هكذا تشكلت وزارة ياسين الهاشمي الثانية سنة ١٩٣٥
ظلت العشائر الموالية إلى رشيد عالي الگيلاني وياسين الهاشمي تطالب بسقوط الوزارة الجديدة,وزارة جميل المدفعي الثالثة التي تشكلت في شباط 1935 زاعمة إنها لا تختلف عن سابقتها لا من حيث العناصر ولا من حيث الأهداف, ولعل عدم إشتراك المعارضة في وزارة المدفعي الثالثة جعل عمرها قصيراً جداً,لاسيما بعد أن تطورت المعارضة من العصيان المدني الى العصيان المسلح, بحيث استمرّت في الحكم اثنتي عشراً يوماً فقط, بعدها قدّم المدفعي استقالته إلى الملك غازي في 15 آذار 1935.
وأصبحت الفوضى تضرب اطنابها في طول البلاد وعرضها, فلا أمن ولا طمأنينة ولا هدوء ولاسكينة, الأمر الذي أجبر الملك غازي على استدعاء زعيم المعارضة ياسين الهاشمي ليؤلف الوزارة الجديدة تاركاً له مطلق الحرية في اختيار وزرائه, وكانت أول عقبة قد واجهته عند اختيار وزرائهِ, هي عقبة حكمت سليمان, زميله في الحزب, فقد عرض عليه الهاشمي وزارتي المالية او العدلية, وقد رفضها واصر على أن يكون وزيراً للداخلية, بدلاً عن زميله رشيد عالي الكيلاني, الذي كان راغباً فيها أيضاً, لكن الهاشمي كان ميالاً إلى جانب الكيلاني لأن حكمت سليمان قد ارتبط بميثاق سياسي مع اليساريين (جماعة الاهالي) واشغاله وزارة الداخلية سيمنحهم حرية العمل السياسي وسيصبحون خطراً على الأمن العام, لذلك قرر إسناد وزارة الداخلية إلى رشيد عالي الكيلاني, الأمر الذي اغضب حكمت سليمان, واعلن انشقاقه عن الهاشمي والتحول إلى المعارضة.
على أية حال, صدرت الإرادة الملكية في 17 آذار 1935 وقد ضمّت الوزارة بين أعضائها, فضلاً عن, رئيسها ياسين الهاشمي ووزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني اللذان وصفا حينها بأنهما «رجلا الساعة» كل من, نوري السعيد وجعفر العسكري لوزارتي الخارجية والدفاع ورؤوف البحراني وزيراً للمالية
ومحمد زكي البصري وزيراً للعدلية, ومحمد رضا الشبيبي وزيراً للمعارف, ومحمد امين زكي وزيراً للاقتصاد والمواصلات.
وعلى الرغم من أن وزارة الهاشمي الثانية، قد اشتركت فيها أقوى العناصر، واكثرها خبرة، لكونها ضمّت بين أعضائها أربعة رؤساء وزراء سابقين،هم ياسين الهاشمي ونوري السعيد
وجعفر العسكري ورشيد عالي الكيلاني ، وأربعة ضباط كانوا في الجيش التركي، وزملاء صف في كلية الأركان، إلا انها اعطت صورة واضحة عن دور الأصهار والأقارب في هذه الحكومة، ولعل خير شاهد على ذلك، هو إستيزار نوري السعيد وصهره جعفر العسكري، تلافياً للخطر الناتج من بقائهما في المعارضة. فضلاً عن، أن وجود نوري السعيد في الخارجية، سيسهم باستمرار العلاقات مع بريطانيا.
تشير كثيرٌ من الأدلة، إلى أن جعفر العسكري لم يكن راغباً في الاشتراك في الوزارة، وأنه لم يحبذ ترك منصبه ممثلاً للعراق في لندن، وقد أعرب عن ذلك إلى طبيب العائلة المالكة سندرس باشا(Harry.Sinderson) ، لكن لصهره نوري السعيد تأثير كبير في عودته، حيث كان يؤكد له على وضع مصلحة العراق فوق كل شيء لانه "إذا لا قدر الله، ذهب العراق، فلا اعلم كيف تبقى ممثلية في الخارج», طبقاً لما ذكره ناجي شوكت.
بقي أن نشير هنا إلى, أن عدم رغبة العسكري في الانتماء إلى الوزارة، انعكست بشكلٍ واضح على مجمل تصرفاته وعلاقاته مع أعضائها، حيث كان كثيراً ما ينتقد الوزارة في المجالس الخاصة، الأمر الذي أدى إلى إستثناء بعض الساسة منها، وقد لوحظ على جعفر العسكري شعوره بخطأ الانتماء الى هذه الوزارة، وأصبح يرى ضرورة الاستقالة منها، وإزاء انتقادات جعفر العسكري لهذه الوزارة، قرر الهاشمي إخراجه منها، وارساله سفيراً الى لندن، غير ان صهره نوري السعيد لم يوافق على هذا القرار، ونجح في إحباطه، وقد بدأ العسكري يشكوا من موقف صهره، حتى وصفه بأنه قد»استسلم للجماعة وضعف امامهم ... فورطني معه ... وقتل نفسه وقتلني" طبقاً لما جاء في رسالة أكاديمية رصينة أعدت خصصياً عن جعفر العسكري قدمها باحث أكاديمي دؤوب.
ومما زاد من إستياء جعفر العسكري من الوزارة، هو محاولة ياسين الهاشمي الحد من نفوذه داخل الجيش، إذ استغل سفره إلى الخارج ووضع مشروع يجعل نائب القائد العام تحت إمرة رئيس أركان الجيش، وليس تحت إمرة وزارة الدفاع، وفي حال إقرار هذا المشروع، فإن تعيينات الجيش ستكون بيد رئيس الوزراء وشقيقه رئيس أركان الجيش طه الهاشمي، وقد بذل ياسين الهاشمي جهود واسعة لإقرار المشروع، لكن العسكري وبعد عودته هدد بالاستقالة من منصبه في حال إقراره، لذلك أضطر رئيس الوزراء إلى التراجع عنه.
ولم يكتفِ ياسين الهاشمي باستمالة نوري السعيد وصهره جعفر العسكري في وزارته، بل فكر في إدخال إبراهيم كمال وزيراً للمالية، والأخير كان له صلة قرابة مع أسرة السعيد والعسكري، لأنه عديل تحسين العسكري،لكنه عندما ألف وزارته ، اقتضت الظروف، بأن يسند منصب وزارة المالية إلى وزير شيعي وهو رؤوف البحراني. مع العلم، إن اختيار الأخير من قبل ياسين الهاشمي الذي استغل عامل القرابة والمصاهرة في تشكل وزارته، قد جاء كونه شخصاً سهلاً، ويمكن التأثير عليه بكل سهولة، لا بل اعتاد أن يكون موظفاً صغيراً في وزارة المالية، التي استوزرها الهاشمي نفسه، لهذا كان يشعر بأنه مرؤوس أمام رئيسه، وبالنتيجة فهو واقع تحت تأثير مباشر من رئيس الوزراء ياسين الهاشمي او غير مباشر عن طريق صهر الهاشمي, علي ممتاز الدفتري، الذي كان يشغل منصب مدير الواردات العام في الوزارة, كما شهدت وزارة ياسين الهاشمي أيضاً, مصاهرة عطا أمين من الأميرة سارة, وهي شقيقة الأمير زيد, وهي أول مصاهرة تعد خارج التقاليد الاسرية للعائلة المالكة, حيث يتزوج شخص غريب من إحدى نساء العائلة المالكة. مع العلم, ان هذه المصاهرة قد دعمت عطا أمين كثيراً, حيث ارتقى وظائف مرموقة في وزارة الخارجية.
من الواضح جداً، ان بقاء طه الهاشمي في منصب رئاسة أركان الجيش، إلى جانب أخيه ياسين رئيس الوزراء، يؤكد بما لا يقبل الشك، على وجود تعاون كبير بينهما، لاسيما وأن طه الهاشمي، قد اتهم بمساندة أخيه ياسين، الذي كان على رأس المعارضة آنذاك، عندما عارض ضرب العشائر المتمردة في الحكومة السابقة، رغم إلحاح رئيسها جميل المدفعي عليه، مشيراً الى إن قوات الجيش لا تستطيع مجابهة العشائر، لكن هذه التبريرات أثبتت عدم صحتها، لأنه لم يتردد بضرب العشائر عندما أمره شقيقه ياسين، بعد تشكيله وزارته الثانية، بالرغم من استخدام المعارضة الإسلوب نفسه، وان حركتهم هذه مشابهة لما حصل أيام حكومة المدفعي، الأمر الذي يؤكد على تعاون الأخوين اللامحدود في الجانب العسكري داخل الحكومة.
حاول الهاشمي امتصاص نقمة الشعب عن وزارته فأراد ان يدخل بعض العناصر الساخطة فيها، إلا إن هذه الخطوة، لم تفلح، نتيجة قيام بكر صدقي، بانقلاب عسكري عد الأول من نوعه في العراق، اجبر من خلاله الهاشمي على تقديم استقالته في 29 تشرين الأول 1936، وقد ذهب ضحية هذا الانقلاب، وزير الدفاع جعفر العسكري الذي راهن على شعبيته الواسعة داخل الجيش، وذهب لمواجهة رجال الانقلاب، لإيقاف زحفهم نحو بغداد، لكنه لم يفلح بذلك، وبمجرد أن وصل لقي مصرعه بأوامر من قائد الانقلاب بكر صدقي.
عن رسالة(المصاهرات الإجتماعية وصلات القربى وأثرها السياسي في العراق الملكي )
ذاكرة عراقية ,د . حميد حسون العكيلي
984 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع