انباريون في شقلاوة
تقرير اميركي: شقلاوة الكردية حين تصبح ملاذا آمنا للانباريين الفارين من جحيم المالكي
ترجمة احمد علاء عن "النيويوركر" الاميركية:في الاربعاء الماضي، اصطف العراقيون للإدلاء بأصواتهم في اولى انتخابات برلمانية منذ انسحاب القوات الأمريكية من العراق في عام 2011. وفي ظل التصويت العام ما تزال الاسر الانبارية النازحة من مدنها تعاني من نقص في الاحتياجات الضرورية في اقليم كردستان العراق، المنطقة الكردية شبه المستقلة عن الحكومة المركزية.
المعاناة، كما هو معروف، زادت بعد الاشتباكات العسكرية بين القوات الامنية من جهة، والمجاميع المتمردة المدعومة بأبناء العشائر المناهضة لحكومة المالكي من جهة اخرى، بعد ان أزال الاخير خيم اعتصامهم في كانون الاول الماضي.
العوائل النازحة لجأت الى كردستان هرباً من شدة القصف، بأعتبار ان المنطقة الشمالية تتمتع بحكم ذاتي في البلاد وامن كبير قياسا بمناطق البلاد الاخرى. فمحافظتهم تشهد اسوأ انواع العنف والتمرد المسلح . وفي الوقت ذاته، تواصل كردستان بناء فنادقها، ومغازلة شركات النفط العالمية لاستكشاف احتياطياتها غير المستغلة فيما يستاءل العراقيون بصوت عال، ما إذا كان البرلمان المنتخب حديثا يمكن أن يقلل من حجم العنف الطائفي وانهاء الصراع بين السياسيين في بغداد والأكراد الذين شنوا مؤخراً حملة يدعون بها الى الاستقلال عن العراق.
في شقلاوة، البلدة السياحية القريبة من عاصمة الاقليم اربيل، تحيط بها الجبال المعروفة في تكوينها على شكل مخروط "الآيس كريم"، تدفق النازحون من محافظة الرمادي التي تبعد 110 كم عن العاصمة العراقية. في هاذ الشأن يقول ابو محمد المقيم في البلدة السياحية وهو عربي سني نازح من مدينة الفلوجة :" السنة والاكراد على حد سواء يشعرون بالاضطهاد من الحكومة العراقية ذات الحكم الشيعي بزعامة رئيسها المالكي". وهذا ما لفت اليه الكاتب الامريكي دكستر فيلكنز في تقريره الموسع في العدد الاخير من المجلة.
البلدة السياحية تشهد انقساماً حقيقياً بين الأكراد والعرب بعد عدة أشهر من وصول الاسر، الى جانب ذلك، يواصل السكان المحليون افتتاح فنادقهم وشركات النقل السياحية مع بدأ الموسم السياحي بسبب وجود العرب هناك وحجزهم كل الغرف الفندقية طيلة الاشهر الثلاثة الماضية. الكرد يشكون اليوم من طول بقاء النازحين في فنادقهم التي من المؤمل ان تستضيف السياح في هذا الوقت من الصيف، تذمر سكان الاقليم منهم تنامى مؤخراً كونهم بكل بساطة يتطلعون الى انعاش السياحة في مناطقهم التي من المتوقع ان تشهد وصول زائرين من اوروبا.
المواطن ابو محمد، في أوائل الثلاثينات من العمر يرتدي ملابس تقليدية كردية سميكة متألفة من سترة وسراويل فضفاضة وعلى وسطه حزام من القماش العريض يقول:" لا يمكن حقاً انشاء علاقات مع الكرد هنا بسبب بعض الاختلافات السياسية والعرقية والقومية، لكن بعضهم ارتبط مع اصدقاء لنا واصبحوا يتحاورون بلغة ركيكة حتى وصل الحال بهم، ان يعلم احدهما الاخر لغته الام وهذا لاجل المتعة لا لشيء اخر.
نازح من مدينة الفلوجة يقيم في شقلاوة رفض الكشف عن اسمه قال :" كنا نصطف يومياً من اجل الحصول على الزيت والطعام وهذه مساعدات كنا نأخذها من سلطة الاقليم بعد قرار من مسعود بارزاني. والمشكلة الاخرى التي واجهتنا كثرة المضايقات من اصحاب الفنادق الذين اصروا على رفع رسوم ايجار الغرف الفندقية، وطبقوا قرارهم بعد شهرين من وجودنا هنا مما اضطر عدد كبير من الاسر بالعودة مجبرين الى بيوتهم في المدينة المنكوبة التي دمُرت بالكامل".
في البلدة السياحية يعيش، أبو محمد مع زوجته و ولديهما الشابين في غرفة بسرير واحد واسع. اضافة الى مطبخ مجاور، حيث كانت زوجته تعد فيه البطاطا لتناول وجبة الغداء. خارج باب مكتبه، يوجد فناء معشوشب صغير اضافة الى المطر الهاطل على الارض محولاً اياه الى طين، وأبنائه يلعبون مع الأطفال الآخرين. يقول انه محظوظ بهذا المكان بعد ان وفره له مالك الفندق لاسيما انه من سكنة الانبار. وهذه القصة مشابه لكثير من الروايات في الاقليم الكردي والتي أصبحت شائعة وبشكل متزايد بين العرب في شقلاوة.
المناطق الكردية التي يتوقع لها مستقبلا أكثر ازدهارا، اذ تلاحظ الهياكل في طور البناء والفنادق الجديدة التي تبطن الشوارع المتعرجة، و كيفية تغيير الجبال الشاهقة المحيطة بالفنادق من قبل البناة المطورين، حيث يعيش هناك السكان الدائميون من الكرد، وفي أشهر الصيف، تمتاز هذه الفنادق والمطاعم بالزائرين والسياح من كل صوب، يأتون الى هنا يبحثون عن برودة الطقس و وفرة الخدمات مثل الكهرباء والماء شبه المعدومة في بغداد.
مالك فندق قال للمجلة " النازحون العرب من الانبار اتوا الى هنا وتسببوا في ركود الاقتصاد في شقلاوة، وعلينا ان نفرق بين السائح والمشرد. المشردون يحملون الحزن معهم. على عكس السياح، فهو يتمتع بحيوية كبيرة وهذا ما نريده. رزكار حسن رئيس بلدية شقلاوة قال:" في البداية اعطينا مهلة للنازحين سبعة ايام، كوننا كنا ننظر أن بقاءهم مؤقت، وبعد اسبوعين كنا نظن انهم سيغادرون حتى اصبح وجودهم في البلدة اربعة اشهر، وهذا ما يشكل قلق على سياحتنا التي نتطلع ان تبدأ هذه الايام من خلال استقبال الاثرياء من مختلف البلدان، اضافة الى مخاوفنا من ان يشتد الصراع في كردستان بسبب وجودهم". واضاف حسن انه قلق من أن الناس مثل أبو محمد من ان يجلب الحرب معه. لاسيما هناك تقارير تفيد بأن المواطنين السنة في الانبار انضموا إلى المقاتلين المتمردين الذين يقاتلون الجيش العراقي، اذ يعتبرونه أداة بيد الحكومة الشيعية القمعية.
ولكن في الوقت الحالي، لا تزال شقلاوة هادئة في ظل وجود العراقيين العرب المتعاونين مع السلطات الكردية. في الفلوجة أبو محمد كان معلم، وفي نيسان عام 2004، تعرض منزله في الفلوجة من قبل قوات مشاة البحرية الامريكية، بعد أن تم القبض عليه بسبب خرقه حظر التجول مبرراً لذلك :"كان أخي مريض وبحاجة لأخذه إلى الطبيب وكان الوقت متأخراً جداً والظلام دامساً ولم يكن من المفترض أن اترك المنزل، لكن لم يكن لدي خيار اخر. ويجب على الاميركيين يتريثوا كونهم شاهدوا أضواء سيارتي لكن حدث ما حدث".
ويروي كاتب التقرير تفاصيل اقامته في كردستان قائلاً : مشينا على طول الشارع الرئيسي الذي تم تجديده في شقلاوة حيث المطاعم التي تقدم الأسماك المشوية، اضافة الى محال بيع القمصان ذوات الماركات العالمية. ابو محمد عانى في الاقليم من المضايقات ولاسيما في المناطق الجبلية السياحية، اذ تعرض الى تفتيش سيارته وترجل عائلته منها بسبب كاميرا كانت بحوزته يصور بها المناظر الخلابة والجبال الشاهقة. ابو محمد قال لقوات الامن الكردية، "يمكنكم التحقق من كاميرتي التي صورت بها الجبال والنهر والطيور. لكنهم اصروا على اخذي لنقطة عسكرية ومنها اطُلق سراحي بعد تعهد خطي بعدم استخدام الة التصوير".
في الأيام التي سبقت الانتخابات، شهدت شقلاوة مثل المدن الكردية الأخرى، الدعايات الانتخابية التي ملأت الشوارع بملصقات المرشحين. اضافة الى ألوان الجدران المغطاة بالأصفر والأزرق والاخضر التي ترمز لثلاثة أحزاب كردية رئيسية. وتأمل الاسر النازحة من الانبار بالعودة الى الديار بعد المزاعم التي تشير الى حصول انفراج في ازمة الفلوجة بعد الاجتماعات المنعقدة في العاصمة الاردنية عمان بين اطراف ممثلة عن الحكومة، وقيادات تابعة للمجلس العسكري وممثلين عن العشائر المناهضة للحكومة.
1121 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع