أيام زمان الجزء... ٢٧ - الدانتيل
التطريز عمل تنفيذي أكثر منه إبداعاً، ينجزه المرء على أساس فهمه للنموذج أو التصميم الموجود بين يديه ولا يلتزم بالضرورة ما هو محدد في التصميم الأصلي، إذ يتوقف نجاحه على حسن اختيار المواد والألوان والتقنيات التي سيستعملها الطرّاز وبراعته في التنفيذ. وثمة نماذج زخرفية تقليدية تتناقلها الأجيال في كثير من المجتمعات وخاصة الريفية منها، حتى غدت لصيقة بها وتنسب إليها.
يعتبر هذا الفن المميز بأشكاله وألوانه وتقنياته الحديثة والقديمة شاهداً على العصور المتعاقبة، ومرآة عاكسة للحياة اليومية للأجيال، على الرغم من التطور الكبير الذي شهده على أكثر من مستوى سواء على مستوى الألوان المختارة أم على النماذج العصرية والإبداعية الحديثة.
قصيدة للشاعر الكبير نزار قباني، عنوانها كم الدانتيل، يقول في مطلعها:
“يا كُمَّها الثَرْثَارَ.. يا مَشْتَلْ... رَفِّهْ عن الدنيا ولا تَبْخَلْ،ونَقِّطِ الثَلْجَ على جُرْحنا... يا رائع التطريز.. يا أهْدَلْ،يا شَفَةً تَفْتيحُها مُمْكِنٌ... ويا سُؤالاً، بَعْدُ، لم يُسْأَلْ‘‘.
إنها قصيدة جميلة، تدغدغ أنوثة المرأة، وتستدعي قراءة حسية لطيفة للجمال الهادئ الناتج عن ذلك التفاعل، بين جمال الأنوثة مع جمال لباس المرأة، وعن كل ما يعج به الواقع من فوضى الأذواق والألوان والمظاهر. فقد كانت المرأة الأوروبية إلى عهد قريب تلبس اللباس اللطيف من (الدانتيلا)، تستر به مع أنوثتها سرها المكتوم حتى أخمص قدميها.
وفي حقبة السبعينيّات من خلال الاستماع إلى أغنية Chantilly Lace للمغنيّ الأميركيّJerry Lee Lewis، نعرف أنّ لملك الأقمشة تأثيراً لا يُستهان به على كافّة المجالات والأزمنة، اختلف المؤرّخون حول جذور قماش الدانتيل، لكنّ الأمر المؤكّد هو أنّ أصداءه بدأت تُسمع منذ القرن السادس عشر، لا سيّما في أوروبا، من أزياء الملوك إلى منصّات العروض العالميّة في الوقت الحاضر.لا يوجد فتاة أو امرأة لا تحب الدانتيل الناعم واللين، حتى الرجال الذين ليسوا على دراية تامة بالأنسجة يظلون دائمًا مفتونين بالسيدات الشابات اللواتي يرتدين ملابس مطرزة بالدانتيلا.
دانتيل أو الشَبِيْك. قماش رقيق مخرم مزخرف، مصنوع من مواد مختلفة مثل الكتان والحرير والقطن وبتقنيات مختلفة، مثل الخياطة والربط والتضفير والقفز والنسيج والحياكة والكروشيه والدانتيل. ومع ذلك، يتم احتساب الأطراف المخيطة والمعقدة فقط كدانتيل حقيقي، وينسجه الدانتليي (ناسج الدانتيل) يدوياً أو آلياً، عن طريق نقاط متشابهة ليشكل رسماً بحواف مسننة.
لا توجد معلومات دقيقة عن تواريخ أو أماكن تواجد الدانتيل الأصلي، غير أنه المعروف أنه اشتهر أواخر القرن الخامس عشر، ظهر الدانتيل مع مرور الوقت، وتطوير الدانتيل بسرعة في القرن السادس عشر، وخلال مئة عام تم استخدام أقمشة الدانتيل والإبرة على نطاق واسع،وظهر أول مرة تحت لفظة "الدانتيل (أي الأسنان الصغيرة) في 1545 في مهر شقيقة فرانسوا الأول.
هذا القماش يصفه الخبراء بـ "الثقوب المحاطة بالخيوط"، يجمع بين تقنيّات التطريز، الحياكة، الغزل، الكروشيه وغيرها، منذ ظهوره وزيّنت الياقات، الفساتين، الثياب الداخليّة، الإكسسوارات، الأكمام، القبّعات، الأحذية، وفساتين الأعراس، الأوشحة، وحتى أغطية الطاولات، السجّادات وغيرها.
لا شكّ بوجود لوحات ورسومات تعود إلى القرن السادس عشر، تصوّر الملكة البريطانيّة إليزابيت الأولى مرتديةً ياقة ضخمة من الدانتيل، ذلك مثال على ما كان يرتديه الملوك والملكات في أوروبا في ذلك الوقت.
في البداية، كان الأثرياء فقط يرتدون ملابس مزينة بهذه المواد، لكن في وقت لاحق، عندما أصبح العيش أسهل، كان بإمكان الفلاحين ارتداء فستان واحد على الأقل مطرّز بمثل هذه الأنماط الرائعة.
