قاسم محمد داود
إيران وزعامة العالم الإسلامي
تقدم إيران نفسها زعيمة للعالم الإسلامي وقدوة للعالم العربي، وتسعى إيران إلى تعزيز نفوذها في العالم الإسلامي وتطمح إلى أن تكون قوة قيادية فيه. هذه الطموحات تعود إلى عدة عوامل سياسية، دينية، وجغرافية، وترتبط بتوجهاتها الداخلية والخارجية. من ناحية دينية، إيران تعتمد على هويتها الشيعية وتسعى إلى تعزيز نفوذها بين المجتمعات الشيعية في مختلف البلدان الإسلامية. وتحاول في هذه الدول في نهاية المطاف ترسيخ النظم السياسية الشيعية على غرار ما لديها. وتعمل على تقديم نفسها كمدافع عن المظلومين، وخاصة الشيعة في الدول ذات الأغلبية السنية، وهذا يظهر في دعمها لأحزاب وجماعات مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، ودعمها للحكومة السورية بقيادة بشار الأسد. ومن ناحية سياسية، تسعى إيران إلى توسيع نفوذها الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وذلك من خلال دعم الحلفاء والجماعات المسلحة في المنطقة لتحقيق توازن أمام القوى الإقليمية الأخرى مثل السعودية وتركيا. كما تُظهر إيران قوتها من خلال دعمها للحركات المقاومة ضد إسرائيل والولايات المتحدة، مما يجعلها تحظى بتأييد من بعض التيارات الإسلامية التي تعارض النفوذ الغربي. في المجمل، تسعى إيران لتكون قوة مؤثرة في العالم الإسلامي. وهنا يُثار السؤال التالي:
ما هو الهدف الذي تسعى إليه إيران من وراء البحث عن هذه الزعامة؟
إيران تسعى لتحقيق مجموعة من الأهداف في المنطقة، تتنوع بين الأهداف السياسية والأمنية والاقتصادية والاستراتيجية، وتشمل:
إيران تسعى لزيادة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط من خلال دعم حلفائها الإقليميين، مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والمجموعات الشيعية في العراق وسوريا. هذا يتيح لها الوصول إلى مواقع استراتيجية وقدرة على التأثير في السياسات الإقليمية.
تعتبر إيران الولايات المتحدة وإسرائيل تهديداً لأمنها الوطني، وبالتالي تسعى لتقليل نفوذهما في المنطقة. من خلال دعم حركات المقاومة والمجموعات التي تعارض النفوذ الأمريكي والإسرائيلي، وتحاول إيران تحقيق توازن قوى يعزز من أمنها القومي. التواجد في دول مثل العراق وسوريا يساعد إيران على تكوين "حزام أمني" يبعد التهديدات المحتملة عن حدودها ويمنع نشوء تهديدات معادية بالقرب منها.
يمكن القول إن السياسة الخارجية الإيرانية هي حصيلة مصالحها الذاتية، المُتمثِّلة بحماية الحكم الإسلامي الإيراني من التهديدات الخارجية. هذه السياسة قد تبدو تارةً هجومية وطوراً براغماتية، لكن ثمة هنا زاوية طائفية أيضاً. فبسبب عزلتها عن جيرانها منذ ثورة 1979، انتهجت إيران استراتيجية تقوم على نسج علاقات مع كيانات غير دُولتية لمساعدتها على ترقية مصالحها الاستراتيجية. وعلى رغم أنها تدعم جماعات سنّية، كحركتي الجهاد وحماس الفلسطينيتين، إلا أن مساندتها للمنظمات الشيعية أثارت حنقاً شديداً لدى جيرانها. وقد درَّ هذا التوجُّه، المترافق غالباً مع السياسة غير المعلنة المتعلقة بتصدير الثورة، على إيران مكاسب استراتيجية، لكنه أسفر أيضاً عن تعميق التصورات حول تحيّزاتها الطائفية.
تحاول إيران إيجاد منافذ اقتصادية جديدة لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. على سبيل المثال، تسعى لتعزيز العلاقات التجارية مع العراق وسوريا ولبنان لتأمين مصادر دخل ودعم اقتصادها.
إيران تسعى لقيادة العالم الشيعي وتستخدم الأبعاد الطائفية لتعزيز نفوذها بين الشيعة في المنطقة، سواء في العراق أو لبنان أو اليمن. هذا يعطيها ثقلاً إضافياً في التأثير على السياسات الداخلية لهذه الدول.
الحفاظ على خط الإمداد الذي يربط إيران بحلفائها في سوريا ولبنان (المعروف بـ "الهلال الشيعي") يعد من الأهداف الاستراتيجية لطهران. هذا يمكنها من تقديم الدعم اللوجستي والعسكري لحلفائها.
تسعى إيران من خلال هذه الأهداف لتحقيق مصلحة قومية واسعة النطاق تشمل البقاء في موقع قوة وصد أي تهديد خارجي، بالإضافة إلى تعزيز مكانتها كقوة إقليمية بارزة.
ولكن عند دراسة الواقع نجد هناك عدة عوامل تحول دون أن تصبح إيران قائدة للعالم الإسلامي، وتشمل هذه العوامل الدينية والسياسية والعرقية والجيوسياسية. ومن أبرز هذه العوامل:
• الخلاف المذهبي: يشكل الانقسام السني-الشيعي حاجزاً رئيسياً أمام طموحات إيران في قيادة العالم الإسلامي. الأغلبية الساحقة من المسلمين هم من السنة، بينما إيران دولة ذات أغلبية شيعية، وتتبنى السياسات التي تدعم الشيعة في المنطقة. هذا يولد توترات مع الدول السنية الكبرى مثل السعودية ومصر وتركيا.
• المواقف العدائية: الكثير من الدول الإسلامية السنية، خصوصاً الخليجية منها، ترى إيران كخصم يسعى لتوسيع نفوذه من خلال دعم الجماعات الشيعية. هذه النظرة تجعل من الصعب على إيران كسب تأييد شامل في العالم الإسلامي السني.
• السعودية وتركيا: كلا البلدين يمثلان قوتين إقليميتين كبيرتين لهما طموحات في قيادة العالم الإسلامي. السعودية تُعتبر زعيمة العالم الإسلامي السني، خاصة بفضل مكانتها كمهد الإسلام وكونها تحتضن الحرمين الشريفين، في حين تسعى تركيا بقيادة أردوغان إلى تعزيز دورها من خلال خطاب قومي إسلامي وتاريخها العثماني.
• الصراع على النفوذ: التنافس بين إيران وهذه الدول يخلق تكتلات إقليمية معادية لهيمنة إيران، مثل "مجلس التعاون الخليجي" و"تحالف الدول السنية".
• التدخلات العسكرية: التدخل الإيراني في دول مثل العراق وسوريا واليمن، من خلال دعم الجماعات الشيعية المسلحة، يثير قلقاً كبيراً في الدول السنية. هذه السياسات تعزز النظرة إلى إيران كقوة تهدد استقرار المنطقة، وليس كزعيمة توحد المسلمين.
• العقوبات الدولية: العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والغرب على إيران نتيجة برنامجها النووي ودعمها لجماعات تصنفها هذه الدول إرهابية تعوق إيران اقتصادياً وتحد من قدرتها على لعب دور قيادي عالمي.
• الهوية الفارسية: على الرغم من أن إيران دولة إسلامية، إلا أن هويتها العرقية الفارسية تختلف عن الهوية العربية التي تسود في معظم العالم الإسلامي. هذا الاختلاف العرقي والقومي يعمّق الفجوة بين إيران والدول العربية، حيث يُنظر إلى إيران أحياناً على أنها تتبنى أجندة قومية فارسية تحت غطاء إسلامي. لاسيما وقد كتب القوميون الفرس تاريخ إيران برؤيةٍ قريبةٍ من الرؤية الاستشراقية، المتجذّرة في تفوّق العرق الآري والإشادة بتاريخ إيران البعيد ومعاداة العروبة. ولا تزال هذه الأيديولوجيا وتداعياتها مهيمنة على عقلية كثير من النخبة الإيرانية.
• عدم القبول الشعبي: الكثير من المسلمين السنة في الدول العربية والإسلامية يعارضون النفوذ الإيراني بسبب سياسات إيران الخارجية ومواقفها المذهبية. حتى داخل المجتمعات الشيعية، لا يوجد دائماً توافق كامل مع سياسات النظام الإيراني.
• العلاقات المتوترة مع الغرب: السياسات الإيرانية في ما يتعلق بالبرنامج النووي ودعمها لحركات معادية للغرب تعرقل فرصتها في قيادة العالم الإسلامي. الدول الإسلامية الحليفة للغرب ترفض الهيمنة الإيرانية وترى في إيران تهديداً للاستقرار العالمي.
• الأزمات الاقتصادية والسياسية: إيران تعاني من مشكلات اقتصادية داخلية كبيرة، ناجمة عن العقوبات الدولية وسوء الإدارة الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتجاجات واضطرابات داخلية تعبر عن عدم الرضا الشعبي تجاه السياسات الحكومية، مما يضعف قدرتها على تقديم نموذج قيادي جذاب لبقية العالم الإسلامي.
باختصار، التحولات المذهبية، المنافسة الإقليمية، السياسات الخارجية الإيرانية، والانقسامات العرقية والثقافية كلها عوامل تعرقل طموح إيران في قيادة العالم الإسلامي.
510 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع