الدكتور رعد البيدر
خَفايا من ذاكِرَة وَزير ... دونَ لَف، وبدونَ دَوَران
أعلَنَت قناة التغيير أنها سَتَستَضيف الدكتور ناجي صبري الحديثي وزير خارجية العراق الأسبق قبلَ وخلال فترة احتلال العراق في 9 نيسان / أبريل 2003، بتوالي ثلاث حلقات أسبوعية من برنامج خفايا في كتاب، الذي يُعِدهُ ويقدمهُ الأكاديمي والإعلامي الأستاذ الدكتور محمد مُظفر الأدهمي، ثُم أُضيفَت حلقة مُكَّمِلة؛ فأكتَمَّل الحوار بأربع حلقات.
هدف الاستضافة – كشف التناقض الغربي والأمريكي على وجه الخصوص، بين حرب (تحرير الكويت) وحرب احتلال العراق. أسلوب الاستضافة توضيح حقائق تاريخية قريبة الحدوث بصراحة دبلوماسية، وبِنِهجٍ إعلامي يربط بينها خيط من الأفكار والآراء. ضرورة الاستضافة – هي تَكاثرَ الافتراءات في وسائل التواصل الاجتماعي دونَ إطلاع ومعرفة، ودونَ بَيِّنَة.
أشارَ مُعِد ومُقدم البرنامج، وضيف البرنامج على صفحَتيهما في الفيسبوك إلى تواريخ وتوقيتات الحلقات المُزمَع بَثُها الأول، وتوقيتات إعادة البث ما بين الحلقتين السابقة واللاحقة ... حتى اكتَمَلَت جميع الحلقات.
خالَفتُ المَنهَجية والعُرف السائد، والذي بموجبهِ يُفتَرَضُ أن يُقَيّم ما يُكتَب، أو يُسمَع، أو يُشاهَد عنه من مضمونٍ ما، في نهاية المقال وليس في بدايتهِ . أقولُ مُنَّحِياً العواطف بَعيداً عن حروف وكلمات المُحايَدَة: لقد كانت القناة موفَقة باختيار الضَيف. شاهدتُ حلقات مُمَيَّزة توزَعَت روعتها بين المُتحاورَين، من حيث نوعية الأسئلة، وإدارة الحوار من قبل الدكتور الأدهمي، وأسلوب إجابات الدكتور الحديثي المُقَدَّرة " بالقيراط " دونَ اختصار يُخِلُ بالوضوح، أو توّسُع وإسهاب يُضيع الوقت؛ فيوَّلِد المِلَل عند المُشاهد. تَحَدَثَ الضيف بتوازن لُغَوي ومعلوماتي يَفهَمُهُ كُل الجمهور - اعتماداً على ما في ذاكرته، وليس على ملاحظات تذكير. وبرغم أن الاستعانة بورقة أو كتاب حق جائز لأي مِنَ المُتحاورين. لكنني لم اشاهدُ يَدُ الضيف امتدت لكتابٍ قد وضِعَ على الطاولة القريبة منه.
كنتُ على يقينٍ مُسبَق بأن المشاهدين سَيَطَّلِعون على الكثير مما لم يعرِفونهُ من قَبل، أو بجديدٍ سيُطرَح فيُزيلُ شكاً قائماً، أو يُعَّمِقُ قناعة موجودة. بالمقابل لن يَغرُب عن توقعاتي اختلاف ثقافة و (مزاجية) الجمهور الذي سيشاهد الحلقات، ومستويات ردود أفعاله في التعليقات، مما ستنحَصِرُ بين مستوى إدراك عقلاني، وجهل اعتباطي، وما بينهما من وسطية معرفية، أو بالتعاطف الإيجابي والسلبي (الأعمى) مع نظام حكم ما قبل 2003 في العراق، أو بِمَن لا يِشغلهُ الاهتمام، إن كان نظام الحكم وطنياً مُستَقِلاً، أو ذَيلاً تابعاً لِهذا الطرف الإقليمي، أو لذاكَ الطرف الدولي.
أياً كانت عاطفة المُتابِع تجاه الضيف شخصياً، أو تجاه ما تحَدَثَ به؛ فأن خلفية تصورات (البعض) ومستوى إدراكهم يتطلبان المزيد من التوضيح. وعلى العكس من ذلك، فإن بعضٍ آخر ممن شاهدَ الحلقات، كان يُفَضِلُ الاختصار بما أمسى معلوماً، من أجل التوَّسُع بالاطلاع على وضوحٍ أعمق، مما لم يسبق له الاطلاع عليه، للتوصل إلى ترابط الاحداث بتعاقب زمني، يُحَقِق بيان السبب والنتيجة بمهارة سردية، لا تقبل اجتهاد التفسير الخاطئ. أن فقدان أيٍ من هذه العناصر ومُكَمِلاتها، يُشوه وضوح ونصوع الصورة التي يُكَوِنُها المُتلقي. وبالتالي يكون المضمون المَطروح قابل للاختراق من فجوة أو نقطة (هَشَة)، لم يُغطيها المُتحدث، فيَنفِذ البعض من خلالها. والمُدرك يعلم الفرق بين معنيي الناقد و (المُنتقد) من حيث الأسلوب، ومن حيث الهدف؛ بهذا سيكتبَ من يُريد - ما يحلو ويطيب له، سواءً أكان " حقيقةً أمْ تَجَني ".
رغم تنسيقات ما قبل التسجيل المُتعارف عليها بين مقدم البرنامج والضيف، إلا إن مُعِد ومُقَدِم البرنامج قد تفَنَنَ بأسلوب طرح الأسئلة، وتعَمَّد باستخدام أسلوب الإثارة احياناً؛ مُتوخياً المزيد من التأكيد والتوضيح. بالمقابل كان البناء المعلوماتي للدكتور ناجي صبري الحديثي " تراكُمياً "، بأسلوب تصاعدي بديع مع تقادم زمن عرض الأحداث، مما جعلَ الوضوح جلياً للمُتابع الحاذق. وفي مُداخلات مُتَعَدِدَة للدكتور الأدهمي، كانت ردود الدكتور الحديثي " سأتحدَثُ عن ذلكَ لاحقاً "، واعتباراً من الحلقة الثالثة " كرَرَ أشَرنا لذلكَ سابقاً ". بالتالي فقد تَقَسَمَّت كفاءة الاقتِدار بامتياز، بين ضيف البرنامج والمُضَيَّف.
شاهدتُ الحلقة الأولى التي بُثَت يوم 19 حزيران/ يونيو 2024، وكان وقتها (53) دقيقة. استَهَلَها مُقدم البرنامج بتمهيد مُختَصَر - كفَرشة معلوماتية لتهيئة ذهنية المُتلقي عَمَّا سيجري عَرضُه ومناقشته بصورة عامة في جميع الحلقات. أعقَبهُ بعرض موجز للسيرة الذاتية للدكتور ناجي صبري الحديثي. اعتَمَدَ الدكتور الأدهمي الوضوح والتدرج كتأسيس بطرح أسئلة مُتَوالية، مُهَيَّئة سَلَفاً، وأسئلة استَجَدَت بالضرورة، من خلال إجابات الضيف.
خلاصة ما ورَدَ في تمهيد الدكتور الأدهمي، واستهلال الدكتور الحديثي، وما أودُ أضافته: أن الحصار الغذائي الأمريكي من جانب واحد، كان قد فُرِضَ على العراق قبل عملية اجتياح العراق للكويت في 2 آب / أغسطس 1990. وجرى التطرق إلى إطلالات على طبيعة المناخ الدولي، الذي صاحَبَ وأعقَبَ عملية الاجتياح. إضافة إلى استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لمجلس الأمن كوسيلة لإصدار قرارات مَهَدَّت لإضعاف قُدرات العراق بمختلف الجوانب - من خلال فرض حصار اقتصادي شامل، على صادرات وواردات العراق، في سابقة لا مثيل لها على مستوى العلاقات الدولية. أعقبتها بشَنُ حربين متواليتين، بينهما فارق زمني مدته (12) عاماً، تخللتهما (6) ضربات عدوانية باستخدام الطائرات والصواريخ، سأبينها لاحقاً. سَمّى العراق تلك الضربات بعدوان الرجعة الأولى، الثانية، الثالثة على تواليها. إضافة إلى تَمديد منطقة حظر الطيران الجنوبية - شمالاً من الخط 33 إلى الخط 32
، فوصَلَت إلى قضاء الصويرة، القريب من جنوب مدينة بغداد. وللتَنويه فإن الحَظر على الطيران العراقي هو إجحاف، فَرَضَهُ توافق الولايات المتحدة بمشاركة بريطانيا وفرنسا، بعيداً عن قرارات مجلس الأمن، وصولاً الى احتلال العراق، وإسقاط نظام حُكمهِ عام 2003.
أكتفي بما تحاورَ بهِ مُقدِم البرنامج وضيف البرنامج من أسئلة وإجابات شَيِّقَة، وسأضعُ روابط الحلقات الأربع وفق تعاقبها، وقد أضيفُ ما أراه ضروريا لوضوح المقال، وليس لتوضيح مضمون الحلقات.
يعلمُ المُتابِع بأن آخر تصعيد تدريجي ومُفتعل بين الولايات المتحدة والعراق، قد أبتدأ حينما هَيمَنَ الصقور على البيت الأبيض، بعد فوز بوش الأبن بمنصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001. ووفقاً لقناعات وسلوك وتصريحات الصقور، بأن حرب (تحرير) الكويت عام 1991، لم تحقق كامل طموحات الولايات المتحدة، رغم النتيجة التدميرية التي انتهت إليها، لكون الرئيس صدام حسين قد استمر يحكم العراق، و(الضرورة) الأميركية تتطلب القضاء على صدام شخصياً، وإنهاء نظام حُكمهِ.
قبل هجمات11 سبتمبر/ايلول2001، وبسرية تامة وإطلاع محدود ومخادعة " سياسية – إعلامية "، بدأت بواكير مراحل التخطيط، وتعديل الخطط الأمريكية السابقة لتدمير العراق، وفق مراحل تنفيذ مُتزامنة، بأسلوب تّعَدُد الخيارات وتوَّحُد النتيجة. وظِفَت فيها المعلومات التجسسية المُحصَلة، التي وَفَرَتها نشاطات فرق التفتيش عن أسلحة (الدمار الشامل) في التخطيط من قبل مجموعات متخصصة، استَلَمَت توجيهات تخطيط مُتَعَدِدَة؛ سعياً لتحقيق أهداف فرعية، يُكمل بعضها البعض: سبباً وتاريخاً ونتيجة؛ لبلوغ الهدف المركزي للولايات المتحدة، المُتَمَثِل باحتلال العراق، واسقاط نظام حكمه. أدناه رابط الحلقة الكاملة :
https://www.youtube.com/watch?v=oSes9EY5CnI&list=PLZPCKRUBeKRhyjJ4WpK1iwQ2wwg_0jWUJ&index=6
أما الحلقة الثانية، فقد استَغرَقَت قُرابَة (50) دقيقة، دارَ الحِوارُ خلالها حولَ ما يتعلق بالمُبادَرات والتَطورات الدَولية، التي أعقبَت اجتياح العراق للكويت، وحزمة قرارات مجلس الأمن، التي صدرت متوالية، وادَت الى شن الحرب على العراق في 17 كانون ثاني/ يناير1991، مع الاشارة الى المبادرات العربية والدولية - التي افشلتها الولايات المتحدة الأمريكية، في إصرارٍ مُسبق على الذهاب إلى خيار الحرب، وتعطيل المساعي السلمية. بذلك عَرقَلَت أي تدخل إقليمي أو دولي، لنزع فتيل الحرب قبل انفجارها. جرى التركيز على ظروف إصدار قرار مجلس الأمن (678) لغزو العراق، بالإشارة المؤكدة بالمصدر. واتضحَ بأن من كان له الدور الأكبر بإصدار القرار هو وزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر، استناداً لما أشار له في كتابهِ (سياسة الدبلوماسية - الثورة، الحرب، السلام). وكَسِبق نَظَر، اختارت الولايات المتحدة الأمريكية توقيت إصدار القرار في نهاية شهر تشرين ثاني / نوفمبر 1990؛ كونها تَجمعُ بين حالتي العضوية الدائمة، إضافة لترأسِها اجتماعات مجلس الأمن في دورتهِ بذلك الشهر، وتَجَنَبَت تأخيره إلى شهر كانون أول / ديسمبر؛ لأن رئاسة مجلس الأمن ستكون من استحقاق اليمن، وهي دولة عربية مُتحالِفَة مع العراق. المضمون الكامل للحلقة في الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=cyXbiGC022Q&list=PLZPCKRUBeKRhyjJ4WpK1iwQ2wwg_0jWUJ&index=2
الوقت الكلي للحلقة الثالثة قُرابة (45) دقيقة، عنوانها العام حقيقة المفتشين الدوليين: تكوينهم، وجنسياتهم، وتكاليف نفقاتهم، وأدوارهم التَجَسُسية، ومُطالباتِهم، وتَصرُفاتِهم الاستفزازية واللاشرعية بافتعال الأزمات مع الجانب العراقي. وتضمن التحاور وضوح موقف العراق من هجمات نيويورك في 11 ايلول/ سبتمبر 2001، بشكل لا يقبل التأويل وسوء التفسير. وشَمِلَ التحاور إجابات تفصيلية عن مشروع النفط مقابل الغذاء، وتحديداً الإجابة عن سؤال :
هل كان المشروع يُعَبرُ عن حقيقة حالة إنسانية، ام حالة استغلالية ؟ ، واتَضَّحَ أن ظاهر المشروع إنساني، وباطِنَهُ استغلال يتمثلُ بنهبِ ثروات العراق - وفقَ قوانين شُرِعَت لهذا الغَرَض، وليس أمام العراق إلا خيار قبول " اللابُد مِما ليس مِنهُ بُد "، في ظروف اقتصادية وتدميرية طالت أغلب المنشآت والجسور، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية، ومراكز المواصلات وإعادة البث، ومحطات ضخ وتجهيز مياه الشرب، ومحطات الصرف الصحي، وغيرها (كأهداف انتقام)، أكثر من كونها أهداف عمليات حربية.
بعد مُشاهدتي للحلقة الثالثة قررتُ كتابة مقالين – الأول يُعاضد ما وَرَدَ بالحلقات الثلاث من البرنامج، بتوسعٍ يسمحُ به وقتي كمشاهد، ولا يسمح به وقت البرنامج. فكتبتُ مقالاً مُطَولاً بعنوان " ما قبل عاصِفَةُ الصَحراء ... بَينَ المَخفي والمَكشوف " نُشِرَ في مجلة الگاردينيا الثقافية، يمكن الاطلاع عليه من الرابط التالي:
https://www.algardenia.com/maqalat/64367-2024-08-05-15-04-20.html
أما المقال الثاني فهو الذي بين أيادي القُراء، كتبتهُ بعدَ بث الحلقة الرابعة مِن البرنامج - أشيدُ وأُشيرُ وأُذَّكِرُ فيه، واستذكرُ منه حيثما توجد وتوجب ضرورة المُحايدة تحليل مضمون اعجبني. وأُعاضد ما طُرِحَ في الحلقات الثلاث من وجهة نظر عسكرية دون تعَمُق، لتحقيق الترابط والوضوح المُكَمِل لمضمون المحاورة التلفزيونية. سأركزُ على جانبين هُما:
الجانب الأول - في الحروب التقليدية توجد (4) أنواع من الأهداف هي:
1. الأهداف التي تقع ضمن أراضي الدولة المعادية وتشمل:
أ. اهداف القصف السوقي. تُحدد الأهداف بقرار سياسي، ويُخطط لمعالجتها من قِبَل القيادة الجوية العُليا. الغاية من اختيارها، الضغط على قدرة مقاومة العدو، لإضعاف إمكانياته القتالية، وإرغامه على العزوف عن الاستمرار بالحرب.
ب. اهداف الحركات الجوية المقابلة. تُحَدَد الأهداف ويُخطط لمعالجتها من قِبل القيادة الجوية العُليا. الغاية من اختيارها، تسهيل تنفيذ مهام القوات الجوية الصديقة، وإعاقة تنفيذ مهام القوات الجوية المُعادية.
2. الأهداف الواقعة ضمن ميدان المعركة. تُحَدَد من قِبَل القيادات البرية الميدانية، ويخطط لها من قِبَل القيادات الجوية الميدانية، وتشمل:
أ. أهداف التجريد. يُقصَد بها الأهداف التي يُحقق تدميرها إلى عزل ميدان المعركة المعادي عن خطوط امداداته الخلفية، لمنع وصول التعزيزات للقطعات الأمامية.
ب. أهداف الإسناد الجوي القريب. تشمل مجموعة الأهداف التي تستوجب معالجتها بالوقت والمكان المطلوبين، لتسهيل فعاليات قتال التشكيلات والوحدات البرية الصديقة، وإعاقة فعاليات قطعات العدو القريبة من قطعاتنا.
للوصول إلى حُكم مُنصِف في انتخاب أهداف الميدان، أو أهداف العُمُق - أتسائل: هل راعت الولايات المتحدة وحليفاتها الجانب الإنساني للمدنيين، مِمَن هم خارج ميدان القتال؟ بل هل روعِيَّ الجانب الإنساني لعموم العراقيين: أطفالاً، شيوخاً، نساءً، مرضي ومعوقين، عندما استهُدِفت: البيوت، الشوارع، الملاجئ، دور العبادة، المدارس، …. وحتى المستشفيات؟. وسرعان ما بدأت تظهر الآثار والأضرار الكارثية من الناحية الإنسانية - التي نَتَجَت عن استخدام أسلحة مُحَرَّمَة دولياً، سيئة التأثير، لن ينجو من تأثيراتها الصحية لا جيل الحرب، ولا الأجيال القادمة، بسبب تكاثر الولادات المشوهة، والإصابات السرطانية.
بما أن ميزَة التفوق النوعي كانت لصالح دول التحالف من حيث: إعداد الطائرات وتنوعها، ونوعية تسليحها، ومدياتها وإمكانية إطلاق ومتابعة المقذوفات عَن بُعد، والإسكات/التدمير المُبَكِر لمُعظَم وحدات وتشكيلات الدفاع الجوي حول الأهداف الحيوية. إضافة إلى امتلاك صواريخ بعيدة المدى دقيقة الإصابة. بالنتيجة فأن هذا التكامُل والمزايا قد مَنَحا الولايات المتحدة وحلفائها فرصة تنفيذ جميع المهام معاً، قبل بدء المعركة البرية وخلالها، حتى بعد إعلان موافقة العراق على قرار مجلس الأمن (660)، ومباشرة الجيش العراقي بالانسحاب من الكويت. فَتَعَمَدت الولايات المتحدة وحُلفائها تحقيق المزيد من الخسائر المادية، والمعنوية، والبشرية.
تدمير أرتال الجيش العراقي المنسحب من الكويت
بعد الإعلان الرسمي عن قبول قرار مجلس الأمن 660
اصبحتُ مُلزما بطرح سؤال إثارة، هل كانت الأهداف التي انتَخَبَتها الولايات المتحدة، وعالجتها في عمق الأراضي العراقية، وفي ميدان القتال البري - تَنسَجِمُ مع أكاذيبها عن: الحرية، والسلام، والقيَّم الإنسانية؟ .
قد يُثير أحد أرباع أو أنصاف المُثقفين اعتراضاً مَفادهُ، أن الانسحاب هو صفحة من صفحات القتال المعروفة، بذلك فمن حق الخَصُم مُقاتلة القطعات المُنسحبة. أختصرُ جوابي مُبيناً: نعم ذلك صحيح، لو كان الانسحاب بأسلوب قتال تراجعي. لكن عملية انسحاب قطعات الجيش العراقي من الكويت، طغى على ظروفها عدم وضوح وتجانس توجيهات سابقة، وأوامر لاحقة. وتَمَثَل بترك أرض، وإخلاء مواضع دفاعية، وذلك ليس بخافٍ على قادة الحرب الأمريكان السياسيين منهم والعسكريين. مما يُفَسَر كونها غاياتٍ (وحشية، إجرامية) غير إنسانية، وليست أساليب ارغام وفرض إرادة بالقتال.
ولكون القوات المسلحة بمختلف صنوفها إحدى وسائل تنفيذ التوجه والنهج للقرار السياسي؛ لذا فأن الجريمة السياسية أكبر شمولاً، وأكثر انعكاساً، مما يُسمى بالجريمة العسكرية.
الجدير بالذكر أن دول التحالف استخدمت أجيالاً قديمة من الأعتدة، وجَرَّبَت أجيالاً حديثة منها. بذلك أفرغت خزين مستودعاتها من الأجيال القديمة، وتوصلت إلى نتائج تجارب واقعية للأجيال الحديثة - ميدانياً. وقَبَضَت أثمانها ضمن قوائم تكاليف الحرب. الدخول بالتفاصيل يوَّسِع السطور، ويتقاطع مع الغاية من كتابة المقال.
خلاصة ما يتعلق بكيفية اختيار الاهداف وأسلوب معالجتها، وبمعزل عن مسببات الحرب. هل مازال في أذهان البعض سؤالاً يبحثُ عن جواب، حول الأساليب التي اعتمَدَتها الولايات المتحدة و حلفائها في ميدان القتال وخارجة، إن كانت شريفةً أمْ خَسِيسة ؟
الجانب الثاني - يتعلق بافتراء أباطيل وافتعال مُسبباتِ تقصير من قِبِل مفتشي الأسلحة، لشن عدوان جديد ، يُحَققُ مَزيداً من التدمير بالقدرة العراقية. فبين تاريخ توقف فعاليات القتال في الحرب، التي أصبحت مُتداولة إعلاميا بتسميات متعددة (حرب الخليج الثانية، وعاصفة الصحراء، وأم المعارك، (وحرب تحرير الكويت) وبين بداية العدوان الأمريكي - الذي انتهى باحتلال العراق. مارست الولايات المتحدة حرب استنزاف لموارد العراق، بدأت منذ اليوم الأول لتوقف الحرب الشاملة من بينها (6) اعتداءات جوية كُبرى على مواقع متعددة، وفق التواريخ المُبينة في أدناه:
1. قصف قاطع الدفاع الجوي الثالث في الناصرية بصواريخ كروز يوم 8 آذار / مارس 1991.
2. قصف منشأة النداء الصناعية المدنية وفندق الرشيد في وسط واطراف العاصمة بغداد بصواريخ كروز يوم 17 كانون ثاني يناير/ 1993.
3. قصف جهاز المخابرات العراقي وعدد من منازل المدنيين الواقعة في حي المنصور وسط العاصمة بغداد بصواريخ كروز يوم 27 حزيران / يونيو 1993.
4. قصف مواقع عسكرية ومدنية في بغداد ومحافظات اخرى بصواريخ كروز يومي 3، 4 أيلول / سبتمبر 1996.
5. بمشاركة امريكية وبريطانية شَنَّت قواتهما عدواناً جوياً واسع النطاق على العراق أسمَتهُ عملية (ثعلب الصحراء)، أطلقت فيه (425) صاروخ كروز، وشَنَّت طائراتهما أكثر من (600) غارة على مواقع عسكرية، وصناعية مدنية، وعُقَد مواصلات، بين يومي 18 و 20 كانون أول / ديسمبر 1998، بذريعة عدم تعاون النظام العراقي مع اللجان الدولية للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل.
6. يوم 16 شباط / فبراير 2000 شَنَّت (36) طائرة أمريكية هجوماً على مواقع عسكرية ومدنية في بغداد، وعندما سُئِلَ الرئيس الأمريكي بيل كلنتون عن سبب الهجوم، قال أنه عمل روتيني.!
توَّخَت الولايات المتحدة وبريطانيا من توالي استمرار عملياتهما العسكرية تحقيق المزيد من الضغوط المستمرة على النظام العراقي، لإجباره على تقديم المزيد من التنازلات. ألا تُثيرُ عدوانية ثلاث إدارات أمريكية مُتتالية سؤالاً يَبحَثُ عن جواب:
" أيُ حقدٍ ذلك الذي أُفرِغَت فيهِ سُموم بوش الأب، وبوش الأبن، وبينهما بيل كلنتون، على العراق و شعبه و نظام حُكمهِ، و لمصلحة مَن ؟ "
عُرِضَت الحلقة الرابعة والأخيرة من البرنامج يوم الجمعة 9 آب / أغسطس 2024، عنوانها العام " اصلاح الدبلوماسية وافشال شرعَنَّة الحرب " تابعتها بانتباهٍ شديد لمدة (52) دقيقة. أشار الضيف إلى أنه تولى منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، في أواخر نيسان/ابريل2001، وبحكم عَمَلهِ الدبلوماسي، لم يكن بعيداً عن نشاطات وزارة الخارجية – التي أستوزَرَها في 4 آب / أغسطس 2001، وكان عليه التعامل بالتوازي ومراعاة الأهمية الظرفية مع أربعة ملفات مهمة – هي:
1. تذليل المُعَرقلات والمَشاكل المُتفاقِمَة مع الأمم المتحدة.
2. إيجاد سُبل لحل مشكلات العلاقات العربية – العربية التي ساءت بعد اجتياح العراق للكويت.
3. تصفية مُتعلقات ما بعد الحرب مع إيران، لا سيما موضوع الأسرى العراقيين في إيران، وموضوع الضباط الإيرانيين السُجناء في العراق.
4. الاصلاح الهيكلي لوزارة الخارجية.
المُشخص من إجابات الضيف، اختلاف الصيَّغ التعبيرية عن سابقاتها؛ كونها تتعلق بجهود ودَور الدكتور الحديثي في أحرَّج فترة من تاريخ النزاع الأمريكي - العراقي، حين قاد الجهد الدبلوماسي آنذاك.
في الحلقات السابقة أوضَحَ ضيف البرنامج التفاصيل الدقيقة بالمُتابعة الشخصية بالاعتماد على ما قرأ عن، ما سمع من، شاركَ في (....). أما في الحلقة الأخيرة فقد كانت صِيَّغ التعبير: كُلفتُ ب (....) قمتُ ب (.…) طالَبتُ ب (….) التقيتُ مع (....) تباحثتُ مع (....) اقترحت على (....) اعترضت على (....) استُدعيتُ من قِبَل (....) بعثتُ إلى (....) كونه صار المُتَصَرِف بالمقوَّد الدبلوماسي؛ لكن ليس بعيداً عن التوَّجه السياسي العام للدولة. ولا يخفى على العارفين بأن لكُلِ منصبٍ بكل المستويات، مسؤولية مُبَيّنَه، وحدود صلاحية. تزداد الصلاحية بتخويل شفوي أو تحريري من المستوى الأعلى. لترابط وأهمية وحساسية ما ورد في الحلقة الأخيرة، لن اختصر شيئاً منها؛ فلرُبما يتسبب الاختصار بإضعاف الوضوح التام، الذي تَدَرَج به الضيف بشكل منطقي. لذا سأكتفي بِتثبيت رابط الحلقة في أدناه:
https://www.youtube.com/watch?v=KVLJ1aDUF5w&t=109s
قبل الخِتام - دعوة لكُلِ مُتابع يبحثُ عن حقائق تخلو من الزَيفِ والتضليل – أن يطَّلِعَ على الحلقات بالتوالي؛ وسيتيَّقَن بأنني كُنت ناصحاً.
معالي وزير الخارجية الدكتور ناجي صبري الحديثي، أصِفُكَ ولا أقيمك. كُنتَ صَريحاً، مُتَمَّكِناً من فن التحاور المُتَّزِن، بليغاً في القول، ومُقتدراً على إيصال فكرة مُكتمِلَة ومُكَمَمَة - اشتَمَلَت على (أرقام ، تواريخ ، مُسَميات واضحة ) مُعتَمِداً على ذاكِرَتك كمُعايش ومتابع، بحكم مسؤوليتك الإعلامية و الدبلوماسية، في فترة ما ، وكعنصر فعال في أحرج فترات النزاع .
الأستاذ الدكتور محمد مظفر الادهمي، كُنتَ ماهراً بفن إدارة الحوار بمهنية واقتدار .... كِلاكُما من بين العناوين الوطنية العراقية المُخلِصَة، وهكذا ستبقيان؛ وإن أختَلَفَ (البعض) عندما أختَلَفَ الزمان.
485 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع