(أين نحن من التقدم التعليمي والبحثي والطاقوي في ظل ما يحصل في المجتمعات المتقدمة والناهضة)

                                      

                             سرور ميرزا محمود

كما هو معلوم أن العلم والمعرفة يمثلان الأداة والوسيلة لحل كافة المعضلات والمشاكل لكل مجتمع يروم التقدم لنهضة شاملة لجوانب الصحة والبيئة والأقتصاد والثقافة والأجتماع ونظم المعلومات الهندسية والفنية بكل مقاييسها،

فتخلق الحلول وتنمو المهارات وتتصاعد القدرات، وهذا لا يتم الأ من خلال وجود موارد بشرية وأستخدام أمثل للموارد المتاحة وتعليم وبحث علمي يتعرف على المشاكل المجتمعية وأيجاد الحلول لها ليحصل بعد ذلك أستفادة المجتمع من الأنتاج والتسويق وبتمويل مجزي للدولة والقطاع الخاص، أي عالم نريد أن نصل أليه في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي وطوفان عصر المعلومات، وما الترازستر واليزر وقريباً النانوتكنولوجي ألا أمثلة لما حققه البحث العلمي، وفي عالمنا اليوم80% مبني على المعرفة، لقد كان للعولمة سواء قبلنا أو لم نقبل أن نتعايش معها دوراً في أزالة العوائق أمام حرية انتقال الأفكار والأفراد والتجارة، كما أفردت مفاهيم وتطبيقات الجودة في الأداء والأساليب المتغيرة بحيث أعطت نتائج أنتاجية بالمواصفات النوعية، أن الجامعات التي هي مركز الأشعاع العلمي والفكري في المجتمع المتقدم والعاكسة لتطور جوانب الحياة بكل مدلولتها العلمية والبحثية والأقتصادية والسياسية والعسكرية والأجتماعية، فأبتكرت وأعتمدت مبدأ التكوين النوعي لتتخرج منها اعلى الكفاءات، ورافقها في ذلك مراكز البحث التي تتوج بصورة مستمرة بأبداعات تكنولوجية وأقتصادية متسارعة بتسجيل براءات الاختراع وهنا نعطي مثالين: كوريا الجنوبية وحدها حققت ولمدة عشرين عاماً 1636 براءة أختراع في حين 100 براءة أختراع لمجموع الدول العربية لنفس الفترة، يتراوح نصيب الأنسان في المجتمع المتقدم والناهض من التعليم يين 2500 دولار الى6500 دولار بينما الأنسان العربي بحدود 340 دولار، الأمية قد تكون مفقودة في المجتمعات المتقدمة والناهضة في حين أنه تتراوح بين 30% الى45% في المجتمع العربي، أن ميزانية البحث العلمي في الدول المتقدمة من ميزانية ألدخل للقومي للدولة مع مشاركة للشركات الربحية يتراوح من1.5% الى 2.6% في حين أن ميزانية البحث العلمي في الدول العربية يتراوح بين.01% الى .02% وبالأرقام هناك بالمليارات والدول العربية ببعض من مئات الملاين من الدولارات، في عالم اليوم وفي سياق التطور المعرفي والتقدم العلمي أمكن الدول المتقدمة من الحصول على الطاقة ومن مصادرها المختلفة وكان نصيب الحصول عليها من الطاقة النووية نسبة لا تزال في تزايد مستمر بالرغم من حوادثها التي حصلت في تشرنوبيل وفوكوياما من خلال زيادة قدرة أنظمة السلامة، ولم تكتفي بذلك بل توسعت المصادر وبأسعار تنافسية لتأمين أستمرار التقدم المجتمعي في كافة المجالات للحصول على الطاقة من مجالات نضيفة بيئيا كالطاقة الشمسية والرياح والأندماج النووي، كل هذا التنوع سببه الكبير  نضوب النفط والفحم والغاز في العقود القادمة ، لقد سخرت الدول المتقدمة والصاعدة البحث العلمي لخدمة التنمية، في عالم اليوم تتسارع وسيلة التقدم التكنولوجي بصورة غير نمطية لتثبت أن التكنولوجيا ليست ثابتة وألعقل البشري مبدع عندما تتوفر له الأمكانيات فخلقت نماذج للتطور الصناعي والطبي والعسكري والزراعي، لقد أنفقت (أسرائيل) 3% واليابان2.8 والولايات المتحدة الأمريكية 2.46% وكوريا 2.2% وماليزيا 2.1% وسنغافورة 2.25 من نتاجها القومي على البحوث العلمية، هذه أمئلة أستبيانية لكيفية وأهمية تسخير البحث العلمي في خدمة تنمية بلدانها،هناك تعليم دائم وتطوير وسائله وبحث وأعادة وتدريب وتأهيل وجودة كلها عوامل تؤدي بالنهوض.
بعد هذا السرد أي عالم علينا كعرب أن نصبوا أليه في هذه الألفية التي بحق وصلت الى أتساع متسارع لعالم التنوير في حين لا زلنا نحن في بداية تجاوز العصر القديم، نسأل أين موقع الإنسان العربي بين الأمم، وما هو مقدار مساهمته في الحضارة الحالية، وهل هو مؤهل لأن يقوم بدور نشط ومشرّف كما فعل أسلافه وأجداده الذين نشروا العلم والمعرفة وأسهموا في إثراء الحضارة علمياً وثقافياً وتقنياً؟.

   

العراق بتاريخه الحافل بالحضارة الفكرية والعلمية والثقافية، الذي ابتدأ بفجر حياة الإنسان، وتعاقبت فيه الأمم والدول آلاف السنين، كان في جملة من عصوره، مناراً تهتدي بهديه الأمم، ودليلاً أميناً تتعقب خطاه في مضمار الرقي والعمران، وكان من أرقى مظاهر رقيه في بناء المدنية، عنايته بالمكتبات، التي نشأت وتطورت في وادي الرافدين عبر العصور السومرية، والبابلية، والآشورية. واشتهرت مكتبات عراقية كثيرة لعل أبرزها مكتبة لكش، ونبور، ونينوى،
 
 ومصر وعراقة حضارتها التي تفاعل حكام الاقاليم والعمد والقضاة وكبار الأطباء والكهنة والقادة العسكريين وما قدمه الانسان في عصرهم وبرعايتهم من تقدم فكري وعلمي والعلماء الذين كشفوا طبيعة الكون والين توصلوا الى فهم الكثير من القوى الطبيعية ودرسوا الفيزياء والرياضيات والفلك والجغرافيا والتاريخ الطبيعي والطب والفلسفة ومن بين هؤلاء الاساطين أقليدس عالم الهندسة الذي تتلمذ على يديه أرشميدس، كما ان مكتبتها وهي مكتبة الاسكندرية تعد أول معهد أبحاث حقيقي في التاريخ، ولهذا فحضارة وادي الرافدين والحضارة المصرية هما الاساس لما وصل اليه العالم المتحضر الآن.
                  

كما بدأت العلوم البحثية والتطبيقية عند العرب والمسلمين بحركة الترجمة التي نشطت في أواخر القرت الاول الهجري كحاجتهم الى العلوم باعتبارها من توابع الأستقرار والحضارة التي غمرت بنورها مشارق الأرض ومغاربها مئات السنين حيث كانت مرتبطة بالسياق الأجتماعي والثقافي في المجتمع بما يعني تعبير عن الروح العامة للمجتمع ضد الظلم والطغيان والأستبداد والقهر، وأستمرت بالأزدهار عن طريق الفتوحات التي كانت عامل ألتقاء بين الثقافة العربية وثقافة الشعوب التي تمازجت معها، فترجمت في زمن المأمون الكتب الأغريقية، الفارسية، السريانية، القبطية والكلدانية ومن اشهر المترجمين حنين بن أسحاق وثابت بن غرة.
قام العرب والمسلمون ببناء العديد من الصروح العلمية التي تخرج منها العديد من العلماء الذين تميزوا بغزارة الأنتاج من مختلف العلوم كالطب والصيدلة والفيزياء والكيمياء والجغرافيا والفلك والرياضيات وعلم الأحياء وأشهرها، بيت الحكمة في بغداد، الجامع الأموي في دمشق، الجامع الأزهر في القاهرة، جامع القدس في فلسطين، جامع القيروان في تونس، جامع القرويين في المغرب، جامع قرطبة في الأندلس والجامع الكبير في صنعاء، وما اسهامات أبو بكر الرازي، وجابر بن حيان، وأبن نفيس، وأبن البيطار، والبيروني، والخوارزمي وابن بطوطة وغيرهم عنا ببعيد، حيث كانت أسباب التطور ذلك تعود الى حرية الرأي العلمي وتشجيع الحكام والولاة للطلب العلمي والأستعداد الذهني والتفاعل والصبر والمصارحة والنقد وعدم الأتكالية في ظل الوفرة الأقتصادية، حتى جاء الأجتياح المغولي عام 1258، فقتل الكثير وحطم المدارس والجامعات والمكتبات وأصطبغ نهر دجلة باللون الأحمر بقتلاه والحبر لكتبه وأرشفته الفكرية والعلمية، ولنقارنها بما هو موجود الآن لنتعلم كيف نتخطاه لمجابهة التحدي الحضاري والانساني!
فالتعليم وقدرة العلم والبحث العلمي لا زالت في أطرها القديمة، فميزانيات التعليم لازالت ضعيفة ماعدا تحسنها في دول الخليج، وميزانية البحث العلمي لمجموع الدول العربية هو1.7 مليارماقيمته 0.25% من الناتج القومي أغلبه يصرف على الرواتب  والأيفادات والحوافز ومسائل أخرى غير جوهرية وبأفتقاد الأجهزة الحديثة وقلة المصادر والنشريات الدورية، وعدم وجود الأسلوب البحثي الجمعي ويستبدل عنه بالبحث الفردي، والأمية لازات تمثل هاجس الأرتفاع بين 30 الى 45% وبغياب قوانين التعليم الألزامي مع تحمل الأسرويسبب الفقر والعوز في تفشي هذه الظاهرة، كذلك تدني رواتب المعلمين والمدرسين وبغياب أساليب متطورة وحديثة تجعل من الطلبة مجرد أشباه للأمية،غياب وعدم وضوح الرؤية لسياسات واضحة للعملية التعليمية من الأبتدائي وحتى الجامعي، فهل نبقى مجتمع أستهلاكي يعتمد على كل شيء يأتيه من العالم الناهض والمتقدم، لندرس كيف أستطاعت الهند والصين وكوريا وتركيا وماليزيا أن تتطور وتدخل سوق المنافسة التجارية الدولية بمنتجاتها وزيادة على ذلك وكمثل يجب أن ننتبه أليه الا وهو أن كوريا خصصت كل أنفاقاتها ولمدة سبع سنوات على التعليم والبحث وأصبحت الآن خامس دولة تنعم بالرخاء الأقتصادي والصناعي.
ليتعامل الوطن العربي مع طوفان التصاعد التكنولوجي والمعلوماتي لذلك فأن التحدي الذي ينبغي علينا مواجهته يتمثل في كيفية ألتحاقنا بمسيرة الحضارة الأنسانية وهذا لايتم الا من خلال:
- تمويل عالي وكبير من الناتج القومي للجانب التربوي والتعليمي والبحثي
- تعليم ملزم ودائم وأعادة التدريب والتاهيل ضمن مواصفات الجودة الشاملة للأداء والنتائج.
- تحديد الأوليات بعد التعرف على المشاكل المجتمعية بوجود سياسة واضحة للبحث والتنمية وفق رؤى علمية.
- تغيير في المناهج الأدارية بتغيرالكوادرالتقليدية ويمكن الأستعانة بالعقول العربية المهاجرة بعد أن تتوفر لهم سبل العيش الكريم وبرواتب مغرية.
- وضع الخطط الأسترتيجية للتعليم والبحث ولمدة عشر سنوات تنفذ بمراحل ويجري تقيمها وفقاً لذلك.
 
- عدم التوسع الكمي في الجامعات والتوجه نحو التركيز النوعي وأنشاء جامعات منخصصة أسوة بجامعات هارفر وامبريال وآى.م.ت والسوربون وغيرها من خلال أساتذة أكفاء من العقول العربية والمهاجرة منها.
- أنشاء المراكز والمعاهد البحثية المستقلة أو الملحقة بمؤسسات التعليم العالي وتكون هناك أولويات للبحوث التي تعالج مشكلات الزراعة والطب والتصحر وتحلية المياه والطاقة.
- تشجيع الموهوبين من الشباب من خلال أنشاء مدارس خاصة بهم أو من خلال مراكز متخصصة وأشراكهم بالدورات التدريبية التخصصية لتنمية وتطوير قدراتهم.
- ضرورة إدراج مقررات دراسية في مختلف أقسام العلوم الأساسية والإنسانية بالجامعات العربية وفي مختلف السنوات الدراسية، تهدف إلي إبراز دور الحضارة العربية والإسلامية في نهضة الغرب، وإبراز فضل العلماء العرب والمسلمين وأسبقيتهم على الكثير من أقرانهم الأوربيين   
- زيادة المكتبات وتنوع مصادر الدوريات والنشرات العلمية وديمومة الحصول عليها.
هذه بعض من ألأفكار التي تعتقد بأن تؤخذ بنظر الأعتبار لكي نتقدم ونواكب التطور الذي يحصل في عالم اليوم الذي لا يعرف الأنتظار، ولا بد أن نشيد بدول مجلس التعاون الخليجي ومنها الامارات المتحدة والسعودية والتي خصصت مبالغ كبيرة للتعليم والبحث والدخول في مجالات الطاقة المتنوعة ومنها ما يتعلق بالطاقة الشمسية والنووية وبتخطيط أستراتيجي بعيد المدى، لكنه يحتاج الى تطوير وأستمرار لأوليات الحاجة وفق الرؤى المستقبلية، ومطلوب من مصر الآن أن تعيد حساباتها بشأن نوعية جامعاتها التي كانت رائدة في سبعينات القرن الماضي وأصبحت الآن في تسلسل غير مقبول عالميا، وكذلك مراكزها البحثية، وضرورة التوجه نحو تحديد الأولويات لأبحاث التصحر والزراعة والمياه والطب، ومصادرالطاقة الشمسية والنووية لما تحويه من كفاءات علمية داخل مصر وخارجها، أما عن العراق الذي كان قد قضى على نسبة عالية من الأمية حسب شهادة اليونسكو عام 1979 وكان جامعاته ومدارسه ذات شأن نهضوي وكذلك مؤسسة البحث العلمي ولكن بسبب أحداث عام 1991 وما تلاها من حصار قد أثر على العملية التربوية والتعليمية وأزدادت الأمية، ومنذ الاحتلال الأمريكي وقوى التحالف معه للعراق عام 2003 أخذ الغزو الأجنبي للعراق أبعاداً أكثر خطورة من الاجتياح المغولي، فإلى جانب تدمير البنية التحتية، تفاقم الوضع ليطال المكتسبات الحضارية والثقافية، إذ في ظل الفوضى  التي رافقت الاحتلال، امتدت الأيادي المدسوسة والمدفوعة الثمن والرعاع لنهب المخطوطات والكتب الثمينة والنادرة من: مكتبات الجامعات العراقية، ودار الكتب والوثائق، ومكتبة المجمع العلمي العراقي، ومكتبة الأوقاف، وتعرض أيضاً العديد من مكتبات المدارس إلى عمليات مشابهة، أما مكتبات الوزارات  قضى الحريق عليها جميعاً ما عدى وزارتي النفط والداخلية، فقد تم إحراق مكتبات: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والدفاع، والخارجية، والتربية، والأوقاف، والمواصلات، والزراعة، والتصنيع العسكري، والري، والصناعة، ومنظمة الطاقة الذرية، ونهبت كافة محتويات مكتبتي (بيت الحكمة)، والمتحف العراقي، أما مكتبات الجامعات والكليات والمعاهد فجزء منها قضى عليه الحريق، وجزء سرقت محتوياته، والجزء الثالث نهبت منه أهم محتوياته، إن عمليات الحرق والإتلاف والسرقة امتدت أيضاً لتشمل المتاحف، والجامعات، ومراكز البحث العلمي،ودار الكتب والوثائق والمؤسسات الثقافية؛ إذ أتلفت الوثائق الأرشيفية الجارية والتاريخية، وقواعد البيانات العراقية، وكان المقصود والمخطط له هو تدمير الذاكرة العراقية، وهو ما يعدّ خسارة فادحة يصعب تقديرها؛ إذ معها تفقد الحضارة الإنسانية جزءاً ثميناً من ذاكرتها ومن رصيدها التاريخي والفكري وأستمرت بعد الأحتلال وبتسارع كبير وخاصة بعد أغتيال وتشريد وهجرة كفاءاته وهي عقول مميزة في المجتمع وكانت اسهاماتها متميزة في البناء والأبداع، كما ساهمت التوجهات الطائفية بنفس القدر من القتل والتهجير والله يعين العراق على ما حدث له، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
باحث علمي

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1430 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع