أحمد العبداللّه
(وداعًا للمهافيف)..أربيل تفعل ولا تقول
ذهب أحدهم إلى السوق لشراء سمكة, فوقع اختياره على إحداها, وبدأ يشمُّ ذيلها للتأكد من صلاحيتها, وعندما رأى بائع السمك ذلك, قال له:(عمّي.. شمّ راسها مو ذيلها)!!. فأجابه الرجل: أعرف إن رأسها(خايس), ولكن عسى أن يكون الذيل صالحا. فهكذا هو حال(عراق الحاكم الجعفري)منذ أن(وُسّد الأمر لغير أهله).
إن المثال السابق ينطبق على كارثة الفساد في العراق بعد 2003, والتي باتت مشكلة مستعصية تلقي بكلكلها الثقيل على كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وصار العراق في مقدمة الدول الأكثر فسادًا في العالم، وفق التصنيف السنوي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. والتقديرات تشير إلى أن ما أُهدر من أموال بسبب الفساد والنهب والتهريب, يزيد على الألف مليار دولار, في غضون أقل من عقدين من الزمن!!.
ويعزو خبراء ومختصّون أسباب تفشّي الفساد في العراق؛ لضعف الرقابة وغياب المسؤولية, وعدم محاسبة(حيتان الفساد), وشيوع المحسوبية والولاء في شغل المناصب بدلًا من الجدارة والكفاءة. وتواجه مكافحة الفساد تحديات عديدة, منها؛عدم تطبيق القانون على كبار الفاسدين ومحاسبتهم, لتحصين المجتمع وردع من تسوّل له نفسه سلوك هذا الطريق الخاطئ, والتحديات الأمنية، حيث أن الفساد قد يكون مرتبطًا بجرائم أخرى مثل تجارة السلاح والمخدرات. ويعتبر الفساد السياسي من أشدّ أشكال الفساد خطورة، من خلال استخدام المسؤولين الفاسدين سلطاتهم لتحقيق مكاسب شخصية.
إن الفساد في العراق أصبح مشكلة معقدة وتتطلب جهودًا كبيرة, وتدخّلًا دوليا لمكافحته وتحجيمه. فالحكومات الشيعية التي تولّت السلطة بعد 2003, هي أعجز من تتصدى لهكذا قضية, لأنها جزء لا يتجزّأ من منظومة الفساد, وهي من تغطّي على الفاسدين وتوفّر لهم الحماية من خلال قضاء(فايق زيدان)الفاسد. كما إنه في العقيدة الشيعية يوجد العديد من النصوص التي تشجع على نهب المال العام. وبدون إزالة هذه السلطة الغاشمة والقضاء عليها, فإن البلاد متجهة لهاوية سحيقة.
وأتذكّر إنه في الأيام الأولى للاحتلال نشرت إحدى الصحف البغدادية خبرًا على صفحتها الأولى بعنوان(وداعًا للمهافيف), تبشّر فيه العراقيّين بأن الكهرباء ستتوفّر بشكل مستمر وبلا انقطاع. وبعد أكثر من عشرين سنة وصرف أكثر من مئة مليار دولار, وتناوب عشرة وزراء كهرباء, لم يحصل تحسّن يذكر على الخدمة, بل ازداد الأمر سوءًا, في صيف العراق اللاهب الذي تزيد درجة حرارته على نصف درجة الغليان. ولا زال العراقيون يتندّرون على الكذّاب الأشر(حسين الشهرستاني)وقوله في سنة 2012, عندما كان وزيرًا للكهرباء؛(إن العراق سيحقق الاكتفاء الذاتي بإنتاج الكهرباء, بل وسيبدأ بتصديرها لدول الجوار)!!. وجعل وزير(كهربائي)آخر, هو قاسم الفهداوي, من نفسه أضحوكة عندما صرّح؛ إن سبب تردي الخدمة, هو(تشغيل العراقيين للكيزرات في الصيف)!!. فأطلق عليه الناس لقب(قاسم كيزر).
والعراق الذي اشتهر تاريخيًّا بتسمية(أرض السواد)بسبب زراعته الكثيفة, غدا بعد 2003, أرضًا يبابًا وهجرته حتى الطيور, وصار يخسر سنويا مساحات واسعة من أرضه الزراعية بسبب آفة(التصحّر)وشحّة المياه, وصار مستورِدًا لمعظم المحاصيل الزراعية, بعد أن كان مُصدّرًا لها. ولم تقتصر المشكلة على الزراعة, بل حتى في تجهيز ماء الإسالة للمواطنين. إذ إن نهري دجلة والفرات وروافدهما تكادان تجفّان في بعض السنين, بسبب تحكّم إيران وتركيا بكميات المياه الواردة.
ويبدو إن المثل الشعبي؛(ردناك عون.. طلعت فرعون)ينطبق على(عون العجيلي)؛مستشار وزير الموارد المائية السابق، ففي تصريح له عزى فيه سبب شحّة مياه الإسالة المجهزة للأحياء السكنية في بغداد إلى؛(المواطنين الذين يستحمّون أربع مرات باليوم مثل البط)!!. وبعد أن صار وزيرًا للموارد المائية في حكومة ابن شياع السوداني, لأنه(فلتة زمانه), صرّح في أيلول 2023 قائلًا؛(نحتاج الى تشريع قانون ملزم يمنع استخدام(الصوندة)لعدم الوعي في المجتمع)!!.
ولكن ما يشهده(العراق الشيعي)من تردٍّ في كل المجالات, لا ينطبق على الجزء المتبقّي من دولة العراق التليد, ووريثه الشرعي؛(إقليم كردستان). فبدون ضجيج وبلا فرقعات إعلامية أو ثرثرات كلامية, تمكنت حكومة أربيل ابتداءًا من الأول من شهر تموز 2025, من توفير الكهرباء الوطنية على مدار الـ24 ساعة. وانعكس ذلك على جو أربيل, إذ تحسن في غضون أيام قليلة, وانخفضت نسب التلوّث فيه, بعد التخلّص من هذا العدد الكبير من المولدات التي تنفث السموم. وترافق هذا الإنجاز الكبير مع إنجاز آخر مهم, وهو قرب تدشين مشروع الماء الصافي من نهر الزاب الكبير, والذي سيوفّر ماء الإسالة لسكنة أربيل بشكل مستمر. وبذلك فمن حق حكومة أربيل فقط, أن تتباهى وتقول؛(وداعًا للمهافيف)!!.
وشتان ما بين حكومة أربيل وبين(سلطة العتاكة)في بغداد الأسيرة. فرغم الضائقة المالية التي يمرُّ بها الإقليم بسبب الحصار المفروض عليه من قِبل تلك السلطة الغاشمة, لكنها جعلت من أربيل, ومدن إقليم كردستان بشكل عام, تضاهي أفضل مدن العالم في الجمال والإعمار والتشجير والخدمات والنظام والنظافة, وقبلها الأمن والأمان. أما مدن العراق التي ترزح تحت سلطة(القرامطة الجدد), فحدّث ولا حرج. بالرغم من الميزانيات المالية الخرافية, والتي يذهب معظمها لجيوب الفاسدين, والقسم الآخر يشق طريقه لتمويل النظام الإيراني المجرم, بعد أن حوّل حثالاته العراق لرئة يتنفّس من خلالها.
557 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع