سيف الدين الدوري
الهـويـة العراقيـة الضائعـة
كانت الحالة الاندماجية للمجتمع العرقي متماسكة منذ تأسيس دولته الحديثة عام 1921 وظلت كذلك حتى دخول المحتلين للعراق عام 2003 حيث تمزق النسيج الوطني ودخل الشعب في نفق الحرب الاهلية المظلم .بعد ان وجد المحتلون ان هناك عناصر مستعدة كل الاستعداد لتنفيذ هذا المخطط التقسيمي. وما تصويت مجلس الشيوخ الامريكي في 269/2007 على قرار تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات الا تجسيد وتعبير عن الاهداف الامريكية في المنطقة لخلق دويلات صغيرة متناحرة مع بعضها.
مما لا شك فيه ان الجهود التي بذلها الملك فيصل الاول لترسيخ الوحدة الوطنية العراقية وتكوين العراق على اسس وطنية قطعت شوطا بعيدا ، ففي مدة حكمه كان الهدف الاساس من بين الاهداف الرئيسة الاخرى للسياسة العراقية يرتكز على المهمة العاجلة لاقامة روابط ثابتة من المشاعر والاهداف المشتركة بين عناصر العراق المختلفة، ومن خلال الروحية التي تجمع العراقيين عربا وكردا وتركمان مع الاقليات الاخرى ، وحرص الملك فيصل الاول على ان يحصل الكرد على نسبة ملائمة من وظائف الدولة ، كما اعتقد ان معظم واجبات العربي العراقي تشجيع اخيه الكردي العراقي للتمسك بقوميته ، والانضواء تحت الراية العراقية .
ان من الظلم او الخطأ التصور ان المشكلة في العراق على انها اختلاف ما بين الشيعة والسنة او اختلاف ما بين العرب والاكراد والتركمان او المسلمين والمسيحيين. حتى ولو اختلفت وجهات النظر وهذا امر طبيعي في كل دول وشعوب العالم . لكن لا يجوز ان تقفز هذه القوى فورا الى تحويل الخلافات الثانوية الى خلافات اساسية هي في حقيقتها ليست لها اية علاقة في صميم العقيدة التي يؤمن بها جميع العراقيين وهي عقيدة الوحدة العراقية والهوية العراقية. فالعراقيون لا يريدون ان يجعلوا هذه الخلافات امتدادا للنظرة التاريخية التي تتهم العراقيين بالفردية وبالعنف والقسوة والانانية .
اعداء العراق اليوم لا يؤمنون بالهوية العراقية ولا يعترفون بها لانهم نشأوا وتربوا بل فهموا الطائفية قبل ان يفهموا الوطنية . فقد تعلقوا بالطائفية او هي تعلقت بهم من خلال الفهم الخاطىء والغامض لها قبل ان يتستلهموا الواقع الملموس بحب بلدهم ومدينتهم وقريتهم، انهم يريدون ان يكونوا طائفيين قبل ان يكونوا عراقيين فاصبحوا في واد والشعب العراقي في واد آخر. نعم. ان هناك مجرمين يصرون على تدميرتمزيق الهوية العراقية وتعطيل المصالحة الوطنية بل ويصرون على الاستمار في الخطف والقتل والارهاب والاجرام .
فمن بداية الاحتلال الامريكي كانت بعض القوى السياسية والدينية المتصارعة تستند في صراعها الى النفوذ الطائفي ومليشياتها المسلحة. وبالرغم من الشعارات التي ترفعها والتصريحات التي تطلقها حول الوحدة الوطنية والمصالحة فانها تحاول ذر الرماد في العيون او ما يسمى برفع العتب بينما حقيقة الامر ان قاعدتها الطائفية ترى في ذلك ضرورة ليس لحفظ التوازن في الحكم بل الاستئثار به والحسم لصالحها لانها جاءت ومنذ الاحتلال تحمل معها ولاءاتها الطائفية بل واخذت تعمل وما تزال على ادخال النزعات الطائفية الى مؤسسات الدولة بل وتمسكت بها فاصبح التعيين في دوائر الدولة العراقية – اذا كانت هناك دولة – ليس على الكفاءة والولاء للوطن بل على اساس الطائفي والولاء للطائفية بالرغم من اللباس الوطني الذي تحاول ان تتستر به والذي يحمل في طياته الحقد الطائفي الحافل بالصراعات والنزاعات . لذلك فلا غرابة ان يتحول اي حوارسياسي حتى تحت قبة البرلمان الى خلاف طائفي حيث يحتدم الجدل حوله فيخرج من اطار الحوار الديمقراطي داخل المؤسسة البرلمانية الى اطار التراشق وتبادل الاتهامات الطائفية.
ان كثيرا من العراقيين الذين عادوا من الخارج عقب الاحتلال ما زالوا يدينون بالولاءات الطائفية لم ولن تقضي عليها سنوات الاقامة في الخارج ولا حتى الروح الوطنية والانتماء للعراق ارضا وشعبا.
لقد اجمع المراقبون والمحللون السياسيون ان ما يجري في العراق حاليا من صراع طائفي حتى بين الطائفة نفسها ليس صراعا وطنيا او ايديولوجيا بل هو مجرد شهوة الى السلطة..
794 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع