د. منار الشوربجي
ميداليات بكين الذهبية
أمريكيان من أصول صينية حصل كل منهما على الذهبية بأوليمبياد بكين، لكن الأول، ناثان تشين، كان يلعب باسم الولايات المتحدة بينما مثلت الثانية، آيلين جو، الصين بالبطولة الدولية. وهنا، امتزجت الرياضة بالسياسة وتباينت ردود الأفعال تجاه كل منهما.
والسياق السياسى والاجتماعى للحدث مهم. فعلى المستوى الاجتماعى، كان ذلك الفوز المزدوج لـ«جو وتشين» بمثابة رفع لمعنويات الأمريكيين من أصول صينية وسط أجواء عامة مخيفة.
فهو جاء وسط ارتفاع مذهل لجرائم العنف والكراهية ضد الأمريكيين من أصول آسيوية عموما وصينية خصوصا. فمنذ أن اختار الرئيس السابق دونالد ترامب أن يطلق على وباء كورونا اسم «الوباء الصينى» ارتفع معدل تلك الجرائم بنسبة 339% فى عام واحد. وبسبب تلك الأجواء يشعر الكثيرون منهم بأن آفاق نجاحهم بالولايات المتحدة قد صار لها سقف محدد. ولعل هذا هو ما دفع اللاعبة، جو، لأن تعلن عام 2019- وترامب لايزال بالسلطة- أنها ستلعب باسم الصين.
غير أن قطاعا كبيرا من الأمريكيين تباينت مواقفه تجاه اللاعبة آيلين جو، إذ نظر إليها على أقل تقدير نظرة توجس، كونها اختارت أن تلعب باسم الصين لا الولايات المتحدة، رغم أنها تحمل الجنسيتين. وقد أدلت اللاعبة بتصريح قالت فيه إن شعورها بأنها أمريكية يماثل بالضبط شعورها بأنها صينية، «فأنا أمريكية حين أكون بأمريكا وصينية حين أكون فى الصين وقد تحدثت مرارا عن امتنانى لكلا البلدين». والحقيقة أن مجرد مساواتها الصين بأمريكا قد فتح عليها النار، لكنها أصرت على موقفها.
والسياق السياسى ليس أقل ضراوة. فالحدث الرياضى جرى وسط توتر متزايد بين الولايات المتحدة والصين. فقد باتت الدوائر السياسية الأمريكية تعتبر الصين «التهديد الأول» للولايات المتحدة، وتسعى لاحتواء النفوذ الصينى المتنامى حول العالم، لا فقط فى بحر الصين.
فالولايات المتحدة تتوجس من أن تنازعها الصين على مركز التفوق الدولى المطلق، بسبب التطور العسكرى والتكنولوجى الصينى المتزايد، لا فقط التطور الاقتصادى. ورغم أن الولايات المتحدة تملك أكثر من ثمانمائة موقع عسكرى حول العالم، فإنها تشعر بالقلق بعدما أوشكت الصين على افتتاح قاعدة عسكرية خارج مجالها الحيوى فى غينيا الاستوائية إلى جانب قاعدتها الوحيدة فى جيبوتى.
وفضلا عن المقاطعة الأمريكية الرسمية دون الرياضية، فقد تزامن الحدث الرياضى مع حدثين سياسيين يعكسان الحالة الدولية. الأول كان الاجتماع الوزارى لدول الرباعية، المعروفة اختصارا باسم الكواد، والتى تضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند.
وهو المؤتمر الذى لم يخف أن هدفه هو مناقشة «التحدى الذى تمثله الصين وروسيا»، وهو الذى يعنى بالضرورة أن تتضمن المحادثات تعميق العلاقات العسكرية بين الدول الأربع. وتلك العلاقات تمثل جزءا من خطة أمريكية أوسع هدفها تطويق الصين عبر اتفاقات عسكرية مع دول أخرى، منها تايلاند والفلبين وإندونيسيا وفيتنام، ناهيك عن كوريا الجنوبية.
أما الحدث الثانى فكان الإعلان الروسى الصينى المشترك، عشية حضور بوتين حفل افتتاح الأوليمبياد، عما أطلق عليه «شراكة بلا حدود» بين البلدين. وهو تعبير فضفاض يبدو أن غموضه مقصود فى ذاته. لكنه القدر المتيقن أن الطرفين لديهما مصلحة مشتركة، رغم خلافاتهما، للوقوف فى وجه النفوذ الأمريكى الغربى. وقد أعلنت الصين بالمناسبة أنها تساند روسيا فى مطلبها بمنع ضم أوكرانيا لحلف الأطلنطى، رغم أنها تملك علاقات جيدة مع أوكرانيا.
باختصار فإن الحدث الرياضى الكبير بالعاصمة الصينية اختلط فيه الرياضى بالسياسى والعرقى حتى صار صورة مصغرة لعلاقات دولية تعيش أزمات متفجرة.
887 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع