بقلم: أنور أبو بكر كريم الجاف
كاتب وباحث أكاديمي - كوردستان العراق
من يُرهق الآخرين يسير معهم: حكمة كردية في وجه سياسات ترامپ .
أو بتعبير آخر ترامب يمسك بلحية أوروبا: لعبة الضرائب وارتداد الخطى .
تنويه الكاتب: إنّ هذا المقال يُكتب بصفتي باحثًا أكاديميًا مستقلًا من كوردستان العراق، لا أتبنى فيه سوى أدوات الفكر الحر والنقد البنّاء بعيدًا عن أي تحريض أو إساءة أو اصطفاف أيديولوجي .
ما ورد من إشارات أو أمثلة سياسية إنما يُقصد بها تحليل الظاهرة من منظور ثقافي وفلسفي وتسليط الضوء على المفارقات بين المبادئ والخطاب مع احترام جميع الشعوب والدول والمؤسسات الديمقراطية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية .
فالحرية التي أتغنّى بها في هذا النص هي ذاتها التي أؤمن أنها تحمي الفكر والمفكرين وتُكرّم من يحترم العقل والحوار .
في زمن تتقاطع فيه المصالح وتحتدم فيه أدوات الاقتصاد كسلاح سياسي يبرز موقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في فرضه تعريفات جمركية جديدة وشاملة على واردات من أوروبا وبريطانيا كحدثٍ لا يُمكن قراءته إلا في ضوء موازين القوى والردود المتوقعة.
أعلن ترامب تعريفات وصلت إلى 20% على واردات الاتحاد الأوروبي و10% على السلع البريطانية، بينما تضمنت نسبًا أعلى لبعض الدول، مثل 34% على الصين و24% على اليابان، فجاءت ردود الأفعال غاضبة، فرنسا وصفت القرار بـ”الوحشي” ووصفته وزارة خارجيتها بالإمبريالية وكأنّ ترامب سيد العالم". والأسواق العالمية اهتزّت بقوة في وقتٍ وعد فيه ترامب بأن الاقتصاد الأميركي سيستعيد عافيته سريعًا.
لكن ما يغيب عن حسابات هذه السياسات هو أن الضريبة ليست سلاحًا من طرفٍ واحد. وهنا تمامًا تستدعي الحكمة الكردية مثلها العريق:
“پیاوێک پەلاماریی ڕیشی کەسێک ئەدا و ڕایدەکێشێ، ئەڵێت: شەرت بێ شار بە شار بتگێڕم، ئەویش دەڵێ: ئەی خۆتم لەگەڵدا نییە؟!”
أي: “أمسك رجل بلحية آخر ، فقال له متوعداً : سأقودك من مدينة إلى أخرى، فقال له الآخر: ألن تكون معي أيضًا؟”
وهذه صورة بالغة التعبير عن واقع ترامب مع أوروبا: حين يظن أنه يجرّ الآخرين نحو التعب السياسي والاقتصادي وهو لا يدرك أنه يسير معهم في ذات الطريق ويغرق في ذات الطين.
فالحرب الاقتصادية او التجارية ليست طريقًا مفروشًا بمكاسب محضة، بل هي دربٌ مزدوج التأثير، فكما ترتفع الأسعار في أوروبا فإنها ترتفع كذلك في الأسواق الأمريكية، ويُثقل كاهل المواطن الأمريكي ذاته، وبدل أن يكسب ترامب من بوابة العقوبات الجمركية يجد نفسه في مواجهة مع الأسواق ومع تحالفات قد تُعيد ترتيب أولويات العالم تجاه الهيمنة الأميركية.
ومن هنا يتضح إن من يُمعن في إرهاق غيره إنما يُرغم نفسه على السير معه في نفس الطريق ذاته ويدفع الثمن معه ولو ظن نفسه القائد.
وبحسب ما أثير أنَّ أمريكا عادت من جديد لتبحث في مشروع قانون بعنوان “تحرير العراق”، لكن هذه المرة ليس من صدام بل من “الهيمنة الإيرانية”. وما هذا إلاّ وجه آخر لنفس المبدأ:قيادة الآخر عبر الضغط والضرائب والعقوبات دون إدراك أن ارتداد الخطى واقع لا محالة وأن الهيمنة مهما تزيّنت بشعارات القانون والسيادة تبقى هشّة في عالم تحكمه المصالح لا المجاملات.
فكما في الحكمة الكردية من يتمسك بلحية الآخر ليجرّه، عليه أن يتذكّر دومًا: “الستَ معي؟!”
804 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع