منظومة تدريب القوات المسلحة العراقية
مقدمة
ذكرني مقال الأخ اللواء فوزي البرزنجي المنشور على موقع مجلة الگاردينيا بتاريخ 31/12/2013 تحت عنوان العمل الأداري في دوائر وزارة الدفاع , فشكرا له لأنه بمقالته هذه حفز ذاكرتنا لنستعيد من خلالها البعض من أهم تجارب بناء قواتنا المسلحة في مجال التدريب..
من هذه التجارب التي ظهرت الى الوجود مع بداية التسعينات من القرن الماضي هي منظومات التدريب منها منظومة أعداد المراتب ومنظومة اعداد الضباط هذه المنظومات التي اعدت وبنيت وفق احدث الأساليب العالمية الممزوجة بتجربة وواقع المجتمع العراقي وحاجة القوات المسلحة وطبقت حتى بداية الأحتلال الأمريكي عام 2003 ولو بشكل متفاوت .
القسم الأول
منظومة أعداد المراتب
1. مع بدأ التحاقي لمنصب معاون رئيس أركان الجيش للتدريب عام 1989 بدأنا التفكير بأعادة النظر بطريقة واسلوب التدريب في مراكز التدريب للجنود المستجدين اللذين يلتحقون الى الخدمة العسكرية بموجب خطة السوق السنوية
كانت هناك معاضل كبيرة تواجهها مراكز التدريب عند التحاق وجبات السوق من أهم تلك المشاكل :
آ . محدودية أستيعاب تلك المراكز لعدد المسوقين للخدمة , كانت المراكز تستقبل اعداد تزيد عن استيعابها الحقيقي بنسبة تتراوح ما بين (50- 100) % وقد تزيد عن ذلك في بعض الأحيان فالمركز الذي أستيعابه (1200) جندي مثلا كان يستقبل الفين او ثلاثة ألاف في بعض الأحيان خصوصا في بغداد , ومن الطبيعي ان لا يتيسر لهذه الأعداد سكن ملائم ولا طعام كافي ولا تجهيز مناسب ولا تدريب مناسب لأن الرهط التدريبي يصل في كثير من الأحيان الى( 100) جندي او يزيد هذه الحالات اضطرت امري المراكز الى السماح لجنودهم بالنزول والمبيت خارج المركز والعودة صباحا .ومن الطبيعي أن يرافق تلك الحالة الكثير من السلبيات لعل ابرزها عدم انتظام الدوام والتدريب أضافة لما يرافق ذلك من الضعف في الضبط والألتزام والأستغلال وغيرها من سلبيات عديدة .
ب. عدم وجود نظام توزيع عادل يتناسب مع واقع الجندي ومتطلبات الصنوف وحاجتها .
ج. كثرة التدخلات والوساطات في عمليات الألتحاق للمراكز والتوزيع على الصنوف .
د . ألحاق الجنود المستجدين الى مراكز تدريب بعيدة عن مناطق سكنهم ما كان يشكل أعباء أقتصادية عليهم وعلى عوائلهم .
2. كان تفكيرنا منصبا على معالجة حالة مراكز التدريب باعتبارها الخطوة الأولى في بناء منظومة تدريب صحيحة وسليمة وهي البوابة الأولى التي يدخل منها الشباب الى الحياة العسكرية . البداية كانت ايجاد مركز تدريب بملاك قياسي من ناحية الأستيعاب والمدربين والأسلحة والتجهيزات والسكن والأدارة وبعد دراسة وتفكير دقيق توصلنا الى ان الملاك المناسب الذي يحقق كل هذه المتطلبات هو المركز الذي أطلقنا عليه تسمية (مركز التدريب القياسي) الذي يكون أساس بناء وحساب متطلبات تدريب واعداد المستجدين .
3. المركز القياسي
آ. يتألف مركزالتدريب القياسي من مقر يضم الأمر والمعاون والمساعد وضابط ركن التدريب وغيرهم .
ب. يرتبط بمقر المركز خمس سرايا تدريب وسرية مقر كل سرية تدريب تظم (300 ) جندي مقسمة على خمس فصائل كل فصيل مؤلف من ثلاث حضائر وكل حضيرة مؤلفة من( 20) جندي وبذلك يكون الفصيل مؤلفا من (60) جندي ولقد اعتمد هذا الرقم لعلاقته بقدرة الضابط المشرف على التدريب وقدرة ضباط الصف المعلمين لأن الرهط المناسب ينبغي ان لا يزيد على العشرين متدرب .
اما ملاك السرايا فكان مؤلفا من أمر السرية والمعاون وأمري الفصائل وضباط الصف المعلمين اللذين جرى حسابهم بمعدل معلم لكل عشرين متدرب وبذلك يكون ملاك المركز من المعلمين هو (75) معلم .
كما جرى وضع جدول لملاك مركز التدريب من ناحية الأسلحة ومعدات التدريب والتجهيزات والأليات وغيرها .
ج . مجمل أستيعاب المركز يكون (1500) جندي مستجد وقد يزيد العدد عند الضرورة القصوى بمقدار( 300) جندي .
2. بعد اكمال وضع الملاك القياسي لمركز التدريب قمنا بحساب عدد وجبة السوق السنوية وكان العدد حوالي (495) الف شخص وقد يصل الى (500) الفص شخ في بعض الحالات , هذه الوجبة تقسم على ثلاث وجبات سوق يعني ان كل وجبة يتراوح عددها حوالي (165) ألف شخص هذا الرقم عندما يقسم على ملاك المركز القياسي يكون العراق بحاجة الى (33) مركز تدريب , توزع هذه المراكز على محافظات العراق بحيث يكون في كل محافظة مركز او اكثر وبما يتناسب مع عدد المسوقين من تلك المحافظة وهذا ما يجنبنا سوق الجنود من محافظة الى محافظة اخرى .
3. بعد اكمال هذه الدرسات جرى رفعها الى رئاسة اركان الجيش مع المبررات والأهمية وبالفعل جرى اقرارها بسرعة قياسية وعلى أثرها قمنا بتشكيل المراكز في المحافظات وكمثال فتحت اربع مراكز في بغداد ومركزين قي الموصل وديالى والبصرة وغيرها ومركز واحد في اغلب باقي المحافظات , كما جرى بعد ذلك أيجاد المعسكرات المناسبة لها ومن ثم بناء وتطوير الموجود وخلال فترة لم تتجاوز السنة تم اكمال كافة متطلبات تلك الخطة على ما أتذكر. من بعد ذلك جرى تنفيذ خطة السوق الجديدة على هذه المراكز ومع مرور السنين جرى تطوير هذه الخطة نحو الأفضل .
خلال التطبيق برزت مشكلة أدارة هذا العدد الكبير من المراكز الذي كانت تتولاه مديرية المشاة ولكون المديرية هي مديرية صنف شأنها شان باقي مديريات الصنوف لذا فان قيامها بهذه المهمة قد أثر بشكل كبير على أدائها كما ان المراكز هي الأخرى كانت تعاني من هذا الأرتباط لذلك وجدنا ان الحل المناسب هو أيجاد مديرية تعني بأدارة هذه المراكز والأشراف عليها واقترحنا تشكيل (مديرية التدريب الأساسي) ولقد حصلت الموافقة عليها وأصبحت هي المسؤولة عن مراكز التدريب وأرتبطت بدائرة التدريب وفي مرحلة لاحقة شكلت ثلاث (أمريات تدريب أساسي) ترتبط بمديرية التدريب الأساسي واحدة للمنطقة الشمالية واخرى للمنطقة الوسطى والثالثة للمنطقة الجنوبية أرتبطت بها مراكز التدريب الواقعة ضمن رقعها الجغرافية حتى تكون قريبة من تلك المراكز وتشرف على ادارتها وتوجيهها ومتابعتها بدلا من ارتباط (33) مركز مع مديرية واحدة.
4. منظومة التدريب للمراتب
بعد أكمال تشكيل مراكز التدريب الأساسي القياسية ومديرية التدريب الأساسي وامرياتها باشرنا بدراسة أيجاد منظومة تدريب للمراتب تتولى تدريب الجندي من بداية التحاقه بمراكز التدريب كجندي مستجد وحتى التحاقه بالتشكيلات المقاتلة ليصبح جندي مقاتل .
جرى تنظيم التدريب على ثلاثة مراحل وهي :
آ . مرحلة التدريب الأساسي والتي تجري في مراكز التدريب الأساسي المشار ليها أنفا . تشمل هذه المرحلة تدريب كافة الجنود على المهارات الأساسة التي يتم بموجبها تحويل الشخص المدني الى عسكري خلال فترة زمنية محددة يشمل التدريب خلال المرحلة على المهارات التالية : التعليم الأساسي لجميع الصنوف , التدريب على السلاح , تنمية اللياقة البدنية , الضبط والالتزام , . تستغرق عملية التدريب الأساسي مدة (90) يوما اي ثلاثة أشهر ولقد جرى اعتماد هذه المدة بتاءا على عدد المهارات المطلوب الحصول عليها وما تتطلبه كل مهارة من ساعات تدريبية .
ب . مرحلة التدريب الأختصاصي
بعد اكمال التدريب الأساسي في مراكز التدريب يجري توزيع المراتب على مدارس صنوف الجيش حسب خطة توزيع خاصة . بعد التحاق هؤلاء الجنود الى مديريات مدارس الصونف يتم أدخالهم بدورات خاصة بكل صنف تستعرق مدة الدورات فترات مابين شهر الى عدة أشهر وحسب متطلبات كل صنف . بعد اكمال دورة الصنف يصبح الجندي جندي صنف مثل جندي مدفعي او جندي دروع أو جندي هندسة عسكرية او جندي مشاة ...الخ
ج . مرحلة التدريب الراقي
بعد اكمال مرحلة التدريب الأختصاصي في مدارس الصنوف يتم توزيع الجنود الى التشكيلات المقاتلة هذه التشكيلات تقوم بفتح دورات خاصة لهم في مدارس قتال الفرق والفيالق يركز فيها على تدريب الأسلحة لتلك الوحدات والتدريب التعبوي أضافة الى اللياقة البدنية التي ترافق كافة مراحل التدريب . بعد اكمال هذه المرحلة يصبح الجندي مهيئا للأنظمام الى الفصائل او الرعائل ليكون أحد الجنود المقاتلين . تستغرق العملية التدريبية بكافة مراحلها حوالي ستة أشهر كمعدل .
في الظروف الاعتيادية لا يعتبر الجندي جنديا مقاتلا مالم يشترك بدورة تدريب اجمالي ضمن وحدته لأن الجندي بحاجة الى فترة تأقلم مع وحدته الجديدة ويعتبر التدريب الأجمالي اهم مرحلة من مراحل صقل شخصية الجندي الجديد وتأقلمه وانسجامه مع بيئته الجديدة .
هناك من يقول بان مثل هذه الحالة لم تتحقق بكل تفاصيلها في ظروف عمل جيشنا سابقا وذلك صحيح لأن الجيش كان منشغلا وبشكل دائم بحركات فعلية وحروب وهذه جميعها اثرت على مستوى التدريب ولكن ما ذكرناه هو ما كان مخطط له وتمكنا من تطبيق تلك المنظومة بكفاءة عدة سنوات رغم بعض الأستثناءات التي حصلت بموافقات خاصة بتأثير بعض القادة على وزير الدفاع بحجة حاجة قياداتهم او صنوفهم .
في هذا المجال أقول أن من يريد بناء جيش كفوء عليه أن يعطي للتدريب حصته الأساسية كما مخطط لها وبخلاف ذلك لا يتوقع ان يحصل على جيش كفوء .
5 .التطور الجديد على المنظومة
من أجل أن يجري تدريب وتداول الجنود بشكل دقيق ومنظم وعادل بعيدا عن الوساطات والتدخلات والأساليب العشوائية أو المزاجية في التوزيع قمنا بأيجاد نظام جديد لهذا الغرض بعد دراسة للعديد من التجارب العالمية يتلخص هذا النظام بما يلي :
آ.وضع مواصفات لجنود الصنوف أعدت هذه المواصفات من قبل لجان شكلت في كل مديرية صنف بموجبها حدد الصنف متطلبات الصنف التي يريدها بالجنود اللذين يلحقون اليهم تشمل : مستوى اللياقة البدنية , الحالة الصحية . المستوى الدراسي المطلوب , الطول والوزن المطلوب , المهنة السابقة , الرغبة في الأنتماء الى الصنف , الأنحدار الطبقي (فلاح , عامل , طالب .... الخ ).
لم تجري الأشارة الى القومية أو الدين او الطائفة لأن النظرة للجميع كانت كعراقيين .
ب. قيام مديرية نظم الحاسبات الالكترونية بوضع معايير خاصة لتلك المواصفات بموجب برنامج خاص مع أضافة حقول أخرى تشمل الرقم الأحصائي الأسم الرباعي واللقب . عنوان السكن . كما يخصص حقل خاص لمركز التدريب يثبت فيه مستوى تدريبه , ضبطه , لياقته وضعه الصحي .. ألخ تطبع تلك المعلومات عى نموذج حاسبات خاص وتوزع على مراكز التدريب حال التحاق وجبة السوق .
ج. بعد مرور شهر او اكثر على بقاء الجندي في مركز التدريب يقوم امري الفصائل بأملاء تلك النماذج لكل جندي على ان تنتهي مع أخر مرحلة تدريبية ترسل فورا الى مديرية نظم الحاسبات الألكترونية التي تقوم بفرز الجنود بموجب برنامج خاص اعد لهذا الغرض على صنوف القوات المسلحة بناءا على متطلبات الصنف ونتائج مرحلة التدريب الأساسي .
د. بعد اكمال عملية الفرز تقوم مديرية نظم الحاسبات الألكترونية بأصدار قوائم توزع بموجبها الجنود على صنوف القوات المسلحة . يجب ان تصل خطة التوزيع الى مراكز التدريب مع انتهاء اجازة المراتب التي تمنح لهم بعد انتهاء الدورة الدورة التدريبية .
ج . تقوم مراكز التدريب بألحاق الجنود الى مدارس الصنوف بموجب القوائم الصادرة من مديرية نظم الحاسبات الألكترونية , وفي مدارس الصنوف يجري تطبيق المنهج التدريبي الخاص بكل صنف ومن ثم توزيعهم على التشكيلات بعد اكمال مدة التدريب وفق برنامج خاص بكل صنف تم اعداده من قبل مديرية الصنف ومديرية الحاسبة الألكترونية وعلى غرار ما جرى في المرحلة السابقة .
د . بعد الحاق الجنود الى التشكيلات يجري ادخالهم بدورات اخرى في مدارس القتال للفرق والفيالق كما سبق ذكره
6. النتائج المتحققة من تطبيق منظومة أعداد المراتب الجديدة
آ . وجود مراكز تدريب تتناسب مع عدد المسوقين للخدمة مع توفير السكن والتجهيز والتدريب المناسب لهم .
ب. اعطاء الوقت الكافي للتدريب الأساسي بما يضمن اخراج جنود يتقنون مهارات التدريب الأساسي الذي يحولهم من مدنين الى عسكرين و يؤهلهم للتحول الى مدارس الصنوف المقاتلة والساندة حيث يتم اعدادهم ليصبحوا جنود قادرين على العمل في التشكيلات المقاتلة .
ج.أيجاد برنامج حديث يتم بموجبه أختيار الجنود بما يتلائم وحاجات ومتطلبات الصنوف خلافا للطريقة العشوائية التي كانت مطبقة سابقا .هذا البرنامج نظم حياة الجندي منذ التحاقه الى مراكز التدريب وحتى اكماله مراحل التدريب الأختصاصي والراقي وفق برنامج خاص يعتمد على الحاسبة الالكترونية خلال كافة المراحل .
د. تحقيق العدالة في تداول الجنود خلال كافة مراحل التدريب بعيدا عن التدخلات والوساطات التي كانت أحدى أهم عوامل الخلل في تلك العملية سابقا
يتبع : القسم الثاني منظومة اعداد الضباط
الفريق الركن .د /محمد عبد القادر الداغستاني
4/ 1/ 2014
713 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع