عائشة سلطان
كرسيّ في حفلة أم كلثوم
في طفولتنا كانت لعبة الكراسي الموسيقية واحدة من أظرف الألعاب الجماعية التي كان يلعبها الصغار في المدارس، وكنا ظاهرياً نتنافس ونتضاحك حتى تنتهي اللعبة بطفل واحد يظل محتفظاً بالكرسي الأخير في اللعبة، فيما بعد، ظهر محللون ومفسرون قالوا إن هذه اللعبة فيها من الأنانية والشراسة الشيء الكثير، والذي يعوّد الصغار على أن يدوسوا على بعضهم ليفوزوا بالكرسي، ويجلسوا عليه دون أن ينتبه أحد إلى الطفل الضحية، الذي تمت تنحيته أو إخراجه من اللعبة، وكيف تم ذلك.
لقد مورست عليه قوة جسدية هائلة لدفعه للخارج، خاصة إذا كان ذلك الطفل ضعيفاً لا يستطيع أن يزاحم، فهي إذن ليست لعبة نزيهة، ولا تمت للموسيقى بصلة، لأن الموسيقى كما درسنا (كان جيلنا يدرس الموسيقى والرسم والفن) هي لغة الأحاسيس والوجدان وغذاء الروح، وليست وسيلة للصراع والتدافع والعنف المفرط!
فيما بعد، قال كثيرون إن الشخص الذي يتخطى زملاءه في المؤسسة بقوة دهائه أو أساليبه الملتوية، هو بلا شك خريج تلك المدرسة القديمة منذ أيام الطفولة، يقصدون بها مدرسة الكراسي الموسيقية، التي يتمكن فيها واحد فقط من أن يصل للكرسي ويتربع فوقه، في حين أنه ليس المؤهل الحقيقي أو المؤهل الوحيد!
لذلك فالكراسي ليست كلها للجلوس والراحة، وليست كلها واحدة. جلست ذات يوم على كرسي الكاتب الكبير دوستويفسكي في منزله في مدينة سانت بطرسبرغ فانتابني شعور غريب، لم أتبين ماهيته، لكنه يدور حول فكرة الإبداع، وأن الذي يبدع وينتج ذلك السجل الحافل من الروايات ليس القلم الذي كتب به الأديب ولا المكتب ولا الكرسي، ولكنه الأديب نفسه بكل تجاربه وتكوينه وشخصه وعالمه وعصره، تذكرت العصر وقلت ماذا لو أنني عشت في ذلك الزمن؟
وهو السؤال نفسه الذي أطرحه على نفسي على شكل أمنية كلما شاهدت حفلات السيدة أم كلثوم، ماذا لو أنني عشت في تلك السنوات ومنحتني الحياة فرصة حضور واحدة من حفلاتها، وجلست في تلك المسارح أستمتع عليها، وأياً ما كان الكرسي يومها، فيكفي أنني أجلس عليه لأستمع للست!
1316 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع