مهاتير محمد مؤسس ماليزيا الحديثة في مئويته

مهاتير محمد أمام صورة له في مكتبه بماليزيا، 8 يوليو 2025 (انيس لين)

مصطفى عبدالسلام/العربي الجديد:في مئويته، تختلف أو تتفق حول الدور السياسي لمهاتير محمد خلال فترة حكمه، لكن يجب ألا تغمض عن حقيقة وهي أنّه مؤسس ماليزيا الحديثة وعراب نهضتها في كل القطاعات الخدمية والاقتصادية، وواضعها في مصاف الدول الأسرع في معدلات النمو الاقتصادي لسنوات طويلة، حيث نما اقتصادها بنسبة تزيد على 9% سنوياً حتى عام 1997، وأنّه تمكن خلال فترة حكمه التي امتدت لنحو 24 سنة من تحقيق إنجازات اقتصادية مذهلة وضعت ماليزيا ضمن أحد أبرز نمور آسيا الاقتصادية، وكادت أن تضعها ضمن قائمة مجموعة العشرين التي تضم أفضل 20 اقتصاد حول العالم.

ودعنا نعترف أنّ مهاتير محمد نجح في انقاذ بلاده من الوقوع في شراك الدائنين الدوليين ومصيدة قروض صندوق النقد الدولي وروشتاته السامة التي وقعت بها كثير من دول العالم الثالث، وأنه لم يعتمد على القروض الخارجية والمساعدات والمنح في نهضة ماليزيا، وأنّه خلال توليه منصب رئيس وزراء ماليزيا في الفترة الأولى "1981 حتى 2003" نجح في تحويل ماليزيا من دولة زراعية بائسة فقيرة تعتمد كلية على الخارج، وتكتفي بتصدير المواد الخام، إلى إحدى أهم الدول الصناعية الصاعدة، وأنه خلال سنوات قليلة من حكمه ارتفع دخل الفرد من ألف دولار إلى 16 ألف دولار في السنة، وتراجعت نسبة الفقر إلى أقل من 4%، وانهارت نسب البطالة إلى أقل 3%، وارتفع حجم الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي الماليزي من 3 مليارات إلى 98 ملياراً، وقفز حجم الصادرات الخارجية من 15 ملياراً إلى 200 مليار دولار.

كما أنّ مهاتير، "كبير المنطقة" حسب تسمية أبناء بلده، قاد نهضة إنتاجية لعبت دوراً كبيراً في نفاذ السلع الماليزية إلى معظم أسواق العالم، وإحداث طفرة في موارد الدولة من النقد الأجنبي، وتلبية احتياجات السوق المحلية، وأن سياساته الاقتصادية بما فيها التوسع في سياسة الخصخصة ساهمت في توفير فرص عمل لملايين الشباب العاطل من العمل ولم تلقِ بهم في الشارع كما حدث في تجارب دول أخرى، وأنه خلال سنوات قليلة أسس أكثر من 15 ألف مشروع صناعي برأسمال 220 مليار دولار، وفّرت مليوني فرصة عمل.

ولا يختلف أحد على أن مهاتير محمد، الذي يحتفل الماليزيون بعيد ميلاده المائة هذا الأسبوع، هو باني نهضة الدولة الآسيوية الحديثة حيث أحدث طفرة في مشاريع البنية التحتية والتكنولوجيا المتطورة خلال فترة رئاسته الأولى للحكومة والتي شهدت نموًا اقتصاديًا صاحبتها خصخصة واسعة النطاق للصناعات والشركات، وأنّ دولاً نامية كثيرة حاولت محاكاة تجربة الرجل الذي واجه حجم مؤامرات ضخمة خاصة من قبل صندوق النقد والدول الغربية التي أرادت أن تكون ماليزيا وغيرها من دول جنوب شرق آسيا مجرد حظيرة لها وسوق استهلاكي.
ورغم أن سياسات مهاتير الاقتصادية كانت أقرب إلى الرأسمالية إلا أنها لعب دوراً كبيراً في الحد من الأزمات المعيشية التي كانت تعيشها ماليزيا قبل قدومه، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وتخفيف الأعباء عن المواطن، وأهتم الرجل بشكل خاص بالتعليم والصحة البحث العلمي والتدريب المهني؛ وأعطاهم أولوية قصوى، وافتتح مئات الجامعات وآلاف المدارس، وأوفد البعثات التعليمية للجامعات الغربية، ووطد العلاقة بين المراكز البحثية والقطاع الخاص وربط بين سوق العمل ومؤسسات التعليم.

كما ساهمت سياساته في تحويل ماليزيا إلى إحدى أبرز وجهات استقطاب الاستثمارات حول العالم عبر خفض الضرائب على الشركات، وإقرار تشريعات جاذبة للاستثمارات الأجنبية، وتطوير القطاع المصرفي والمالي، ومكافحة الفساد والاحتكارات والحد من سيطرة المال على المشهد السياسي والبيروقراطية.
ولولا اندلاع الأزمة المالية العالمية في العام 1991، وبعدها الأزمة المالية الآسيوية التي بدأت في تايلاند في منتصف عام 1997، وقضايا الفساد الضخمة التي حدثت في حكومات ما بعد مهاتير محمد، لأصبحت ماليزيا الآن في مصاف الدول المتقدمة ذات الدخل المرتفع والنهوض الاقتصادي والصناعي مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وألمانيا واليابان.

نعم كانت هناك أخطاء ارتكبها مهاتير محمد، من أبرزها إقالة أنور إبراهيم من منصب وزير المالية ونائب رئيس الوزراء، والإساءة إليه في خضم أزمة 1998 الاقتصادية رغم الدور الكبير الذي لعبه أنور في تعافي الاقتصاد الماليزي بسرعة من أزمة النمور والإفلات من مصيدة صندوق النقد والبنك الدوليين، لكن يحسب للرجل أن وضع بلاده على خريطة الاقتصاد العالمي، وانقذها من مصيدة الديون الخارجية والتبعية للدائنين الدوليين.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

697 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع