د يسر الغريسي حجازي
دكتوراه في الفلسفة وعلم النفس الاجتماعي
مستشارة نفسية ومدربة نظامية
انتقال السلطوية والتجارب المؤلمة عبر الأجيال
إن الصدمات التي تنتقل عبر الأجيال، تنقل تجارب مؤلمة ومغالطات تربوية إلى الأجيال القادمة. إن كونك والدًا ليس بالأمر السهل، لأن كل إنسان يمكن أن يرتكب أخطاء ويفشل في تربية أبنائه. علينا أن تفهم أن الأبوية قد تؤدي إلى تفكك الأسر وأجيال بأكملها، إذا انتقلت الأدوار السلطوية إلى الأبناء. ولكن مرة أخرى، يمكن أن تكون الأبوية صراعًا ضد التطور البشري، والانسجام، والتضامن بين الناس.
إن قضاء أوقات سعيدة مع الاسرة والعيش في الرحمة والابتهاج، هي الطرق المميزة الوحيدة لتعزيز الروابط الاسرية بين الأجيال من اجل حماية الابناء. ومن المهم قبل كل شيء، أن نعرف أن الصدمات التي يتعرض لها الأطفال منذ الطفولة هي سبب التوتر والاضطرابات النفسية في مرحلة البلوغ.
وفقًا للمادة 1 من القانون المدني الدولي: "يجب على السلطة الأبوية حماية الطفل في سلامته وصحته للسماح بنموه البدني والأخلاقي، وذلك من خلال ضمان العلاقات العاطفية الجيدة. والسلطة الأبوية هي وظيفة اجتماعية للنظام العام (دوشي، 2020). ومن ثم فإن على الوالدين واجب الرعاية والإشراف والتثقيف.
كم عدد الأطفال الذين يعانون من صدمات انتقلت إليهم من خلال الأجيال السابقة؟ هل انتقال الصفات الوراثية عبر الأجيال، ظاهرة مرتبطة بالوراثة والذاكرة النووية؟ كيف يمكن للصدمات العائلية أن تؤثر على الابناء؟
يتألف النقل أو الخلافة عبر الأجيال من توريث السلوك الشخصية لعدة أجيال، إلى الأبناء والأحفاد. نحن نتحدث عن اثار نقل الصراعات عبر الأجيال، عندما نجد في الشخص نمطًا متكررًا يتجلى من خلال النماذج السلوكية والتي تنتقل دون وعي من الأجيال السابقة.
يمكن أن تؤدي هذه الانتقالات عبر الأجيال، إلى إثارة اختلالات في الأسرة، مثل: الصراعات المتواصلة، والرغبة في الهيمنة والعنف المتزايد، فضلاً عن العقوبات غير العادلة. كما تشير الصدمات عبر الأجيال، إلى انتقال التجارب المؤلمة والسلوكيات العنيفة والجروح العاطفية من جيل إلى جيل. كيف تنتقل الصراعات من جيل إلى جيل؟
في رحم الأم، يحمل الجنين جينات من كلا الوالدين. داخل هذه الجينات، والتي قد تبدو غريبة، يتم طبع الصدمات التي تعرض لها أحد الوالدين أو الآخر، والتي يمكن أن تنتقل من جيل إلى جيل، أو حتى عبر عدة أجيال. وقد قام عالم الوراثة الكندي موشيه سزيف (2009)، وهو رائد في مجال علم الوراثة السلوكية، من خلال عمله مع عالم النفس البيولوجي مايكل ميني (2009)، بشرح كيف تمارس التجارب المبكرة تأثيراً مستمراً على الوظيفة العصبية. يوضح مايكل ميني أن الصدمة، أو التوتر، أو بعض التجارب، يمكن أن تعدل شكل الجينات دون تغيير الحمض النووي، ويمكن أن تنتقل إلى الأجيال التالية.
إن انتقال الصدمة النفسية هو في الواقع، انتقال المعاناة من جيل إلى آخر. كما يشير هذا الانتقال إلى الماضي المليء بالصراعات، والألم الناتج عن عائلة نووية ذات تكوينات تقليدية وإدراكية مختلفة.
في الصدمات التي تنتقل عبر الأجيال، قد يعاني الأشخاص من الأنماط العاطفية والنفسية للصدمات، والتي قد تعرضت لها الأجيال السابقة بحكم الطابع الوراثي. ويحدث هذا الانتقال عبر الأجيال. على سبيل المثال، في نظرية علم الأنساب النفسي، الأحداث المؤلمة من ماضي الشخص أو حياة أسلافه (الأسرار العائلية، جرائم القتل، العنف المنزلي، مشاهد العنف)، وتأثيرها على سلوكيات الفرد وإدراكه، وانفعالاته، وكذلك تصوراته عن البيئة المادية والاجتماعية وتأثيرها على العمليات العقلية.
وتنتقل المهارات، والمعرفة، والمعتقدات، والقيم، والأنماط النفسية دون وعي. إنها ظاهرة وراثية تمثل الذاكرة التاريخية والثقافية العائلية. يشير الانتقال عبر الأجيال، إلى عمليات اللاواعي (الأسرار، والحزن غير المحلول، والأشياء غير المعلنة، والأفكار المحظورة، والصدمات). قاموس علم الاجتماع السريري (2019).
لقد تم استكشاف مفهوم الانتقال عبر الأجيال من قبل العديد من الباحثين المشهورين في مختلف التخصصات مثل: علم النفس، والتحليل النفسي، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا.
كما نشرت عالمة الانساب وعلم النفس شوتزينبرجر(1986)، كتابًا بعنوان فرعي: "الرابطة بين الأجيال، والسر العائلي، ومتلازمة الذكرى السنوية، ونقل الصدمة"، حيث تصف الأطفال المرضى لوالديهم وكيفية علاج جروح الأسرة. واخترعت شوتزنبرجر أيضًا مخطط الأنساب العائلي، وهو مخطط يحتوي على رموز بيانية تجمع بين علم الأنساب العائلي والبيئة التاريخية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية. العديد من منظري الأسرة والمعالجين من مدارس فكرية مختلفة (النظامية، والتحليلية النفسية، والسلوكية، وما إلى ذلك..). تتميز الأسرة المختلة بنظام عائلي فيه صراعات، عنف، وعلاقات السامة، وإساءة. في كثير من الأحيان، يعتقد الأطفال الذين يكبرون في مثل هذه العائلات، أن هذا يحدث في جميع العائلات. ومن الممكن أيضًا أن يقوم الآباء غير القادرين على أداء واجباتهم، بتقليد سلوكيات آبائهم غير القادرين على أداء واجباتهم. اما العلاقات بين أفراد الأسرة، تستمر متوترة ولا يوجد أي تواصل بين افراد الاسرة سوى الصراخ والعقاب. في مثل هذه الأجواء العائلية، يضطر الأطفال إلى قبول المعاملة القاسية من قبل والديهم بكل رضا. كما لا توجد مساحة للتعبير بحرية عن الأفكار والمشاعر.
ومن ثم، هناك إحدى عشر خللاً في الأسرة، بما في ذلك:
الغضب والانفعال مثل: الصدمات غير المحلولة، والإيذاء العاطفي أو الجسدي، وعدم القدرة على إدارة الغضب.
العار والذنب: قد يقوم الآباء الذين يعانون من الصدمات، بإسقاط مشاعر العار والذنب على أطفالهم دون وعي (النقد المفرط، الرفض العاطفي، فرض معايير غير واقعية). في هذه الحالة، قد يصاب الطفل بانخفاض في احترام الذات والميل إلى الشعور بالذنب أو الخجل بشكل مستمر، حتى بدون سبب واضح.
الحزن المستمر: الآباء الذين فشلوا في معالجة حزن أو خسارة (مثل فقدان شخص أو موقف مهم) قد ينقلون مشاعر الحزن المستمر إلى أبنائهم. يمكن أن تتفاقم هذه الحالة من خلال سلوك انطوائي عاطفيا، أو صعوبات التعبير عن المشاعر مما يخلق بيئة حزن غير مبرر للأبناء.
الضيق العاطفي والقلق مثل: العنف المنزلي، أو الكوارث الطبيعية، أو حالات الحرب مما يخلق حالة مستمرة من اليقظة أو القلق المزمن إلى الأبناء.
الاعتماد العاطفي
يمكن أن تؤدي الصدمات العائلية، مثل العلاقات غير المتوازنة أو الإهمال العاطفي، إلى دفع الطفل إلى تطوير سلوكيات تعتمد على العاطفة. إذا كان أحد الوالدين يعاني من مشاكل الإدمان أو كان بعيدًا عاطفيًا، فقد يصاب الطفل بالخوف من الهجر
اضطراب ما بعد الصدمة عبر الأجيال: في الحالات التي عانى فيها الآباء من صدمة شديدة (على سبيل المثال، الناجين من الحرب، أو ضحايا العنف العنصري، أو الإبادة الجماعية)، قد يرث الأطفال ليس فقط المشاعر المرتبطة بالصدمة، ولكن أيضًا اضطرابات ما بعد الصدمة مثل ذكريات الماضي، واليقظة المفرطة، والكوابيس.
يمكن للمشاعر المؤلمة التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء أن تؤثر بشكل عميق على نموهم النفسي والعاطفي. يمكن تعديل هذه الانتقالات من خلال العمليات العلاجية، مثل العلاج الأسري أو العلاج الفردي، والتي تهدف إلى كسر دورات المعاناة العاطفية المتوارثة عبر الأجيال، وعلاج الصدمات غير المحلولة. إن إدراك هذه الديناميكيات ومعالجتها بعناية يمكن أن تحرر الأجيال القادمة من الأعباء العاطفية والامراض النفسية، حتى لا ينقلوا الأبناء أعباء الماضي للأجيال القادمة.
1063 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع