شيخ علماء العراق العلاّمة عبد الكريم بن محمد بيارة المدرس يرحمه الله ١٩٠٢ - ٢٠٠٥
عالم جليل يفخر به الكورد والعرب والعالم الاسلامي:
من حق الأمم والشعوب أن تفخر بعلمائها الأجلاء، ومن حق العراق بكرده وعربه أن يفخر بأحد العلماء الأكارم الذي كرّس حياته لخدمة الدين والعلم والفقه والأدب، ألا وهو العلامة المرحوم الشيخ عبدالكريم بيارة المدرس.
ولادته ونشأته وحياته:
ولد عالمنا الجليل الشيخ عبد الكريم ابن فتاح ابن سليمان ابن مصطفى ابن محمد من عشيرة (هوزقاضي) في شهر ربيع الأول سنة 1323 هجرية، الموافق لفصل الربيع من سنة 1902 ميلادية، وتوفي يوم الثلاثاء 30/8/2005 الموافق 25 رجب 1426هـ عن عمر يناهز المائة وثلاثة أعوام أمضاها في البر والتقوى والعلم والتعلم والتعليم والفتوى الدينية، وبوفاته فقد العراق والعالم الإسلامي أحد أعمدة العلم الاسلامي الذي لا يعوّض.
دراسته:
نظرا لولادته ونشأته في بيئة دينية. فقد توجه نحو الدراسة الإسلامية في المدارس الدينية التي كانت منتشرة في أنحاء مختلفة من العراق وختم القرآن مبكرا، ودرس على يد نخبة من العلماء ونال الإجازة العلمية سنة 1925 على يد الشيخ عمر القرة داغي، وصار بعد ذلك مدرسا وإماما في إحدى جوامع قضاء حلبجة. ولم يمض وقت طويل حتى انتقل إلى قرية بيارة حيث عمل مدرسا في مدرستها الدينية في تكية الشيخ علاء الدين النقشبندي، حتى سنة 1951 وهناك برز حتى أصبح يسمى (عبدالكريم بيارة المدرس).
درس في السليمانية وكركوك قبل أن يستقر ببغداد، ويعين مدرسا في مدرسة الشيخ عبدالقادر الكيلاني وإماما في جامع الأحمدي ومع انه أحال نفسه على التقاعد الوظيفي مبكراً إلا انه ظل يواصل الدرس والتدريس والإفتاء حتى آخر يوم من حياته.
انصرف الشيخ محمد عبد الكريم المدرس إلى التدريس بكل جهد وجد ورغبة وقد ساهم في تخريج عدد كبير من أهل الفضل والعلم والاستعداد لخدمة الإسلام والمسلمين، واصل سماحته تدريس العلوم الدينية في السليمانية ثم في "دورود" في إيران في المدرسة والتكية النقشبندية، وأخيراً استقر به المقام في بغداد في مدرسة الشيخ عبد القادر الكيلاني حتى آخر سنوات عمره يرحمه الله.
عاش الفقيد الراحل حياة طويلة مليئة بالثمار اليانعة من المؤلفات القيمة باللغات الكردية والعربية والفارسية، وكان مجلسه وديوانه العامر في جامع حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني يرتاده الزوار صباحاً ومساءً من مختلف الجنسيات من طلاب علم وناشدي الفتوى إضافة إلى زواره المختلفين، يصغي لاستفساراتهم الشرعية لإصدار الفتاوى كونه مرجعاً فقهياً معتمدا ومتولي منصب الإفتاء ورئيس رابطة علماء الدين في العراق ، وكان يستغل وقت الفراغ في التفرغ إلى كتاباته ومؤلفاته الدينية والأدبية، ومن أهمها تفسير القرآن الكريم وكذلك القاموس العربي الكردي.
كتب عنه المرحوم عبدالمجيد فهمي حسن مؤلف كتاب تاريخ مشاهير الالوية العراقية (لواء السليمانية ) سنة 1946: ((فضيلة الملا عبد الكريم بن محمد، رجل من افاضل رجال العلم وفقيه، اشتغل بتدريس هذه العلوم وهو لم يزل دائبا على توجيه تلامذته التوجيه العلمي الصحيح وقد الف عدة كتب ورسائل في هذا الشان، وهو وقور يمشي وجلال العلم والتقشف يحف به لا يرى من دنياه الا ان يؤدي واجبه تجاه الرسالة الاسلامية)). لذلك لم يتزلف لحاكم ولم تهمه أمور السياسة.
مسيرته العلمية
بدأ دراسته عندما بلغ سن التمييز فختم القران الكريم وبعض امهات الكتب الدينية. وتجول في المدارس ووقع تحت رعاية أحد العلماء فقرأ عنده المقدمات في النحو والصرف. دخل مدرسة (خانقاه دورود) في إدارة حضرة الشيخ علاء الدين بن الشيخ عمر ضياء الدين بن الشيخ عثمان سراج الدين، ودرس النحو والمنطق وآداب البحث والفقه والفلك. وكان من اساتذته كذلك العالم الملا محمود بالك، أقام في خانقاه حضرة مولانا خالد حيث درس على يد العلاَّمة الشيخ عمر القره داغي علوم البرهان والتشريح والحساب والحكمة والاسطرلاب والبلاغة والفقه.
وفي سنة 1374 هـ انتقل الى كركوك وعمل مدرسا وخطيبا في التكية الطالبانية هناك ولقي من لدن الشيخ جميل الطالباني كل احترام وتقدير. وكانت الانعطافة الكبيرة في حياتة ،عندما شغرت مدرسة سيدنا حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني في بغداد بوفاة المدرس المعروف الشيخ محمد القره داغي ،فتوجه الى بغداد وشارك في الامتحان الخاص بالقبول لتولي المركز المذكور، ونجح في الامتحان وتعيَّن مدرساً في الجامع الاحمدي قرب وزارة الدفاع، كما قدم طلبا للتدريس في جامع حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني فحصلت الموافقة. وخلال عمله في مدرسة الجامع المبارك المذكور كان يعمل معه مدرسان آخران هما الحاج عبد القادر الخطيب وكمال الدين الطائي، فمارس التدريس فيها بجدارة واخلاص واقتدار.
من اليمين الشيخ ياسين السعدي ثم الشيخ عمر الديبكي ثم الشيخ عبدالكريم المدرس ثم مخلص الراوي
وفي سنة 1973 م احيل على التقاعد، ولكن السادة النقباء الشرفاء من ذرية الشيخ الكيلاني، كلفوه بالبقاء في محله بالحضرة القادرية لافتاء المسلمين في الاحكام الشرعية، والقيام بالامامة للصلاة. وقد تحولت تكيته في الحضرة الكيلانية الى ما يشبه مضيف لطالبي العلم، ويقصده فيها رجال الدين وسائر محبيه ومعارفه من مختلف الطبقات والمستويات الاجتماعية ،اضافة الى الزوار الاجانب. وكان يستقبلهم ببشاشة وتقدير يسأل عنهم وعن الامور التي جاءوا من اجلها .
وفي الواقع ان شهرة الشيخ عبد الكريم المدرس وصلت الى كل ارجاء العالم. كما شغل وتولى باقتدار منصب المفتي الاول للشافعية في العالم ورئيس رابطة علماء الدين في العراق. وان مؤلفاته ونتاجاته الرصينة التي قاربت المائة كتاب عرفته للباحثين والعاملين في مجال الدراسات الادبية والدينية.
مؤلفاته
ترك المرحوم المدرس عددا كبيرا من الكتب والدراسات باللغتين العربية والكردية منها (تفسير القران الكريم باللغة الكردية) ويقع في سبعة أجزاء، وكتاب (الشريعة الإسلامية) باللغة الكردية وكتاب (فتاوى العلماء الأكراد الفقهية) باللغة العربية (3 أجزاء) وتفسير القران الكريم (مواهب الرحمن في تفسير القران) ثمان أجزاء. ومن مؤلفاته في النحو :(المواهب الحميدة في شرح الفريدة) للسيوطي وفي علم الكلام له (الوسيلة في شرح الفضيلة) لعبد الرحيم المولودي وفي الأدب الكردي (شرح ديوان مولودي)، وشرح ديوان فقي قادر هماوندي، وشرح ديوان بيساراني وكان له اهتمام كبير في التاريخ ، ومن مؤلفاته في هذا المجال كتابه: (علماؤنا في خدمة العلم والدين) باللغة العربية.
وكل من يتأمل نتاجاته ويمعن النظر فيها يلاحظ وبلاعناء طول باعه وعلو كعبه في هذه اللغات ومعرفته العميقة لاساليبها البيانية وكلها تدل على سعة اطلاعه على مفردات اللغة وقواعدها وتمكنه منها فاللغة طوع بنانه يضع منها ما شاء ويصوغ منها ما يوحي اليه فكره الواسع وخياله العميق
اما مؤلفاته بالعربية فهي:
1. إرشاد الأنام إلى أركان الإسلام.
2. إرشاد الناسك إلى المناسك.
3. إسناد الأعلام.
4. إعلام بالغيب وإلهام بلا ريب.
5. الأنوار القدسية في الأحوال الشخصية.
6. الفرائد الجديدة.
7. القصيدة الوردية في سيرة خير البرية.
8. الوردة العنبرية في سيرة خير البرية.
9. الوسيلة في شرح الفضيلة.
10. جواهر الفتاوى.
11. جواهر الكلام في عقايد أهل الإسلام.
12. خلاصة جواهر الكلام.
13. رسائل الرحمة في المنطق والحكمة.
14. رسائل العرفان.
15. صفوة اللآلي.
16. علماؤنا في خدمة العلم والدين.
17. مواهب الرحمن في تفسير القرآن.
18. نور الإسلام.
19. نور الإيمان.
مؤلفاته باللغة الكردية
1. باخضة ي طولاَن / حديقة الورود.
2. باراني رِة حمة ت / مطر الرحمة.
3. بة هار وكولَزار / الربيع والرياض.
4. بنة مالَة ى زانياران / أسرُ العُلماء.
5. بهارستان مولانا جامى / عالم ربيع مولانا جامي.
6. تة صريفي زنجاني / تصريف الزنجاني.
7. تة فسيري نامي / تفسيرُ نامي.
8. ثهناو سكالا / مديحٌ وتضرُّع.
9. حج نامة / رسالة الحج.
10. خولاصة ي تة فسيري نامي / مختصر تفسير نامي.
11. دانشمندان كرد - درخدمت علم ودين / علماؤنا الكورد في خدمة العلم والدين.
12. دوو رِشتة ي مرواري / حلقتان من اللؤلؤ.
13. ديواني فة قيَ قادري هة مة وةند / ديوان فقي قادر الهماوندي.
14. ديواني مة حوي / ديوان محوي.
15. ديواني مة ولة وي / ديوان مولوي.
16. ديواني نالي / ديوان نالي.
17. رِوزكاى زيانم / أيامُ حياتي.
18. رِوزكاى بة هة شت / طريق الجنة.
19. رِيَكاى رِة هبة ر / سبيل الرسول.
20. سة رضاوة ى ئايين / منبع الدين.
21. سوَسةني كؤسار / سَوسَنةُ الجبال.
22. شة ريعة تي ئيسلام - بة ركى 1،2،3،4 / الشريعة الإسلامية/ أربعة أجزاء.
23. شة مامة ى بؤندار / الشمامة العطرة.
24. شة وضرا / سراجُ الليل.
25. شمشيَر كاري / السيف البتّـار.
26. عة قيدة ي مرضية / العقيدة المرضية.
27. فوائد الفوائح / فوائد الفوائح.
28. كة راماتي حضرة ضياء الدين "قدس سره" / كرامات حضرة عمر ضياء الدين "قدس سره".
29. لة ثةناى رِة هبة ر / في ظلال الرسول.
30. ليموَي مة زة دار / الليمونة الذيذة.
31. مة ولود نامة وميعراج نامة / رسالة المولد النبوي ورسالة المعراج.
32. مكتوبات كاك احمد شيخ / مكتوبات كاك أحمد الشيخ.
33. مناجات / المناجاة.
34. نامة ى بة ختيار / رسالة السعيد.
35. نامة ى ثيروَز / الرسالة المقدسة.
36. نامة ى هؤشيار / رسالة النبيه.
37. نامة ي بوَندار / الرسالة العطرة.
38. نوورى ئيسلام / نور الإسلام.
39. نووري قورئان / نور القرآن.
40. هؤنراوة ي لة ثةناى رِة هبة ر وياراندا / منظومة شعرية في مدح الرسول والأصحاب.
41. وة فات نامة / رسالة الوفاة.
42. وةنة وشة ي نازدار / البنفسجة المدللة.
43. ووتارى ئايينى / الخطب الدينية.
44. يادي مة ردان/ دوو بة رك / ذكريات الرجال/ مجلدان.
45. ئةساسي سةعادت / أساس السعادة.
46. ئيمان وئيسلام / الإيمان والإسلام
مؤلفاته باللغة الفارسية
رسالة شمشير كاري في رد من أنكر التقليد والإجتهاد
الشيخ عبدالكريم بيارة المدرس:
لقد قدم الشيخ عبدالكريم يرحمه الله الكثير لهذا البلد إذ طلب العلم منذ نعومة أظفاره وأخذ من العلم ما اخذ وسار على نهج العلماء في إبلاغ ما تحمل من علم وفقه ومعرفة، وقضى جل عمره الكريم في التدريس والوعظ والإفتاء وانقطع عن الدنيا إلا من عمل الخير. لقد رحل عنا ولم يخلف من بعده مثله في كثير من صفاته التي عرفناها عنه فكان متواضعا وكان غير منشغل بالدنيا وشاهد ذلك أنه آثر البقاء في جامع الإمام الشيخ عبد القادر الكيلاني (رحمه الله) منقطعاً عن الكثير من الأهل والأحباب إلا من طلابه وأحبابه الذين قصدوه إلى هذا المسجد.
عالم متواضع لا يحب الظهور:
لم يكن ممن يحب الظهور الذي تهواه الكثير من النفوس كما لم يكن يميل إلى التقرب من الحكام. رحم الله الشيخ عبد الكريم المدرس.( لقد كان رحمه الله مخلصا للعلم ولم يكن من أهل الدنيا ولا من طلابها قضى عمره في الكتابة والتأليف وكان عضوا في المجمع العلمي رحمه الله ونسأل الله له الجنة وعوضنا الله بعلماء مثله).
لقد تميز الشيخ عبد الكريم بورعه وتقواه ومحبته للمسلمين. فقد فقدناه ونحن بحاجة إليه في الأمة الإسلامية عموما وفي العراق خصوصا. كان صفحة جمعت سيرة من ادركهم من العلماء الاكراد والعرب، كان صفحة بيضاء جمعت كريم اخلاقهم وفضائلهم، فموته قد طوى هذه الصفحة، واقول ولست مبالغاً ان حياته كانت زاداً روحياً وعلمياً وثروة عظيمة لا تثمن ولا تعوض وكان يقول عن نفسه: ((اذا مت فستموت معي علوم كثيرة)) ان فضائله لا تستقصى ومزاياه لا تحصى لكني سأذكر ما عزّ من اخلاقه وندر من فضائله واجملها في ثلاث خلال:
اما الخلق الاول فإستقامته على الطاعة، واعظم بها من كرامة واي كرامة، كان كثير الذكر لا يفتر عن ذكر لفظ الجلالة، ولا يمل من ذكر لا اله الا الله بصوته الخفي، وفي بعض الاحايين يرفع صوته قليلاً بلفظ الجلالة فأشعر بأن الغرفة المباركة ترتج، وأرى العين تذرف دموعها، والاعناق تهتز شوقاً الى لقاء بارئها، اجل كان من الذاكرين الله كثيراً، مشغولاً بالتدريس والتأليف وتهذيب النفوس وترويضها على العبادة، وكنت استنصحه فيقول لي:إما اخلاص وإما افلاس.
وأما الخلق الثاني فهو زهده النادرفي الدنيا، فقد كان متجرداً عن الدنيا، بعيداً عن كل مواطن الظهور، متواضعاً خرج من هذه الدار الفانية وليس عنده دارٌ يملكها، ولا دابة، بل ترك وراءه مكتبة كبيرة اوقفها للمكتبة القادرية وكفناً اشتراه في اثناء حجه وقد غسلته وكفنته به، واهدت له الحكومة السابقة سيارة حديثة ومالاً عظيماً إعانة له وتوسعة، فرد المبعوث وقال له: عبد الكريم غير محتاج، وكانت تأتيه الاموال فيفرقها على طلبة العلم المحتاجين.
واما الخلق الثالث فوفاؤه لشيوخه وذلك بذكرهم والقيام بأداء حقوقهم ونشر فضائلهم وترويج مؤلفاتهم واقرائها للطلبة، وكان كثير التبجيل للعلماء فلا يذكرهم الا بالخير والثناء والترحم، وما سمعته يوماً وقد ذكر عنده العلامة سيدي الشيخ أمجد الزهاوي الا وقال سيدنا الشيخ، واذا عرف ان زائراً ما ينحدر من سلالة العلماء والمشايخ يعظمه ويكرمه.
اقول في نهاية هذه الشذرة: ان موته خسارة عظيمة للعالم الاسلامي اجمع، فهو فقيد الأمة الاسلامية، وان موته قد طوى صفحة مليئة بالمفاخر والفضائل، فرحمك الله يا استاذنا يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا، وان القيام بمهامه بعده لحمل ثقيل، اسأل الله تعالى ان يجمع شمل علماء العراق تحت مظلة الحب في الله ونصرة دينه)).
كان، رحمه الله ، مرجعا فقيها كبيرا تزوره الوفود من جميع أنحاء العالم الإسلامي في مقره بالحضرة الكيلانية المشرفة، وتخرج على يديه العشرات من علماء الدين ونالوا الإجازة العلمية التي أهلتهم لممارسة الخطابة والإمامة والوعظ والتدريس.
انتخب عضوا في المجمع العلمي العراقي منذ تأسيسه سنة 1947 كما اختير عضوا مؤازرا في مجمع اللغة العربية الأردني.
الشيخ بيارة كان يعارض غزو العراق
كان الشيخ الجليل عبدالكريم أبياً عفيفاً لم يتنازل أو يداهن حاكماً ولا سلطة، وما قبل عطية أو هدية من حاكم، او مسؤول، وعند إحتلال العراق 2003 كان له موقف مشهود أثار نقمة سلطات الإحتلال، والحكومة العراقية، بسبب فتواه ضد الإحتلال، وفرضت الحكومة والاحتلال طوقًا أمنيًا حول مدرسته بعد صدور أول فتوى له في 14نيسان/ ابريل عام 2003، اي بعد ايام من احتلال العراق بإعلان الجهاد الموحد وإجازته للنساء الخروج للقتال في مواضع حددها الشيخ رحمه الله .وكان من أول علماء الدين الذين أفتوا برفض دعوات "أسامة بن لادن" وكان معارضا لتصرفات تنظيم القاعدة. ولكنه طلب من جميع فصائل المقاومة اتخاذ سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم منهجًا لهم، واتخاذه صلى الله عليه وسلم قائدًا لهم. هذا وروى لي أشخاص من سكنة منطقة باب الشيخ أن محاولات آثمة جرت لإغتيال الشيخ الجليل لكن وقوف أهل منطقة باب الشيخ وراءه أفشل تلك المحاولات. كما روي لي ان السلطة اعتقلت خادمه الامين وهو مصري الجنسية خلال حملة تسفير المواطنين العرب الموجودين في العراق بعد الاحتلال، وقد تأثر الشيخ الجليل بذلك وحاول عبثا السعي لاطلاق سراحه ففشل، وكان ذلك أحد أسباب انتكاسة حالته الصحية.
موقفان مع الرئيس صدام حسين يرويهما الشيخ بنفسه:
موقفان يذكرهما الشيخ للرئيس الراحل صدام حسين في حديث الشيخ مع الصحفي حسين المعاضيدي حيث روى له روايتين عن موقفين مع صدام حسين:
يقول الشيخ الجليل يرحمه الله:
((عام 1999 داهمني المرض ولم استطع مواصلة البقاء في الشيخ عبد القادر الكيلاني وقد نقلت الى دار ولدي في منطقة جميلة؛ وفي وقتها كان يزورني بعض الاحباب للاطمئنان على صحتي ويبدو ان احدهم كتب في احدي الصحف خبرا عن مرضي وتركي مكان اقامتي ورقودي في دار ابني، وفي اليوم التالي اي يوم صدور الجريده وفي الساعه الثامنه صباحا حضر فريق طبي متكامل الى دار ولدي وابلغوني ان الرئيس قرأ خبر مرضك وامر ان نقوم بفحصك ومعالجتك ؛ وكانت معهم باقه من الورد وبطاقه موقع عليها الرئيس صدام حسين؛ وتمنياته لي بالشفاء))
وموقف آخر يرويه الشيخ بنفسه:
(( جائني بعض اقاربي واخبروني بان احد ابناءهم صدر بحقه حكم قضائي بالسجن ؛والتمسوا ان اشفع له لدى صدام؛ وفي احد الايام زارني احد مرافقي صدام حيث انهم اعتادوا عند حضورهم الى مرقد الشيخ عبد القادر قدس الله سره. يقومون بزيارتي لاداء الصلاه في المسجد الملحق بغرفتي .واثناء ذلك وكان وقت صلاة المغرب اخبرته برغبتي زيارة الرئيس صباح اليوم التالي حضر احد المرافقين واخبرني ان الرئيس بانتظار قدومكم . توجهت معه وعند وصولي الى مكان وجوده كان بانتظاري في باب غرفته مرحبا قائلا : زارتنه البركه بقدومكم .وبعد الحديث معه طلب منى ان ادعو له بالخير والهدى لما يخدم الاسلام والمسلمين؛ وقبل ان اغادره عرضت عليه امر ذلك السجين؛ واجابني مباشرة :تأمر شيخ هسه تاخذه وياك وبعد تبادل الاحاديث والاجابه على استفساراته الشرعيه ودعته وعند وصولي الى غرفة المرافقين وجد ذلك السجين موجودا حيث تم احضاره من السجن واخذته معي)).
وكان الشيخ عبد الكريم المدرس علامة موسوعياً في معظم العلوم، ومحققاً ومدققاً في علوم الشريعة، ومصلحاً اجتماعياً يصلح بين الناس، وعالماً ربانياً زاهداً عن الدنيا، ناسكاً عن متاعها، محبوباً لدى الناس، متواضعاً، اجتمعت عليه كلمة علماء العراق.
قضى الشيخ عبد الكريم سني عمره في العلم والتأليف والبحث والفتوى والتدريس وتخرج على يديه الكثير من العلماء داخل العراق وخارجه. فقد درس في مدارس خانقاه ببياره منذ أربعينيات القرن العشرين، حتى استقر به المقام في الحضرة القادرية في بغداد في الستينيات. وترك الشيخ المدرِّس ثروة كبيرة من الكتب في مختلف العلوم والفنون الإسلامية بلغت أكثر من 150 كتاباً، توزعت على أمور العقيدة وعلم الكلام والتفسير والفقه والنحو الصرف والبلاغة والمنطق وغيرها. كما كان صاحب موهبة في قرض الشعر. وكان ينشد الأشعار باللغات العربية والكردية والفارسية.
كنت أتردد عليه أحياناً وتغمرني سعادة لا توصف عند زيارته، في النظر الى وجهه البشوش وكلامه اللطيف الحنون وأنظر إليه وهو يغمس الريشة في المحبرة التي الى جانبه ليكتب بها ما تجود به قريحته ونفسه الصافية وقلبه العامر بالإيمان من تفسير للقرآن الكريم أو غيرها من المؤلفات.
رحم الله الشيخ المدرس فقد كان فقيها ورعاً، وأستاذا بارزا، ومفكرا فذاً، وعالما جليلاً.. احترمه العراقيون جميعا ووضعوه في مكانة لائقة به.. ولاشك في أن وفاته خسارة كبيرة ..وعزاؤنا انه ترك إرثاً من المؤلفات القيمة تجعلنا نذكره والذكر للإنسان حياة ثانية له.
ختاماً:
لا أدعي أنني مؤلف كل ما تقدم من معلومات عن الشيخ الجليل الراحل ولكنها نتاج تجميع ما كتبه وأجاد به اساتذة افاضل من المؤرخين والموثقين والاعلاميين وطلاب العلم، جزاهم الله خيرا، وحسبنا ان نعرف الناس بسيرة عالم عراقي كوري جليل ونسأل الله تعالى له الرحمة والمغفرة.
ولعلم الاخوة في مجلة الكاردينيا ان هذه المقالة كانت اول مقالة نشرتها في موقعى (مجالس حمدان الثقافية) قبل عدة سنوات وقد اعدت تحريرها وكتابتها وتجميع صور للمرحوم متمنيا ان نكون اوفينا شيئا من حق هذا الرجل علينا.
اهم المصادر:
* مشاهير الالوية العراقية / لواءالسليمانية ، عبد المجيد فهمي حسن 1946.
* علماؤنا في خدمة العلم والادب –تأليف عبد الكريم المدرس، عُنيَ بنشره السيد/ محمد علي القره داغي / دار الحرية بغداد
حميد المطبعي: كتاب (اعلام القرن العشرين) .
مقالات عديدة كتبت عن الشيخ الجليل عبدالكريم بيارة كتبها عدد من المؤرخين والباحثين الأفاضل.
484 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع