سوق واقف جسر يصل حاضر قطر بماضيها من زار الدوحة...ولم يزر سوك واجف فكأنما مازارها!!
لا تكتمل زيارة الدوحة دون الجلوس في سوق واقف والتمتع بارتشاف كأس شاي أو قهوة عربية، أو شيشة ناركيلة، وربما تذوق أكلة من الأكلات العربية المنتشرة في مطاعمه التي تعد بمثابة صورة تقريبية للوطن العربي من المحيط إلى الخليج فضلا عن مطاعم ايطالية واسبانية وتركية وايرانية وغيرها.. نكهات من جميع انحاء العالم.
سوق واقف يعد أهم معلم تراثي وسياحي يقصده المواطنون والمقيمون ويزوره كبار الزوار الذين يفدون على قطر فيفتتنون بعمارته وأصالته وبيئته المستمدة من العمارة الإسلامية التقليدية من خلال استعمال مواد البناء التي بُنى بها السوق قبل ما يزيد عن قرن ليكون خير شاهد على نمط الحياة في دولة قطر وحسن وفادة أهلها لكل من يأتي إليهم من مختلف الأصقاع.
ولفترة ليست ببعيدة كاد "سوق واقف" أن يختفي وتطويه صفحة النسيان فقد نالت منه عوامل الزمن وصار كالعجوز الذي يعد أيام نهايته، إلى أن بدأت عمليات صيانته وتجديده 2004 فبدا كمن يستعيد شبابه ورونقه وسالف أيامه.
عندما تزور سوق واقف تستنشق عبق الماضي.. وتحس فيها ببساطة الحياة قبل عقود من الزمن.. فما أجمل أن يعيش المرء الماضي في الحاضر وما أجمل أن يهرب من زيف المدنية المعاصرة وتعقيداتها وصخبها وضجيجها .
اصل تسمية سوق واقف (او واجف)؟؟
سمي سوق واقف بهذه التسمية كما يقول مختصون بالتراث القطري لأن الباعة كانوا يقفون على جنبات الطريق الضيقة التي تؤدي إلى السوق الكبير في الدوحة ليبيعوا فيها أشياء مثل(البقوليات والأسماك) وعادة ما كان البيع يتم بشكل سريع قبل الدخول للسوق.
يقع سوق واقف في وسط الدوحة وهو في موقع مميز يربط المدينة بالبحر أي بين منطقة الأسواق والكورنيش وكل من زار سوق واقف يحس أنه في الماضي الجميل الذي نتنفسه مع حكايات الأجداد والآباء والذي نلمسه من خلال مشاهدة الفن المعماري القديم وهو يعبق بنشوة الماضي الأصيل، وأكثر ما يتميز به هذا السوق هو حفاظه على الطابع العربي الأصيل. فالسوق أصبح أحد المعالم السياحية لمدينة الدوحة حيث يتردد السياح عليه لشراء التحف والتقاط الصور التذكارية والتعرف على التراث القطري.
تاريخ سوق واقف:
يعود تأسيس مبنى سوق واقف Souq Waqif إلى ما يزيد عن 100 عام، ويقع قرب وادي مشيرب. وقد تم البدء بترميم البناء حديثًا في عام 2006م ضمن برنامج الحفاظ على هوية البلاد المعمارية والتاريخية، وأعيد افتتاحه عام 2008 ويحظى السوق بشعبية كبيرة بين السكان المحليين والوافدين في مدينة الدوحة، ويعتبر من أكثر الاماكن السياحية في قطر شهرة وزيارة.
ويتميز سوق واقف ببيع الملابس التقليدية، والتوابل، والحِرف اليدوية، والهدايا التذكارية، كما يضم عشرات المطاعم التي تقدم الوجبات التقليدية والعالمية. ويضم السوق العديد من الأزقة الضيقة التي تبعث في النفس شعورًا مفعمًا بعبق رومانسيات التاريخ القديم، إلى جانب مسرح الريان للعروض الفنية والفولكلورية من مختلف انحاء العالم.
سوق واقف معرض مفتوح يحكي تاريخ قطر
لا يمكنك زيارة هذا السوق دون أن تفتتن بتفاصيله التي تجمع بين ثنايا روعة العمارة العربية القديمة والتراثية وبهاء العصرنة التي دخلته دون أن تخل بنظامه كمكان يتنفس التاريخ ويحكي قصة قطر قديما وحديثا، خاصة في ظل انتشار مجموعة من الدكاكين المتخصصة في تسويق تراث قطر وعادات أهل قطر وتقاليدهم، لتقريب صورة البلد الذي يرفل اليوم في ثوب النهضة الاقتصادية والعمرانية، لكن دون أن يتخلى عن إرث الأجداد خاصة أن قطر تعتبر آخر معقل في الخليج العربي نجح في الانفلات من قبضة الهجمة الغربية والتقليعات القادمة من وراء البحار لاجتثاث أعز ما يملكه الإنسان العربي ألا وهو اعتزازه بتراثه وثقافته وحضارته.
فقريبا من كورنيش الدوحة، وفي اتجاه وسط المدينة تنتصب بنايات تبدو ظاهريا حديثة تم اعمارها بعد الإصلاحات التي خضعت لها عام 2004 بأمر من أمير دولة قطر، الذي وجه بإجراء عملية التجديد، لكن هذا التجديد قصد إعادة المكان إلى وضعه الطبيعي ليكون خير معبر عن ثقافة أهل قطر بمختلف تلاوينها، خاصة بعد أن أصبح يحظى برعاية اليونيسكو، فكان من الطبيعي التفكير في أنجع الطرق لإرجاعه إلى طبيعته الأولى دون أن تتنافى مع وظائفه الحالية تجاريا وثقافيا وترفيهيا.
سؤال بديهي
كل من يدخل سوق واقف، يتبادر إلى ذهنه أصل التسمية. وحسب ما يتم تداوله، واستنادا إلى كتاب «سوق واقف» للمصور اللبناني ماهر عطار الذي أورد فيه مجموعة من الصور الجميلة والنادرة لهذا السوق التاريخي، فإنه يعطي تعريفا لهذا السوق يقول فيه: «من المعروف عن سوق واقف أنها سوق قديمة لها حضور في مدينة الدوحة منذ أن كانت قرية صغيرة، وكانت تضم أنواعاً عدة من المتاجر، وكان البدو يقيمون فيها كل نهار خميس سوقاً خاصة بهم يبيعون فيها الأخشاب ومنتجات الحليب. ومنذ عام 2004 اعتمدت الحكومة القطرية خطة لإعادة إحياء سوق واقف وهي تهدف إلى استعادة أجوائه القديمة بعد أن سيطرت الفوضى العمرانية على الأمكنة التاريخية، مما أدى إلى انتشار الأبنية الإسمنتية التي تتناقض مع الهوية الثقافية العربية والصفات الجمالية للعمارة الإسلامية. ومع تنفيذ خطة إعادة إحياء سوق واقف تم هدم الأبنية الإسمنتية لإبراز الأبنية القديمة، كما تم الاعتماد على التقنية المتطورة لإنارة الممرات والطرق».
ومن خلال عدد من المواطنين القطريين الذين سألناهم عن أصل تسمية السوق يكاد الإجماع على أن «تسمية المكان بسوق واقف ترجع إلى كون مدينة الدوحة كانت مقسمة إلى قسمين بسبب اختراق وادي مشيرب لها خلال زمن بعيد. وبما أن المدينة كانت معرضة دائما للسيول التي تجري في اتجاه البحر فقد كان الباعة الذين يتجمعون على طرفي الوادي يضطرون للوقوف طيلة النهار لتفادي مباغتتهم من طرف هذه السيول فصارت "واقف" تسميةً لهذا السوق». و «كان السوق يضم ثلاثة أنواع من المحال، أولها «العماير» وهي المخازن الكبرى التي تتعاطى الأعمال التجارية بالجملة والمفرق، وتخزن مواد البناء والأغذية كالتمور والأرز إلى جانب محلات المشغولات اليدوية كالخياطة والنجارة، وإلى جانبهما كان هناك ما يعرف بـ «البسطات» وهي تلك التي كان يقيمها الباعة المحليون في الهواء الطلق.
جوهرة الدوحة
إن التجول داخل السوق يأخذك في سفر افتراضي من خلال تنوع معروضات محلاته التجارية التي تستقبلك بفتح كتاب الماضي، من خلال منسوجات البدو التي يحرص القائمون على السوق على أن تكون أول ما يستقبل الوافد إليه من مختلف مداخله، خاصة أن هذه المنسوجات ما زالت تحتل مكانا مهما في مجالس العائلات القطرية والخليجية الحريصة على ماضيها دون أن تفرط في مستقبلها وتعاطيها مع متطلبات التطور الذي تعرفه الدولة. وكلما توغلت داخل السوق تقابلك المحلات المختصة في بيع التذكارات التراثية من مستلزمات الخيول العربية أو مستلزمات الصيد بالصقور أو أنواع القهوة العربية والتي تصطف محلاتها جنبا إلى جنب والتي يأتي على رأسها «الهيل» الذي لا غنى لأية مائدة خليجية عنه. كما يمكن أن تجد بالسوق الكثير من الأعشاب الشعبية التي يلجأ إليها الزائرون بديلا عن العقاقير الطبية.
وإلى جانب هذه المنتوجات والمعروضات، لا بد من تذكير الوافدين على أن لأهل قطرعلاقة وطيدة مع البحرلم تنجح الطفرة النفطية في محوها من خلال المحلات الكثيرة المتخصصة في صناعة نماذج مصغرة لمراكب الغوص والبحث عن اللؤلؤ ومعدات الصيد القديمة، والتي كان يستعملها السكان قديما، والتي ما إن تقف أمامها حتى تمكنك من معرفة تاريخ الغوص على اللؤلؤ وأشهر الغواصين والنواخذة والنهامين، إلى جانب أشهر سفن زمن الغوص والتي تغنّى بها أصحابها وما زالوا.
من البحر إلى عالم المطاعم والمقاهي المنتشرة على طول الشارع الرئيسي بالسوق، حيث تتبارى هذه المطاعم في تقديم مختلف أنواع الأكلات الشرقية وإرضاء أذواق الوافدين عليه. والجميل في هذا المكان أن وجبات «التيك أواي» التي غزت «مولات» مدن الخليج تختفي لتفسح المجال أمام أصالة المطعم العربي، خاصة أن طريقة تقديمها تشعرك فعلا بأنك في مكان ممزوج بعبق التاريخ.. فهنا تجد الهريس والمضروبة والمرقوقة والخنفروش والخبيص والساقو والبلاليط وغيرها من الأكلات الشعبية التقليدية التي لا يسعك إلا تذوقها لتكتشف مدى غنى المطبخ القطري والخليجي. كما يمكن تذوق السمك العراقي المسكوف والباجة والدولمة والفلافل المصرية والكبسة اللبنانية والطاجين المغربي والكبدة النوبية وغيرها من أنواع الأكلات العربية التي يحرص القائمون عليها على إرضاء الزبون وخدمته.
وللفنون ألقها
جانب آخر يتميز به السوق، ألا وهو حرصه على المحافظة على الفنون والتراث الشعبي، خاصة في ظل وجود إذاعة «صوت الريان» التي تحرص على تشنيف آذان المستمعين طوال اليوم بقصائد من الشعر النبطي وبأشهر الأغاني الشعبية الخليجية والقطرية التي تكاد تندثر في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الفن الغنائي في كل العالم العربي، لتأتي هذه الإذاعة التي يسيرها شباب قطر من أجل إعادة الاعتبار للغناء الشعبي الذي تصدح به على مدار الساعة، بل ونجحت في تحويل سوق واقف إلى عاصمة للفن الشعبي الخليجي بعد أن شرعت في تنظيم مهرجان للأغنية الشعبية وعرف مشاركة أشهر وأهم فناني الغناء الشعبي في قطر والسعودية واليمن.
سوق واقف يعتبر خير معبر عن تراث قطر في المجال الفني والفولكلوري، وقد نجح إلى حد كبير في تحقيق الأهداف المرسومة له من خلال إعادة توثيق التراث الشعبي وحفظه للأجيال القادمة. وإلى جانبها تنتشر المحلات المتخصصة في بيع الأقراص المدمجة الخاصة بهذه الألوان الشعبية، وكذا المحلات المتخصصة في صناعة وتصليح الآلات الموسيقية خاصة آلة العود التي تعد عماد الجلسات الغنائية داخل مجالس أهل قطر في مختلف المناسبات.
ولأن التأثير الفني لا حدود له، فقد استنسخت المطاعم والمقاهي المقامة داخل السوق هذا الأسلوب، حيث تستقدم مطربين وفرقا موسيقية من أجل ترفيه روادها، فيما يتجمع هواة سماع الموسيقى والأغاني التراثية حولها، رغم أنها لم تعد تقتصر فقط على هذه الألوان الغنائية خاصة بعد أن دخلت أصناف أخرى إلى السوق بحكم توافد الجنسيات العربية، حيث تصدح في بعض الأحيان الموسيقى والأغاني العراقية والمصرية أو اللبنانية، لكن دون أن تنزع عن المكان أصالته، خاصة أن المحلات التي تلجأ إلى هذه الأنواع الموسيقية تحرص على أن تتمتع أيضا بالأصالة حفاظا على جمالية المكان وإبعاده عن الابتذال الذي قد يسيء إليه.
أحد الصحافيين كتب يوما أن دولة قطر من خلال هذا السوق نجحت في أن تحافظ على هذا المعْلم الذي تنافس به شارع «الشانزليزيه» الباريسي وكذا «السوليدير» البيروتي، لكن يمكن القول إنه مزيج منهما، لكونه نجح في أن يجدد نفسه بطريقة تجعله يستفيد من التقدم الحاصل في مجال المعمار دون أن يفقد هويته كسوق شعبي قديم في الألفية الثالثة.
جلال چرمگا في سوق واجف اثناء زيارته لقطر قبل سنوات
التجوال في سوق واقف فيه متعة تستطيع أن تكتشف فيه عددا من الصناعات الحرفية التقليدية كالقش والمشغولات اليدوية والذهب والملابس الشعبية والسيوف والخناجر، والتطريز، والعباءات القديمة، وتشاهد محلات العطارة والتوابل عن كثب، لذا أصبح مهوى أفئدة السياح من الدول الأوربية والزائرين من بلاد الخليج وسائر الدول العربية. وفي مقاهيه التراثية التي تحكي جدرانها تاريخ الأجداد القدماء يمكنك الجلوس على كراسيها الخشبية في الهواء الطلق لاحتساء القهوة العربية ، وأخذ نفس شيشة قبل ان تاتي كورونا وتصدر السلطات الصحية القطرية قرارا بمنع تقدسم الشيشة او الاركيلة في المقاهي والنوادي والفنادق.
وفي السوق محلات للسجاد التي تبهر بألوانها المتناسقة وزركشاتها الرائعة ، وكانت هي المستخدمة بدلا ( الموكيت) في وقتنا الحاضر كما أخبرنا أحد أصحاب محلاتها.
سوق للطيور والحيوانات الاليفة:
وهنا في واقف سوق مختص بالطيور والحيوانات المنزلية الاليفة كالقطط والكلاب والاسماك والصقور والفئران الجميلة ويزور هذا السوق المتفرع عن سوق واقف التراثي، مئات المواطنين والمقيمين، يومياً، للاستمتاع بمشاهدة أنواع من الطيور بما فيها من عصافير وببغاوات، كما أسماك الزينة والحيوانات المنزلية مثل الأرانب والكلاب والقطط والفئران والسلاحف وغيرها. وتشهد عمليات البيع حركة نشطة، بعد توقفها نتيجة الإجراءات الاحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا، إذ قررت الجهات المختصة السماح باستئناف استيراد الحيوانات والطيور الأليفة، فاستوردها التجار من دول أوروبية وأفريقية وآسيوية عدة. وقررت إدارة سوق واقف، منع بيع الحيوانات الأليفة التي لم يبلغ عمرها ثلاثة أشهر، والتي تتأثر حالتها الصحية نتيجة وضعها في أقفاص مع غيرها من الحيوانات.
من باب إحداث بعض التطويرات وإضفاء لمسة حداثية على هذا السوق التراثي تم بناء مجموعة من الفنادق المخصصة للسياح على جنبات سوق واقف، ويبلغ عددها 9 فنادق تحتوي على أحدث التجهيزات وسبل الراحة للزوار، ويمكن للنزلاء في هذه الفنادق إلقاء نظرة مُطلّة على السوق، ومتابعة حركته النشطة خاصة في الفترات النشطة، بالإضافة إلى المنازل التراثية التي تعكس جانبًا هامًا من تاريخ دولة القطر ونمط الحياة فيها سابقًا، فضلًا عن الإطلالة البديعة التي توفرها بعض هذه الفنادق على الشواطئ القريبة من السوق الأكثر شهرة في دولة قطر، ومراقبة الميناء البحري الموجود بالقرب من منطقة سوق واقف
التجارة في سوق واقف
تعد حركة التجارة نشطة في سوق واقف نظرا لوجود العديد من أصناف المنتجات التي يذهب المتسوقون إلى سوق واقف من أجلها، ومن أبرز السلع التي يبحث عنها زوار سوق واقف بعض أنواع القماش التقليدي، والملبوسات المختلفة، والقدور القديمة، وبعض التحف الفنية والحرف اليدوية، كما يحتوي هذا السوق التراثي على العديد من المطاعم التقليدية التي يقصدها السياح، وقد تم تجديد العديد منها بعد عام 2003 إثر اندلاع الحريق في سوق واقف، كما تم بناء بعض المتاجر والجلسات والمقاهي الجديدة التي تعد متنفسًا للسياح القادمين إلى دولة قطر، فضلًا عن السكان المحليين الذي يرون في هذا السوق فرصة لقضاء وقت ممتع في أجواء مفعمة بالتاريخ والحضارة
الشرطة التراثية في سوق واقف:
واستكمالا للطبيعة التراثية لسوق واقف فقد اقتتح مركز شرطة تراثي قديم يحافظ على تراث وتقاليد الشرطة القديمة من حيث الزي والملبس وكذلك استخدتام الخيول كدوريات راكبة ويتمتع الزوار بهذه المناظر.
سوق واقف قبل ستين عاما
وفي الحلقة القادمة سوف نتحدث عن المطعم العراقي في سوق واقف باعتباره اشهر المطاعم العربية في هذا المكان.
4818 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع