سعد مطر عبود
أكاديمي – بغداد
قراءة تحليلية في رواية العين الثالثة للروائي طارق احمد السلطاني
تميز النسيج الحكائي لرواية ( العين الثالثة ) بالتلازم والتماثل والتفاعل بين انساق الرواية ومعطياتها , فلم تتماهى في التقريرية ولا في السردية التقليدية , التي لا تكشف عن رؤية جوانيّة لحراك الشخصيات ( الرئيسية والمتناهية والثانوية ) . لذا كان الكاتب يجمع في ثيمته
الروائية تداعيات الماضي , وإسقاطات الحاضر , والتنبوء بالمستقبل وكان هذا غالبا على حراك شخصياته وتمكن الكاتب من توظيف آليات المنهج الرمزي , لخلق معادل موضوعي بين قصدية الشكل الروائي , وقصدية التكنيك , والبنية السيكو – سوسولوجية للشخصية الرئيسية ( أيوب ) . تميزت الرواية بوحدة الموضوع , فهي لم تفقد التلازم والانساق في مضمونها , ولم تتحول إلى بؤر متناثرة لا توجد علاقة موضوعية بين دالها ومدلولها .
وكان السرد الروائي يتماشى مع الوصف التحليلي , لأنه لم يعتمد الوصف الفضفاض , ولم يثقل كلماته بمعيارية تخلو من الدلالة .
الكاتب طارق السلطاني , يمتلك النفس الروائي الطويل . وان كان يبدو عليه التأثر بكتاب الروايات الطويلة من الشرق والغرب . ألا انه استطاع أن يتخذ له أسلوبا , يكشف عن مستوى الإبداع لديه .
والحقيقة الأخرى انه وقف على ناصية التكنيك الروائي وامتلك أدواته , لذلك لم يكن أسلوبه مترهلا , متقاعساً , متماحكاً , ملتوياً يدور في مدارات الصيرورة الفاقدة للوعي , بل كان أسلوبا يقترب من الحداثة . وان كان منفعلاً ومتفاعلاً مع المدارس الكلاسيكية , وقد يكون السبب في ذلك , هو تجربته الحياتية ( الفردية والاجتماعية ) .
والرواية لم تخلو من التجريب والمحاولة في الخروج من سديمية القالب الروائي , ولا الانزواء , ولا الانضواء في تقاليد روائية معينة وتجد ذلك في مقدمة كل فصل , وبشكل أدق في الفصل الثاني يبدؤه بخطاب تقريري حين يقول :
( يتناقض مفهوم الترفع , او الرفعة والسمو , مع مفهوم الكبرياء , فإذا كانت الكبرياء تتجه من الإنسان إلى الإنسان عن طريق تقليص القيمة الإنسانية إلى ( حرمان ) من مظاهر زائفة لا تحمل أثرا للكبرياء في واقعها الطبيعي , فأن الترفع يتجه من الإنسان إلى أعماله وسلوكه وتصرفاته وأفكاره التي تتجرد في جوهرها الإنساني ) . وهذا يدل على امتلاك الروائي لرؤية فلسفية أراد من خلالها أن يؤسس لتجربته الإبداعية خطاباً روائياً متميزاً , وان كانت بعض التصورات تعد مثل تلك النصوص ( حالة قطع ) بين ذهنية المتلقي والسرد الروائي , الا انه تمكن باعتماد صيغة المونتاج السينمائي في بلورة هذا الأسلوب في التماهي مع الثيمة لكي لا ينفصل عنها , فيتداخل مع بنية النص الروائي ولا يخرج عن وحدة الموضوع .
والحقيقة ان رواية ( العين الثالثة ) جديرة بالقراءة مثلما كان الكاتب طارق السلطاني جدير بالاهتمام , وتجربته الروائية تجربة مثمرة وغنية في هذا الزمن المتشظي والمتهافت في أروقة التجاذب والتنافر السياسي , الكاتب تمكن من توظيف الزمان والمكان مع آليات السرد بحيث لم يشكلا حالة انقطاع , أو تماهي , أو تنافر مع الثيمة بل كانت تخضع لآليات التكنيك الروائي وتندرج معطياتها ضمن الفضاء الروائي .
ورواية ( العين الثالثة ) هي تقترب من المدرسة الوجودية , والمدرسة التشكيلية السوريالية وذلك ما تحقق فعلا في البنية الابستمولوجية للنص , وكأنه يضع الإنسان أمام مفترق طرق؟ ليكتشف الحقيقة من خلال العين الثالثة , وهي الضمير , والعقل .
لاستيعاب معطيات المرحلة , وتشخيص جواينتها برؤية فلسفية , وكأنه من خلال العنوان (العين الثالثة ) يدفع القارئ أو المتلقي إلى سبر أغوار النص وكشف معطياته , والابتعاد عن القراءة السطحية المتكأة على المتعة .
668 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع