بغداد ايام الزمن الجميل /ح ٢١..الاحتفال بليلة المحيا ليلة الخامس عشر من شعبان
كانت مدينة بغداد في اواسط القرن الماضي مدينة صغيره قياسا بالوقت الحاضر التي هي فيه وكانت تتألف من محلات ومناطق واطراف ودرابين ويجري التعريف بها من خلال اسماء تطلق على الجانب الغربي منها ب (الكرخ ) والجانب الشرقي ب(الرصافه)...
وفي كل جانب العديد من المحلات والمناطق والدرابين وكانت كل محله ومنطقه تكيف نفسها في مجال اللهو والمناسبات والاحداث لصعوبة المواصلات والاتصال الضعيف بين المناطق حيث كان الجميع يتقوقع في محلته ومنطقته.
تعود اهالي بغداد على الاحتفال بالكثير من المناسبات منها دينيه ومنها موسميه ومنها متوارثه ومن هذه المناسبات التي تستدعي الاحتفال هي (الاعياد, الفطر والاضحى / 27 من رجب الاسراء والمعراج / اليوم الاول من محرم راس السنه الهجريه / والعاشر من محرم ذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام / صوم زكريا / صوم البنات / مرد الراس /دورة السنه / المحيا وغيرها ) .
وموضوعنا اليوم هو (المحيه ) كما يسميها اهل بغداد وهي ليلة الخامس عشر من شعبان والتي قيل فيها الكثير من الاقوال ومنها الاحاديث الشريفه وفي فضلها وفضل صوم نهارها وقيام ليلها وفيها يغفر الله سبحانه وتعالى لعباده وسميت باسماء عديده منها ليلة البراء وليلة القضاء وليلة الغفران وليلة الدعاء وليلة الشفاعه .
عن الامام علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( اذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فأن الله ينزل فيها الى السماء الدنيا فيقول الا من مستغفر فأغفر له الا من مسترزق فارزقه الا من مبتلى فأعافيه الا كذا الا كذا حتى يطلع الفجر )..
وعن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يطلع الله الى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر الى جميع خلقه الا مشرك او مشاحن) صدق رسول الله .
يتهىء اهل بغداد في مناطقها الشعبيه انذاك وهي الكرخ / الفضل / باب الشيخ / الاعظميه لاستقبال ليلة المحيا والتي تبدأ قبل اكثر من اسبوعين من الاستحضارات والتي تكون على انواع :
1 . الاستحضارات المنزليه حيث تقوم العائله بتسوق المواد الازمه لهذه الليله واهمها (مخلط المحيا ) الذي يضرب به المثل ويتألف من ( الحلقوم , جوز الهند , الحامض حلو , كعب الغزال , الزبيب , الحمص , المسقول , لقمة القاضي؟ , لقمة الملك ؟, السمسميه , الجلاتين , الجكليت ) وتخلط هذه المواد مع بعضها وتوضع في (زنبيل) لدى العطارين لتباع للعوائل وتزدحم اسواق بغداد بالمواد في هذه الفتره ومنها سوق الشورجه الشهير .
وايضا من الاستحضارات المنزليه (الزرده والحليب ) والزرده هي من الرز والحليب والسكر وصبغه صفراء (صبغ اللوزينه) اما الحليب فهو من الرز والحليب فقط واعتادت العوائل ان تضع الحليب اولا في الصحون ثم فوقه الزرده التي يرش عليها مسحوق الدارسين وقد يضاف اليها الهيل او ماء الورد وبعض العوائل تقوم بعمل الحلاوه الطحينيه او حلاوة التمر وغيرها .
وايضا من الاستحضارات توفير الكعك والبقصم والشربت ( العصير ) والشاي والحلويات مثل الزلابيه والبقلاوه اضافة الى المادة الرئيسيه وهي مخلط المحيه
2 . استحضارات المحتفلين . وهم مجموعه من الشباب ومن كل محله تتالف من عشرة افراد او اكثر ويكون احدهم يرتدي جلباب ويربط على وسطه رباط ويرتدي في رأسه طرطور ( الكلاو) وبيديه ( الجنجانات ) او كما يسميها البعض ( الجنبارات ) ويعلق الاجراس على جسمه ومعه حملة الدنابك والدفوف وهم يهزجون بمقاطع اقرب الى المربعات البغداديه .
3 . استحضارات الجوامع والتكيات والحسينيات وفيها تهيء المساجد لاقامة الصلاة والاذكار والمديح وقراءة الذكر الحكيم وحتى ساعة الفجر وكذلك التكيات حيث يقام ذكر ومديح وكذلك الحال في الحسينيات حيث يتم المديح واستذكار الائمه وفضائلهم .
4 . وهناك بعض آخر يقوم باستحضارات خاصه وهي تهيئة (البوتاس / الزنابير ) وللتعريف بهاتين المادتين :
البوتاس : وهي كرات متفجره تصنع محليا ترمي وتنفجر عند سقوطها على الارض مولدة صوتا قويا حسب حجمها ومصحوبا بدخان . وتصنع هذه يدويا من قبل الشباب وحتى في سن العاشره وهي عباره عن مواد كيماويه (الكبريت /البوتاس) يخلط بينهم بكميات متساويه مع حصو ناعم وورق خفيف وقطعة قماش مربعه وخيوط قطنيه ويتم وضع هذه المواد مع بعضها وربطها بالخيوط بقوه لتصبح بحجم الجوزه او اكبر قليلا والبعض يصنعها بحجوم اكبر وعند رميها وسقوطها على الارض يحتك الحصى ويولد شراره تفجر الخليط .
اما الزنابير فهي عباره عن العاب ناريه وصواريخ ورقيه تعبأ بالبارود الاسود حيث يتم اشعالها ورميها لتطير وتندفع حسب قوة الدفع المتولده من اشتعال البارود .
الاحتفال بليلة المحيه
بعد هذه الاستحضارات المتنوعه يبدأ الاحتفال بعد صلاة العشاء حيث تغلق جميع المقاهي ابوابها والمحلات كافه وكذلك مركز شرطة المنطقه وتجلس النسوه على سطوح المنازل المشرفه على الشارع الرئيسي وتبدا الاحتفالات برمي المتفجرات والزنابير ومعها حركة الفرق مع ضرب الدنابك والدفوف يتقدمهم رئيس الفريق بهيئته التي وصفناها اعلاه وتتحرك هذه المجموعات في الازقه والدرابين في كل المناطق وهي تنشد المربعات مثل ( يانعمكه محلى الكلاده على الصدر يانعمكه ,,, مخلت بگلبي صبر يانعمكه ,, ليوين راح يبقى الهجر يانعمكه ) ونعمكه هو اسم لفتاة اسمها (نعمه) وكانت البيوتات تقدم الحلويات والشربت لهذه الفرق والماء البارد مع جمهره من الاطفال خلفها وكانت اكثر مجموعه مشهوره هي مجموعة ( مهدي ابو الهبزي) في منطقة التكارته وهو المرحوم مهدي جاسم العيشه.
ترافق هذه الاحتفالات عملية رمي البوتاس والزنابير التي تستمر الى الفجر وفي البيوت يتناول الاطفال حصتهم من المقسوم في هذه الليله المباركه وكذلك النسوه وجلسات السمر منها فوق السطوح ومنها على ضفاف دجله وهوائه العذب في هذا الليل الساحر الجميل..
ويؤذن الاذان الاول لصلاة الفجر حيث ينسحب الجميع ويسود الهدوء التام في المنطقه والى يوم جديد آخر بعد ان قضوا ليلة ممتعه بكل تفاصيلها والتي لاتخلوا من الحوادث المؤسفه منها حرائق ومنها اصابات واذكر حادثة لشيخ البوتاس في محلة التكارته وهو المرحوم ( عبد الله بن فخريه ) الذي كان يبيع (الزرنيخ) وهو الاسم الخاص بالبارود الخاص بالبوتاس عندما صنع بوتاسه عملاقه وصل حجمها اكبر من كرة القدم وقد تم لفها على دوشك من القطن وتعاون معه قدوري الاعور ولكنه حملها الى غرفه اخرى وتعثر اثناء السير وسقطت من يده وانفجرت وادت الى هدم جزء من الدار واصابة والدته ووفاتها واصابته هو بجروح ..
وليلة الخامس عشر من شعبان هي واحده من المناسبات التي كان ينتظرها الكثير بتلهف وخاصة الاطفال والتي غابت اليوم ولم يكترث لها احد واصبحت من الذكريات الجميله ..
مع تحيات عبد الكريم الحسيني
للراغبين الطلاع على الحلقةالسابقة..النقر على الرابط أدناه:
http://www.algardenia.com/tarfiya/menouats/4801-20.html
1297 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع