يعيش الآن العرب المسلمون وغيرهم من المسلمين حالة هستيرية دينية بسبب ما قاد إليه الفيلم الأمريكي الهابط الرَّديء بشأن نبي الإسلام صلَّى الله عليه وسلم، ومن بعده الصور الكاريكاتيرية الفرنسية المبتذلة المستهزئة بشخصه، من إثارة للمشاعرالوجدانية الجمعية وتجريح للكرامة لدى جموع المؤمنين. والهستيريا، كما هو معروف، هي ردَّة فعل عاطفية غير متوازنة من قبل شخصية مشوشة غير ناضجة.
لكن ذكر ذلك لا يقلّل من جرم وسفاهة من تسبب في تلك الإثارة وذلك التجريح باسم صنم حريّة التعبير، ولا من مسؤولية الحكومتين الأمريكية والفرنسية المعنيتين بإيجاد وسائل قانونية تمنع هذه الصدامات العبثية جرَّاء ممارسات جاهلة سمجة. وهنا نعود فنذكر بأن فلاسفة الغرب من مثل الفرنسي روسو والألماني كانت، عندما أكدوا أن القانون، وهو صياغة عقلانية، سيكون في صف الحرية الفردية شدَّدوا أن ذلك ينطبق على القانون الذي يتعامل مع أفراد عقلاء أسوياء. أما عند التعامل مع أناس غيرعقلانيٍّين ولا يملكون قيماً أخلاقية تحكم تصرفاتهم، فإن القانون في هذه الحالة يحتاج لأن يضع حدوداً للحرية، بما فيها حرية التعبير وحرية الكلام، من أجل حماية الأبرياء الآخرين من أصحاب الشَّطط وأمراض الكراهية والتعصُّب الأعمى.
لكن مداخلتنا اليوم ليست معنيَّة بما يفعله بعض المرضى الحمقى من أهل الغرب. إنها معنية في الأساس بأمرين اثنين يستحقان التمعن فيهما، ونحن نعيش الزوبعة المؤسفة الحالية.
الأمر الأول، يتعلق بتذكير أنفسنا بأن الشَّطط لا يمارسه فقط الأجنبي الآخر. إن بعضاً من المسلمين يفعلون الأمر نفسه بأشكال من التعبيرات التي هي أيضاً تثير الوجدان الجمعي الديني وتطال المقدسات أيضاً. ألم يصرٍح سلمان رشدي المسلم بأن “القرآن ليس أكثر من وثيقة تاريخية؟ ألم تقل تسليمة نسرين المسلمة البنغلاديشية إن دينها ليس الإسلام وإنما الإنسانية، وإنها لذلك تتمنّى حرق كل المساجد والكنائس والمعابد؟ ألم تصف الصومالية الهولندية المسلمة أيان علي رسول الإسلام بأوصاف مسيئة؟ ألسنا نقرأ كتابات أدبية وفكرية تخلط بين الإسلام وأهل الإسلام، وتغمز بطرف خفي العقيدة بواسطة تجريح ظاهر لحاملي العقيدة؟
نحن إذن أمام ظاهرة مصدرها الخارج والداخل، حاملوها من خارج الإسلام ومن معتنقيه، تستظلُّ بظل علم حرية الرأي، ولكنها تخفي الأسباب الحقيقية التي لا حصر لها ولا عدّ.
أما الأمر الثاني فيتعلق بعنفوان ردَّات الفعل الاحتجاجية، التي تصل إلى حدود موت بعض المحتجِين، ومهاجمة الأهداف الخاطئة التي ينتج عنها دخول العرب والمسلمين في صراعات دولية خطرة، والوصول ببعضها إلى حقد الغوغائية المضرَّة بسمعة ومكانة الإسلام ومجتمعات المسلمين وبمدى انتشاره في مجتمعات العالم الأخرى.
من المؤكَّد أن الظاهرتين، الأولى والثانية، لا دخل لعقيدة الإسلام بهما. فهي، إن قرأت بصورة صحيحة، تمجد الاختيار الحر من قبل أتباعها، وتعتبر نفسها حلقةً مكمِّلة لسلسلة طويلة من الرِّسالات الإلهية، وبالتالي لديها قدرة التعايش والتسامح، وهي تعلي من شأن مجادلة الآخرين بالتي هي أحسن. إذن فأين تكمن المشكلة؟ إذا كنا صادقين مع أنفسنا فإن الجواب سيشير إلى القراءات والتأويلات البشرية الخاطئة المتشنجة بسبب الخوف وضعف الثِّقة في النفس.
إذا كان الأمر كذلك، فهناك حاجة ملحة لمراجعة الأمرين مراجعة عميقة، على مستوى الحكومات ومؤسَّسات المجتمع المدني وبالأخص حركات الإسلام السياسي، وعلى مستوى المؤسسات الإقليمية العربية والإسلامية المشتركة بما فيها الجامعة العربية والمنظمة الإسلامية.
هناك حاجة لتوضيح ورسم حيز النقد المقبول وإشهاره بقوة المنطق الإسلامي وحجَّة القانون المجتمعي الحامي للصالح العام وللسلام المجتمعي، إشهاره في وجه المتطرفين من علماء الفقه وقادة السياسة الانتهازيين وبعض الجيوب المجنونة في صفوف الجماهير.
القضية التي نحن بصددها ما عادت قضية عابرة. لقد أصبحت تتفجَّر في وجه الأمتين العربية والإسلامية بتواتر كبير، وبأشكال مفجعة ستشوه العقيدة نفسها، وستزيد من مصائب هذه الأمة التي ما إن تنتهي من مصيبة حتى تدخل في أخرى.
تجريح المقدَّس، سواء أكان إلهياً أم وضعياً، يجب أن يجابه بعقلانية وفهم لدوافعه، وعلاج معقول لشططه، وفضح للمظلات التي يستظلُ بها. إنها مهمة صعبة ولكنها غير مستحيلة. الغرب مسؤول ونحن مسؤولون أيضاً.
866 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع