كتب : DOĞU ERGİLترجمة احمد علاء عن موقع صحيفة TODAY'S ZAMAN التركية:صوت العراقيون الاسبوع الماضي لانتخاب ممثليهم في البرلمان للمرة الثالثة منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 الذي انهى حكم الدكتاتور صدام حسين،
ومن المؤمل ان يتشكل برلمان جديد يتألف من 328 عضواً من شأنه ان يختار رئيس الجمهورية الذي بدوره يعين رئيساً للوزراء بعد الانتهاء من فرز الاصوات التي ستعلن بعد 20 يوماً من موعد الاقتراع العام الذي جرى في الثلاثين من ابريل الماضي، على وفق تصريح المفوضية المستقلة للانتخابات.
المنافسة الحقيقية والمتوقعة ستنحصر بين رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي وبين منافسيه من السنة والاكراد والشيعة الذين يسعون لحرمانه من الولاية الثالثة، فضلاً عن المنافسات الثانوية بين الشيعة العلمانيين والسنة المعتدلين من جهة، وبين المتطرفين الذين يقودون التمرد اليوم في الانبار من جهة اخرى.
الطائفة التي ينتمي اليها رئيس الوزراء هي الاخرى منقسمة الى ثلاثة كيانات مستقل بعضها عن بعضها الاخر، اذ يتزعم المالكي ائتلاف "دولة القانون"، وكتلة "الشراكة الوطنية" للتيار الصدري لرجل الدين مقتدى الصدر الذي اعتزل مؤخراً الحياة السياسية، وائتلاف "المواطن" وهو من انتاج المجلس الاعلى الاسلامي بقيادة عمار الحكيم. الطائفة السنية هي الاخرى لم تخل من التقسيم السياسي من اجل خوض الانتخابات والتي تمثلت في بضعة كيانات، اهمها كتلة رئيس البرلمان الحالي اسامة النجيفي التي حملت عنوان "متحدون للاصلاح"، تنافسها قائمة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك "القائمة العربية".
ونظرا لهذا الانقسام سوف لن تظهر اي مؤشرات بفوز اية كتلة بأغلبية مقاعد البرلمان الجديد، عكس ما حصل في الانتخابات الماضية في عام 2010 عندما افرزت قائمة واحدة فائزة، اذ تشكلت على اثرها حكومة شراكة ائتلافية بعد ولادة عسيرة استغرقت 10 أشهر، ومن المتوقع هذه المرة ان تشهد مدة اطول بسبب كثرة المشاكل السياسية بين الكتل.
رئيس النظام السابق صدام حسين لا شك انه ولّد انقسامات عرقية في البلد، القت بظلالها على المجتمع العراقي، وهذه الازمة تفاقمت اكثر واصبحت واضحة بعد وصول المالكي الى هرم السلطة العراقية والدليل على ذلك كثرة المعارضة التي تتهمه بالفساد وعدم الكفاءة، فضلاً عن فشله في توحيد العراقيين بجميع اطيافهم وعجزه عن تحقيق الاستقرار في البلاد التي مزقتها الحرب، وزاد الامور تعقيداً عندما قطع جسور الثقة بينه وبين الطائفة السنية والاكراد، والذين يتهمونه بممارسة سياسة التهميش والاقصاء واستخدام المركزية المفرطة فضلا عن التوزيع غير العادل للموارد الاقتصادية. وبالرغم من ان المالكي شيعي، الا ان الاطراف السياسة التي تنتمي الى الطائفة ذاتها تتهمه بعدم الفاعلية في محاربة الفساد المستشري في مفاصل الدولة وعدم خروجه من دائرة التحزب التي يعيش فيها والتي اثرت في الخدمات العامة ولاسيما الامان الذي يفتقد اليه العراقيون منذ عام 2006 " اسوأ سنوات العنف الطائفي".
ومنذ تولي المالكي رئاسة الوزراء في عام 2006 زادت حدة اعمال العنف وتنامى الاحتقان الطائفي الذي خلف عشرات الالاف من المفقودين وعشرات الالاف من القتلى، وتراجع دور الاجهزة الامنية و وصول المتمردين الى البلد واحكام سيطرتهم على مناطق واسعة في بغداد وبقية المحافظات، ناهيك عن تهجير ملايين العراقيين داخليا وفرار معظمهم إلى المنافي.
هذه الصورة القاتمة تظهر لنا (الكاتب) حقيقة ان المالكي "القائد" الذي يدير جيشا يتألف من مليون مقاتل منقسمين بين شرطة محلية وقوات خاصة وشرطة اتحادية بميزانية بلغت 20 مليار دولار، كان سببا في تدهور اقتصاد العراق الذي لم يتعاف بعد وليس هناك في المدى المنظور مؤشرات على تعافيه، لأنه يعتمد أساسا على الواردات النفطية والسلع الأساسية، اما الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية فهي شحيحة برغم تلقي الحكومة عائدات بلغت 700 مليار دولار منذ تولي المالكي رئاسة الوزراء فضلا عن العجز المالي الذي وصل الى 35 %.
الامين العام لحزب الدعوة الاسلامية "المالكي" يتهم منافسيه بعرقلة اقرار الموازنة وبقاء العراق من دون خطة مالية للمستقبل. في حين ان البنوك متخمة بأموال إيرادات النفط، فضلا عن ذلك اتهمه الاكراد بتعقيد الاوضاع السياسية وتوتير العلاقات، كونهم يرغبون في الاستفادة من احتياطيات النفط والغاز ولاسيما انهم يتمتعون بحكم ذاتي لمناطقهم . كما اتهموه باثارة الخلافات معهم حول هذه النقطة واتهامهم باستغلال وبيع الموارد الطبيعية من مناطقهم، من دون استحصال موافقة الحكومة المركزية. وهذه مسألة مريرة لن تحل بسهولة.
المالكي يعمل على خطين الان، الاول ويتمثل بالسيطرة على ايرادات النفط لتمويل حكومته، اما الثاني فهو بناء جهاز امني قمعي "قوي" ليكون اداة لتخويف خصومه السياسيين. ولهذا السبب فانه لن يكون على استعداد لتقاسم عائدات النفط والغاز مع الأكراد والتخلي عن قواته المسلحة التي تعد العصا الغليظة الوحيدة التي بحوزته. وهذا كله يعني انه سيفعل كل شيء واي شيء لجلب 165 عضواً برلمانياً لتشكيل الحكومة. السؤال المهم الان، هل تجلب ولايته الثالثة الاستقرار والتماسك للبلاد؟، ولاسيما ان هناك محللين يحذرون من أن الاستمرار في تهميش العرب السنة سيؤدي بهم الى التطرف وزيادة نسبة المتمردين في صفوفهم الامر الذي سيؤثر سلبا في اوضاع الدول المجاورة وتحديداً سوريا. الفشل في التوصل إلى حل وسط مع حكومة إقليم كردستان حول تصدير النفط والمناطق المتنازع عليها قد يؤدي الى نفور الاكراد الذين يمكن أن ينأوا بأنفسهم على نحو متزايد عن بغداد، وسيصبح من الواضح أن الانتخابات الاخيرة ستسفر عن حكومة مماثلة لسابقتيها، اذ صوت غالبية العراقيين على وفق الولاءات العرقية والطائفية بدلا من الأخذ المصالح المشتركة للبلاد بعين الاعتبار. لذا فان استقرار العراق لايتحقق الا بالعمل على وفق أجندة وطنية تقوم على أساس تقسيم العمل والسلطة التي ترتكز الى المساواة والعدالة. سوف نرى ما إذا كانت نتائج الانتخابات الاخيرة ستحقق الاستقرار المنشود.
1109 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع