المناورة على حدود الخيار النووي

د.ضرغام الدباغ / برلين

المناورة على حدود الخيار النووي

يقوم ضابط مختص على متن الغواصات بمراقبة لوحة أمامه تنبؤه بالعمق الذي بلغته الغواصة، وحين بلغ عمق الغوص مدى خطير سيهدد الغواصة بالتحطم بسبب الضغط المرتفع، (أكثر من 300 متر) يبدأ الضابط بالتنبيه بصوت مرتفع" 300، 310، 320 " وقائد الغواصة منتبهاً يستمع.. فيأمر بالصعود للسطح فوراً أو تقليل العمق، إلا إذا كان هناك على سطح البحر خطر ما يمنعها، وقرار القائد في هذه الحالة قد يكون مميتاً أو منجياً.
الحرب على الأرض الأوكرانية، لا تدور بين روسيا وأوكرانيا، رغم أنها ظاهرياً كذلك، بل هي حرب بين روسيا والناتو ...حرب التهمت الالاف من الطائرات والدبابات ورقما فلكياً من الذخائر والصواريخ، مئات مليارات الدولارات، وعشرات الألوف من البشر الكادحين الفقراء على الأغلب، رغم ذلك لم تقرب الناتو من هدفه، حتى دارت في السر والعلن المناقشات والمداولات مسألة استخدام مستويات من الخيارات النووية(قنابل نووية تكتيكة، كبيرة ..الخ).
السياسي الألماني الحكيم أوتو فون بسمارك، قدم نصيحة تاريخية للسياسيين الألمان أن " لا تخوضوا الحروب مع روسيا " الشعب الروسي شعب جذوره فلاحية، والفلاح عاشق لأرضه، والروسي له قابلية التحمل، نعم ولكن لهذه حدود، وإن قال " نيت / لا " فالرفض عنده قطعي ولا يتراجع، وعلى من يواجه الروس أن لا يفرح إذا تراجع الروسي امامه، أو خسر معركة، فسوف يعود ليقاتلك، يخسر مرة بل مرات عديدة، ولكنه في الأخير يصمد ويهزم من يقابله.
وللروس عباقرة في الاستراتيجية والحرب، وحققوا في التاريخ الحديث والقديم، منجزات كبيرة في ميدان الفكر العسكري وميادين القتال. أمثال توخاتشيفسكي جوكوف، روكوسوفسكي، سوكولوفسكي وكثيرون غيرهم في البر والبحر والجو، يشهد لهم الخصم قبل الحليف، اليس أبلغ دليل أنهم ساقوا الجيش الهتلري من أبواب موسكو إلى برلين. أحد الجنرالات الغربيين وهو الجنرال الألماني المتقاعد "هارالد كويات" قال قبل سنوات في برنامج على القناة الألمانية الثانية " أن كل قدراتنا العسكرية تكفي لإيقاف الروس في أوروبا الشرقية لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع " وهذه حقيقة لا يجهلها أحد فهي تعتمد أساساً (بلدان شرق أوربا) على مساعدة الناتو ,العامل المعنوي مهم جداً في التكوين العسكري للفرد الروسي"، وحين سئل جنرال روسي من يكسب الحر ب؟ أجاب " من يصمم على الفوز بها ".
الولايات المتحدة قادت للمواجهة رغم محاولة الروس النأي عنها، ورغم أنها (الولايات المتحدة) تعلم أن روسيا تمتلك من الرؤوس النووية (مختلف الاحجام والتاثيرات) أكثر مما تمتلك الولايات المتحدة، وكذلك من أنواع وأصناف الصواريخ الناقلة للرؤوس النووية القادرة على إصابة أي متر مربع على الكرة الأرضية، والأسلحة ليست للزينة، بل للاستخدام وفي استراتيجية معينة، حين يهدد خطر داهم أمن الدولة ووجودها. فسوف تستخدم حتماً، وبالرغم من ذلك خاضت الولايات المتحدة هذه المجازفة الخطيرة. وصرح رئيس مجلس أمن الدولة ديمتري مدفيديف، أنه أصدر توجيهاً / أمراً بالتأهب النووي والاستعداد بالدرجة القصوى. فالعالم كان على شفا حرب نووية لا تبقي حتى المتفرجين. لكن الروس بنوا بلادهم بالعرق والدم، يحرصون على السلام، ومن يسعى للحرب لا تهمه حجم ضحاياها .
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليس أهوجاً، بل هو أكثر حصافة من الرئيس بايدن، الذي حين انتقدته دول غربية (فرنسا) على انسحابه الكارثي من أفغانستان، أجابهم بصراحة موجعة "أفغانستان صارت أزمة مفتوحة لا نهاية لها ... فنحن :
• ننفق 300 مليون دولار يومياً خلال 20 عام .
• الحملة كلفتنا 2400 قتيل.
• 20 ألف معوق .
• 18 جندي ينتحر يومياً .
• أفغانستان مقبرة اميراطوريات ... ومن يود ان يقاتل في أفغانستان، فليتفضل ".

المستشار الألماني الاستراتيجي هيلموت شمت قال في محاضرة علنية من شاشة التلفاز، وهو يعلم ما يقول فالرجل عمل كمستشاراً لألمانيا (رئيس وزراء) وأيضا كوزير دفاع لبلاده. قال " أن أمريكا لديها جيش كبير وقدرات لوجستية لا شك فيها، وبوسعها التدخل في أي بقعة في العالم بوقت قصير، ولكن من المستبعد أن تتمكن إنهاء الحرب وفق مصالحها ". وهذا يعني : يمكنك أن تشعل نيران معركة، ولكن هل بوسعك إطفاء الحريق الذي أشعلته ..؟ هذا هو السؤال الحاسم ..!

ومن المرجح أن الانسحاب الأمريكي من أوكرانيا وجنوحها للسلم، جاء بعد خسائر غير محتملة، فاقت حد القبول بها، (يحجم الرئيس الأمريكي والمسؤولون عن ذكر تفصيلاته) والرئيس الامريكي بخلفيته العقلية كتاجر، حين أبلغه المستشارون، بحجم الخسائر الذي تجاوز حد العقول، تحدث الرئيس ترامب عن 750 مليار، ثم عن 500 مليار دولار، ولكن هناك حديث في الأوساط الامريكية تتحدث عن (1) ترليون دولار، وهناك تقارير تتحدث أن الولايات المتحدة (ودول الناتو) خسرت أعداد غير معروفة من أفراد قواتها المسلحة بصفة خاصة " خبراء، مدربين، مستشارين، رجال استخبارات، تقنيين ".

ما يدور الان لا تغير من نتيجة الحرب، فهذه حسمت بخطوطها العريضة، بل تحسين موقف المتفاوضين على الأرض، وأن يضمن الروس والأمريكان الهيمنة على مناطق تحتوي على ثروات باطن الأرض .. أما أوكرانيا فذهبت ضحية أوهامها . وهذه نتيجة طبيعية لمن يلعب ويرقص لمصلحة غيره على حساب شعبة ...

والشيئ بالشيئ يذكر ...!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

889 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع