عائشة سلطان
معجزة الكمال
حكى رجل ممن يسمونهم المؤثرين على وسائل التواصل، أنه لطالما تعرض للكثير من التنمر من قبل الناس الذين لا يعرفونه، فعندما كان يخرج بصحبة زوجته إلى المحلات الكبيرة والأماكن العامة، كان الذين يرونهما معاً يطلقون تلك العبارات القاسية التي تنم عن عنصرية مقيتة، لأن زوجته كانت شديدة السمرة وليست بالجمال المتوقع بالنسبة لوسامة الرجل، لكنه لطالما قال إنه غير معني برأي الآخرين، وغير ملزم بتبرير طبيعة علاقته ومشاعره تجاه زوجته، وهو محق تماماً في ذلك.
لكنه في الوقت نفسه، كان يطرح مسألة العلاقات الإنسانية كافة: الصداقة، والجيرة، والحب، والعلاقات الزوجية.. فيتساءل: ما هي معايير الحب والقبول والعاطفة والتعاطف من وجهة نظر الناس؟ ما الذي يجعلك تتعاطف مع شخص وتحبه من الأساس؟ وكيف تنظر لشريكك في المحبة: صديقك أو زوجتك أو.. هل بميزان السائد والمتعارف عليه، وبمنطق امتلاك هذا الحبيب أو الصديق لشروط ومعايير الجمال والكمال والمثالية؟ أم أن هناك مقاييس خاصة بكل شخص وبكل علاقة حسب ظروفها وملابساتها؟
إننا نعيش في عالم يخترع البشر فيه كل يوم طريقة جديدة لتمجيد الكمال، سواء في الجمال أو الشخصية أو السلوك، وتحقيق المثالية القصوى في أنماط الحياة وطرائق العيش والراحة والتمتع بالشباب الدائم، لأنهم يبتغون اللذة وتحقيق أقصى ما يمكن من المتع لأطول عمر ممكن، لا أحد يريد أن يعترف بأن كل محاولات ومساعي البشر لتحقيق الخلود باءت بالفشل الذريع منذ عصر الأساطير.
تغيب عنا حقيقة بسيطة: لا أحد كامل، فالكمال، كما يتصوره البعض، ليس سوى وهم نلهث خلفه، بينما تظل قلوبنا عطشى للعلاقات الحقيقية الطبيعية التي لا تتطلب الكثير، وللحب الحقيقي الذي لا يطلب تبريراً ولا يتطلب تصحيحاً. الحب الذي لا يرى الحبيب خالياً من العيوب، بل يراه جميلاً على الرغم من كل نظرات الناس وتقييماتهم.
يقول شمس الدين التبريزي: «إن كنت تبحث عن الكمال فانت لا تبحث عن الحب، لأن معجزة الحب تكمن في عشق العيوب».
تكشف المقولة عن فهم عميق للحب الإنساني، وكذلك عن جوهره الحقيقي، الذي لا يقوم على المثالية والكمال بل على التقبل والتعاطف والرحمة.
566 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع