الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
بمناسبة اليوم العالمي للعلاج الطبيعي العـلاج الطـبـيعي فـي التراث العـربـي
أبدع الأطباء العرب والمسلمون في الاختصاصات الطبية المختلفة ، وما جاء في كتبهم متفرقاً حول العلاج الطبيعي جدير بالجمع والدراسة لما يحويه من أفكار صائبة وطروحات لا زالت تشكل ركائز أساسية في تطبيقات هذا النوع من العلاج .
في بحثنا هذا تناولنا ما جادت به عبقريتهم حول العلاج الطبيعي ضمن أربعة أقسام رئيسية هي:
القسـم الأول : الـتـدلـيـك ( المـسـاج ) :
من المعروف اليوم بأنه تجرى على العضلات وأنسجة الجسم حركات التدليك المختلفة من مسح وعجن وعصر ولف طبي للحصول على فوائد عديدة منها ، ( تنشيط وظائف الجلد
الفسلجية ، تنبيه الأعصاب الدقيقة ، تنشيط الدورة الدموية ، التخلص من الخلايا الدهنية
ومقاومة الترهل ) .
والحالات التي ينصح خبراء العلاج الرياضي اليوم فيها بالتدليك هي : (( اضطرابات الدورة الدموية ، ضعف العضلات العام وضمورها وشللها ، حالات الإجهاد بعد الرياضة ، التهاب المفاصل ، توتر والتهاب الأعصاب والأرق ، السمنة المفرطة ، اضطرابات الهضم ، انكماش الجلد والشيخوخة )) .
لقد تناول الأطباء العرب والمسلمون مسألة التدليك من أوجهه المختلفة ، نبدأ بذكر أقوال ابن سينا ( 371 – 428 هـ / 980 – 1037 م ) في أنواع التدليك حيث يقول :
(( والدلك منه صلب فيشدد ومنه لين فيرخي ومنه كثير فيهزل ومنه معتدل فيخصب … ))
(( وأيضاً من الدلك ما هو خشن أي بخرقة خشنة … ومنه أملس أي بالكف … ومن الدلك دلك الاستعداد وهو قبل الرياضة ويبدأ ليناً ثم إذا كاد يقوم إلى الرياضة شدد ، ومنه دلك الاسترداد وهو بعد الرياضة ويسمى الدلك المسكن أيضاً والغرض فيه تحليل الفضول المحتبسة في العضل مما لم يستفرغ بالرياضة لينعش فلا يحدث الإعياء ، وهذا الدلك يجب أن يكون رقيقاً معتدلاً وأحسنه ما كان بالدهن )) .
إن هذا الوصف لاشك وصف مقبول ودقيق لأنواع الدلك وكيفية استعمالها أما نوعاً واحداً أو أكثر من نوع في وقت واحد ، ووصفه فيه عمق لا يخرج عن مفاهيمنا الحديثة للدلك .
ثم نذكر قول ابن خلصون ( من أبناء القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي ) حيث يؤكد فائدة التدليك فيقول : (( وللدلك منفعة عظيمة في الأبدان ، وقد كان الأوائل يستعملونه كما يستعملون الرياضة لحفظ الصحة ، واستعماله يكون إما بدهن أو بغير دهن ، وإما في حمام
أو في غير حمام )) .
ويقول علي بن محمد الأنوري ( المتوفى سنة 815 هـ / 1412 م ) بأن للدلك فوائد وهو قريب من الرياضة ، نوجز قوله في ذلك بما يلي : (( الأولى – ترقيق المادة المخصصة لبعض الأعضاء لإخراجها . الثاني – تعظيم العضو الصغير . الثالث – تحليل المواد الريحية .
الرابع – دفع البرد المجمد . الخامس – جذب المواد من عضو إلى عضو .
السادس – تفتيح المسام لتنفيذ الأدهان فيها ، السابع – يخلل الأبدان المحصفة وبالعكس )) .
ويقول المناوي ( 952 – 1031 هـ / 1545 – 1621 م ) :
(( واعلم أن الدلك لكل إنسان حسب حاجته ، فإن كان مترفها لا يحتاج إلى تقوية أعضائه ، فليدلك جميع بدنه دلكاً معتدلاً . وإن كان محتاجاً إلى تقوية أعضائه لمزاولته للأعمال الشاقة وقتاله في المعركة ، فليدلك جميع أعضائه دلكاً قوياً ، وإن كان محتاجاً إلى تليين أعضائه وترطيبها كالنساء والخصيان ، فليدلكها دلكاً رقيقاً ليناً . ومتى كان الإنسان مريضاً ، فعليه أن يتوقى العضو المريض ، فإذا صح ذلك العضو ، ينبغي أن يكثر دلكه دون غيره )) .
وبعد ذكر أقوالهم عن التدليك باعتباره نوعاً من أنواع الرياضة الضرورية لكل شرائح المجتمع نذكر بعضاً من أقوالهم في استعمال التدليك كعلاج لبعض الحالات المرضية وقد شمل ذلك :
أ - التدليك كعلاج لتخفيف الوزن : وينصحون في ذلك ، استخدام الدلك الخشن
( أي استعمال خرقة خشنة ) .
ب - التدليك كعلاج لتخفيف الألم الناتج عن الإفراط في الرياضة : يقول ابن هبل
( المتوفى 610 هـ / 1213 م ) في ذلك : (( وقد يحدث بسبب الإفراط في الرياضة … ألم يسمى الإعياء … فيجب أن يبادر الإنسان فيه إلى تقليل الرياضة ، ويستعمل الدلك اللين ليرطب به العظل ويمرخ بالأدهان … ويكثر من صب الماء الفاتر العذب على الجسد ويقعد صاحبه بالأبزن ( حوض مليء بالماء ) ويطيل القعود )) .
(( وقد يعرض من الإعياء الورمي وهو الذي يحس الإنسان فيه بأعضائه كأنها تؤلم
عند اللمس ، وأكثر ما يعرض هذا الإعياء عند الابتداء بالرياضات لمن لم يعتدها … ويجب في هذه الحال لزوم الدعة والسكون والدلك اللين مع الأدهان )) .
ج - التدليك لعلاج آلام المفاصل : حيث يؤيد الرازي أبقراط في رأيه عن فائدة التدليك ويعقب عليه تعقيباً صحيحاً لا غبار عليه فيقول : (( قال أبقراط رأيت رجلاً فيه وجع المفاصل يستريح راحة عظيمة متى غمزت مفاصله غمزاً رقيقاً بأيد حارة لينة . وذلك لأن علته كانت عن انصباب أخلاط كثيرة إلى مفاصله ، بعضها دموية وبعضها حرارية وبلغمية )) .
ثم يقول الرازي : (( لي – في خلال هذا الكلام هاهنا ، إن هذه الأخلاط تحتاج أن يسكن صاحبها ويمارسها شيء له حرارة فاترة لينة فإنه ينضجها ثم أنه يحللها بعد )) .
د - الدلك كعلاج لاسترخاء الأعضاء : يقول الرازي : (( فإذا استرخت الأعضاء فادلكها بشدة واستعمل ما يقبض وإذا انقبضت فاستعمل الدلك اللين بالأشياء التي ترخي )) .
هـ - التدليك كعلاج لمن أصابه جمود من البرد : يقول الرازي : (( من أصابه جمود من برد ولم يبلغ حد الإياس ( اليأس ) منه ، فينبغي أن يسخن له موضع … ثم يدلك فيه بأيد كثيرة حارة جداً دلكاً مسرعاً ليناً جميع بدنه خلا الرأس فإنه ينبغي أن يكمد بخرقة مسخنة )) .
القسم الثاني – الاستحـمـام والحمامـات للصحـة والعـلاج :
يؤكد الأطباء اليوم على أن : (( الاستحمام والحمامات بأنواعها المختلفة لغاية صحية ضروري لحفظ صحة الإنسان وإنعاش جسده وتقويته حتى لا يسد مسام الجسم بإفرازات العرق فيتوقف الجلد عن إتمام وظيفته فتبقى كل المواد اللازم خروجها من الجسم كامنة فيه فتدور مع الدم وتفسده وتساعد على حدوث أمراض جلدية كثيرة ، وهذه الأمراض الجلدية تسبب أمراضاً داخلية كالتهاب الرئة والقناة الهضمية وغيرها .
وهي أيضاً من مستكملات الإعداد البدني للفرد السليم الذي يحافظ على التمرين المتواصل حفظاً على لياقته البدنية . وهي لغاية علاجية ضرورية جداً لما لها من تأثير على الجسم وتأثير موضعي . فالتأثير العام مسكن أو منبه أو حراري أو ضغطي أو مضاد للجاذبية والتأثير الموضعي فهو مخفف للآلام )) .
وقد تناول الأطباء العرب والمسلمون موضوع الاستحمام والحمامات بالتفصيل ( صفة الحمام الجيد ، شروط دخوله ، فوائده … الخ ) نستعرض فيما يلي بعضاً من أقوالهم :
أ – الاستحمام بالمـاء السـاخـن :
يقول الرازي ( 251 – 314 هـ / 865 – 927 م ) :
(( من منافع الحمام ، توسيع المسام ، وإذهاب الحكة والجرب ، وتليين اللحم ، وإعداد البدن للإستغذاء ، ومـط العضلات المتشنجة ، وفش الرياح ، وإنضاج النزلة والزكام ، وتسهيل البول العسر وحبس الطبيعة الملتصقة )) .
ويقول لسان الدين بن الخطيب ( 713 – 776 هـ / 1313 – 1347 م ) في ذلك :
(( قالوا – من منافع الحمام أن يطري البدن ويفتح المسام ويحلل الأوساخ التي ترتبك فيه ويخفف الامتلاء ويفش الرياح ويجلب النوم ويرقق الأخلاط ويسكن الأوجاع ويمنع الخلفة ( الإسهال ) ويذهب بالإعياء ويهيئ البدن للإغتذاء )) .
ويقول علي بن العباس المجوّسي ( كان حياً 384 هـ / 944 م ) :
(( الاستحمام إنما يستعمله الأصحاء بعد الرياضة لاستفراغ ما لم يتحلل جيداً بالحركة وليرطب ما حدثته الحركة من اليبس وينظف الأوساخ الحادثة عن البخارات من البدن وعن الغبار الواقع عليه بعد الرياضة ، وأجود أوقات الاستحمام للأصحاء لحفظ صحتهم بعد الرياضة وقبل الغذاء )) .
(( أما المرضى فيستعملون الاستحمام بحسب الحاجة الداعية إليه وهو إما أن يستفرغ وإما أن يسخن المزاج وإما ليبرده وإما ليرطبه وإما ليجففه وقد ينفع مع ذلك من الحكة والجرب … ويلين الأعضاء المشنجة … فينضج النزلات والزكام … ويسهل عسر مجيء البول … وينفع القولنج وغير ذلك من الأمراض )) .
وينصح ابن سينا بعدم الإطالة في الحمام فيقول : (( إنما يحتاج إلى الحمام من يحتاج إليه منه حرارة لطيفة وترطيباً معتدلاً فلذلك يجب على هؤلاء أن لا يطيلوا اللبث فيه بل أن يستعملوا الأبزن ( الحوض = البانيو ) … ريثما تحمر فيه بشرتهم وتربو ويفارقونه عندما يبتدئ يتحلل ويجب أن يندو الهواء بصب الماء العذب حواليهم ويغتسلوا سريعاً ويخرجوا ، ويجب أن لا يبادر المرتاض إلى الحمام حتى يستريح بالتمام )) .
وقد استعمل الأطباء العرب والمسلمون الحمام الساخن كطريقة لمعالجة الكثير من الحالات المرضية على سبيل المثال :
عن علاج النقرس يقول ثابت بن قرة :
(( ومن النافع في هذا الوقت صب الماء البارد عليه وحده والذي طبخ فيه من ورق العليق أي الخوخ … أو الأسمن أو قشور النبق أو قشور الرمان أو أطراف أغصان الورد … فإن كان قد أتى للوجع مدة ووضع العليل العضو في الماء الحار لحظة ثم يخرج ويوضع في الماء البارد نفع )) .
ويقول الرازي في معالجة الإعـيـاء :
(( من أصابه إعياء وتعب شديد فليستريح – إذا نزل – ساعة ثم يدخل الحمام . فإن لم يصادف حماماً فليدخل في ماء حار هنيهة بقدر ما تلين بشرته وتحمر . ثم يتدلك تدليكاً ليناً
ويغمر مفاصله . ثم يمرخ بالدهن … ويستريح وينام نوماً طويلاً ، ويزيد في الوطئ والدثار حتى إذا انتبه من نومه فليعد التدلك والحمام والمرخ ثم يرجع إلى عادته )) .
ويقول الرازي أيضاً في مـداواة الأورام :
(( وأما الأورام الرخوة فيصح لها الكماد والتنطيل بماء البحر الحار ووضعه عليه … ومتى استحموا فليدلكوا بالنطرون ونحوه وليستعملوا في أوقات الراحة الرياضة ودلك الأطراف خاصة ومياه الحمامات ( العيون الطبيعية ) والإندفان في الرمل الحار )) .
ويقول المجوّسي في مداواة عرق النسا :
(( ينبغي أن يمسح العضو بدهن السمسم المدقوق في الهاون المستخرج دهنه ، ويدخل البيت الأوسط من الحمام وينطل عليه كما قلنا الماء الحار المعتدل الحرارة )) .
وعن استعمال الحمام للرياضيين يقول ابن هبل :
(( وأما الحمام الذي يصلح لأصحاب الرياضة فهو عذب الماء ، ويجب أن يدخلوه بعد الرياضة والاستراحة ونشاف العرق وأن يتدرجوا في بيوته ويكثروا صب الماء على الأرض الحارة ويجلسوا فيه في الأبزن ويستعملوا الأدهان ولا يطيلوا اللبث فيه )) .
إن أغلب ما ذكروه يتفق ومفاهيمنا الحديثة عن الحمام الساخن والقواعد العادية لحمام ساونا أو الحمام البلدي لا تختلف عما ذكرناه كثيراً .
ب – الحـمـام الـبـارد :
المفهوم الحديث للحمام البارد يمكن تلخيصه بما يلي :
(( يعتبر الحمام البارد إذا كانت حرارته تحت 30 سْ ومن خواصه أنه يقلص المسامات الجلدية وكل أنسجة الجسم فيقلل التبخير الجلدي ويزيد الامتصاص .
والمستحم بالماء البارد يشعر ببرودة في جسمه يعقبها بعد خروجه من الماء الحار حرارة لطيفة هي نتيجة رد فعل وتزداد هذه الحرارة بالتنشيف الجيد ودلك الجسم بمناشف قوية ، وبذلك يدور الدم جيداً على الجسم فيمكنه أن يقاوم جميع المؤثرات الجوية )) . والحمامات الباردة تنبه الأعصاب والأوعية الدموية وتعيد إليها حساسيتها وتقوي نشاط الدورة الدموية .
واستعمال الماء البارد لتنشيط الجسم ذكره أغلب الأطباء العرب والمسلمين نكتفي هنا بهذه الأقوال :
يقول المجوّسي عن الاستحمام بالماء البارد ، كيفيته وشروطه وفائدته وأضراره ما يلي :
فأما الاستحمام بالماء البارد العذب فإنه يبرد البدن ويرطبه وقد يسخن العضو بالعرض عندما يكثف المسام ويحقن الحرارة داخل الجسم ، ولذلك صار الاستحمام بالماء البارد بعد الطعام مما يعين على جودة الهضم ، وقد تختلف أفعال الاستحمام بالماء البارد من قبل السحنة والسن والوقت الحاضر . أما من قبل السحنة فإنه متى كان المستحم بالماء البارد سنه منتهى الشباب
والوقت … صيفاً زاد في قوته الحرارة الغريزية قوة الأعضاء وجودة الاستمراء وينبغي أن يفعل ذلك بعد أن يدلك البدن … وإن كان البدن قليل اللحم غاص البرد وإلى عمق وبرده حتى يصل البرد الأعضاء الشريفة فتخمد الحرارة الغريزية … كذلك قد يضر الاستحمام بالماء البارد ،إن كان شيخاً أو في زمان شتوي بارد )) .
وعن الاغتسال بالماء البارد أيضاً يقول ابن الخطيب :
(( الماء العذب البارد يشد البدن ويقويه ، والاغتسال بالماء البارد لا يصلح إلاّ بمن كان تدبيره من كل الوجوه موافقاً سنه وقوته وسحنته مناسباً، ولا يصلح الاغتسال بالمياه الباردة بالشيخ ولا بالصبي ولا بصاحب التخمة ولا القيء والإسهال والسهر ، ويختار له وقت النشاط والاستنشاق إلى البارد ، وأفضله في الصيف عند الظهيرة لمن لا يحتمله في سائر الفصول )) .
ويقول ابن هبل عن الاستحمام بالماء البارد :
(( وأما الاستحمام بالماء البارد فيصلح لمن كان مزاجه حاراً قوياً ويتدرج فيه من أيام الصيف إلى أن يصير استعماله له عادة ، وإن كان يجلس فيه فليلبث مقدار ما لا يقشعر منه الجلد ، وإن كان بعد الاستحمام بالماء الحار يستعمل لأجل تقوية البشرة والأعضاء فلا يجوز أن يكون شديد البرد بل معتدلاً … ولا يجوز أن يستعمله الصبي والشيخ ومن تركيبه ضعيف )) .
ج – الاستـحمـام بـالمـيـاه المـعـدنـيـة :
إن تواتر ذكره في العديد من الكتب الطبية العربية دليل على انتشار استعماله والحصول من ذلك على فائدة علاجية ، على سبيل المثال يقول المجوّسي :
(( أما الاستحمام الذي يكون بالماء الذي ليس بعذب فإن كله مجفف للبدن وإن كان الاستحمام بالماء المالح حاراً أسخن وجفف ونفع من الرطوبات التي تتحلب إلى المعدة والصدر . فأما الماء الذي قوته قوة الكبريت فإنه يسخن ويجفف ويسكن أوجاع العصب العارضة من الرطوبة ، وكذلك أيضاً الماء الذي قوته قوة النفط فإنه ينفع من مثل ذلك . فأما الماء الذي قوته قوة الحديد فإنه ينفع المعدة والطحال وهو مسخن مجفف ، فأما الذي قوته قوة الشب فإنه يبرد ويجفف ويمسك البطن فمن قبل هذه الأشياء يختلف فعل الاستحمام بالماء في البدن )) .
ويقول ابن الخطيب في ذلك قولاً مشابهاً :
(( ولسائر المياه فيه أحكام ، فالمياه النطرونية والحجرية والكبريتية والرمادية والمالحة ، طبعاً أو علاجاً ، تحلل وتلطف وتزيل الرهل وتنفع انصباب المواد إلى القروح ، والنحاسية والحديدية تنفع من أمراض البرد والرطوبة والاسترخاء والربو ووجع المفاصل والبورقية تجلو وتنفع الرؤوس القابلة للمواد والاستسقاء ، والشبية والزاجية تنفع من نزف الدم من المقعدة وأمثال ذلك . والكبريتية كماء الحمّات تنقي الأعصاب وتحلل الزمانات وتذهب الفضول ، والمياه الحمية تملأ الرؤوس فيجب على المستحم بها أن لا يغمس رأسه )) .
ومن الأمثلة على المياه المعدنية ما ذكره ابن الأثير في حوادث سنة 623 هـ :
(( وفيها أعجوبة بالقرب من الموصل حامة تعرف بعين القيارة ، شديدة الحرارة ، تسميها الناس عين ميمون ، ويخرج مع الماء قليل من القار ، فكان الناس يسبحون فيها دائماً في الربيع
والخريف ، لأنها تنفع من الأمراض الباردة كالفالج وغيره ، نفعاً عظيماً ، فكان من يسبح فيها يجد الكرب الشديد من حرارة الماء ، ففي هذه السنة برد الماء فيها … )) .
د – الحمّـام الشـمسـي والإنـدفـان بالرمـل :
التعرض لأشعة الشمس وبشكل معتدل ، من الضرورات لجسم الإنسان خاصة الأشعة فوق البنفسجية التي تساعد على تكون فيتامين ( د ) تحت الجلد ، الذي يؤدي نقصه لنقص وضعف في نمو العظام ، كما أن لأشعة الشمس فعل مطهر للجراثيم العالقة بجسم الإنسان . والأطباء العرب والمسلمون على الرغم من عدم معرفتهم لهذه الحقائق إلاّ أنهم أكدوا فائدته في معالجة بعض الأمراض .
يقول ابن سينا في ذلـك :(( وأما التضحي إلى الشمس الحارة وخصوصاً متحركاً حركة شديدة كالسعي والعدو مما يحلل الفضول … والاستسقاء وينفع من الربو ونفس الانتصاب ويحلل الصداع البارد المزمن … والسكون في الشمس في موضع واحد أشد في إحراق الجلد من التنقل فيها وهو أمنع للتحلل )) .ويقول عن الإندفان بالرمل :(( وأقوى الرمال في نشف الرطوبات من نواحي الجلد رمال البحار وقد يجلس عليها وهي حارة وقد يندفن فيها وقد ينثر على البدن قليلاً قليلاً فيحلل الأوجاع والأمراض )) .
وقريباً من هذا جاءت أقوال ابن الخطيب حول هذا الموضوع :
(( التضحي مما يحلل الفضول لاسيما مع حركة شديدة وينفع أمراضاً صعبة غليظة ، والسكون في التضحي أشد بكيفية الحر الحادث بسطح البدن من التحرك والإندفان في الرمل ، وبخصوص رمل البحر ، يحلل كذلك الأوجاع والاستسقاء والربو )) .
القســم الـثـالــث – الــنــوم :
بعد أن يستعرض الدكتور علي كمال النظريات والفرضيات عن فائدة النوم يقول :
(( فإن أغلب الاحتمال هو أن تكون الوظائف التالية هي أكثر وظائف النوم اقتراباً من الحقيقة وهذه هي بإيجاز :
1 . إن النوم يخدم وظائف أساسية مهمتها استعادة الإنسان أو الحيوان لنشاطه وللمقومات التي يقوم عليها هذا النشاط وهو بذلك حالة ضرورة ولا غنى عنها لجميع الكائنات الحية التي تنام.
2 . إن النوم غير الحالم ، والذي يشغل الجزء الأكبر من زمن النوم يقوم بمهمة استعادة النشاط الجسمي .
3 . إن النوم الحالم يخدم وظائف أكثر دقة ، وأنه يساهم بشكل ما في عملية استرداد الأداء العقلي والاجتماعي للفرد )) .
إن آراء الأطباء العرب والمسلمين لم تكن بعيدة عن هذا المفهوم بالنسبة للنوم على سبيل المثال يقول المجوّسي :
(( والطبيعة جعلت النوم لسببين أحدهما لسكون الدماغ والحواس وراحتهما مما يعرض لهما من الكلال الحادث من كثرة الحركة ، ولذلك صارت الأفعال النفسانية كلها تهدأ في وقت النوم وذلك أن الإنسان يعدم حاسة البصر والسمع والشم والذوق واللمس والحركة الإرادية ، فأما الأفعال الحيوانية والطبيعية فإنها جارية على حالها في وقت النوم … وفعل النوم يختلف في البدن من وجهين أحدهما من مقدار زمانه والثاني من مقدار المادة وكيفيتها فأما اختلاف النوم من مقدار زمانه فإن النوم الكثير يرخي القوة النفسانية ويضعفها ويبرد البدن … والمقدار المعتدل من النوم يهضم الغذاء ويثقل البدن ويحل التعب ويقوي النفس الطبيعية … ويصفي الذهن ويجود الفكر والرأي فأما إذا كان النوم أقل من المقدار المعتدل حدث عن ذلك ضعف النفس وضعف الطبيعة )) .
ويقول ابن سينا في ذلك : (( إن النوم يقوي الطبيعة كلها … ويرخي القوى النفسانية بترطيبه مسالك الروح النفساني وإرخائه إياها … ولكنه يزيل أصناف الإعياء )) .(( والنوم المفرط … يحدث بلادة القوة النفسانية وثقل الدماغ والأمراض الباردة )) .
ويقول ابن الخطيب :(( ولما كان شغل هذه القوى بهذه الوظائف حكم القلب فيها كداً ونصباً … احتاج إلى ما يحتاج إليه كل متحرك ذي آلة يطرقها الكلال والتحليل ما لم توفر وتخلف ما تحلل منها ، وهو زمان سكون ودعة وهدوء فراغ ، فجعل الله سبحانه الليل لباسا والنوم سباتا والنهار معاشا ، وقدّر الزمان ذلك السكون الذي تقع فيه راحة القوة النفسية بالليل )) .
يؤيد العلم الحديث ما عرضه ابن الخطيب فيما ذكره من الإعجاز الرباني في جعل الليل للنوم فقد تبين أن هناك فرقاً كبيراً بين نوم الليل ونوم النهار ، فلنوم الليل فوائد عظيمة حيث تنال أعضاء الجسم أضعاف ما تناله في نوم النهار المليء بالضوضاء والصخب والضياء القوي ، وكلها مثيرات للجملة العصبية ، ولقد اكتشف أخيراً أن الغدة الصنوبرية في الدماغ تقوم بإفراز مادة الميلاتونين ويزداد إفراز هذه المادة في الظلام بينما يثبط الضوء إفرازها وقد وجد أن للميلاتونين تأثير مباشر على النوم )) . وإذا حاول الإنسان مخالفة سنة الحياة هذه والحقيقة العلمية ، بحيث ينام في النهار ويسعى في الليل فإنه معرض لأضرار صحية عديدة كالإرهاق العصبي وضعف الحيوية .
1134 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع