من أجل غزّة ... "الإحساس الاصطناعي" !

آماني بلحاج

من أجل غزّة ... "الإحساس الاصطناعي" !

اليوم في عصرٍ يضخّ بالتكنولوجيا المتطوّرة التي ما آل عليها الغرب جاهداً للتّميز والتّفرد بها منذ زمن سحيق .. وما نكص علمائها من التململ في بحورها والغوص في أعماقها الغائرة .. وما فتئت تجاربهم منذ السّنون من المحاولات المكثفة ليبزغ حلمهم المنشود وتحقيقه على أرض الواقع ، من بداية الستينات عندما انداح استكشافهم واتّسع لنهج جديد وعبقري ببناء آلات ذكية (الحواسيب) عبوراً للثمانينات حتّى وصولاً لتسعينيات القرن الماضي، شهدت الأبحاث صحوة علمية خارقة للتوقعات تمثّلت في اكتشاف "الذّكاء الاصطناعي" عام 2018 نجاح يفوق الكثير من الجدل والتّساؤلات للعبقرية الاستثنائية الخارقة للحدود العقلانية من خلال محاكاة العقل البشري باستنتاجات وتفكير والقدرة الهائلة لحل جميع العقد والمشاكل العويصة واستيعاب كميات هائلة من بيانات التدريب ، كما يتميز "الذّكاء الاصطناعي" بالتعرف على الكلام والأنماط العلمية والأوامر الفورية والتّعرف أيضاً بشكل استباقي والتّنبؤ بالأوضاع والحوادث المستقبلية .. فلا شك أنّنا نعيش اليوم في عالم مُخيف ومُريب غير مسبوق على مرّ التّاريخ ليُصبح لدينا هذا "الذّكاء الاصطناعي" ليأخذ دوراً رياديّاً مُنافحاً لخدمة الإنسانية والنّهضة للبشرية جمعاء واعتباره جزءاً لا غنى عنه في سُبل عيشنا وركيزة علمية أساسية غير قابل للتفاوض لأفضل جودة حياتية ممكنة .

ومن خلال هذا الهول العلمي المتطوّر الذي نتمتّع به اليوم في عصرنا الحالي؛ لو أنّ عُلماء الغرب وعباقرة التكنولوجيا قاموا بصُنع آلةٍ مستجدّة بنفس أسلوب "الذّكاء الاصطناعي" .. آلة تتّسم بنفس السّمات والبنود المندرجة باسم المصطلح الأخير لكن برامجها الالكترونية تُحاكي القلب والضّمير والمشاعر الإنسانية .. الآلة الأولى من اختراعها في العالم تُضاهي العواطف والأحاسيس الإنسانية باسم "الإحساس الاصطناعي" .. تقنياتها مبرمجة بخوارزميات فريدة من نوعها .. روبوت سابقٌ لأوانه .. جهازٌ خارقٌ للمعقول ، آلة خلّاقة لفكرة التّصور أو المنطقية، إذ تكمن ابداعاتها وطبيعة تطبيقاتها من طرازٍ مختلف تماماً عن المألوف والمتعارف .. آلة تُمنح لها من خلال وحدة المعالجة المركزية بداخل دماغها القدرة على الشعور بالعواطف البشرية .. خاضعة للتعرف على الشعور بالمعاناة والألم والمجاعة .. وادراكها بتعلّم معاني الظّلم والقسوة والقهر والتّعسفية والقتل الجماعي والإبادة الوحشية .. تستوعب من خلال وحدة البيانات وتطبيقاتها إلى تقييم وتحليل مُفصّل لمعاني الاغتصاب القومي والاستعمار الاستيطاني واستغلال سكان رقعة ما واقتلاعهم بلا رحمة أو شفقة أو ذرّة إنسانية من أراضيهم وديارهم بالإبادة القاهرة والتهجير القسري.. تمتاز بتقنية تذود بقوّة بعقيدة الجسارة والشّكيمة الإنسانية .. تحمل من خلال أجهزتها الحديدية داخل شبكاتها العصبية الاصطناعية مآقي صناعية وأحداق صناعية وقلبٍ ذو معدنٍ فولاذي غير قابل للصدأ تحت أي ظروف قاهرة وغير مبرمج للتفعيل مصمّم من أفضل وأرقى العلامات التجارية اللامعة في السوق اليوم لشدّة نُدرته وغلاء سعره نُريد أن تتلاءم هذه الآلة الجيّاشة بالعواطف والأحاسيس لأجل "غزة" .. "غزّة" فقط دون عن غيرها.. تتمحور بُنيتها وبرامجها وتطبيقاتها الذّكية بهذا الشّعور الفيّاض بخاناتها المُخزّنة بخوارزمياتها فقط لأجل "غزّة" .. لأطفالها الباسلة وشعبها المُقيّد بالكفاح والإرادة ونساءها المناضلة ورجالها المتكبّد بالصّمود والعزيمة لمدّة ثمانين عاماً .. نحن بحاجة إلى ماكينة تضمحلّ فيها ملامح السّاديّة المتعجرفة ولا تتقبل فكرة الزّعامة النرجسية، وغير مبالية لعقدة المناصب والكراسي الخالدة .. تطبيقاتها لاهثة بعطفٍ وحنوٍّ لأطفال "غزّة" ومتاخمة لنياط القلوب الفلسطينية .. احساسها جارف وعواطفها جياشة تثور كالأمواج العاصفة تُثير التّهكم من السّفن الدّولية حولها كما نطلب منكم حمايتها عن طريق الأمن السيبراني بطريقة مُحكّمة الصّياغة والتنسيق ومُحصّنة بأشدّ أنواع المناعة الرّقمية الغير قابلة للتّواطؤ أو للتفاوض مع أيّ قوى سياسية أو حتّى اختراقها بفيروسات دوليّة ضالّة عن المنهج المتتبّع وفق تسلسلها البرمجي تحت اسم "لا للتطبيع" مع أيّ جهةٍ تتواءم مصالحها مع العدو.. أو حتى مضايقتها بأي نوع من الوسائل المستخدمة تقنياً وتنظيمياً وإدارياً في منع الوصول غير المشروع للمعلومات العاطفية والحسّيّة الالكترونية داخل شبكاتها ومنع استغلالها بطريقة غير قانونية أو إنسانية بالذّات لما فيه من تعارض فادح ببرمجياتها، كما يُمنع وصول أي تهديدات أو هجمات افتراضية أو واقعية محتملة .. برمجيات صارمة مُتشدّدة وعادلة ..
نُريد تصميم شريحة لهذه البرمجية مقسّمة إلى ثلاثة أجزاء .. جزءٌ إحصائي استبياني وجزءٌ مرئي من خلال عرض الصور والفيديوهات ، وجزءٌ أخير يخص قسم الأسئلة والأجوبة ، الجزء الأوّل يُسجّل فيه كلّ المعلومات والاحصائيات والبيانات تخصّ مأساة قطاع غزة .. سجّلوا فيها عدد الخسائر والوفيات من سنة 2023 لحدّ هذه اللحظة ، دون التّطرق للمجازر التي حدثت بالقرن الماضي.. دوّنوا فيها أنّ هناك في فلسطين أكثر من 42 ألف قتيلاً وأكثر من 10 آلاف مفقود أو تحت الأنقاض و186 ألف قتيل بسبب أسباب معروفة أو غير معروفة لا يهم ، و171 قتلى من أطفال الرضّع و 16 ألف قتلى من الأطفال تحت سن 12 سنة و أكثر من 21 ألف طفل مفقود و 36 وفيات نتيجة المجاعة و 11 ألف قتلى من النساء و 986 قتلى من الطواقم الطبية و85 قتلى من الدفاع المدني و 180 قتلى من الصحفيين .. و لا تنسوا تدوين عدد المصابين بالأمراض المعدية بسبب النزوح والتهجير إذ يبلغ عددهم المليون و800 ألف ضحية وتدمير وهدم حوالي 80 بالمائة من المنازل و50 بالمائة من المباني في "غزّة" و20 بالمائة من السكان يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد سببه نقصا شديداً في الغذاء والمجاعة والارهاق .. والجزء الثاني يكون عن طريق عرض مقاطع وفيديوهات من داخل مستشفيات قطاع "غزّة" وشلال الدم الذي يغدق بميادينها ليلا ونهارا ولا تنسوا الملاجئ والمدارس وعرض صور أيضاً لطائرات تابعة للكيان المحتل مسيّرة بإلقاء قنابل مستهدفة خصيصاً للمستشفيات والقطاع الصحي وصور أخرى عند اطلاق النار من طرف الكيان المغتصب على الطواقم الطبية والجرحى والمرضى متعمّداً المنظومة الصحية في قطاع "غزّة" . كما يُعرض من خلال الصور الإشارات الكهربائية الحاقدة عن مدى الإحساس القائم بالتّلذّذ من قبل العدو بمنع وصول المستلزمات الصّحيّة الأساسية التي تحتاجها المستشفيات لإسعاف مرضاها وضحاياها ؛ ممّا يؤدّي بذلك لعوزها الشديد من نقص الوقود وقطع الغيار والفلاتر اللازمة لإصلاح مولّدات الكهرباء في المستشفيات ممّا يهدد ولا يزال يهدد عمل وحدات العناية المركزة وغرف الإنعاش وحضانات أطفال الخدج وغيرها من الخدمات الصحية الأساسية .. أمّا الجزء الثالث والمثير في الأمر فيتم تخزين قوالب من الأسئلة مرفقة بالأجوبة الموجزة والنّموذجية حتى يتم إيصال كميّة المشاعر والغضب والوحر اللازم لتمكين الآلة من إنجاز عملها و تحليل القضية برمّتها وقراءة الموضوع من خلال البيانات والاستبيانات المخزنة في ذاكرتها . ولعلّ أكثر الأسئلة المطلوبة من قبل "الإحساس الاصطناعي" لفهم مدى وحشية ونذالة الانسانية .. من هم الضّحايا : الشعب الفلسطيني.. المنفّذون : الكيان الصّهيوني المتواطئون : الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وأستراليا .. المتفرّجون: دول الشرق الأوسط من المحيط إلى الخليج
وعند مزج هذه المعلومات الصّاخبة بالشّريحة العاطفية فتصبح ممتلئة بالأرقام المفزعة و الصور المرعبة .. فوريّاً من بعدها سيتم تحليلها وتفسيرها و ترتيبها داخل المصفوفة والبدء في العمل على إيجاد حلٍّ فوري ومنطقي وانساني للوضع الرّاهن بغزّة ... حينها بعد قراءة الشفرة ، سيُطلب منكم برنامجها المُخزّن بوحداتها العصبية بالتخفيف عن حدّة المأساة وتفاقم الفاجعة التي كانت مرهقة و مُتعبة وجلِفة على مشاعرها الالكترونية عند عرض الصّور أمام شاشة العرض الرّقمية .. بعدها بثواني ستظهر أمامكم كلمة "block" ليبدأ البرنامج تدريجياً بتغيير منظومته تلقائياً دون تدخل الأيادي البشرية .. فيشرع ذلك القلب الفولاذي الغير قابل للحياة بالنّبض والشعور بالغضب من كلّ طفلٍ عُرض أمامه ممزّقٌ ، مهشّم يسفك دماً ويصرخ ألماً لا يدري بأيّ ذنب رماه القدر على هذه الأمّة ليتم ترجمته للغة المشاعر والعواطف الإنسانية فتباشر الآلة بذرف الدّموع .. دموعٌ حارقة ولاذعة تخرج من مآقي صناعية باثقة داخل أحداقٍ صناعية تبكي مُرّاً على حالٍ عجزت فيه عن إيجاد كلماتٍ أو حلولٍ أو منفذٍ يُخرجها من هذه الغابة الدّموية؛ لتنظر إلينا الآلة نظرة شفقةٍ ورحمةٍ ورأفةٍ نظرةٍ اصطناعية تتخللها مشاعر اصطناعية لكنّها كفيلة لتشعر وتحسّ وتتأثّر بأطفال "غزّة" عوضاً عن مخلوقات ناطقة ومتحركة تعيش من حولنا تملك قلوباً فاسدة ، متآكلة حتّى الصّدأ تمكّن منها !
أرجو منكم التّمعن في هذه القضيّة .. أنا متأكدة من نجاعة هذا الاختراع في حقولكم ..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1434 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع