعض الدول بسبب التجويع والانهيار الاقتصادي وضياع الحقوق في المواطنة ومصادرة الرأي في معظم الدول التي ليس فيها عمليات عسكرية ومعارك ولكن فيها إنهيار في القيم ومنها :
- انتشار زنا المحارم
- ضعف القدرة على ضبط النفس
- اللجوء للسلوك العدواني
- ضعف الضمير .. واختلال الواعز الديني
- تداخل المحرمات مع الحلال بدون ضوابط وقيم
- انتشار وكثرة صور الاحتيال والنصب على الآخرين تحت مسميات دينية أو عشائرية أو تحت أية مسميات اخرى.
- ازدياد الانحرافات الجنسية عند الاناث بسبب الكبت وقمع الرأي
- ظهور جيل جديد اختلطت لديه الهوية الجنسية .. المثلية عند الذكور
والسحاق عند الاناث بالممارسات واستبدال الشريك بمن مثله..
بمعنى
الغاء الغيرية .. واستبدالها بالمثلية ..
رجل مع رجل .. أنثى مع أنثى ..
بينما في الوضع السوي .. الزواج يتم بين رجل وامرأة لغرض حفظ الجنس البشري من الزوال ..
لذلك قال سيجموند فرويد مؤسس التحليل النفسي ..
كل ما ينحى عن التناسل .. الإنسال فهو إنحراف
وكذلك من نتائج الحروب على الاطفال ..
- انتهاك براءة الاطفال بتشغيلهم في الدعارة وممارسات لا أخلاقية منتشرة في كل زقاق وشارع رئيس أو قرب حانات شرب الخمور أو محلات بيع الخمور، أو المراقص والحانات الليلية التي يرتادها تجار الحروب وسماسرة الساسة من المتدينين والعلمانيين فالكل سواء.
- ممارسة الشذوذ بعد أن تم الاشباع الجنسي من المقابل بأثمان زهيدة أو عالية، يلجأ البعض من قادة السياسة أو التدين الزائف إلى شراء أعراض الأسر التي ضربها الفقر ونخرها لحد الكفر بالوطنية والمواطنة والدين والقيم والخروج من الأديان علنًا.
- الاستجداء في الشوارع
- استغلال الايتام بممارسة الممنوعات وتوزيع المخدرات وغيرها
وهناك الكثير من الظواهر التي شاعت وانتشرت بسبب عدم وجود مؤسسات تهتم بمتابعة الايتام وتربيتهم وتنشأتهم تنشئة صحيحة. لذا فإن التقليد والمحاكاة والتوحد مع الانماط الأخلاقية عند الطفل والمراهق وحتى الراشد تتم خلال عملية تهدف إلى إدماج عناصر الثقافة في نسق الشخصية خلال مرحلة الحرب فينشأ جيل وربما أجيال نشأة بها العنف والقسوة وعدم معرفة الرحمة واكتسابها، بل نشأـت لدى معظم جيل الحروب والفقر والحصار نزعات وإتجاهات التعصب فلذا ظهرت الشخصيات التسلطية واضحة في المجتمعات التي مرت بهذه التجارب وخبرات الحروب.
3525 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع