عالم الاتصالات وقصته .. الجزء الثالث

التفاصيل

تم إنشاءه بتاريخ السبت, 10 شباط/فبراير 2024 11:43

كتب بواسطة: د.باسل ذنون الخياط

الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل

عالم الاتصالات وقصته.. الجزء الثالث

لقد كان اكتشاف الهاتف (التلفون) من قبل ألكسندر جراهام بل Alexander Graham Bell ومساعده توماس واطسون Thomas Watson في سنة 1876، وبحلول العام 1900، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم أكثر من مليون جهاز هاتف، ترتبط فيما بينها من خلال شبكة الهاتف الوطنية.

لقد كان دخول أول خدمة هاتفية إلى العراق عام 1910 لأغراض معينة ومحدودة جدا. وفي العام 1919 نُصبت في بغداد بدالة يدوية صغيرة في جانب من جامع الإمام الأعظم رُبط بها عدد من الهواتف الخاصة بالدوائر الرسمية. كما نُصبت بدالة في البصرة وكانت أوتوماتيكية وعرفت ببدالة العشار.

وبعد تأسيس الحكومة العراقية الملكية عام1921 كان أول بيت دخله الهاتف في بغداد بيت توفيق السويدي، وقد حصل هاتفه على الرقم (1)، وكانت طريقة الاتصال بالأشخاص تتم من طريق تدوير القرص لكي يتصل بالبدالة ويكون مأمورها مسؤولاً عن الحصول على الرقم المطلوب.

نتيجة لعدم إقبال المواطنين على نصب الهواتف في مساكنهم ومتاجرهم، فقد وُضع لأول مرة هاتف عمومي في دائرة بريد باب الأغا في بغداد، قرب جامع مرجان وذلك بتاريخ 15 نيسان 1927.

لقد عملت مديرية البريد والبرق العامة على تشجيع الأهالي على نصب الهواتف في مساكنهم، فأصدر المدير العام للبريد والبرق (أرشد العمري) منشوراً بتاريخ 15 آذار 1931 قرر فيه منح مبلغ نقدي مقداره 10 روبيات (حوالي 750 فلساً عراقياً) مكافأة لكل موظف بريدي يُقنع مواطن على نصب هاتف في مسكنه أو محله.

لقد أصبح عدد الهواتف المنصوبة في عموم العراق عام 1932 حوالي 1876 هاتفاً. وفي العام 1924 مُدّت أسلاك الهاتف بين الناصرية وسوق الشيوخ. وفي عام 1929 مدّت أسلاك الهاتف بين بغداد والحلة. وفي العام 1935 مدت أسلاك تلفون بين العراق وكل من سوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن ومصر.

ولتحفيز الناس على الاستفادة من خدمة الهاتف فقد خُفضت أجور المخاطبات للمسافات البعيدة داخل العراق وأصبحت هذه الأجور بسعر موحد للمخاطبات، وقِّسم اليوم إلى ثلاثة مدد لكل منها تسعيرة خاصة: المدة الأولى من الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الثانية ظهراً، والثانية من الساعة الثانية ظهراً حتى الساعة السابعة مساءاً، والثالثة من الساعة السابعة مساءاً وحتى الساعة السابعة صباحاً. كما وأصبحت وحدة المخاطبة في المدة الثالثة خمس دقائق بدلاً من ثلاث دقائق.

ونتيجة للتطورات العالمية للاتصالات أدركت وزارة الأشغال والمواصلات أهمية الأخذ بالتطورات التكنولوجية الحديثة، ولاسيّما مع تزايد الشكوى من الارتباكات التي تحدث في أثناء الاتصالات، فقررت استبدال البدالات اليدوية بالبدلات الأوتوماتيكية، ورصدت المبالغ لهذا المشروع، ونصبت أول بدالة أوتوماتيكية في العام 1938 في الكرادة الشرقية ذات 350 رقم سميت ببدالة الجنوب.

وبعد إكمال مد خط السكة الحديد بين الموصل وتل كوجك ( اليعربية حالياً) قررت مديرية البريد والبرق مَدّ أسلاك هاتفية وبرقية من تل كوجك إلى الموصل بمحاذاة سكة القطار لربط المحطات ومخافر الشرطة بعضها ببعض. وقد وُضعت الترتيبات اللازمة لتجهيز خط تلفوني منفصل إلى الحدود السورية يوصل العراق بسوريا بلا توسط فلسطين بعد إكمال الخطوط في داخل حدودهم، وقد أوفدت مديرية البريد والبرق هيئة خاصة للقيام بمدّ الخطوط المذكورة تحت إشراف الشعبة الفنية في الموصل.

استمرت الوزارة بالتوسع في مجال الخدمة الهاتفية، فبدلت بدالة الصويرة ذات 25 خطاً بالقديمة ذات 18 خطاً، وانجز نصب بدالة ذات ستة خطوط في حمام العليل. وأنجز نصب بدلات في المدن العراقية الأخرى. وفي 18 كانون الثاني 1938 أجرى أول اتصال لاسلكي مباشر مع لندن، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1939 نصبت 14 بدالة في بغداد بلغت سعتها 1085 خطاً هاتفياً.

لقد كان في كل محافظة عراقية (دليل للتلفونات) وهو عبارة عن كتاب يتضمن أسماء المشتركين وأرقام تلفوناتهم. وكانت المكالمات الخارجية (خارج العراق) تتم من دائرة البريد حصرا. وفي جامعة الموصل قاموا بتخصيص تلفون واحد للمكالمات الخارجية في غرفة تقع بجوار مسبح الجامعة، حيث يتم حجز سره للاتصال ويقوم الموظف بحساب مدة الاتصال ليحسب بموجبها ثمن المكالمة!!

الهاتف المحمول (الموبايل Mobile phone):
لقد كانت ولادة أول هاتف محمول على يد الأمريكي مارتن كوبر الباحث في شركة موتورولا للاتصالات في شيكاغو، حيث أجري أول مكالمة به في 3 أبريل عام 1973.

لقد أعرب كوبر عن ذهوله من مقدار الوقت الذي يهدره المستخدمون حاليًا على هواتفهم، وطالبهم بعدم الإفراط في استخدام هواتفهم المحمولة، ناصحًا بأن يستمتعوا ويستفيدوا من أوقاتهم وحياتهم بشكل أفضل، بدلًا من إهدار الوقت على الهواتف، بحسب ما نشرته صحيفة (نيويورك بوست).

وفي العام 1997 نجح المهندس الفرنسي Philippe Khan بإدخال الكاميرا مع الهاتف المحمول، كما نجح بمشاركة صور طفلته مع حوالي 2000 شخص بسرعة. وكانت شركة Kyocera اليابانية هي أول شركة تصدر هاتفاً محمولا مع كاميرا وذلك عام 1999.

لقد أضيفت الكاميرات، بما فيها الكاميرات الذكية، إلى الهواتف المحمولة، وقد تطور هذا الجهاز تطورات متسارعة حتى أصبح مهيمننا على عالم الاتصالات في أيامنا هذه.

وبالرغم من المزايا الكثيرة التي يتمتع بها الهاتف المحمول، فقد ظهرت العديد من الجوانب السلبية من تأثيراته على المجتمع، مثل: الإدمان على الهاتف المحمول وانشغال الكثير من مستعمليه عن العمل والدراسة في اللعب والتصفح لمواقع الإنترنت، العزلة الاجتماعية، تعرض الجسم لمخاطر صحية ومنها في مجال الأشعة.

لقد كشفت دراسة استقصائية، أُجرت عام 2021 على 2028 أميركيًا، أن 46% من المشاركين يمضون خمس إلى ست ساعات على هواتفهم يوميًا، فيما يقضى 11% سبع ساعات أو أكثر على أجهزتهم المحمولة يوميا.

موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك Facebook:
لقد قام طالب جامعي يدعى (مارك) بتأسيس موقع بسيط يدعى (فيس ماتش) يقوم بعرض الصور من داخل الحرم الجامعي والتعليق عليها فقط، فقامت إدارة الجامعة بتوجيه إنذار لمارك بإغلاق الموقع لأنه يعتبر منتهك للخصوصية.

هذا الفشل لم يزد (مارك) إلا إصرارا على متابعة عمله في إنشاء موقع للتواصل الاجتماعي. وفي سنة 2004 تم إنشاء موقع تواصل اجتماعي يدعى Facebook؛ بدأ في الانتشار في جامعة هارفارد وانتقل انتشاره للجامعات الأخرى ومن ثم تخطى الحدود المحلية وبدأ الانتشار للعالم أجمع، وأصبح بموجبه مارك مليارديرا تُقدر ثروته ب 142 مليار دولار.

لم يُسمح بإدخال أجهزة الاتصالات الحديثة إلى العراق قبل سنة 2003 لدواعي أمنية. وأتذكر في سنة 1999 عندما أوفدتُ إلى اليمن فوجئنا أنا وزملائي في صنعاء عندما شاهدنا الفضائيات هناك لأول مرة.

لقد جاء دخول الهاتف المحمول إلى العراق في شهر تموز عام 2003، ثم انتشر الفيس بوك في العراق بين عامي 2008 و 2010. وبتداخل الهاتف المحمول مع الفيس بوك انقلبت الحياة رأسا على عقب، وفاق استخدام الهاتف المحمول كل الحدود، حتى دخل استخدامه في المجال الديني في المساجد بعد الصلوات. ومن الاستخدامات الخاطئة للهاتف المحمول حاليا، هو استخدامه أثناء سياقة السيارات وبشكل ملفت للنظر.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
المصادر: خالدة بابان ومصادر أخرى متعددة.