في العصور الوسطى، أصبح الدانتيل رمزًا للمكانة، واستخدم الأمراء والنبلاء الدانتيل، لتزيين الملابسخاصة في فترة لويس الرابع عشر، أصبح استخدام الدانتيل للزينة موضة البلاط، في القرن الثامن عشر، استخدمتها المحاكم الأوروبية والرجال الأرستقراطيين على نطاق واسع على الأصفاد والياقات والجوارب. تم استخدام الدانتيل لأول مرة لتزيين الكنائس في تلك الفترة، ثم دخل الحياة العلمانية.
شهت منطقة البندقية الإيطالية على ولادة قماش الدانتيل فيها في القرن السادس عشر، وقد عرف الدانتيل مكانةً رفيعة المستوى عبر التاريخ، حيث كان الخيار الأول للملكات والأميرات منذ العصر الفيكتوري حتى اليوم بدايةً من الملكة إليزابيث الثانية ووصولاً إلى كيت ميدلتون؛ وهو لا يزال يحتفظ بموقعه الراقي؛ نظراً لطريقة تصنيعه وللعمل اليدوي المطلوب بهدف الحصول عليه.
يشاع أن فن صناعة الدانتيل قد جلبه اللاجئون الفلمنكيون إلى هونيتون بإنجلترا في منتصف القرن السادس عشر وحتى أواخره. ويوجد نقش على قبر قديم في المدينة لـ جيمس روج الذي يوصف بأنهبائع دانتيل من العظام توفي عام 1617.حيث أصبحتامدينة البندقيّة الإيطاليّة والإقليم الفلامنديّ في بلجيكا شكّلا المكانين الأكثر شهرةً بتصنيع الدانتيل منذ ظهوره.
أفضل أنواع الدانتيل المصنوع من الخيوط الكتانية. كما تستخدم خيوط القطن والحرير والصوف والأنسجة المصنعة وحتى خيوط الذهب والفضة في حياكة هذا النسيج. وتحتوي تصاميم الدانتيل على نماذج من الورود وأوراق النباتات، وذلك حتى تعطي الشكل المناسب لنسيجه المخرم.
وكانت هناك موجة غريبة من التصميم اللامبالي والطريقة غير الفنية خلال فترة هذا الكساد، والأنماط القبيحة تُظهر ذيول الديك الرومي والقلوب.
نمت هونيتون لاحقًا لتصبح مدينة وسوق مهمة، اشتهرت بصناعة الدانتيل التي قدمها المهاجرون الفلمنكيون في عصر إليزابيت، في القرن السابع عشر أنتج الآلاف من الناس الدانتيل باليد في منازلهم، وفي القرن التاسع عشر اختارته الملكة البريطانيّة فكتوريا يزركش فستان زفافها من الأمير ألبرت في العام 1840مصنوع من دانتيل هونيتون،وانتعشت شعبية الدانتيل المصنوع يدويًا في القرن التاسع عشر بعد طلب الملكة فيكتوريا،وحدث الانتعاش بسرعة كبيرة، وكان الطلب كبيرا جدا، حيث تم إنتاج دانتيل أرخص جودة بكميات كبيرة. نظرًا للطلب الهائل، كان لهذا العمل الأرخص تصميمات أبسط نظرًا لسرعة الإنتاج اللازمة، كان تعريف تصميمات الدانتيل في ذلك الوقت أوراق الشجر والزهور والمخطوطات ويبدو طبيعيًا قدر الإمكان.
لم يكن الدانتيل فقط في صناعة الملابس والفساتين،حيث كان للملابس الداخلية الفاخرة نصيب كبير في عصر النهضة،ويعتقد أن الدانتيل هو المادة التي تجعل المرأة أنثوية حقًا، بدأت الأشياء المصنوعة يدوياً في تزيين الملابس بالخيوط الفضية والذهبية خلال هذه الفترة. بسبب هذاالطلب بدا النسيج أكثر تكلفة في القرن الثامن عشر،وأصبح سيدالتزيين جميع فساتين الزفاف الخاصة بالملكات الفرنسية والبريطانية بالدانتيلا، كانت المادة متينة وذات جودة عالية بحيث يمكن رؤية تطريزات مختلفة وكثيرة على القطعة الواحدة، وقد عرض فستان زفاف الملكة فيكتوريا في برج لندن.
كان الدانتيل آنذاك يُصنع باستخدام الإبرة أو البكرة، تم صنعه بواسطة خيوط قطنية بطريقة أكثر اقتصادا. ويأخذ الكثير من الوقت ويتطلّب مهاراتٍ عالية.هذا ما جعل منه قماشاً باهظ الثمن،فبات حِكراً على الطبقة الحاكمة، من نساءٍ ورجال، إلى أن تمّ اختراع آلة تصنيع الدانتيل في القرن التاسع عشر.وبعد الثورة الفرنسية والثورة الصناعية، صُنع الدانتيل بشكل أساسي بواسطة الآلات. وبالتالي، يمكن للناس امتلاك أقمشة الدانتيل بسعر أقل بكثير من ذي قبل.
ظل الدانتيل محتفظًا بمكانته حتى يومنا هذا، وما زالت تحرص المصانع على إنتاجه بأشكال وخامات مختلفة، حتى يظهر بالشكل المثالي التي ترغب فيه كل سيدة.كما يتوافر القماش المميز بعدة ألوان ورسوم مختلفة، حتى يتناسب مع الذوق العام، كما تعتبر أقمشه الدانتيل من الأقمشة الرقيقة التي تحتاج إلى تعامل خاص عند استخدامها، كذلك أيضًا عند تنظيفها يجب أن نتعامل معها بشكل سلس، حيث أنها معرضة للتلف إذا لم يتم العناية به.
يعد الدانتيل من أفخم الأقمشة وأكثرها أناقة، بدليل وجوده في عروض الأزياء كافة وفي مجموعات أزياء المصممين المحليين والعالميين، فهو الموضة التي تظهر في كل المناسبات حتى أنه يدخل في إطلالاتك اليومية فيزيدك تألقاً وجمالاً وأنوثة.وأفضل أنواع أقمشه الدانتيل دانتيل وهو عبارة عن حلقات دائرية يتم وضعها في أسفل تصاميم فساتين الزفاف، وتستخدم في عمل طرح الزفاف وفساتين الزفاف، وأقمشه دانتيل مطرزا لذي يعتبر أحد أشكال الدانتيل المميز، الذي تستخدمه النساء في عمل تصاميم الملابس النسائية المختلفة، كما يتوافر منه العديد من الألوان.أقمشة دانتيل مطعم بالسيرما وتعتبر أقمشة فاخرة ومميزة لا تتواجد بشكل كبير في الأسواق نظرًا لأسعارها المرتفعة لما تتركه من شكل أنيق ومميز، وأقمشه دانتيل مفرغةتستخدم هذه النوعية بشكل كبير في تزيين الديكورات أو لتزيين وعمل الهدايا، كما يمكن قصه على شكل وحدات وتزيين بها كافة أرجاء المنزل أو تثبيتها على بعض أنواع الأقمشة للتزيين مثل أقمشة الحرير أو الأقمشة القطنية وغيرهم، وأفضل أنواع أقمشه الدانتيل باللون الأسود هو الأكثر أناقة ويتماشى مع غالبية المناسبات، كما أنه يمنح إطلالة ملوكية وراقية.وأهتمت النساء بذلك اللون المميز من الدانتيل بالرغم من كونه داكن بشكل كبير، ولكنه ما زال اللون الأكثر جاذبية وإثارة وسط جميع ألوان الدانتيل، لذلك يستخدم ذلك اللون في عمل بعض الفساتين التي تتمتع بقدر عالي من الجمال، وكذلك أقمشه دانتيل باللون الأحمر يعتبر اللون الحمر هو لون الجاذبية النسائية بالتأكيد، وسنجد ذلك بشكل واضح من كون معظم تصاميم النساء لابد أن يتواجد فيها اللون الأحمر، ويرجع ذلك لكونه لون أنثوي جريء، ولذلك يستخدم لون الدانتيل الحمر في عمل تصاميم الفساتين، ولكن يبعد كثيرًا عن استخدامه في الديكورات، حيث أنه لا يبدوا مناسبًا. وكذلك أقمشه دانتيل باللون الأزرق الذي يعتبر لون المغامرة والجاذبية، تستخدمه الكثير من النساء في مختلف التصاميم، يستخدم الدانتيل الأزرق في عمل العديد من التصاميم مثل فساتين الأعراس والساري الهندي، ويدخل أيضًا في عمل الستائر وغيرها من التصاميم الأنيقة.
ودانتيل آلانسون هو الأكثر من أنواع قماش الدانتيل أُلفة لقلوب الناس، وأكثرها استخداماً بالنسبة لمصممين الأزياء العالمين.وقد أُطلق عليه ملك الدانتيل، أو في بعض الأوقات يسمى المخرمة والأنيقة. وكذلك دانتيل شاتنيلي يعتبر من أجود أنواع الأقمشة الدارجة تحت تصنيف الدانتيل.وقد أخذ هذا الاسم نسبة إلى البلدة التي ظهر فيها لأول مرة، حيث كانت تدعى أيضاً شانتيلي. وما يميز هذا النوع من القماش عن غيره أنه صاحب ملمس حريري، وناعم جداً على الجسد.كما أنه مزخرف من خلال تطريز راقي، وفخم، ومضاهي دائماً للموضة،يعتبر هذان النوعان هما الأفضل على الإطلاق بالنسبة لقماش الدانتيل، أما عن الباقيين المتواجدين في الأسواق الشعبية فهي خامات مُقلدة وغير أصلية. وغير مريحة على الإطلاق عند ارتداءها.
للحديث تكملة يتبع في العدد القادم
المصدر
وكالات –تواصل اجتماعي–نشرمحرريالموقع
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://algardenia.com/mochtaratt/52759-2022-02-15-17-27-16.html
1390 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع