أعظم قصص الحب في التراث العربي
نهاد الخاتم - موقع "الإمارات اليوم":للعرب في قصص الحب باع طويل، توارثتها الكتب والمؤرخون، وشملتها طيات الزمان كمصادر للدلالة على العشق المبارك أو الممنوع، وعلى الرغم من أن أغلبها ينتهي نهاية محزنة، إلا أنها تعتبر من أجمل ما حمل لنا التاريخ من عبير الأيام الخوالي، المتقد بالدفء والحنين، ويذكرنا كلما مررنا بقصة من قصصه بالجمال والبساطة المغلفة بالحب.
آدم وحواء
أعظم قصة حب يمكن لنا أن نسردها في هذه السطور، هي أول قصة حب أوجدها الله سبحانه على الأرض.
يذكر أن آدم حين دخل الجنة استوحش وحدته فيها، وشعر أنه محتاج لأنيس، فبينما هو نائم إذ خلق الله من ضلعه حواء. فاستيقظ فرآها بجواره، وكان الله سبحانه وتعالى خلقها ليسكن إليها آدم من وحشته، وربطهما الله بالحب الطاهر، فكانا أول زوجين يخلقان، وأول زوجين يبث الله في دواخلهما غريزة الحب.
وظل الزوجان في كنف الله يعيشان في جنة الخلد، إلى أن أغواهما الشيطان، فأكلا من الشجرة المحرمة، فأنزلهما الله تعالى إلى الأرض. وتحكي الآثار وقصص السابقين أن آدم نزل بالهند وحواء بجده، فظلا يبحثان عن بعضهما حتى التقيا عند جبل عرفات، فغفر الله لهما خطيأتهما، وأسكنهما الأرض ورزقهما الذرية. وكانت هذه أولى قصص الحب في التاريخ.
عنترة وعبلة
من أجمل هذه القصص وأكثرها تداولا، قصة الشاعر والفارس عنترة العبسي، الذي وقع في حب ابنة عمه عبلة بنت مالك، وصادف أن أحبته هي الأخرى.
وكان عنترة قد نشأ من أب عربي هو عمرو بن شداد، وكان سيدا من سادات قبيلته، وأم أجنبية هي الأمة السوداء الحبشية زبيبة، واكتسب عنترة السواد من أمه.
وبلغ الحب بعنترة وعبلة مبلغه فصارا عاشقين، وتقدم عنترة إلى عمه يخطب إليه ابنته، لكن لون بشرته السوداء ونسبه وقفا في طريقه. فقد رفض مالك أن يزوج ابنته من رجل يجري في عروقه دم غير عربي. وحتى يصرفه عنها ويشعره بقلة الحيلة والعجز عن دفع مهرها، طلب منه أن يدفع لها مهراً ألف ناقة حمراء من نوق الملك النعمان المعروفة بالعصافير، فسعى عنترة لتحقيق ذلك، وبلغ منه الأمر من المشقة أقساها، إلا أنه لم يستسلم، وجاء بمهر عبلة، إلا أن والدها لم يقبله منه، وبدل ذلك جعل من مهر ابنته رأس عنترة لمن أراد الزواج منها، فرأى من ذلك عنترة الويل، وواجه المستحيل، وفي النهاية قضى الأمر أن تتزوج عبلة من فارس عربي، وتترك عنترة في حزنه، هائما في حبها ينظم الشعر فيها حتى مات.
قيس وليلى
وذكر التاريخ لنا قصة قيس وليلى، احب" قيس بن الملوح" ابنة عمه "ليلى بنت المهدى" وهما صغيران يرعيان ابل اهلهما، ولما كبرا حجبت عنه ليلى، وظل قيس على حبه وبادلته ليلى الحب، ولما شاعت بين الناس قصة حبهما غضب والد ليلى ورفض زواجه منها فحزن "قيس" واعتلت صحته بسبب حرمانه من ليلى فذهب والده الى أخيه والد ليلى وقال له: إن ابن أخيك على وشك الهلاك أو الجنون فاعدل عن عنادك وإصرارك، إلا أنه رفض وعاند وأصر على أن يزوجها، فلما علم بحبها لقيس هددها إن لم تقبل بزوج آخر ليمثلن بها، فوافقت على مضض، ولم تمض الا عدة ايام حتى زوج "المهدى" ابنته من "ورد بن محمد" فاعتزل قيس الناس وهام في الوديان، ذاهلا لا يفيق من ذهوله الا على ذكرى ليلى. وأصبح قيس يزور آثار ديارها ويستعبر ويبكي وينظم الشعر في حبها، حتى لقب بالمجنون.
وبادلته ليلى ذلك الحب العظيم حتى مرضت وألم بها الداء والهزال، فماتت قبله، وعلم بموتها فما كان منه إلا أن داوم على قبرها راثيا لها ولحبها، حتى مات.
عروة وعفراء
ومن قصص الحب كذلك، قصة لم يتداولها الكثيرون، وهي قصة عروة وعفراء.
كان عروة يعيش في بيت عمه والد عفراء بعد وفاة أبيه، وتربيا مع بعضهما فأحبا بعضهما وهما صبيان.
فلما شب عروة تمنى أن يتوج الزواج قصة حبهما الطاهرة، فأرسل إلى عمه يخطب إليه عفراء، ووقف المال عقبة في طريق العاشقين، فقد غالت أسرة عفراء في المهر، وعجز عروة عن القيام به. وألح عروة على عمه، وصارحه بحب عفراء، ولأنه كان فقيرا راح والدها يماطله ويمنيه الوعود، ثم طلب إليه أن يضرب في الأرض لعل الحياة تقبل عليه فيعود بمهر عفراء. فما كان منه إلا أن انطلق طلبا لمهر محبوبته.
وعاد بعدما جمع مهرها ليخبره عمه أن عفراء قد ماتت، ويريه قبراً جديداً ويقول له إنه قبرها، فانهار عروة وندب حظه وبكى محبوبته طويلا، حتى جاءته المفاجأة، فقد ترامت إليه أنباء بأن عفراء لم تمت، ولكنها تزوجت، فقد قدم أموي غني من الشام في أثناء غيبته، فنزل بحي عفراء، ورآها فأعجبته، فخطبها من أبيها، ثم تم الزواج رغم معارضتها، ورحل بها إلى الشام حيث يقيم.
ولما علم بذلك انطلق إلى الشام، ونزل ضيفاً على زوج عفراء والزوج يعرف أنه ابن عم زوجته ولا يعلم بحبهما بطبيعة الحال، ولأنه لم يلتقي بها بل بزوجها فقد راح هذا الأخير يماطل في إخبار زوجته بنبأ وصول ابن عمها. فألقى عروة بخاتمه في إناء اللبن وبعث بالإناء إلى عفراء مع إحدى الجواري، وأدركت عفراء على الفور أن ضيف زوجها هو حبيبها القديم فالتقاها، وحرصا منه على سمعة عفراء وكرامتها، واحتراما لزوجها الذي أحسن وفادته وأكرم مثواه، غادر تاركا حبه خلفه.
ومضى الزمان عليهما، ومرض عروة مرضا شديدا، وأصابه السل حتى فتك به، وأسدل الموت على العاشقين ستار الختام بموت عروة، بلغ النبأ عفراء، فاشتد جزعها عليه، وذابت نفسها حسرات وراءه، وظلت تندبه حتى لحقت به بعد فترة وجيزة، ودفنت في قبر بجواره.
تاجوج والمحلق
ومن قصص الحب التي تتخذ منحا آخر لم نعتده في قصص العرب، قصة تاجوج والمحلق، فهي لم تحرم من حبه ولم يحرم من الزواج بها إلا أنه فرط بها دون قصد فخسرها.
كانت تاجوج بنت الشيخ محمد بن علي بن محلق بن محمد بن علي التي دوت أخبارها في أكثر الافاق وتناقل الناس حديث جمالها. فتقدم المحلق إلى والدته يطلب منها أن تخطبها له من خاله. فامتثلت الأم وطلبت من أخيها ابنته " تاجوج " لأبنها المحلق، فرضي الخال ولكن بعد أن طلب مهراً غالياً من ابن أخيه فأستعان المحلق بوالده وأوجده لأصهاره، وكل عاشق لا يعوقه غلاء المهر وتم القران.
عاشت تاجوج تحت سقف الزوجية يرفرف فوقهما ملاك الحب المتبادل، وكانا أسعد زوجين عرفتهما أرض القبيلة. لكن حبه المتقد لها كان عثرة لحياتهما، فأكثر من المدح فيها وتناقل الشعر في محاسنها، حتى أشعل غيرة الفتيان، فما كان من أحد أبناء عمومته، يقال له النور بن اللمم إلا أن جاءه ونهره في ذكره زوجته في أشعاره حتى صارت غناء الفرد والجماعة ومضغة لأفواه تلوكها الألسن وعرف أسمها ووصفها القاصي والداني.
وهنا وقعت الطامة، فقد ذهب حبها بعقله حتى لم يعد يدرك ما يفعل، فدعا ابن اللمم ليراها قائلا: "تعال معي إلى الخباء كي أريك إياها في غفلة منها"، وكانت هذه الدعوة كافية لأن تظهر اللوثة التي أصابت المحلق من جنون حبه وأنه أصبح لا يعرف ما يصح وما لا يصح.
ورافقه إلى موقع لا تراه فيه، وشق له ثقبا في خبائها ظنا منه أنها لم تشعر به، ثم دخل عليها وطلب منها أن ترقص له، فتعجبت من طلبه ولكنها صبرت وتجلدت وقالت سمعاً وطاعة، إلا أنها استحلفته أن ينفذ لها طلبا بعد ذلك لا يردها أبدا، فوعدها ظنا منه أن طلبها لن يتعدى ما تطلبه النساء من ترف.
فلما ضمنت منه تنفيذه لطلبها نفذت مطلبه، ولما انتهت من رقصاتها كان الفرح قد تملكه والهيام اسكره فشكرها وطلب منها أن تذكر مطالبها، فنظرت إليه طويلاً وقالت له "طلبي واحد وهو الطلاق والفراق الأبدي"، فصعق حين سمع طلبها وأنزعج ابن اللمم وولى هارباً من وراء الخباء بعد أن دمر عامراً حلالاً، إلا أن الأمر كان قد انتهى ووقع الطلاق، فلا رجعة فيه. وبذلك خسر المحلق زوجته التي هام بها، رغم كل محاولاته لاستردادها، فما كان منه إلا أن قضى نحبه كغيره من المحبين، إلا أن فرقه هو أن محبوبته غادرته بخطأ منه.
عبد الله وهند
وعلى نحو من نفس الصورة السابقة تقريبا كانت مأساة عبد الله بن العجلان وهند، وكلاهما من نهد من قضاعة، وهي أقرب مأساة جاهلية إلى مأساة قيس بن ذريح ولبنى، وأشدها شبهاً بها.
رأى عبد الله هندا على بعض المياه فأحبها، ثم مضى إلى أبيها فخطبها، وتحقق له أمله فتزوجها وعاش معها بضع سنين كأسعد ما يكون، حبيبان ربط بينهما رباط الزوجية المقدس.
ولكن القدر أبى عليهما السعادة التي ينعمان بها، فقد كانت هند عاقرا، وكان عبد الله وحيد أبويه، وكان أبوه سيدا من سادات قومه المعدودين، ومن أكثرهم مالاً وأوسعهم ثراء، فطلب إليه أن يطلقها ويتزوج غيرها عسى أن ينجب منها من يحفظ على الأسرة مالها وكيانها.
وأبى عبد الله، وتحرجت الأمور بينه وبين أبيه الذي أقسم أن لا يكلمه حتى يطلقها، وتمسك عبد الله بزوجه الحبيبة، ولكن أباه جمع عليه أعمامه وأبناء أعمامه، وما زالوا به حتى ضعف أمامهم فانفصل عنها. وما إن نفذ السهم حتى أسف عليها، وندم على فراقها، واشتد حزنه وجزعه من أجلها.
ثم تزوجت هند من شخص اسمه نميـر، فضاقت السبل في وجه عبد الله، وانهارت أعصابه، واصطلحت على جسده العلل والأدواء. وعرض عليه أهله فتيات الحي لعل إحداهن تعجبه فتنسيه صاحبته الأولى، ولكنه رفض الزواج. وقضى عبد الله بعد ذلك حياته يبكي حبه القديم، وفردوسه المفقود، وسعادته الضائعة، حتى مات حزنا عليها، وأسفا على أمل كان بين يديه ثم فرط فيه فضاع منه إلى الأبد.
قيس ولبنى
من هذه القصص الشهيرة حكاية قيس آخر، هو قيس بن ذريح الذي عشق لبنى في زمن معاوية، في نفس الوقت الذي شهدت نجد فيه مأساة مجنون ليلى شهد الحجاز مأساة أخرى من مآسي الحب العذري بطلاها قيس بن ذريح وصاحبته لبنى.
كان قيس ابن أحد أثرياء البادية، وذات يوم حار كان قيس في إحدى زياراته لأخواله الخزاعيين وهو يسير في الصحراء شعر بالعطش الشديد، فاقترب من إحدى الخيام طالبا ماء للشرب، فخرجت له فتاة طويلة القامة رائعة الجمال ذات حديث حلو هي لبنى بنت الحباب، استسقاها فسقته، فلما استدار ليمضي إلى حال سبيله دعته لأن يرتاح في خيمتهم قليلاً ويستبرد، فقبل دعوتها وهو يتأملها بإعجاب شديد. وتقول الحكاية أن أباها الحباب جاء فوجد قيسا يستريح عندهم فرحب به وأمر بنحر الذبائح من أجله واستبقاه يوما كاملاً.
ثم تردد عليها وشكا لها حبه فأحبته. وعندما عاد قيس، مضى إلى أبيه يسأله أن يخطبها له فأبى. فالأب ذا الثراء العريض كان يريد أن يزوجه واحدة من بنات أعمامه ليحفظ ثروة العائلة، فقد كان قيس وحيده، فأحب أن لا يخرج ماله إلى غريبة، وقال له: بنات عمك أحق بك. فمضى إلى أمه يسألها أن تذلل له العقبة عند أبيه، فوجد عندها ما وجد عنده. لم يجد قيس أذنا صاغية، ومع ذلك لم ييأس ولجأ إلى أحد أقاربه، ووسطه في الأمر. وشاء الله أن تكلل وساطته بالنجاح.
وتحقق لقيس أمله وتزوج من لبناه، لكن القدر أبى عليهما سعادتهما ولم يشأ للعاشقين أن يتحولا إلى زوجين عاديين ممن يقتلهما السأم. وظل الزوجان معا، لعدة سنوات دون أن ينجبا، ودون تردد أشاعت الأسرة أن لبنى عاقر، وخشي أبواه أن يصير مالهما إلى غير ابنهما ، فأرادا له أن يتزوج غيرها لعلها تنجب له من يحفظ عليهما مالهما. ولما كان أبو قيس تواقا لذرية تتوارث ثروته الطائلة، فقد ألح على ابنه أن يتزوج من أخرى لتنجب له البنين والبنات.
لكن قيسا أبى، كما رفض أيضا أن يطلق زوجه الحبيبة، وتحرجت الأمور بينه وبين أبويه، فهما مصممان على طلاقها، وهو مصمم على إمساكها. وظل الأب يلح ويسوق عليه كبار القوم، دون جدوى وإمعانا في الضغط عليه أقسم الأب ألا يظله سقف بيت طالما ظل ابنه مبقيا على زواجه من لبنى، فكان يخرج فيقف في حر الشمس، ويأتي قيس فيقف إلى جانبه ويظله بردائه ويصلي هو بالحر حتى يفيء الظل فينصرف عنه، ويدخل إلى لبنى ويبكى وتبكى معه، ويتعاهدان على الوفاء.
وتأزمت المشكلة، وساءت العلاقات بين طرفيها، واجتمع على قيس قومه يلومونه ويحذرونه غضب الله في الوالدين، وما زالوا به حتى طلق زوجه. كان قيس شديد البر بوالده فلم يشأ أن يتركه يتعذب في الهجير، واضطر اضطرارا لأن يطلق لبنى.
رحلت لبنى إلى قومها بمكة، وجزع قيس جزعاً شديداً، وبلغ به الندم أقصى مداه، ومع ذلك فقد كانت تتاح للعاشقين من حين إلى حين فرصة لقاء يائس حزين. وتزوج قيس كارها زواجاً لا سعادة فيه، وبلغ الخبر لبنى فتزوجت هي أيضاً زواجا لا سعادة فيه. واختلف الرواة حولها، فمن قائل إن زوجها طلقها فأعادها قيس إلى عصمته ولم تزل معه حتى ماتا، ومن قائل إنهما ماتا على افتراقهما.
جميل بثينة
حدثت قصة جميل بثينة في العصر الأموي، أحب جميل بن معمر العذري بثينة بنت الحباب وبدأت القصة، رأى بثينة وهو يرعى إبل أهله، وجاءت بثينة بإبل لها لترد بها الماء، فنفرت إبل جميل، فسبها، ولم تسكت بثينة وإنما ردت عليه، وبدلا من أن يغضب أعجب بها، واستملح سبابها فأحبها وأحبته، وبدأت السطور الأولى في قصة هذا الحب، فراحا يتواعدان سرا.
لقد اشتد هيام جميل ببثينة، واشتد هيامها به، وبدلاً من أن يقبل قومها يد جميل التي امتدت تطلب القرب منهم في ابنتهم رفضوها، ولكي يزيدوا النار اشتعالاً سارعوا بتزويج ابنتهم من فتى منهم، هو نبيه بن الأسود العذري.
ولم يغير هذا الزواج من الحب الجارف الذي كان يملأ على العاشقين قلبيهما، فقد كان جميل يجد السبل إلى لقائها سراً في غفلة من الزوج. وكان الزوج يعلم باستمرار علاقة بثينة بجميل ولقاءاتهما السرية، فيلجأ إلى أهلها ويشكوها لهم، ويشكو أهلها إلى أهل جميل، فنذروا قتله، ففر جميل إلى اليمن حيث أخواله، وظل مقيما بها زمنا، ثم عاد إلى وطنه ليجد قوم بثينة قد رحلوا إلى الشام، فرحل وراءهم.
وأخذ النور يخبو، ثم ينطفئ السراج، وتودع بثينة الحياة بعيدة عن جميل الذي وهبته حبها وإخلاصها، وودع العاشق حياته على أمل في أن يجمع الله بينه وبين صاحبته بعد الموت.
كثير عزة
تأتي قصة كثير عزة لتنضم لغيرها من قصص العشاق من الشعراء الذين آلمهم عشقهم فجعلهم يبدعون أروع القصائد في وصف الحبيب والشوق إليه، وكان كثير هو أحد أبطال العشق الذين نسبت أسمائهم إلى أسماء معشوقاتهم، وكثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن مليح من خزاعة، هو شاعر متيم من شعراء العصر الأموي، من أهل المدينة، توفى والده وهو لا يزال صغيراً فكفله عمه، وأوكل له مهمة رعاية قطيع من الإبل.
أما الحبيبة فهي عزة بنت حُميل بن حفص من بني حاجب بن غفار كنانية النسب، كناها كثير في شعره بأم عمرو ويسميها تارة الضميريّة وابنة الضمري نسبة إلى بني ضمرة.
ويقال عن قصة حبه مع عزة أنه في إحدى المرات التي كان يرعى فيها كثير إبله وغنمه وجد بعض النسوة من بني ضمرة، فسألهن عن أقرب ماء يورد إليه غنمه، فقامت إحدى الفتيات بإرشاده إلى مكان الماء وكانت هذه الفتاة التي دلته على مكان الماء هي عزة والتي اشتعل حبها في قلبه منذ هذه اللحظة وانطلق ينشد بها الشعر، وكتب بها أجمل ما قال من غزل.
عرفت عزة بجمالها وفصاحتها فهام بها كثير عشقاً ونظم الأشعار في حبه لها مما أغضب أهلها وسارعوا بتزويجها من أخر ورحلت مع زوجها إلى مصر، فانفطر قلب كثير وانطلقت مشاعره ملتهبة متأججة ولم يجد سوى الشعر ليفرغ به آلامه وأحزانه في فراق الحبيب.
سافر كثير إلى مصر حيث دار عزة بعد زواجها وفيها صديقه عبد العزيز بن مروان الذي وجد عنده المكانة ويسر العيش، وجاءت وفاته في الحجاز هو وعكرمة مولى ابن عباس في نفس اليوم فقيل: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس.
عمرو وعقيلة
قصة أخرى من قصص الحب انتهت بمأساة كانت بين عمرو بن كعب بن النعمان الملك وابنة عمه عقيلة.
نشأ عمرو معها في بيت أبيها بعد وفاة أبيه، وربط الحب بين القلبين الصغيرين، حتى إذا ما كبرا تقدم إلى أبيها يطلب عونه لما كان بين أسرتيهما من صلة. ثم يبلغه أن عمه زوج عقيلة لأحد من بني فزارة، فكانت صدمة له لم تقوى على احتمالها أعصابه فانهار، وانطلق إلى الصحراء ذاهلا عن كل شيء هائما على وجهه في إقليم اليمامة، وقد شد بصره إلى السماء، حتى أدركته منيته في تيه لم يعرف مكانه فيه.
وفى بيت الفزارة، تعيش عقيلة كما يذكر الرواة عذراء، وتنهار أعصاب زوجها، فيخرج هو أيضا إلى الصحراء هائما على وجهه فلا يدري أين مذهبه. وتعود عقيلة إلى بيت أبيها تندب حظها، وتبكي مأساتها، وتدب الأدواء والأسقام في جسدها حتى تذويه وتضنيه، ثم يضمها الموت إليه لتلحق بحبيبها.
وغيرها الكثير من القصص التي ملأت جعبات التاريخ، إلا أن بابها لو فتح فلا مجال لإغلاقه.
644 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع