المؤتمر القطري الاستثنائي.. والاعلان عن إكتشاف مؤامرة في قاعة الخلد يوم ٢٢ تموز ١٩٧٩
(المرضى أنا أعرفهم من أعينهم لو يصطفون أمامي خمسة آلاف واحد،فأنا أستطيع أن أكشف ما في قلبه من خلال عينه إلا حين يغطي عينيه بنظارة سوداء، عندها أطلب إليه أن يزيح النظارة عن عينيه.)
صدام حسين في 5/1/1982
في تموز 1979 حدث تطور خطير ، حيث أعلن عن تنازل احمد حسن البكر ولاسباب صحية عن جميع مناصبه الرسمية والحزبية ، وإختيار نائبه صدام حسين بديلاً عنه.
وبعد ثلاثة أيام من هذه التطورات ،أعلن عن إكتشاف (مؤامرة) إتهم فيها خمسة أعضاء في مجلس القيادة وبعض كوادر الحزب بالتنسيق مع سوريا ، وجرى إعدام العشرات من دون محاكمة علنية أو حقيقية وإقصاء آخرين من مواقعهم الحزبية والرسمية.
كان صدام يعلم أن البكر لن يغادر الحكم ، إلا بعد قيام دولة الوحدة بين العراق وسوريا ، وأن البكر يحاول قطع الطريق على طموحاته للوصول الى رئاسة العراق ، ولكن البكر إرتكب خطا جسيماً عندما صرح لتلفزيون بغداد في حزيران 1979 قائلا" أنني واثق من قدرات أخي الرئيس الاسد ، وما يتمتع به من حيوية ، وبُعِد نظر في العمل على تدعيم وحدة القطرين العراق وسوريا"
وهنا ادرك صدام فحوى الرسالة ، وتيقن أن نوايا البكر أصبحت واضحة ، وأسرع صدام بإتخاذ خطوات ضد الرئيس، إذ دبرّ حادث قتل محمد نجل البكر على طريق بغداد – تكريت ، وقتلت معه زوجته ، ثم جرى إغتيال المرافق الشخصي للبكر ، بعد إغتيال المرافق الاقدم للبكر . وأعقب هذه الحوادث وفاة زوجته فعاش البكر في بحر من الحزن ، ونجح صدام في تدمير نفسية الرجل.
قبل الاعلان رسمياً عن هذه المؤامرة انعقد المؤتمر القطري الاستثنائي في قاعة الخلد ببغداد يوم 22 تموز/يوليو حضره اعضاء القيادة القطرية..
باستثناء الرفاق محمد عايش ومحمد محجوب وغانم عبد الجليل وعدنان الحمداني الذين كانوا رهن الاعتقال آنذاك، كما حضر المؤتمر أعضاء الفروع والشعب في حزب البعث.
رواية الدكتور سعد العبيدي
عن مجزرة قاعة الخلد يتحدث الدكتور سعد العبيدي في روايته فيقول" تعيش بغداد مفاجأة من نوع خاص، تورّم القلق في نفوس الكبار من البعثيين، حال وصولهم يوم الثاني والعشرين من تموز، قاعة بنيت أصلاً لتقديم العروض المسرحية ، سميت بالخلد من دون معرفة مسبقة/ من ذاك الذي أسماها هكذا ، بانها ستُخَلَدُ مشهداً مثيراً، يأكل فيه الكبار أكباد أبنائهم ، في حفل يصفق في ثنايا طقوسه الوثنية ، ما تبقى من الابناء لمنظر المضغ البطيء لأكباد إخوتهم نيئة.
يشهدون على دوافع الوليمة ، والمضغ ، ودس السم ، مذهولين غير قادرين على التفريق ، بين الوهم وبين الحقيقة، كانهم قد أصيبوا جميعاً بهستيريا من نوع خاص، لم يذكرها علماء الصحة النفسية من قبل.
يكتمل الجمع حول المسرح المعد مكاناً للحفل الرئاسي ،أو بالمعنى الأدق لمسرحية رئاسية.
الادوار حددها الرئيس الجديد ، والمشاهد حددها هو أيضاً كرئيس ، والناجون قالوا فيما بعد أن قوائم الضحايا قد حددها كذلك الرئيس قبل ساعات من قرار إتخذه لتسوق فصولها على عجل، وقالوا أيضاً أنه كان ومنذ اللحظة الاولى لاستلامه دفة الرئاسة مستعجلاً، وكأنه أصيب بضغط الزمن أو بحوازه كما يقال، يريد اليوم ممتداً، لا ينتهي بالساعة الرابعة والعشرين، يتمناه ثمان واربعون ، ولو كان قد إمتلك بعض أسرار الكون وقوانينه المادية لجعله أكثر من ثمان وأربعين.
حضر هذا الفصل على هذا المسرح، بكامل لباسه المدني المستورد خصيصاً من ( هاروتز) الماركة الابريطانية المشهورة ، تتقدمه شلّة جنود محاربين بلباسهم الزيتوني . تحيط به شلة أخرى ، ومن خلفه مباشرة المقدم رباح المرافق الاقدم، تحدق عيناه بمن في القاعة واقفاً يصفق لمقدم رئيسه، بعيني طائر الباز، قبل إنقضاضه على فأر خرج من جحره ليلتقط الرزق.
كل شيء محسوب بإتجاه إكتمال فعل الهستيريا ، للموجودين في محيط المسرح مشاركين ومشاهدين. وكل حركة مطلوب منها إسباغ الرهبة، على أجواء الحفل المسمى كناية ، إجتماعاً لكادر الحزب المتقدم، بقصد الزيادة التراتبية ، لواقع التأثير في عقول الحضور هستيريا.
يأخذ الرئيس الجديد ،أو صاحب الحفل ومخرجه في السر، المكان أعلى خشبة المسرح . توزع الجنود الحماة في زوايا القاعة، لتأدية الدور المخصص لهم، تأمين فعل الارهاب الهستيري في نفوس الموجودين. أصوات بساطيل عند إحتكاكها بأرض القاعة ، عوضّت عن الموسيقى الكلاسيكية ، التي إعتاد المخرجون العراقيون تقديمها مصاحبة لاقتراب الممثلين وإعتلائهم خشبته المعروفة. قال عنها الاخ غير الشقيق للرئيس في جلسة تبادل أنخاب النصر، بعد أساتبيع من هذا الحفل ،إنها كانت لازمة لتضخيم فعل الهستيريا.
مشهد الدخول وإرتطام البساطيل بالارض الاسمنتية، وإرتداد الكراسي الخشبية أثناء الوقوف، أثارت قدراً ملموساً من التوتر، وحققت غاية الرهبة المقصودة في نفوس الحضور ، سحبتهم قسراً الى نوع من الصمت الجنائزي ، يشبه في خوائه صمت الحملان، عند تعرضها لهجمات الذئاب. لكنه صمتٌ مؤقت، لم يدم سوى ثوانٍ معدودات، فأهل السياسة لا يصمتون. لم يتعودوا البقاء صامتين. لا يؤمنون أصلاً بالحكاية التي تقول " إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب". يصمتون فقط عندما يتكلم المسؤول، فكلامه سيف أمضى من الذهب. ولانهم لم يتعودوا ،أو في الحقيقة لأنهم يمقتوا الصمت، بادر أحدهم إحتل مكاناً له آخر القاعة بكسره من خلال هتاف وجد الاخرون أنفسهم مدفوعين بوقع الهستيريا الى ترديده عالياً: يحيا الرئيس. فإنتشرت إثره عدوى الهتاف، ومحاولات كسر الصمت. كثيرون هم الراغبون بالهتاف، حتى شعروا بتدافع هتافاتهم في زحمة القاعة ، التي عجّت بنوايا تبديد الخوف، عن طريق الهتاف. ما زال الجمهور الحزبي المرهوب، واقفاً مكانه ينتظر الإذن بالجلوس.
تعمد الرئيس تأخير الجلوس، لإعتبارات رآها واجبة، لتحقيق فعل القهر اللازم للنفوس الشقية، ومن أول لقاء معهم كرئيس.
الرئيس من جانبه ملتزم، بالتوقيتات التي حددها هو ، كمخرج للحفل، وملتزم بتعاقب المشاهد وتوزيع الادوار التي رسمها هو، كاتب السيناريو الخاص بالحفل، لا يريد الأنحيادعن مقاطعه الثابتة، وإن عُرفَ عنه الخروج عن النص، وليس هذه المرة ، وهذا اليوم المميز في تاريخه السياسي، حيث الرغبة القوية بالتزام الثابت من النص. على هذا إعتاد الصمت الى وقعه مطبقاً، بإشارة من يده اليمنى، تعني الاذن بالجلوس ، وقطع الهتاف ، وإن كان بحياته المجيدة. وتعني له أخذ المكان الملائم على كرسي فخم، حول الطاولة الخشبية الانيقة أعلى المسرح. وتعني أيضاً رفع الستارة ، والبدء بواقع المشاهد على التوالي لبدء السينارية المعد بأحكام. وتعني كذلك حفل رئاسي من نوع خاص، يجهل المشاركون فيه والمدعوون اليه ، المرعوبون وغير المرعوبين دوافع إقامته في هذا اليوم بالتحديد.
ينهض الرئيس من جديد ،إيذاناً بالوقوف، ورفع الشعار الخاص بإفتتاح الاجتماع الحزبي ، تقليد أرساه الحزب منذ تأسيسه ، وسار عليه حتى اليوم. ردد هو الشعار ، جزء من الشعار ، وأكمل المجدتمعون الشطر الاخير منه، فَعُدَ الاجتماع قائماً.
جلس هو أولاً، ومن بعده أخذ الجميع أماكنهم على الكراسي الخشبية بإشارة من عنده. نظر اليهم بعينين كانتا تبرقان، بريقاً لا يشاهد إلا من تلك الحيوانات الليلية ، فعلت رغوة الصمت أفواههم المغلقة ثانية، ولأنه واحد منهم مثلهم لا يحب الصمت فبادر بتبديد ثناياه ، بعرض متوالٍ لقدراته الخارقة على قراءة نوايا المقابل من خلال النظر في العيون قائلا" المرضى أنا أعرفهم من أعينهم ، لو يصطفون أمامي خمسة الاف واحد ، فأنا أستطيع أن أكشف ما في قلبه من خلال عينيه، إلا حين يغطي عينيه بنظارة سوداء ، عندها أطلب اليه أن يزيح النظارة عن عينيه".
يتصاعد صوت التصفيق مع تصاعد ضربات القلب ، حداً أعطى المشهد رهبة ذات وقع مخيف، كأنه دويٌ مصدره مجهول.
هتف أحدهم من أصحاب الصفوف الاولى هذه المرة ، بحياته رئيساً عظيماً، يعرف كل شيء، يتحسس آلام الفقراء ، ينصر المظلومين . إستجاب له آخر من الصفوف الوسطى بهتاف مقتضب ، حيث قال بصوت متهدل كأنه قد أصيب برجفة" إنتهى الظلم بمقدم الرئيس : يحيا الرئيس".
يتعالى التصفيق ، فأشعره بنشوة أخذته بعيداً ، كمن يحلق فوق السحاب، أسعده ، مِثلَ مطرب بدأ الغناء تواً، ومعه تعالت اصوات الحضور بكلمة ( الله) وتحت تأثير النشوة هذه، وهذا التصفيق الحار ، مسك قلمه ليكتب شيئاً، ثم عاود النظر الى صفوف الرفاق المرصوفة على الكراسي الخشبية ، كأنه يريد تكرار كلمة( الله) ليعيد وصلة غناء أو يكرر بيتاً من الشعر إستهواه الحضور. فكرر مشهد القدرات الخارقة قائلا" كنا كما أعتقد – في إجتماع بالمجلس الوطني، وكان موضوع الحديث العلاقات مع سوريا ، كان الى جانبي الرفيق عزة إبراهيم . قلتُ له "أشوف نقطة سوداء في عقل وفي قلب محمد عايش . وهذه النقطة قطعاً لا يمكن أن أخطأ في أنها موجودة. لكن فقط أريد منك معاونتي بملاحظاتك ، في أي إتجاه يريد محمد عايش يفعل بها؟ وراح الرفيق عزة والتقى به وقال له : لماذا أنت غير مرتاح؟ هل يوجد شيء لا يريحك؟ حكى له عايش حكايات عن احد الرفاق ، وإدعى أنه غير مرتاح من كلام أحد الرفاق في الجلسة.كنتُ أفتش عن أي رفيق يهز قناعتي فيما أشوفه . جاءني الرفيق عزة إبراهيم ، قال لي : لا أعتقد بوجود شيء إلا بهذه الحدود".
يتفاجأ الرفاق بكلام رئيسهم فعيبرون عن دهشتهم بإندفاع شديد نحو التصفيق، وكأنهم يطلبون المزيد من الايضاح. وهو من جانبه كان مستعداً لاعطاء المزيد ، بعد توهم العقل هلوسة بسماع كلمة ( الله) قائلاً" لقد تعرض الحزب والعراق الى مؤامرة خطيرة ، تم إكتشافها بهمة الاخيار، هكذا قدرنا سنمضي بخطواتنا النضالية الى الامام، وطريق النضال كما تعرفون محفوف بالمخاطر"
كلمات أتم بها المشهد الاول ،أعقبها بأخرى على شكل دفعات ، مع كل مشاعر إنتشاء وتصفيق ووهم بسماع كلمة ( الله) ليمهد من عنده الى مشهد جديد. ( سعد العبيدي ، حفل رئاسي ، وقائع غير مروية من أحداث مجزرة قاعة الخلد عام 1979،منشورات ضفاف، بغداد الطبعة الاولى 2015، ص 26 – 42).
وفي بداية الجلسة إعتلى صدام حسين خشبة المسرح وردد شعار الحزب أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وردد الحاضرون الشعار معه. وقال نحن نجتمع وإياكم في مناسبة أعياد تموز لكي يقتصر حديثنا على الجوانب المشرقة من ثورتكم وحزبكم، وعلى الاخص القيم النبيلة التي ثبتها في مسيرة حزبكم الأب القائد أحمد حسن البكر.
ولكن من المؤسف حقاً أن يكون اللقاء معكم في مثل هذه المناسبة يتعداه إلى الجوانب السلبية والنقاط المظلمة في عقول الخونة والمتآمرين ممن سموا بعثيين وصلوا إلى مواقع مهمة بحزب البعث العربي الاشتراكي.
وأضاف أنا أعرف أنه سوف تكون صدمة نفسية عليكم. كانت القيادة ومن فترة من الزمن وعلى وجه الخصوص منذ خمسة أشهر تتابع التخريب الذي يقوم بعض الخونة في داخل القيادة مع آخرين لا زالوا موجودين بين صفوفكم لاحقاً. ورغم التنبيه والاشارات في اجتماعات القيادة في مناسبات شتى لكي يرعوي الذي يريد أن يستفيد ويسحب رجله من خط التآمر والتخريب. ومع ذلك بذلت القيادة جهد خاص لكي تجعل المتآمرين يأخذون مداهم بشكل يجعل القيادة كلها ترى بعيونها وتلمس بنفسها هذا التآمر وهذه الخسة.
ولكن جاءت الظروف التي شدد فيها الرفيق المناضل أحمد حسن البكر على ضرورة خروجه للاسباب التي وضحها في خطابه لكي تجعلنا معرضين للبداية بأحد المتآمرين من أعضاء القيادة هو محيي عبد الحسين الشمري الجالس الآن معكم لانه هو سكرتير الرفيق أحمد حسن البكر، وهو أحد الاشخاص المتهمين بهذه القضية، وسوف يتحدث لكم تفصيلياً كيف بدأت عملية الغدر والخيانة لتكوين تنظيم داخل الحزب وخارج القيادة من اعضاء القيادة وآخرين ما كانوا اعضاء قيادة، وكيف بوشر الاتصال بالكادر الحزبي والمبالغ التي استلمت من النظام السوري الخائن العميل نؤكدها مرة أخرى كما كنا نؤكدها في السابق، والرسائل المتبادلة والخطط المشتركة بما في ذلك التدخل عسكرياً من جانب سوريا عن طريق الاسقاط المضلي بملابس عراقية.
إنكم سوف تسمعون كل هذا وأرجو أن تتماسكون أعصابكم وتضبطون أنفسكم لأن الثوار مطلوب منهم أن يتماسكوا في حالات مأساوية من هذا النوع لأنهم ثوار مناضلون.
وهنا أشار صدام حسين إلى محيي عبد الحسين قائلاً: يتفضل محيي يتحدث عن الأمور التي أوجزتكم بها.
وإعتلى محيي خشبة المسرح وقال : أيها الرفاق ما سوف أذكره هو الحقيقة وذلك بمحض رغبتي ودون أي ضغوط أو تأثيرات قطعاً إستجابة لدواعي الضمير وخدمة الحزب في هذه المرحلة الدقيقة التي شاءت الظروف وبدفع من عناصر في القيادة التي كنت أحد أعضائها الذين لهم دور رئيس في عملية التآمر على الحزب.
وأضاف محيي عبد الحسين وعلائم الارتباك بادية عليه ويتلعثم بالكلمات وينظر إلى سقف القاعة متجنباً النظر إلى من كانوا في القاعة قائلا:
في عام 1975 فاتحني المجرم محمد عايش عندما كنا بمكتب العمال المركزي سوية لكي أنضم إلى تنظيم سري هدفه الأساس تكوين رأي حزبي عام يتعاطف مع هذا التنظيم السري وقيادته من خلال التى مر عليه نفسياً ومادياً في المرحلة الأولى بغية جلبه إلى هذا الخط عبر الاتصالات الفردية التي نقيمها وإياه.
واضاف محيي : وطبيعي اللقاءات والاتصالات الفردية أخذت أشكالاً مختلفة منها دعوات شرب بشكل شخصي للتأثير على قناعة الكادر وإثارة أحاسيس معينة لديه كالتلميح بأنه مغبون ولابد من أن يتقدم وممكن أن يتقدم وأن يصل إلى القيادة أو أن يكون وزيراً.. الخ.
وطبيعي كان هدف المخطط بالنهاية تغيير النظام بالقوة أي إحداث إنقلاب عسكري.
في البداية كما أخبرني المجرم محمد عايش أنه كان مرتبط مباشرةً... ثم صمت محيي والتفت إلى صدام حسين الذي قال له أذكر كما تحدثنا في القيادة. فقال محيي نعم كان المجرم محمد عايش مرتبط بغانم عبد الجليل الذي صعد عام 1975 إلى القيادة، قيادة التشكيل السري.
وهنا طلب صدام من مرافقه صباح مرزا سحب الورقة التي أمام محيي وناولها لصدام الذي قال لمحيي أنت عندما تحدثت في القيادة ما كان أمامك ورقة، ذاكرتك قوية كما أعلم.
فرد عليه محيي : نعم واستمر في الحديث: في عام 1975 صعد إلى قيادة هذا التشكيل السري.. ثم سحب نفساً عميقاً وبعد ثوانٍ وهو صامت مشتت الذهن قال ويبدو حسب ما أخبرني المجرم محمد عايش أن اللجنة القيادية السرية كانت على علاقة ثابتة ودائمة مع النظام السوري وتطلب منه معاونتها. وإستمر هذا الاتصال مع النظام السوري واتذكر حتى عام تقريباً.. منتصف أو أوائل عام 1976 أخبرني عن صيغة جديدة هي أنه يتصل بأحد اعضاء السفارة السورية ببغداد ويسمى العقيد حسين وهذا العقيد كان هو حلقة الوصل مع قيادة التشكيل السرية والنظام السوري وكان يتصل به في بغداد وذات يوم طلب مني أن أحضر إلى مطعم صدر القناة وحضرت الساعة الثامنة والنصف او الناسعة مساءاً ولم أجد أحد وخرجت إلى ساحة وقوف السيارات وشاهدت شخصاً على بعد 30 أو 40 متراً محمد عايش ومعه العقيد حسين وكان طويل القامة ذو شوارب سوداء جداً وعمره بحدود أربعة وخمسين سنة، يتمشون وناداني وعرفني على هذا الشخص وإتجهنا على السدة نحو الفحامة وخلال المشي كان العقيد حسين يسأل والمجرم محمد عايش يجاوب عليه بشكل مباشر. يسأل عن وضع التنظيم وعند عودتنا شاهدت العقيد يحمل رزمة ناولها للمجرم محمد عايش قال له هذا مبلغ 30 الف دينار وبعدها عاد هو وعدنا نحن إلى المطعم. وبعد يوم أو يومين عقد إجتماع للجنة القيادية العليا التي تضم بالاضافة إلى المجرم محمد عايش كل من غانم عبد الجليل والمجرم محمد محجوب والمجرم عدنان الحمداني ولم أكن أنا عضواً فيها آنذاك.
واضاف محيي عبد الحسين: وقد أخبرني المجرم محمد عايش أنه وزع المبلغ على أعضاء اللجنة وسلمني مبلغ الف دينار أسلم بعضاً منه للكوادر المتقدمة فاعطيت 300 دينار إلى بدن فاضل. وهنا قال صدام حسين والسيكار الكوبي بيده من يرد إسمه يقف ويردد الشعار ويخرج ولا يكون بعثياً نضعه في السجن كل من يرد إسمه.
ويسترسل محيي عبد الحسين قائلاً:وكذلك اعطيت طالب صويلح – أردني الجنسية – مبلغ 200 دينار. وهنا قام طالب صويلح وخرج من القاعة. وقال محيي وبعد كم يوم كان مؤيد عبد الله رئيس الاتحاد للنقابات الحالي أيضاً أعطيته مبلغ 300 دينار، وهنا حاول مؤيد توضيح الأمر وصرخ به صدام إطلع.. إطلع وسحبه أحد افراد الحماية بقسوة ولم ينطق مؤيد بأي كلمة.
واضاف محيي : إستمرت الحال على اساس صويلح وبدن فاضل يفاتحون وعدد آخر من الحزبيين أما باعطائهم مبالغ أو استمالتهم من خلال دعوات ولقاءات أو شرب. وفي عام 1977 حينما اصبحت عضواً في القيادة القطرية أبلغني المجرم محمد عايش أنه تقرر أن تكون عضواً في قيادة هذا التنظيم السري. وحضرت الاجتماع الاول لهذا التشكيل السري في دار المجرم محمد عايش ووجدت المجرم غانم عبد الجليل ومحمد محجوب وعدنان الحمداني وطبيعي محمد عايش وفي هذا الاجتماع يناقشون ما هية المسائل أو الموضوعات التي تسجل وبالتالي الاتفاق عليها ثم ترفع إلى النظام السوري وحافظ أسد مباشرة، كنت ألاحظ المجرم غانم عبد الجليل هو المحرك أو اللولب في هذا الاجتماع وهو الذي يكتب المحضر إضافة إلى قضايا وأسرار داخلية تهم الحزب والتي كنا نوصلها إلى الرفيق أبو عدي بشكل مباشر لغرض تباعد واضح بينه وبين الرفيق أبو هيثم. وفي احدى الاجتماعات جلب المجرم محمد عايش معه 50 الف دينار وتم توزيعها خلال الاجتماع كانت الحصة الاكبر لغانم عبد الجليل ومحمد عايش ومحمد محجوب ثم عدنان الحمداني ثم سلموني مبلغ خمسة آلاف دينار وانا بدوري وزعته على بدن فاضل بحدود الألف وطالب صويلح ايضاً ومؤيد عبد الله. وطلبت أن يعمل علاقة مع سلمان داوود البياتي الذي هو سكرتير الاتحاد العام للنقابات حالياً وبدورهم يساعدون بعض الكادر.
وهنا سأل صدام : هل سلمان كان مفاتحاً بتنظيمك؟
فاجاب محيي لا في هذا الوقت لم يكن مفاتح. لكن في المرة القادمة أخبرني مؤيد عبد الله قائلاً فاتحناه وكان جيداً. وهنا صرخ سلمان داوود : استاذ هذا الكلام والله غير صحيح، فرد عليه صدام بسرعة وقوة وحزم اطلع بالتحقيق اتكلم وراح اتشوف القيادة مالتك هناك كلها تواجهها وتتحدث لها. وخرج ورؤوس الحاضرين تستدير نحوه تنظر اليه بدهشة وذهول.
وإستمر محيي عبد الحسين قائلا: كذلك محمد عايش يلتقي بطاهر أحمد أمين وبكثرة. وهنا صاح صدام إطلع. وخرج طاهر أحمد أمين ومن ضمن الذين لهم علاقة بمحمد عايش عضو فرع الشمال امجد هاشم الجباري. وهنا نهض أمجد ولم ينطق بكلمة وكذلك شقيق مرتضى الحديثي إسمه كردي سعيد عبد الباقي على أساس محمد عايش يلتقي به، وهنا صاح صدام : قف واطلع وهنا ردد كردي ليش هذا حرام.. حرام. ورد صدام والله انعل ابو اللي جابكم. وخرج كردي عبد الباقي وهو يتعثر بأقدام الجالسين وصدام يسحب نفساً عميقاً من سيجاره الكوبي الغليظ وينظر إلى ردة فعل الرفاق.
وأضاف محيي عبد الحسين قائلا: محمد محجوب ذكر شخصاً دون أن يذكر إسمه يقول ضابط كبير في الجيش دوري الاصل.
وهنا قال صدام أنت جعلت كل دوري يرتجف بجلده. ثم يضحك صدام ضحكة قوية من كل قلبه.
ورد محيي قائلاً محمد محجوب قال ان هذا الشخص جدا متحمس معنا، واخذ صدام ينظر إلى عزة الدوري ويضحك.
وأضاف محيي أن عدنان الحمداني يثق ثقة كبيرة بماجد السامرائي، وهنا رد صدام قائلا: رفيق ماجد انت ردد الشعار وتنتظر بالنظارة إلى أن ننتظر الاستفسار من الآخرين.
ويقول محيي في الاجتماعات اللاحقة كلفت بالاتصال بماجد السامرائي بشكل مباشر.
وسأله صدام: هل إتصل به ؟
اجاب محيي نعم اتصلت به واعطيته(1000) دينار والمكان يتذكره في مطعم الشموع لغرض التأثير على عدد من قيادات مكتب الطلاب المركزي.
واضاف محيي كان المطلوب التأثير على محمد دبدب أو فهد الشكرة فهو وعد ان يلتقي بهم واستمرينا. وهنا قال صدام محمد دبدب لا يتمكن منه أحد. ونهض محمد دبدب مرتبكاً جداً وقال له صدام أخذ راحتك رفيق. وكان الذهول قد أصاب محمد دبدب وأخذ يتلفت يميناً وشمالا.
وقال صدام مخاطباً محيي انت تلفته لمحمد. ورد محمد : سيادة الرئيس الحمد لله بعدني ما تلفت ولا مستلم، الحمد لله.
وقال محيي أما عدنان الحمداني فقد قال أن له علاقةً جيدة مع عناصر في وزارة التخطيط ومن ضمنهم واحد اسمه دكتور خليل قصاب وآخر اسمه حميد، ويردد أحد الجالسين حميد يونس.
محيي: نعم حميد يونس وآخر اسمه النوري لا اتذكر اسمه بالضبط. واصبحت لنا علاقة مع محمد جاسم رئيس الاتحاد حالياً.
صدام، محمد جاسم ردد الشعار واطلع وكان رد الحضور انه غير موجود. وهنا ضرب صدام الطاولة بقبضة يده وقال شوفوا وين ايكون موجود.
والتفت إلى محيي قائلا : حدثهم عن استلام صدام المركز القيادي الاول.
محيي: نعم انه كان لمحمد عايش علاقة قديمة جداً بالاسد منذ أن كان لاجئاً سياسياً في سوريا أواخر عام 1965 فيعرفه معرفة شخصية.
وقد نوقش موضوع عبد الخالق السامرائي في حالة الاعداد للانقلاب العسكري يكون المجرم عبد الخالق السامرائي أمين سر القطر ورئيس الدولة ونائب الامين العام. وكان ضمن الأمور التي بحثناها أنه في حالة نجاح الانقلاب العسكري تعلن الوحدة مع سوريا ويكون الرئيس الاسد رئيس الدولة الاتحادية التي سوف يكون مقرها بغداد ويكون عبد الخالق السامرائي الامين العام المساعد.
وبعد أن سحب محيي حسرة لعدة ثواني وهو ينظر إلى الحاضرين قطع صمته صدام قائلاً : نائب الامين العام لو أمين عام مساعد؟
محيي : الشخص الثاني، يعني نائب الامين العام
صدام: الشخص الثاني في الدولة الاتحادية ورئيس القطر؟
محيي: نعم رئيس القطر. وان الجميع كانوا متحمسين للشغلة، المجرم محمد عايش وعدنان الحمداني ومحمد محجوب. وقد طرح ان يكون المجرم غانم عبد الجليل نائب أمين سر القطر. ولم يعترض أحد.
وهنا صرخ احد الحضور قائلا : وأبو عدي وين يكون؟
ورد صدام وهو يبتسم ابتسامة خفيفة وينفض سيكاره قائلاً : أبو عدي باقي بين صفوفكم.
وضجت القاعة بالتصفيق. ونهض احد الحضور وهو عزيز الدوري هاتفاً بحياة حزب البعث العربي الاشتراكي.وهنا تظهر الكاميرا صدام وهو يمسح وجهه بمنديل وتظهر الكاميرا طه ياسين رمضان وهو يخرج منديلاً من جيب سترته يمسح بها عينيه وطارق عزيز ينظر اليه وعلى وجهه نصف ابتسامة.
وقال صدام: انتم وضعتونا في جو عاطفي، ثورتكم أكبر من أن تقهر. تصفيق من الحضور.
صدام: أحلام المتمرين كثيرة ولكن ثقوا واحد منكم يقاتل بالتفكة( البندقية) مو بالرشاشة سنة دون أن يستسلم.
واضاف صدام : هذه أحلام ولكن نحن نعرف من هو حزب البعث العربي الاشتراكي.
وهنا أشار صدام إلى محيي قائلاً تعال هنا محيي إجلس مكاني يمكن أريح لك. وجلس محيي على المنصة التي كان صدام يجلس عليها ونزل صدام إلى القاعة
وجلس في الصف الاول بين رفاقه إلى شماله عزة الدوري والى يمينه نعيم حداد.
وإستطرد محيي عبد الحسين قائلاً :
بما أن الامكانية كانت غير متوفرة أن يكون هناك تغيير. صار الرأي بشكل عام تأجيل التغيير إلى عام وطرح شعار إستمرار الرفيق ابو هيثم في تحمل مسؤولية الدولة رغم معرفتنا انه منهك. وكان الهدف الرئيس والمركزي استبعاد وصول الرفيق ابو عدي للسلطة في هذه المرحلة إلى حين استكمال الامكانيات وكل اشكال الدعم الاخرى.
لذلك عندما عقد إجتماع القيادة القطرية وأصرّ الرفيق أبو هيثم على التخلي عن المسؤولية الأولى برغبته وكان بالنسبة لنا أمراً مفاجئاً والكل كان يريد إستبعاد الرفيق أبو عدي، وذلك باعتبار أبو عدي إنسان صعب المراس يعني فسرناه في وقتها أن الرفيق أبو عدي لا يتنازل عن المبادىْ.
وهنا رد صدام والسيكار الكوبي بين أصابعه ما يتنازل. محيي: نعم وجود الرفيق أبو عدي على رأس المسؤولية الأولى من شأنه أن يعني فشل كامل الخطط وإذا إستمر الرفيق أبو هيثم بالوضع الذي هو فيه تسهل عملية الاتصال والتواصل. فعندما طرحتُ أن يعيد الرفيق أبو هيثم النظر بموقفه وكذلك طرح محمد عايش قائلاً ليراجع موقفه ويعيد النظر كان الهدف منه حتى يتم تاجيل موضوع الرفيق أبو عدي. وكذلك تكلم محمد محجوب وعدنان حسين المجرم عدنان حسين وكان حديثه طبيعي مغلفاً. وفي هذا الاجتماع كان المجرم محمد عايش جالساً بجانبي وكتبتُ له ورقة في الدفتر وأعتقد أقرب واحد منا شاهد ما حدث هو الرفيق حسن علي العامري.
ورد صدام فوراً أنا أيضاً كنت منتبهاً عليكم عيني عليكم.
واضاف محيي: قلت له في الورقة يبدو أنني أنا المقصود وبشكل خاص والظاهر نحن.
وأكمل صدام يعني نحن اكتشفنا.
محيي: نعم. قلت له إذن أني الآن والورقة بيدي أنا سوف اقدم إستقالة من المجلس وهذه الشغلة منكم تره تورطت. فرد محمد عايش لا تقدم استقالة ولا تتورط ولا تستعجل، على كيفك الآن يعني لا تستعجل. هذا الحوار الذي دار بيني وبين محمد عايش. وعندما عقد الاجتماع الأخير في المجلس الوطني في البداية إنتخب الرفيق أبو عدي بالاجماع أمين سر القطر ورئيس مجلس قيادة الثورة وكذلك الرفيق عزة إبراهيم نائب أمين سر القطر ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة وكل شيء إنتهى.
وهنا وفجأة نظر صدام حسين إلى منصة القاعة وهو يشير بيده اليمنى ثم التفت إلى برزان التكريتي وقال له صورة الرئيس كانت هناك لماذا رفعوها وهو يقصد صورة الرئيس العراقي السابق أحمد حسن البكر. وكان الرد والله سيدي لا أعرف من رفعها. وهنا أشار صباح مرزا لمحيي الشمري بعد أن وقف خلف منصة الحديث وقال له خذ راحتك محيي. وغادر محيي المسرح ولحق به عنصران من المخابرات العراقية بملابس مدنية. ونظر صدام إلى محيي وقال قبل أن تغادر محيي عندي حكاية طبعاً من الذين حاولوا تخريب العلاقة بين كل رفيقين مع بعضهم في القيادة ومن جملة المحاولات تخريب العلاقة بيني وبين الرفيق أبو هيثم لكن طبعاً هم يعلمون أن المهمة فشلت. وانه بدل عشرة من الخونة حزبكم يعطي اكفأ منهم 100 و300 و400 والف واكثر بدلهم. ممكن العراقيات يلدن أناساً اطهار غيرهم. حتى مؤامرة المجرم عبد الخالق السامرائي – ناظم كزار ربما يعني في إعادة تقييم الدروس وهو يقود الحزب وهي بعد لم تنضج في ذلك الوقت.أما بعد 11 سنة من النضال وبعد رفع حزب البعث العربي الاشتراكي رايات في كل العالم تشير مبادئه وخلقه واصالته من اجل النضال في القضايا القومية. بعد 11 سنة يظهر الخونة من هذا الطراز. هذا شيء مؤلم لا يدل إلا على النفسية المخربة الخائنة.
ثم يشعل صدام سيجاره ويرمي علبة الكبريت بقوة على منصة الحديث.ثم قال طبعاً كيف نتصرف مع الخونة بالنوايا ؟ أنتم تعرفون ما هي إجراءاتنا مع هكذا خونة لا شيء غير السيف.
وهنا ضجت القاعة بالتصفيق الحاد من الرفاق وصدام ينظر اليهم ثم سحب نفساً عميقاً من سيجاره وقال الذي أذكر إسمه الآن يردد الشعار ويلتحق بربعه. وهنا ساد الرعب في قلوب الرفاق.. من هو الضحية القادمة، يبدو أن صدام معه أسماء أخرى لم يذكرها محيي عبد الحسين الشمري.
أول الاسماء طاهر أحمد أمين. إسماعيل إبراهيم النجار. بدن فاضل. ماجد عبد الستار السامرائي. سلمان داوود نجرس البياتي. وليد صالح محمد. غازي إبراهيم أيوب. غسان مرهون. أحمد إبراهيم صالح. محمد مناف ياسين.
هنا رفض محمد مناف ياسين وكان في حالة صدمة وقال لصدام سيدي العفو عبالي نسياني. ورد صدام الذي أقرا إسمه يردد شعار الحزب ويغادر القاعة.
ورد محمد مناف آني ما أعرف شيء، وحين وجد أن الأمر محسوم مسبقاً غادر القاعة ولم يردد الشعار وخرج فورا وصدى الكلمات يتردد. واستمر صدام بتلاوة الاسماء. حسن محمود طه – صيدلاني - فلسطيني – حميد عبد اللطيف. خالد عبد عثمان. أمجد هاشم مصطفى الجباري. علي فتحي علوش. بدر محمد عبد الله. كردي سعيد عبد الباقي. إحسان وفيق عبد الله السامرائي. محمد جاسم رجب. نافع علي حسين الكبيسي. وليد سيرت.
وتوقف صدام عن الكلام لبرهة من الزمن في حين القاعة لا تسمع لها نفس كل من كان فيها يحبس انفاسه. ثم صوت صدام يتردد في أرجاء القاعة. عبد الرحمن الهنداوي. ونظر صدام إلى الموجودين في قاعة الخلد ينتظر نهوض عبد الرحمن من كرسيه وتأخر في النهوض ثم نهض. ناظم نافع الكبيسي. زهير يحيى ليس زهير المريض، زهير يحيى الذي بينكم. العقيد إبراهيم عبد علي. خرج بهدوء ولبس غطاء الرأس العسكري.سلطان الشاوي. وهنا قال صدام للموجودين في القاعة من الرفاق ما يكفيكم الذين بقوا بالقاعة من حزب البعث العربي الاشتراكي. عندها ضجت القاعة بالتصفيق الحاد بعد أن إنتهى الكابوس وتنفس الجميع الصعداء، وحينها طوى صدام ورقة المدانين واستمر التصفيق وصدام ينظر اليهم وهم يهتفون بالروح.. بالدم نفديك أبو عدي. وإقطعوا رؤوس الخيانة ونحن معكم.
كان الجو هستيرياً ومشحوناً بالذهول والصدمة. وترقرت دموع صدام ومرافقه صباح مرزا وكذلك دموع الحضور.
ثم قال صدام حسين : حصة حزب البعث كبيرة وإستمرت الهتافات مثل نموت ويحيا الوطن. ويحيا البعث
وواصل صدام حديثه قائلاً محيي عبد الحسين وجماعته فرحت يصيرون نواب لحافظ أسد مع الاسف. ونحن نقول أن رئاسة الدولة الاتحادية يقودها مجلس رئاسة لأن حزب البعث العربي الاشتراكي لا تقوده مسيرة سكرتارية بل تقود مسيرته ثوار ومناضلون وصيغ العمل الجماعي.
واضاف صدام منذ خمسة اشهر على ما أعتقد في إجتماع بالمجلس الوطني كان موضوع الحديث العلاقات مع سوريا وكان إلى جانبي الرفيق عزة ابراهيم. وقلت له أرى نقطة سوداء في عقل وقلب محمد عايش. وهذه النقطة قطعاً لا يمكن أن أخطأ في انها موجودة ولكن فقط أريد منك معاونتي بملاحظاتك في أي إتجاه هذه النقطة السوداء يريد أن يفعل بها. وراح عزة إلى محمد عايش والتقى به وقال له فلان يقول أو ملاحظاته والله لم اعد اتذكر ملاحظة الرفيق عزة وقال له لماذا أنت غير مرتاح، هل في شيء لا يريحك؟ طبعا حكى له حكايات عن احد الرفاق مدعي أنه لم يكن مرتاحاً من كلامه في الجلسة. وجاءني الرفيق عزة وقال لي لا أعتقد أن هناك شيء إلا في هذه الحدود. ومرة ثانية طلبت الرفيق عزة وقلت له النقطة السوداء بدأت تكبر أمامي ولا يمكن أن أخطأ فيها والنقطة السوداء هي ليست عدم إرتياح شخصي ولكن نقطة متآمر. وشرحت له تفصيلياً خطة التآمر وقلت له متآمرون يريدون تسليم العراق وحزب البعث العربي الاشتراكي إلى حافظ أسد، والخطة الرئيسة هي تحطيم حزب البعث العربي الاشتراكي كتقاليد وفكر.. الخ. إقتنع الرفيق عزة وهو طبعاً مقتنع بسوئهم ولكن طبعا من صار اللقاء الثالث والرابع والخامس إقتنع معي أن العملية ليست عملية تكتل.
والمرة الأخرى مع طارق عزيز وتكلمت معه بعد فترة أيضاً حضر وقال لي أظن هذه الهواجس تماماً مثلما تتصور ثم أخذت رفيقاً ثالثاً إلى أن صارت القناعة مطلقة في نفسي وفي عقلي. أن هؤلاء متآمرون وبالضبط مثلما كشف التحقيق طبعاً بدأ الرفاق يشاركونني نفس القناعة وبدأنا طبعاً نتابع نشاطهم. حاولت أن انبههم في القيادة أكثر من مرة من طرف أتحدث به عن اللقاءات بين اعضاء القيادة خارج الاجتماعات وبحث شؤون داخلية تخص القيادة كانوا زاروا مرة أو مرتين مع برزان الرفيق نوري الحديثي مسؤول الفرع العسكري للشمال كنت خايف على نوري خايف أن يتكلموا أمامه ضد اعضاء القيادة وهو يسمع، فأرسلت عليه ربما قبل شهر قلت له يا نوري إذا رأيت إثنين من أعضاء القيادة يتكلمان حول شؤون داخلية بالقيادة إحمل كرسيك وإجلس بعيداً. وهنا نظر صدام إلى طارق عزيز وقال : الرفيق طارق يقرأ لكم مقترح الصيغة التي تخرج عن هذا المؤتمر.
وهنا نهض طارق عزيز وتوجه إلى منصة المسرح وسط هتاف وتصفيق وأخذ يقرأ ما يلي:
عقد الاجتماع الموسع للمؤتمر القطري والكادر المتقدم وقيادات الشُعَب إجتماعاً إستثنائياً في 22 تموز/يوليو 1979 في قاعة الخلد ببغداد وقد ترأس الاجتماع الرفيق صدام حسين أمين سر القطر وحضره الرفاق أعضاء القيادة القطرية وقد إستمع المجتمعون إلى إعترافات المجرم الخائن محيي عبد الحسين التي كشف فيها المؤامرة الجبانة والغادرة ضد الحزب والثورة والتي خطط لها وشارك فيها منذ عدة سنوات عدد من المجرمين الخونة أعضاء القيادة سابقاً وهم المجرمون محمد عايش وغانم عبد الجليل وعدنان حسين وبعض الاعضاء في الحزب.
إن الرفاق المجتمعين وبعد إطلاعهم على هذه الاعترافات الواضحة وعلى الاجراءات الاحترازية التي إتخذتها القيادة لحماية شرف الحزب ومسيرته الظافرة ومكتسبات الجماهير الثورية ومصالح البلاد العليا.
إن المؤتمر القطري الثامن ومعه كل مناضلي الحزب المجتمعين من الكادر الحزبي المتقدم وقيادات الشُعَب يقرون طرد الخونة الغادرين والجبناء محمد عايش.
وهنا قاطع صدام حسين طارق عزيز قائلا: يقررون بالاجماع طرد الخونة الغادرين والجبناء وواصل طارق عزيز تلاوة المقترح وقال محمد عايش وغانم عبد الجليل وعدنان حسين ومحمد محجوب ومحيي عبد الحسين من القيادة القطرية ومن عضوية الحزب ويخولون القيادة القطرية طرد كل عضو يثبت إرتباطه بهذه العصابة الخائنة. كما يقرر المجتمعون تخويل القيادة القطرية كافة الصلاحيات الضرورية لاتخاذ كل الاجراءات اللازمة لحماية الحزب والثورة ومصالح البلاد العليا ولانزال أقصى العقوبات بحق الخونة والمتآمرين.
وهنا قال صدام طيب رفاق أتعبناكم، لكن لا أظن أن التعليمات كانت توفي ولا الكتابة توفي في التعريف على هذه المؤامرة الغادرة بالكيفية التي تعرفتم بها من خلال أحدهم هذا اليوم.
وهنا وقف صلاح السمرمد وهو يحمل بيده اليمنى ورقة وقال رفيقي أبو عدي لقد رفعت رسالة في 5 حزيران موجهة لكم ورجعت لي بعد ثمانية اشهر وفيها رد من الرفيق طاهر توفيق. وطبيعي الرفيق طاهر وللامانة طلب مني صياغتها بشكل آخر وأنا قلت له بشكل شخصي أن الاسماء التي ذكرت اليوم في صيغة أخرى.
وكان رد صدام أعطنا إياها ولا تعيد صياغتها. هاتها. وهنا اقترب عنصر من المخابرات وحمل الورقة إلى صدام الذي حاول أن يبرر موقف طاهر توفيق قائلاً : كان من أكثر الرفاق في القيادة الذي إكتشف هذه الزمرة هو الرفيق طاهر توفيق. وهنا نهض طاهر توفيق من مكانه طالباً السماح له بالكلام لتوضيح الأمر قائلاً إسمح لي رفيق أبو عدي وتوجه إلى المايكرفون الذي في منتصف القاعة وقال طبعاً أنا أوصلت رسالتي الأولى عن طريق مكتب أمانة سر القطر والرسالة الثانية يوم 5 حزيران أكد عليّ واعطيته عهد أسلمها بيدك، لكن لم تتح لي الفرصة لذلك أو صارت التغييرات وقلت له ممكن تعيد النظر.
وهنا قاطع صدام طاهر توفيق قائلاً كانت الرسالة أمامي ممكن الرفيق علي حسن يذكرني مكتوب عليها ويقول فيها ويفضلّ أن تقرأ هذه الرسالة تفصيلياً وخاطب صدام علي حسن المجيد: هل هذه هي يا رفيق علي؟
يرد علي حسن المجيد : لا أتذكرها بالضبط. صدام: من قبل فترة لم اقراها ولكنها كانت امامي. علي حسن المجيد: من صلاح.
طاهر توفيق : صلاح السمرمد.
علي حسن : نعم، صحيح.
واستمر طاهر توفيق في الكلام قائلاً والرسالة رفيق أبو عدي تتعلق بغبن أصاب الرفيق صلاح ليس إلا، ليس فيها معلومات خطيرة ولا شيء آخر تتعلق لماذا تم نقله من إيران إلى بغداد.
صدام على أي حال لا يهم وكانت نظرات صدام لطاهر توفيق غاضبة وقال أنا لا أستطيع أن اعدكم انه لا ياتي يوم تظهر فيه فقاعة أخرى، لكن الشيء الاكيد أنه الشيء الذي استطيع أن أعدكم فيه إستقرار كامل في العقلية والضمير وأن حزبكم سيستمر ويتقدم وينتصر.
وأضاف والى هنا نكتفي أيها الرفاق. في ذهنكم أشياء كثيرة تودون قولها ولكن الرفيق الذي عنده ملاحظات أفضل أن يكتبها في تقرير.أم انكم غير مقتنعين!!
في هذه اللحظة وقف علي حسن المجيد وقال : أنا عندي ملاحظة صغيرة.، هذه الفقاعة التي ذكرتها لا أظن أنها تسبب لنا انكسارات نفسية، ولكن لو نرجع إلى الخلف ولا أريد لوم القيادة ولا أريد ألوم نفسي ولا أي أحد مهما يكون لأن كل ما عملته القيادة صحيح وكل ما ستعمله هو صحيح ومؤمنون فيه إيماناً مطلقاً لكن وجود عبد الخالق السامرائي طالما هو حي يشم الهواء هناك عناصر لازم ترجع مرة أخرى وتعيد الكرة وتعمل على إعادة عبد الخالق السامرائي مرة أخرى فأنا أرجو تنبيه أو إنتباه القيادة، عفواً مو تنبيهاً لهذه المسألة وضرورة أن يحاكم مجدداً عبد الخالق السامرائي وضرورة أن يُعدَم عبد الخالق السامرائي. وهنا تعالى صوت التصفيق والثناء على طلب علي حسن المجيد.
وهنا قال صدام حسين: على أي حال عبد الخالق هو مثل ما قالوا لكم بعد الآن ما نرحمو.. ما اكتمكم سراً إذا ما قلت أنو أنا المسؤول الأول عن بقاء عبد الخالق حي...
يعلق الاستاذ شامل عبد القدر في كتابه ( مجزرة قاعة الخلد ) فيقول" في تلك اللحظات لم يسأل أحد من الحاضرين صدام حسين ، كيف إستطاع المتآمرون الاتصال بعبد الخالق السامرائي ، الذي كان في السجن الانفرادي وتحت الحراسة المشددة ، ولا يعرف يوم الاحد من السبت ، وهذا الذي إختاره المتآمرون قائداً لهم ، فمن كان يضمن موافقة السامرائي على إختيارهم.
ورد علي حسن المجيد الذي عملته صحيح.
ورد صدام وكلها ضمن قيم يعني القيم البعثية هذه ونقول لا يكون نخسر بعثي صغير بسبب. هل البعثي الصغير هذا ما لازم نخسره، بس لا قضية أمن الثورة والحزب هي أكبر من أي شيء رفيق علي.
وهنا وقف ضابط المخابرات منذر عمر التكريتي وقال الرفيق صدام حسين المناضل نطالب باعدام الخونة والمتآمرين على الحزب والثورة وكل من يرد إسمه مع المتآمرين.
ورد عليه صدام فوراً: هذه أكيدة.. اكيدة.. لك مني كضبة شارب نيابة عن القيادة.
وهنا اهتزت القاعة بالتصفيق. ووقف رفيق آخر هو أموري اسماعيل وقال رفيق أبو عدي نريد من المؤتمر توجيه تحية للاب القائد أحمد حسن البكر ونرجو أن يخرج المؤتمر والحضور بتحية للرفيق أمين سر القطر صدام حسين. ونرجو من القيادة أن تطلعنا مستقبلا على الدوافع التي أدت إلى خيانة خمسة اعضاء قيادة قطرية لأن بادرة خطيرة ونعتبرها من أخطر المواقف التي واجهت الحزب.
فرد عليه صدام قائلا: هذه هينة. نحن استدعيناهم واحداً واحداً وكنا نفتش عن هذا رفاق احدهم هذا حاولت أمام القيادة أن اشككه بمعلوماته في الاسئلة أقول بسبب لقاءات أو تكتل يقول رفيق أبو عدي شنو لقاءات، نحن كنا في الاجتماع نوزع الادوار وكل واحد يسأل بمن اتصلت ومن كسبت وآخر شيء حاولت أن اشككه بمعلوماته عن معلوماتهم هؤلاء الذين إعتقلوا عن عدنان حسين ومحمد محجوب بس ما كان الحظ يحالفنا في أن نشك في حقيقة أنهم متآمرين خونة ضد الحزب ولم يذكر أي سبب سياسي ذو قيمة حتى الآن.لاسباب تآمرهم إلا الاستجرار لبعضهم قبل ما يكون عضو قيادة وبعضهم الآخر بعد ما صار عضو قيادة ومن اسلوب خاص.
وهنا نهض رفيق آخر وقال : رفيق أبو عدي، ستالين في الثورة الروسية والأدب الروسي كانت له فعاليات ستالينية لغرض إستثنائي واليوم أرجو من القيادة أنه مهما يكن حجم الفصيل المتآمر، ومهما بلغ عدده يقطع رأسه، لأن صورة ردة تشرين السوداء وصورة الانشقاقات تدور مثل شريط سينمائي ماثل في الأذهان حتى الآن فاضرب رفيقي أبو عدي بيد من حديد إضرب ونحن كلنا البعثيون خلفك مؤمنون بقيادتك، ليس من قبيل المجاملة والزيف وإنما مؤمنون إيماناً حقاً وواقعياً وليس من قبيل الرياء إطلاقاً لأنه أنتم علمتمونا آخر الاقتحامات وعلمتمونا مبادىء الصراحة، فما نجاملكم،إضربوا بيد من حديد.. وشكراً.
ورد صدام : هو تأييد بما في ذلك أيدي هي من الألتزام بتقاليد الحزب الثورية ولذلك رفاق مثل ما قلت في 17 تموز اي دور مبادر يقوم به الشخص الأول في الحزب والدولة لا ينبغي أن يسيء للعمل الجماعي ومبادىء العمل الجماعي لانها هي.
وهنا نهض برزان التكريتي وخرج من القاعة في إشارة على إنتهاء المؤتمر وضرب صدام باصبعه الكبير الايمن الكبير الطاولة وقال ما نحتاج نحن أسلوب ستالين في مواجهة الخونة وإنما الاسلوب البعثي في مواجهة الخونة ونهض وردد الشعار
أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة .
1129 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع