د. علي محمد فخرو
عن الديموقراطية التي ننشد
«عن أية ديموقراطية نتحدث»؟ كان سؤالنا في مقالة الأسبوع الماضي، ذلك أن موضوع الديموقراطية، الذي ظن الكل بأنه قد حسم منذ زمن طويل، قد أصبح الآن موضوع الساعة عبر العالم كله، بما في ذلك عبر البلدان التي وضعت أسس الديموقراطية وطورتها وصدرتها للعالم كله.
عبر عقود طويلة قيل إن الديموقراطية التمثيلية، المكونة أساساً من وجود أحزاب سياسية متنافسة عبر انتخابات دورية حرة ونزيهة ومن وجود برلمانات يتكلم أعضاؤها المنتخبون باسم الشعب ولمصلحة الشعب ويراقبون ويحاسبون السلطة الحكومية، بأنها هي الافضل والأنزه والأكثر حماية للمصلحة العامة.
لكن تراجع ثقة الناس بالأحزاب، لأسباب كثيرة، وتراجع نسبة الناخبين إلى حدود مقلقة وخطرة، وهيمنة أصحاب المال والوجاهة الاجتماعية ومؤسسات الإعلام التابعة لهم على العملية الانتخابية برمتها، قاد إلى برلمانات خادمة لمصلحة جهات الهيمنة بدلاً من المصلحة العامة. وظهر ذلك جلياً في السنين الأخيرة عندما عجزت البرلمانات عن الوقوف في وجه الهجمة الرأسمالية النيولبرالية العولمية البالغة التوحش والانحياز لأصحاب الثروة الطائلة وعمليات الخصخصة الفاسدة الظالمة للطبقات الفقيرة والمتوسطة.
من هنا طرح البعض منذ حوالي عقدين من الزمن شعار الديموقراطية التشاركية، التي ركزت على الجانب الاقتصادي في الديموقراطية واشترطت وجود عدالة معقولة في توزيع الثروة ووجود دولة الرعاية الاجتماعية لتوفير الخدمات الاجتماعية والمعيشية للفقراء والمهمشين على الأخص.
لكن مظالم وأطماع وأنانية وفردية الأنظمة النيولبرالية لم تتراجع، وزاد غنى الأغنياء واستفحل فقر الفقراء، فكان أن طرح البعض أخيراً فكرة الديموقراطية الانتمائية.. وهي تركز على تنظيم وتنشيط وتعاضد مواطني المجتمعات المحلية ليديروا الكثير من شؤونهم المحلية، وليشاركوا من خلال لجان محلية منتخبة في وضع أولويات ووسائل صرف ميزانياتهم المحلية، وما تخصصه الحكومات من أموال للمجتمعات المحلية، وليتعاضدوا في الضغط على الأحزاب والحكومات والبرلمانات ليقوموا بمسؤولياتهم تجاه خدمة عموم المواطنين بدلاً من خدمة مصالح أصحاب المال والوجاهه والنفوذ. في هذه الديموقراطية يشارك كل أفراد المجتمعات المحلية في خدمة مجتمعاتهم من جهة وفي خدمة كل الوطن من جهة أخرى.
نحن إذن أمام سيرورة تفضح عاماً بعد عام أكذوبة الديموقراطية اللبرالية التمثيلية التي كانت تتكلم باسم الأكثرية، كذباً ونفاقاً، لتخدم الأقلية. غابت العدالة والقيم الإنسانية والأخلاقية وراء أقنعة من الشعارات التي تناست روح الديموقراطية الإنسانية الحقة.
ما يهمنا، نحن العرب، وإذ نتطلع للانتقال إلى أنظمة ديموقراطية، بحق وبضرورة وبأمل مستقبلي، أن ندرس تلك السيرورات في مختلف البلدان، وأن نعي تاريخها بعمق وموضوعية منطلقة من حاجاتنا المستقبلية وعقائدنا الأخلاقية، حتى نتجنب الوقوع في أخطاء الآخرين وفي أحابيل المتلاعبين بشعار الديموقراطية من أجل خدمة أنفسهم وخدمة أسيادهم.
ما يهمنا بالدرجة الأولى أن يعي شباب وشابات الأمة العربية الأهمية القصوى لطرح كل الاسئلة حول مكونات ومبادئ ومنهجيات الديموقراطية التي ننشدها. وهذا المنهج لا يعني إطلاقاً الشك أو التردد بشأن الأهمية القصوى للانتقال إلى نظام ديموقراطي غير مزيف وغير منافق وغير تغيير الثوب دون تغيير الجسد.
على الشباب أن يقرأوا كثيراً عن أدبيات هذا الموضوع ليناضلوا من أجل الديموقراطية التي يريدون. وهم بحاجة لأن يقيموا جبهة متناسقة مع قوى التحرر الحقيقي العالمية لدحر القوى الهائلة التي لا يروق لها وجود ديموقراطية حقيقية تمارسها الشعوب وترعى مصالح الشعوب. موضوع الديموقراطية هو محلي ووطني وقومي وإنساني يجمع أفضل ما في التمثيلية والتشاركية والانتمائية.
654 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع