علاء الأعرجي
احتفالاً بصدور الطبعة الرابعة من كتاب:
تعليقات الصحافة وموجز
الطبعة الأولى: دار كتابات،بيروت،2004
الطبعة الثانية: دار" رياض العلوم للنشر والتوزيع"، الجزائر، 2005
الطبعة الثالثة: (مزيدة ومنقحة) دار أخباراليوم، القاهرة، 2009
الطبعة الرابعة:( موّسعة)، دار مكتبة عدنان، بغداد 2014.
تتضمن هذه الورقة،بالإضافة إلى المقدمة المختصرة، أربعة فصول :1) مقتطفات موجزة من تعليقات الصحافة؛ 2) موجز عن فحوى الكتاب؛3) ندوتان لمناقشة الكتاب؛4) خلاصة وتحديد نقاط الجـِدَّة في الكتاب
مقدمة:
بين الربيع العربي وجحيم العقل المجتمعي العربي المتخلف هذه الثورة الشعبية، التي تباشرنا في البداية بها خيراً، لأنها أول ثورة شعبية عربية حقيقية سلمية وبدون قيادة، رفعت شعارات حداثية عادلة: خبز، حرية، كرامة، ديمقراطية، عدالة اجتماعية، كشفت عن ظهور تيارات ماضوية رجعية، فـتَّـقت خلافات طائفية وعشائرية وسلفية وتكفيرية. مما أكد نظريتنا بوجود عقل مجتمعيٍّ عربي متخلف، يسيطر على الأغلبية الساحقة من العرب، يتبعونه بعقلهم المنفعل، بعيداً عن العقل الفاعل. وهكذا فإن هذه الفصول المكتوبة قبل الربيع العربي بسنوات، تصبح أكثر انطباقاً على المجنمع العربي اليوم، من أي وقت مضى، على الأرجح.
أولاً- مقتطفات من أقوال بعض الصحف والمجلات بشان الكتاب:
1- مجلة الكفاح العربي، بيروت، 2/10/2004: "خطاب جريء قد يصدم ويثير، إذا وضعنا واقعنا المرّ بلا رتوش أمام القارئ". . ." فبقدر ما يتحرر الإنسان العربي من العقل المجتمعي في جانبه السلبي ومن عقله المنفعل باستخدام عقله الفاعل، يكون قادرا على الإبداع ، مفتاح تقدم الأمم وانطلاق الحضارة ".
2- صحيفة " النهار" ،بيروت، 9/10/2004،كتاب علاء الدين الأعرجي “أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي” يتضمن خطاباً جريئاً يدق ناقوس الخطر ليوقظ النيام ويسمع الصم، اذ كيف يتمكن الانسان العربي من النهوض والتقدم وعقله مكبل بأغلال الذات وقهر الآخر؟ ومن أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي،هل يمكن الاستنتاج أن الأمة العربية تنحدر نحو الانقراض مثلما زالت قبلها أمم كثيرة؟ هذا ما أراد قوله المؤرخ أرنولد توينبي الذي يحصر الحضارات التي ظهرت باحدى وعشرين حضارة انقرضت منها أربع عشرة حضارة ولم يبق الا سبع ، تمر ست منها في طور الانحلال. . .الى ذلك، يلاحظ المرء اتساع الفجوة الحضارية والاقتصادية بين الوطن العربي والبلدان المتقدمة، اذ ارتفعت تلك الفجوة من ثلاثين ضعفاً لدى دخول نابوليون مصر عام 1798 الى ألوف الاضعاف في بعض المجالات العلمية والتكنولوجية في الوقت الراهن. وكنا نتصور أن جميع مشاكلنا عرباً يمكن مواجهتها وحلها تدريجاً بمجرد التحرر من الاستعمار،( ولكن حصل العكس!!!) ....
3- صحيفة السفير، بيروت،19/10/2004، كتاب الأعرجي"ازمة التطور الحضاري في الوطن العربي بين العقل الفاعل والعقل المنفعل" يتناول امكانية تدهور اوضاع الامة العربية في ظل الظروف الراهنة، من خلال آراء ونظريات مفكرين عدة، أمثال ابن خلدون وتوينبي. الكتاب يشدد على التفريق بين العقل والفكر ويركز على الاسباب التي تجعل العقل العربي سجينا في <<زنزانة القهر الاجتماعي والسياسي>>، ويطرح حلولاً لتحرير هذا العقل، بهدف الوصول الى إنسان قادر على الابداع والعطاء، فيفرق بين العقل المنفعل الذي يميز بين الصح والخطأ في اطار مجتمع معين، والعقل الفاعل اي <<الملكة الطبيعية التي تولد مع الإنسان ثم تضمر تدريجا>>. أما فصول الكتاب الاخيرة فتركز على ميل العقل العربي نحو الاتباع لا الابداع، وما يخلفه ذلك من تبعات على ازمة الخروج من ذهنية الانفعال، عبر الاستعانة بمجموعة حقائق وتساؤلات(أو شكوك) حول ما قدمه الفكر العربي من منجزات تقنية، علمية وفكرية للعالم على الرغم من ارتفاع عدد الجامعات وتضخم الرأسمال العربي.( صفحة "ثقافة").
4- صحيفة " الأسبوع " طبعة نيويورك، 22/10/2004:"خطاب يطرق ناقوس الخطر ليوقظ النـُوَم، ويُسْمِعَ الصُمَّ، لكنـَّه يفتحُ بابَ الأمل ويَحْـفِـزُ على التفكير والعمل، ويحاول الإجابة عن بعض التساؤلات الصعبة: لماذا فشل العرب في النهوض والتقدُّم، ومنافسة الغرب، في حين تمكـّـنتْ أممٌ أخرى من ذلك؟ ولماذا بقيَ العرب ممزّقين بين ضغوط الماضي وضرورات الحاضر، وفشلوا في التوفيق بين الأمرين؟ كيف يتمكن الإنسان العربي من النهوض والتقدُّم، وعقلـُه مكبـّل بأغلال الذات وقهر الآخر ؟هل ثـمَّة "عقل مجتمعيّ"، قاهر يتحكـَّم في عقولنا، لنصبح دُمىً يحرِّكها بخيوطه؟ هل يؤدي استخدام "العقل الفاعل" بدل "العقل المُنفعل"إلى التحرّر من قيود "العقل المجتمعيِّ"، لتحقيق طفرةٍ نوعيّة يمكن أن تـُنـقذ هذه الأمَّـة من هذه الغمّة؟ بتحليل علميٍّ موضوعيٍّ، يحاول هذا الكتاب، للمفكر العراقي المعروف، علاء الدين الأعرجي، أن يكشف عن أزمة الإنسان العربيِّ الممزق بين سلطة الأموات وقهر الأحياء وإذلال الآخر، ساعيا إلى إلقاء ضوء على بعض الحلول".
5- صحيفة المنصة العربية، نيوجيرسي، نيويورك، 1/11/2004: "بنهج موضوعي هادف وهادئ ، وبحث علمي عميق ودقيق، يحاول مؤلف هذا الكتاب، المفكر العراقي علاء الدين الأعرجي، معالجة أخطر إشكالية تجابه الأمة العربية في العصر الحديث" . . . " وبغرض محاولة إنقاذ هذه الأمة من هذه الأزمة، يطرح المؤلف نظريات جديدة، جديرة بالتمعن والدراسة، أهمها نظرية"العقل المجتمعي" ونظرية "العقل الفاعل والعقل المنفعل" ونظرية " عدم مرور العرب بمرحلة الزراعة". علما أن نخبة من الكتاب والأكاديميين العرب في أمريكا، عكفوا على دراسة هذا الكتاب الخطير، وهم بصدد عرض وجهات نظرهم في ندوات عامة . . ." (جرت الندوة الأولى في 14/10/2004، في قاعة السليمانية، في جيرسي سيتي، وجرت الندوة الثانية في مقر الأمم المتحدة،بنيويورك، في 21/12/2004، وحضرهما عدد كبير من الصحافيين والدبلوماسيين والمثقفين )
6- صحيفة "القدس العربي" لندن 2/11/2004: أشارت الصحيفة إلى ندوة مناقشة الكتاب من جانب بعض المفكرين العرب المقيمين في الولايات المتحدة،برعاية مشتركة من المركز العربي للحوار والدراسات والنادي العربي في الأمم المتحدة. وذكرت أن المؤلف ركز في عرضه للكتاب على الفصل الأول المعنون" النهضة أو السقوط"، حيث طرح نظرة متشائمة عن الوضع العربي، وقدم سبعة عشر مؤشرا لتدهور الحاضر العربي، الذي يدل على مستقبل مظلم. بل حذر من إمكان انقراض الأمة العربية، كما انقرضت قبلها 14 أمة أو حضارة سابقة، كما يقول فيلسوف التاريخ آرنولد توينبي، الذي يرى أن الحضارة العربية الإسلامية تمر بدور الانحلال. وعزا هذا المصير إلى "العقل المنفعل" أو الخاضع لــ"العقل المجتمعي" السائد، الذي يتكون من جملة الأعراف والقيم والمعايير والمعتقدات السائدة والمتراكمة عبر تاريخ المجتمع، والتي تصبح من المسلمات التي يتبعها أفراده، دون وعي، بصرف النظر عن قيمتها، بل يدافعون عنها باعتبارها آراءهم الخاصة. ومع ذلك قد تظهر نخبة تحمل "عقلا فاعلا"، ترفض الخضوع إلى العقل المجتمعي، فتـُتهم في مجتمعاتنا بالكفر أو الردة أو الاستغراب. ويقدم أمثلة على هؤلاء" المرتدين"، ومنهم طه حسين وعلي عبد الرازق ونصر حامد أبو زيد وفرج فودة ونجيب محفوظ وغيرهم. ولئن رُحب بالكتاب غير انه تعرض للنقد، لأنه يحمّـل "الأنا" المسؤولية القصوى لأزمة التطور الحضاري في الوطن العربي، بينما يصرف النظر تقريبا عن مسؤولية الأخر. كما أخذ عليه البعض لغته الأكاديمية العالية التي قد تصعب علي القارئ العادي، وعدم التطرق بصراحة لمسألة الدين وقضية المرأة.
7- صحيفة "القدس العربي"، لندن، 26/11/2004 " تحت عنوان "رؤية متميزة من خلال نظريات فلسفية وسوسيولوجية، ويربط نكبتنا بـ "العقل المجتمعي" العربي . . . "، ورد في هذه الصحيفة إن الكتاب يتعرض لأخطر أزمة تواجه الأمة العربية والإسلامية اليوم، ومنذ أكثر من قرنين، ألا وهي أزمة التطور الحضاري. وخلصت إلى أن الكتاب قوبل بالترحيب بوجه عام، ونوقشت أهم موضوعاته بروح موضوعية صارمة، حيث تعرض لانتقادات شديدة. ومن جهة أخرى، وصفه أحد أعضاء لجنة مناقشة الكتاب، بأنه قد يعتبر، مع عدد من الأعمال المتميزة الأخرى، مدخلا لقاعدة تنظيرية: فلسفية وسوسيولوجية، لحركة حداثية عربية مستقلة، قد تقارن ، بحركة طلائع الحداثيين الأوربيين من أمثال ديكارت وفرانسيس بيكون ، وغيرهم من الفلاسفة الذين أرسوا أسس العقلانية والحداثة للحضارة الأوربية". وأشار إلى أن معظم المفكرين العرب الذين عالجوا المسألة العربية تعرضوا لها بمفاهيم ونظريات مقتبسة من الفكر الأوربي أو الأمريكي، بينما تمكن مؤلف الكتاب من عرض نظريات تعتبر جديدة.
8- صحيفة" صوت العروبة" نيوجيرسي- نيويورك، 9/12/2004: "في هذا الكتاب قام المؤلف علاء الدين الأعرجي، بتشخيص الداء . . . تشخيصا صحيحا ومباشرا، وبتواضع المفكر الدارس المتفحص والمتمكن، ولج أتون النار مباشرة . . . وكان صريحا مع نفسه ومع القراء باعتبار أن القضية عامة تخص وطنا بأجمعه، حيث قال في الصفحة 91"إذا أردنا تحرير الإنسان العربي لإنجاز نهضته وتقدمه فينبغي علينا أولا، وقبل كل شيء، تحرير عقله الذي تعرض للقهر على مرّ العصور، فأصبح خاضعا. . . خانعا . . . تابعا . . . مقلدا. . . مرددا . . . لا مجددا" . . . ويوجه الكاتب إلى الأمة العربية تحذيرا وتـنبـيـها مريرا يقضي بأنها إذا استمرت على هذا التخلف فقد تتعرض للانقراض كما انقرضت قبلها 14 أمة وحضارة سابقة، كما يقول المؤرخ والفيلسوف أرنولد توينبي" .
9- صحيفة "الإيجبشن نيوز" نيويورك- نيوجيرسي ، 15/12/2004: " من اعظم فضائل الإنسان، فضيلة مصارحة الذات، وكشف الحقيقة مهما كانت مرارتها، ومهما كانت حدتها و قسوتها. إن دفن الرأس في الرمال لا يعني عدم كشف باقي الجسد. وعندما يتحدد ما بداخلنا من عيوب وما تحتويه أجسادنا من بؤر مرضيّـة، يمكن التشخيص دون خطأ، وقتها يمكن وصف العلاج الشافي. وهذا ما قدمه لنا المفكر الأعرجي في كتابه المتميز هذا. وهو يعرج على حقيقة خطيرة وهي أن هناك صراعا بين قوى التقدم والتطور وقوى التخلف والتقليد الأعمى ، وأن هذا الصراع سيحسم لصالح القوى الأولى، إذا لم تسارع المجتمعات العربية المتخلفة، إلى اللحاق بركب الحضارة الحديثة ".
10- مجلة " كتابات معاصرة"، بيروت، العدد 55( شباط-آذار 2005):"يطرح المفكر الأعرجي في هذا الكتاب تساؤلات خطيرة منها : هل يمكن التحدث عن عقل عربي متميز؟ وهل العقل العربي سجين لاتاريخيته؛ تراثه وثقافته؟ أم سجين تخلفه الحضاري الذي استمر ما يـُربو على سبعة قرون؟ وهل أسفرت صدمة العقل العربي- الإسلامي بالحضارة الغربية الحديثة منذ حملة نابليون على مصر، ثم هزيمة الأمة العربية بكاملها أمام إسرائيل، إلى نكوص ذلك العقل ولجوئه إلى الماضي، تعويضا عن فشله في مواجهة واقعه المُرّ ومصير الأمة الكالح؟ هل ثمة " عقل مجتمعي" قاهر يتحكم في عقولنا إلى الحد الذي نصبح فيه دمى يحركها بخيوطه؟ وما السبيل لتحرير العقل العربي من سجنه اللاشعوري المؤبد هذا وإطلاق طاقاته الجبارة؟ وهل يمكن أن يؤدي إحلال استخدام العقل الفاعل محل سيادة "العقل المنفعل" الخاضع لـ"العقل المجتمعي" السائد والمتسلط، إلى تحقيق طفرة فكرية قد تنقذ هذه الأمة من هذه الغمة؟ وأخيرا ما وجه الترابط العضوي بين تحرير العقل العربي وتحرير الإنسان العربي؟ . . . كتاب يقدم رؤية متميزة ونظريات سوسيولجية وثقافية جديدة".
11- صحيفة "أخبار الأدب"، القاهرة، 8/9/2008. كتب الأديب جمال الغيطاني، رئيس التحرير، مقالة نقتبس منها ما يلي:
علاء الدين الاعرجي، من مرقبه في نيويورك لا يبكي علي الاطلال، ولا يرثي الذات، ولكنه يقدم أفكارا ربما توقظ المغمي عليهم، المتحجرين الذين وضعوا أنفسهم في تناقض مع عالم لن يسكت علي حماقاتهم وتخلفهم.
في الفصل الأول المعنون "النهضة أو السقوط" يقدم سبعة عشر مؤشرا لتدهور الحاضر العربي، لو دققنا النظر سنجد أن عناصرهم مشتركة بين جميع أقطار الوطن العربي بدون استثناء، وكلها تنذر بمستقبل معتم. من هنا يبدو السؤال الذي كان يوما ما مستحيلا منطقيا "هل ينقرض العرب؟" هذا السؤال بالغ الجدية الآن، خاصة أن أربع عشرة أمة وحضارة انقرضت من قبل، كما يثبت ذلك المؤرخ ارنولد تويبني، الذي رأي منذ فترة مبكرة في القرن العشرين ان الحضارة العربية الاسلامية تمر بطور انحلال. والسبب الرئيسي لذلك كما يري الاعرجي، خضوع المجتمعات العربية لسلطة ما يطلق عليه "العقل المنفعل" والذي يخضع لميراث طويل من التقاليد الجامدة والمسلمات التي لم تعد ملائمة للعصر.
من هنا تأتي قيمة كتاب علاء الاعرجي "أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي" والذي تصدر طبعته الثالثة المعدلة، المزيدة، عن قطاع الثقافة في "دار أخبار اليوم"، وتعتبر الأولي في مصر. تأتي هذه الطبعة الجديدة لتقدم اجتهادا قيّما وحقيقيا من إنسان عربي مخلص مهموم بمصير أمته في مرحلة تاريخية صعبة، خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر. يحاول الاجابة علي أسئلة صعبة، مثل كيف يتقدم العقل العربي؟ كيف ينهض الانسان العربي وعقله مكبل بأغلال الذات وقهر الآخر؟ كيف يمكن للعقل العربي أن يتجه إلي الإبداع الفكري بدلا من الاتِّباع؟ كيف يمكن أن يتحرر؟ كيف يمكن لحالة الاغتراب عن الابداع الخلَّاق أن تنتهي؟
يفرق المفكر الاعرجي بين العقل والفكر، ويركز علي الأسباب التي تجعل العقل العربي محاصراً. بالطبع لا يكتفي بطرح الاسئلة انما يحاول التركيز علي الحلول التي تؤدي الي تجاوز الواقع المحيط، المتخلف الذي يعيشه العرب الآن، خصوصاً فشلهم في اقامة جسر يربط بين سلطة الاموات الموروثة، وقهر الاحياء المتنفدين وإذلال الآخر المتفوق. يواجه المؤلف هذه المشكلة بمنهج علمي دقيق، ورؤية رصينة، ومن خلالهما يقدم الحلول النظرية الممكنة.
ثانيا - موجز مكـثــّـف:
هذه مجموعة فصول مختارة نشر بعضها تباعاً بشكل دراسات، منذ بضع سنوات. وهي تشكل حلقات متكاملة من موضوع واحد يتعلق بـ"أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"، في بعض أبعادها التاريخية والسوسيولوجية والفلسفية والاقتصادية والسياسية، وعلاقـة تلك الأزمة بما يعاني منه الشعب العربي من نكبات وما ينتظره من ويلات. ولئن تبدو بعض الاستـنـتاجات قاسية أو صادمة، إلا أنها تـنطلق من حرص الكاتب الشديد على مستقبل هذه الأمة ومصيرها.
وتشكل هذه البحوث محاولة متواضعة لسبر أُسّ المرض الذي تعاني منه الأمة، وتلقي ضوءاً على بعض أنماط العلاج الجذرية. ومع ذلك أشار الكاتب إلى أن الدراسات الإنسانية، خلافا للحقائق العلمية، تظل عرضة للنقاش والشك. ويعترف، بكل تواضع، باحتمال تعرضه للشطط والزلل. لذلك يتطلع دائماً لاستمزاج آراء وملاحظات الزملاء خاصة، والقراء عامة، ولاسيما النقاد، ليأخذها بعين الاعتبار، في الأجزاء التالية من هذا البحث.
ففي الفصل الأول التمهيدي(غير منشور سابقا) من هذا الكتاب، جازف المؤلف بالتعرض، صراحة، لمسألة إمكان انقراض الأمة العربية، كما انقرضت قبلها أمم متعددة، كما يؤكد المؤرخ البريطاني "أرنولد توينبي". وبَـيَّـن علامات سقوطها ومؤشراته، منذ فترة طويلة، ثم تفاقُم هذه الأوضاع في العصر الحديث.وقد تتداخل هذه المظاهر أو تتكامل أو تتوازى في الغالب. وذكر منها سبعة عشر مؤشراً، من بين عشرات أخرى، كانت وما تزال قائمة، منذ مئات السنين. واستشرف مستقبل الأمة الكالح في ظل التداعيات الجارية والظروف الراهنة(قبل ما يسمى بالربيع العربي). ولئن تعرض الكاتب لهذه المؤشرات، فإنه يحاول مواجهة الحقائق ولو كانت مُرّة. كما أنه يلح على قرع ناقوس الخطر الداهم لشحذ العـقول وإبداع الحلول، وتنبيه الزعماء السياسيين المخلصين، والمعـنيـين والمثـقـفيـن والمفكرين والمتخصصين، الحريصين على مصير أمتنا العربية العريقة والعظيمة.
وبغية تبرير وتفسير المخاوف القائمة على أسس واقعية وتاريخية، بحث المؤلف، في الفصل الثاني، مسألة "نشوء الحضارات وازدهارها وسقوطها"، من خلال بعض من آراء ونظريات علمين من أبرز علماء التاريخ والاجتماع: ابن خلدون الذي يعتبر أول مفكر طـَرَقَ هذا الموضوع، الشائك، وأول من طرح مسألة بداوة العرب التي ظلت تنخر دعائم الحضارة العربية الإسلامية، حتى يومنا هذا. ثم أهم مفكر غربي عالج الموضوع في القرن العشرين:أرنولد توينبي، في كتابه الموسوعي"دراسة للتاريخ" Study of History (13مجلدا). وقد حـَصَرَ هذا المفكر الحضارات البشرية في 21حضارة، انقرض منها 14 حضارة، والست الباقية في طريقها إلى الانقراض، منها الحضارة (العربية) الإسلامية. أما السابعة وهي الحضارة الغربية، فلم يُعرف مصيرها بعد، كما يقول.
ومن هنا انطلق الكاتب في بحث مصير الحضارة العربية الإسلامية المظلم، إلا إذا تحولت من حالة الجمود إلى حالة الحركة، وذلك من خلال جهود أبنائها، واصة قياداتها ومفكريها. ولاحظ أن مسألة ثنائية الحركة والجمود، كما يرى جمهور الباحثين، بما فيهم "توينبي" و"ويل ديورانت"، مؤلف موسوعة" قصة الحضارة"، ومحمد عابد الجابري، صاحب "رباعية نقد العقل العربي"؛ يقول: إن مسألة الحركة والجمود، تشكل المحور الرئيس الذي يقرر ظهور الحضارة وتقدمها وازدهارها، أو ضمورها وانهيارها. وبالتالي سيقرر هذا المحور بالذات مصير حضارتنا. أي أن "الحركة" ترفع الحضارة و"الجمود" يسقطها، ونحن في سقوط متواصل منذ فترة طويلة، تفاقمَ وتضاعفَ خلال العقود الخمسة الأخيرة،ولا سيما منذ هزيمة الـ 67.
كما شرع الباحث، في هذا الفصل، بطرح نظرية مُتـَـقـَحِـّمَة، تفسر عدم شفاء العرب من العقلية البدوية، التي كانت، ولا تزال، إلى حد بعيد، سائدة في شبه الجزيرة العربية، بل وفي معظم المجتمعات العربية. وتستـند هذه النظرية إلى حقائق تاريخية تدور حول"عدم مرور العرب بمرحلة الزراعة"، على نحو يكفي لمحو القيم البدوية.
ولكن كيف يمكن لأبناء الأمة العربية أن ينتقلوا من حالة الجمود إلى حالة الحركة، في الوقت الذي يخضعون فيه لألف قيد وقيد؟ وللإجابة عن هذا السؤال، بحث المؤلف في أمر تحرير الإنسان العربي من تلك القيود، أولا،ً ليتمكن من الحركة، بكل معانيها وأبعادها، وخاصة حركة الفكر والإبداع والابتكار، وبالتالي التقدم. غير أنه لاحظ، بتمعن، أن تحرير الإنسان يتطلب النظر في تحرير عقله قبل كل شيء. فالعقل المكبل بعشرات الأغلال المفروضة عليه من سلطات متعددة، منها سلطة "الآخر" الحاكم بأمره، في الداخل أو الزعيم المستبد؛ أو من الخارج: الهيمنة الأجنبية، والتبعية إلى الآخر، بجميع أشكالها، ومنها السياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والفكرية والثقافية؛ فضلا عن سلطة الماضي أو السلف، أو سلطة الأموات على الأحياء، بالإضافة إلى سلطة المجتمع( أو بالأحرى سلطة ما يطلق عليه الباحث مصطلح "العقل المجتمعي")، بكل ما يحمله من تقاليد وأعراف وقيم وعقائد ومسلـّمات متخلفة من الفترة المظلمة، بوجه خاص، يقول المؤلف- هذا العقل المُقيد، لا يُخلـِّف إنساناً حراً مبدعاً، بل دُمية تحركها الخيوط المتصلة بجميع تلك السلطات المذكورة أعلاه.
وهذا ما يبحثـه الفصلان الثالث والرابع، تحت عنوان"تحرير الإنسان العربي من خلال تحرير العقل العربي" في حلقتين. فبعد أن حدد مفهوم العقل وميّـز بين العقل والفكر، تساءل عن وجود عقل عربي متميز، كما يوجد عقل متميز لكل شعب أو "وحدة مجتمعية" معينة. وشرح، بتفصيل واف، أشكال وأصناف السجون التي يخضع لها العقل العربي، التي تتراوح بين سجون خارجية، يفرضها الزعيم الأوحد، أو "الآخر": الأجنبي المستعمِـر أو المستـثمِـر والمتـنفذ؛ وأخرى ذاتية، يفرضها العقل الفردي نفسه على ذاته، دون أن يعي ذلك. ومنها قيود الأعراف والتقاليد والمعتقدات، أي المسلـَّمات التي يفرضها "العقل المجتمعي" السائد على معظم أعضاء المجتمع. ثمَّ عرَّج على صدمة العقل العربي لدى احتكاكه بالحضارة الغربية، بوجهيها المشرق والبشع، ونكوصه إلى ماضيه التليد، يستلهمه، ليـتوكأ عليه أو يستر عورته ويحمي غربته، كدفاع تلقائي بدائي عن الذات: الهوية، الثقافة، العقيدة. ثم باشر بإرساء نظرية "العقل المجتمعي"، ذلك "الكيان" الذي يحمل تاريخ المجتمع، وبالتالي قيـَمه ومسلـّماته. وأشار إلى أنه في الوقت الذي يقوم فيه ذلك العقل، على الجانب الإيجابي، بتمثيل ذاكرة المجتمع و تثبيت هويته وثقافته، من جهة، فهو يشكل، في ذات الوقت، على الجانب السلبي، قيدا ثقيلا على حرية الإنسان العربي وقدراته الإبداعية، من جهة أخرى، نظرا لأن "العقل المجتمعي" العربي، في هذه الحالة بالذات، خاضع بوجه خاص، لتاريخ "التخلف" الذي أعقب فترة ازدهار الحضارة العربية الإسلامية. أي أنه حاول أن يثبت أن الإنسان العربي المعاصر هو سليل "الفترة المظلمة"، وليس سليل الحضارة العربية الإسلامية في عصرها الذهبي الآفـل، خلافا لما قد يتصور الكثير من الناس. وهذه نقطة أغفلها العديد من الباحثين، كما يعتقد المؤلف. ومن جهة ثالثة، حتى لو افـْـتـُرضنا جدلا أن هذا العقل له علاقة بتلك الحضارة العريقة، ولكن ْ " لكل زمان ٍ دولة ٌ ورجالُ"، و تتغير "الأحكام بتغير الأزمان"، كما قال فقهاؤنا. فضلا عن أن حضارة العرب التالدة قد مر بمحطتها قطار الحضارة الإنسانية، منذ أكثر من ألف عام، وهو الآن في محطة تبعد مئات الآلاف من الأميال عنها.
وسعيا وراء معالجة بعض هذه الأوصاب، لجأ المؤلف إلى نظرية "العقل الفاعل والعقل المنفعل"، التي تحاول أن تـُوَصِّـفُ وتحدد كيفية الخلاص من قهر "العقل المجتمعي"، في وجهه المتخلف. كما أنها تحلل وتـُنـَظـِّرُ، من جهة ثانية، الصراع المتواصل بين "العقل الفاعل والعقل المنفعل"، على صعيد الفرد والجماعة، الذي يتوقف على نتائجه تقدم المجتمع أو تخلفه: فالتخلف يتناسب طرديا مع رجحان كفة العقل المنفعل، وعكسيا مع رجحان كفة العقل الفاعل. بينما يتـناسب التقدم طرديا مع رجحان كفة العقل الفاعل، وعكسيا مع رجحان كفة العقل المنفعل.
وهكذا فقد بحث الكاتب في الفصول الثلاثة الأخيرة أزمة العقل العربي المعاصر من خلال "ثنائية الإبداع والاتـِّباع"، باعتبارها ترتبط ارتباطا مباشرا، وغير مباشر، بالعقل المجتمعي وبنظرية العقل الفاعل والعقل المنفعل. فبقدر ما يتحرر الإنسان العربي من "العقل المجتمعي" في جانبه السلبي، ومن عقله المنفعل، الخاضع لذلك العقل، عن طريق استخدام عقله الفاعل؛ يكون، بنفس القدر، متمكنا من الخلق والإبداع، باعتبارهما مفتاح تقدم الأمم وانطلاق الحضارة.
وخلال جميع هذه البحوث كانت مسألة تمكين المرأة مسألة أساسية، ماثلة ضمنا، سواء باعتبارها تشكل جزءاً مهماً من جوهر"العقل المجتمعي"، بوجه عام، أو باعتبارها جزءاً من مضمون "العقل العربي الفردي الذكوري المنفعل"، الذي يعتبر المرأة متاعاً أو سلعة. ويعتقد المؤلف أن مسألة تحرير المرأة هي جزء أساسي من تحرير عقل الرجل العربي المنفعل بذلك العقل المجتمعي في وجهه المتخلف، والموروث خصوصا من العصور المظلمة من تاريخ المجتمع العربي والإسلامي .
ويعكف الباحث على طبع وإصدار الجزء الثاني من كتابه "أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"، الذي نـُشر فعلا في حلقات متسلسلة، ظهرت تباعا في 19 فصلا، في مجلة"صوت داهش" الفصلية، التي تصدر في نيويورك، ابتداء من عدد صيف 2002 إلى شتاء 2007 .
وتعالج هذه الفصول سلسلة العوامل الأساسية التي أدت إلى أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي، منذ اصطدام العرب بالحضارة الغربية المعاصرة حتى يومنا هذا. وهي بالتالي تـُنـَظـِّر لأسباب فشل النهضة العربية. والأهم من ذلك، أنها تدعو جميع المفكرين والكتاب والمثقفين الحريصين على مستقبل هذه الأمة، إلى تكريس جهودهم وشحذ "عقولهم الفاعلة"، للتوصل إلى وضع بعض الحلول التي تسعى إلى إنقاذ هذه الأمة من هذه الغـُمـَّة.
وفي سياق بحث وتحليل هذه القضايا الفكرية والتاريخية، التزم المؤلف بمنهج البحث الموضوعي العلمي،(الإبستمولوجي)، المدعوم بالمصادر الموثوقة و بالحجج العقلية والشواهد التاريخية، قدر الإمكان. وبقدر ما يتعلق بالمقـتبسات التاريخية أو الفكرية أو النصية، التزم الكاتب ،بصرامة، بتثبيت مصادر البحث، بالمستويات الأكاديمية المعتمدة. وتوخيا لزيادة الإيضاح، ثبـَّت الاستطرادات وشرح المسائل ذات العلاقة بأية نقطة، في الحواشي المطولة أحيانا، في آخر كل فصل من الفصول .
ثالثا- مناقشة الكتاب
1- جرت المناقشة الأولى للكتاب برعاية "المركز العربي للحوار والدراسات" بالتعاون مع " النادي العربي في الأمم المتحدة"، في قاعة السليمانية( جيرسي سيتي)، في 14/10/2004. واشترك في المناقشة كل من الدكتور جورج الحاج (لبنان)، أستاذ في جامعة كولومبيا، والدكتور محرز الحسيني(مصر)، مدير المركز العربي للحوار والدراسات، و رئيس تحرير صحيفة" المنصة العربية"، والأستاذ فرانسوا باسيلي( مصر)، كاتب وشاعر، والأستاذ عدنان محمد يوسف(العراق)، رئيس سابق لدائرة الترجمة العربية في الأمم المتحدة. وقام بإدارة الندوة الإعلامي المعروف الأستاذ أحمد العيسوي. وقد حضر هذه الندوة عدد كبير من الصحافيين ورجال الإعلام وأعضاء من الممثلية العراقية لدى الأمم المتحدة، ومنهم رئيس البعثة، السفير الأستاذ سمير الصميدعي.
2- وحضر المناقشة الثانية، التي جرت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك ،(21/12/2004) برعاية النادي العربي، نخبة من المثقفين، بما فيهم عدد من أعضاء البعثات الدبلوماسية في الأمم المتحدة، فضلا عن مندوبي الصحافة والإعلام ، وعدد من أعضاء النادي العربي، والموظفين العرب العاملين في المنظمة. وقام بإدارة الندوة الأستاذ عصام البدري، رئيس النادي العربي. وتكونت هيئة المناقشة من الدكتور سعدون السويح ،(ليبيا) أستاذ سابق في علم اللغة في جامعة الفاتح، (طرابلس الغرب)، نائب رئيس النادي العربي، والدكتور منصور عجمي،(لبنان) أستاذ سابق للأدب العربي والفكر الإسلامي في جامعات كولومبيا وبيركلي وبرينستون، والأستاذ أحمد أبو العطا (مصر)، كاتب وناقد وشاعر، رئيس تحرير صحيفة إجيبشن نيوز.
وقوبل الكتاب بكثير من الترحيب من جهة، والنقد الشديد من جهة أخرى. وقد أشير إلى بعض وجهات النظر هذه، في المقالات التي نشرت في الصحف والمجلات، التي وردت بعض مقتطفاتها أعلاه، ولاسيما صحيفة القدس العربي. كما كرس الكاتب حلقة خاصة للرد على أهم الانتقادات التي وجهت إلى الكتاب، صدرت في مجلة"صوت داهش" عدد خريف 2005. كما رد بالتفصيل على بعض الانتقادات في الطبعة الثالثة الصادرة في القاهرة في 2009 وفي الطبعة الرابعة الصادرة في بغداد، في مطلع 2014. وقد كتب عدد من الصحف والمجلات عن هاتين الندوتين، وخاصة صحيفة "القدس العربي"(لندن) وصحيفتي "السفير" و"النهار" (بيروت) وفي مجلة كتابات معاصرة، بيروت، وأسبوعية "أخبار الأدب"، القاهرة، كما يظهر في القسم الأول .
رابعا: خلاصة وتحديد نقاط الجـِدَّة في الكتاب
يفترض الباحث في هذا الكتاب أن معظم المشاكل والنكبات التي أصابت الأمة، تعود إلى"أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"، أو بالأحرى "تخلف العرب عن اللحاق بالحضارة العالمية المتفجرة". وربما تجلت هذه المقولة في السؤال القديم الجديد المطروح بصيغ مختلفة منها:" لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون أو العرب؟".
وإلى هذا الحد فإن المؤلف قد لا يقدم جديدا، ألـَّلهـمَّ إلا من حيث استشرافه مصير الأمة العربية الآيلة إلى السقوط وربما الانقراض، إذا لم تتضافر الجهود المتـنوِّرة لإنقاذها، كما أسلفنا. لأن أحداً من الكتاب لم يتجرأ على قول ذلك، حين نُشر الكتاب أول مرة في عام 2004،حسب علمه، مع أن المؤرخ أرنولد توينبي أشار إلى ذلك بوضوح، كما فصّلنا في الكتاب.( في الفترة الأخيرة وقبيل الربيع العربي، توقع أدونيس انقراض العرب، فثارت عليه ثائرة الكثير).
ولكن الشيء الجديد والجدير بالمناقشة، في طروحات المؤلف، على الأرجح، هو أنه يعرض، بكل تواضع، نظريتين، تجذران وتفسران هذا التخلف، ونظرية ثالثة تحاول أن تعالجه. فالنظرية الأولى تسعى لإعادة السبب الرئيسي لظاهرة تخلف العرب(أصل الداء) إلى هذا "العقل المجتمعي" الذي يتجلى في منظومة القيم والمعتقدات والعادات والأعراف المسلـَّم بها، والذي تكوَّن من تراكم الموروث الخرافي والغيبي، الذي ساد خاصة الحقبة الأخيرة المظلمة التي أعقبت ازدهار الحضارة العربية الإسلامية. وذلك بالإضافة إلى اللحظات المعتمة في التاريخ العربي الإسلامي، التي نتجت غالبا من تراكمات صراعات مجتمع البداوة(المجتمع القبلي) التي كانت سائدة في الجزيرة العربية، خاصة قبل ظهور الإسلام. وهي أمور حاربها الإسلام، دون جدوى، في الغالب، فظلت تختفي أحيانا، وتظهر أخرى بعنف فجَّر ما يسمى بـ" الفتنة الكبرى"، بتعبير طه حسين، مما خلق هذا الشرخ الكبير الذي ظل ينخر في هذا المجتمع حتى يومنا هذا، بدليل ما يحدث اليوم في العراق وسورية واليمن والبحرين ولبنان. ومن هنا تنبثق النظرية الثانية في "بداوة العرب"، التي يفسرها بعدم مرورهم بمرحلة الثورة الزراعية، على نحو يكفي لتغيير القيم البدوية أو محوها. ويأتي بأدلة وشواهد من التاريخ القديم والتاريخ العربي الإسلامي على هذه الظاهرة، أشار إلى بعضها في هذا الجزء وفصَّلها في الجزء الثاني المنشور بشكل حلقات/فصول في مجلة صوت داهش.
أما النظرية الثالثة، التي تحاول أن تلقي ضوءاً على علاج المرض فهي "نظرية العقل الفاعل والعقل المنفعل". وفيها يحاول الكاتب أن يضع بعض المؤشرات للوصول إلى تحرير "العقل العربي المنفعل"، من سجن "العقل المجتمعي، أو قيوده، التي يحملها الإنسان العربي، زينة ً وفخراً، في الغالب، وذلك عن طريق تنمية "العقل الفاعل" الذي يولد بشكل طبيعي مع الفرد، ولكنه يضمر تدريجياً من جراء قهر "العقل المجتمعي" أو سطوته. وحلول "العقل المنفعل" محله. وهو العقل الذي يأتمر بأوامر ونواهي العقل المجتمع. ويعتمد تطور المجتمع وتقدمه على مدى تحرر بعض أفراده أو نخبة متـنورة منهم، تتمرد بعقلها الفاعل على سدود وقيود العقل المجتمعي، وعلى قدرتهم على الصمود في وجه حُرَّاس ذلك العقل، لاسيما رجال الدين والسلطات الحاكمة، بل الكثير من الآباء والمعلمين والأساتذة، أحيانا. وقد قتل أو عوقب العديد من أفراد تلك النخبة؛ ضحايا هذا التمرد على العقل المجتمعي بعقلهم الفاعل :منهم ابتداء من سقراط(أُعدم) وجوردانو برونو(أُحرق حيا)، وانتهاء بعلي عبد الرازق(فـُصل من العالمية والقضاء)، وفرج فودة(قـُتل) ونجيب محفوظ(شُرع بقتله ) ومحمود محمد طه(السودان، أُعدم) ونصر حامد أبو زيد(فـُصل وطـُلق من زوجته واتهم بالردة) وغيرهم. ومن جهة اخرى نجح بعض أفراد تلك النخب في إنشاء حضارات، أو إطلاق مبادرات أومساهمات حضارية بارزة. ومنهم طاليس وهرقليطس وافلاطون وأرسطو، والرسول محمد وابن سينا وابن رشد والخوارزمي وابن خلدون، ومارتن لوثر وكوبرنيكوس وغاليليو وليوراندو دافنشي، وصولا إلى ديكارت وكانط ونيوتن ودارون والإنسكلوبيديون(ديدرو و جان جاك روسو ومونتسكيو وفولتير ...) وغيرهم العشرات من أعلام عصر النهضة فالأنوار، حتى عصر ما بعد الحداثة.
وملخص القول يرى مؤلف الكتاب أن مشكلتنا الرئيسية هي "العقل المجتمعي العربي" المتخلف، الذي نقتل به، جسدياً أو معنوياً، روادنا من أصحاب "العقل الفاعل"، وبذلك نقتل أنفسنا، من حيث لا ندري:
لا يدرك الأعداء من جاهل ما يدرك الجاهل من نفسه.
1369 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع