طوفان الاقصى شرف الامة ونبراس عزتها ضد الهيمنة الصهيونية

د علوان العبوسي
23 / 10 / 2025

طوفان الاقصى شرف الامة ونبراس عزتها ضد الهيمنة الصهيونية

لحدث السابع من اكتوبر 2023 ،هناك المادح وهناك القادح، بهذا الحدث التاريخي للنضال الفلسطيني الذي استمر حوالي 75 عاماً لم يحضى فيه الشعب الفلسطيني حقوقة المشروعة تعبيرًا عن تراكم عقود من القهر السياسي والإنساني ،في محاولة تهجيره بغاية الإلغاء التدريجي للدولة الفلسطينية، بعد ان رضي مرغماً بقرار التقسيم الذي اقرته الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1947 باعتباره الواقع القانوني والسياسي الأول لفقدان الشعب الفلسطيني أرضه وحقوقه ،وما انطلاق عملية طوفان الاقصى التي قادتها حركة حماس وعدد من فصائل المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، الا رد فعل وفق الامكانيات المتاحة لديهم لكل اعمال الهيمنة والقوة ضد الشعب الفلسطيني .

لهذا الحدث اسبابه الموضوعية لكل من يهمه الحق الفلسطيني ،منها تاريخية واقليمية، واهدافه المنطقية في محاولة استعادة الحقوق الفلسطينية المغتصبة ، ناهيك عن تداعياته الاستراتيجية .
فلو تفحصنا الجذور التاريخية والسياسية ،فهناك انشاء الدولة الاسرائيلية عام 1948 ، التي كان لها اثراً قاسياً ،عميقاً لدى الفلسطينيين بعد فقدان الارض ، ثم الاحتلال عام 1967 ،وضم الضفة والقدس الشرقية والقطاع وسيناء والجولان ،واثر ذلك في السيطرة على مزيد من الارض والموارد وحرية الحركة ، ثم الاستيطان ونمو وتوسع المستوطنات الاسرائيلية في الضفة والقدس الشرقية نتج عنه زيادة اعداد المستوطنين مما تسبب عنه ضغطًا ديموغرافيًا وجغرافيًا على الفلسطينيين،ثم فشل اتفاق أوسلو وتوقف الاتفاقات السياسية نتج عنه زمناً طويلا من المفاوضات دون إنهاء الاحتلال أو إقامة دولة مستقلة قوضت الثقة الفلسطينية في الحلولّ السياسية، ناهيك عن الحصار والواقع الإنساني في غزة ( الحصار البحري والبري والجوي عليها منذ 2007 خلق أزمة اقتصادية وإنسانية مستمرة ،بطالة ، نقص خدمات طبية وكهربائية ، الاعتماد على المساعدات)، نتج عنه ارتفاع مستوى العنف . الإحساس بالإهمال الدولي وعمليات التطبيع (اتفاقيات إبراهام 2020)، تحسن علاقات بعض الدول العربية مع إسرائيل شجعها باتخاذ مواقف قاسية ضد الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة دعمتها الولايات المتحدة الامريكية وشجعتها بالتمدد في الاراضي العربية .
الأهداف والغايات من طوفان الاقصىش
هناك عدد من الاهداف والغايات الاستراتيجية للمقاومة الفلسطينية ادناه عدداً منها :
استعادة الاهتمام الدولي والإقليمي في القضية الفلسطينية بعد تهميشها وتركها للسلوك الاسرائيلي البعيد كل البعد عن الحقوق القانونية والاخلاقية للشعب الفلسطيني صاحب الارض القانوني .
منع إسرائيل من فرض تغييرات ميدانية أو قانونية أو ديموغرافية على مدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي، خصوصًا في الجزء الشرقي الذي يُعدّ بموجب القانون الدولي أرضًا محتلة عام 1967، ويُفترض أن يكون عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية.
محاولة تحقيق مطالب عملية للشعب الفلسطيني منها اطلاق سراح الاسرى ، رفع الحصار على غزة ..الخ ، قد تستخدم العمليات العسكرية ورقة للتفاوض أو لتحقيق مطالب تخدم الواقع الفلسطيني .
إظهار قوة وقدرة الفصائل الفلسطينية حيال السلوك الاسرائيلي الغير مبرر في كافة مناحي الحياة الانسانية .
دور السلطة الفلسطينية ( فتح) تجاه شعبها في فلسطين بدل حماس والفصائل الفلسطينية
تفاقمت أزمة سلطة القيادة الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو (1993) وحتى اليوم، التي تعتبر من أبرز أسباب تعقّد المشهد الفلسطيني الداخلي ادناه بعض الاسباب الرئيسية .
السلطة لم تُنشأ كدولة، بل إدارة مدنية انتقالية تخضع لإشراف أمني إسرائيلي في معظم المناطق.
أكثر من 60٪ من الضفة الغربية بقيت تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، ما جعل السلطة بلا سيادة حقيقية.
اسرائيل اشترطت استمرارها في التنسيق الأمني كشرط لبقاء السلطة، مما قيّد قدرتها على دعم المقاومة أو حماية شعبها، وهذا التنسيق أضعف شرعيتها شعبياً، إذ بدا وكأنها تعمل في إطار ضبط الأمن لصالح الاحتلال.
السلطة تعتمد على تحويلات الضرائب من إسرائيل وعلى الدعم الأميركي والاوربي، وأي خطوة سياسية لصالح الشعب الفلسطيني تُقابل بتجميد الأموال، فتشل مؤسساتها الشرعية .
الانقسام بين فتح وحماس منذ 2007 وسيطرة حماس على غزة، أصبحت السلطة الرسمية محصورة في الضفة الغربية فقط ، وكل طرف أقام مؤسسات الخاصة ، وفقدت القيادة المركزية الفلسطينية قدرتها على توحيد القرار وتخلت بشكل تام على غزة .
في حزيران /يونيو 2007، سيطرت حماس والفصائل الفلسطينية عملياً على المؤسسات الحكومية في غزة وأخضعت المرافق الإدارية والأمنية لسيطرتها، بينما استمرّت السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس (فتح) في ممارسة صلاحياتها أساساً في الضفة الغربية.
اتفاق أوسلو الثاني في طابا 1995 جرى انهاء مقررات تطبيق الاتفاق الأول المشار عليه انفاً قسّم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق كما يلي :
المنطقة ا . تحت إدارة فلسطينية كاملة.
المنطقة ب . تحت إدارة مدنية فلسطينية وأمن اسرائيلي مشترك.
المنطقة ج . تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة (تشكل نحو 60% من الضفة).
الايجابيات الناتجة عن اوسلو الثانية اعترف العالم بمنظمة التحرير كطرف سياسي شرعي، وتم إنشاء مؤسسات فلسطينية رسمية ، اما السلبيات فان اسرائيل لم تلتزم بالانسحابات المتفق عليها، في اوسلو الثانية وتضاعفت عدد المستوطنات والمستوطنين في الضفة بدراية اممية امريكية ولم تُحَلّ قضايا القدس واللاجئين، انقسام فلسطيني بين مؤيد ومعارض لهذا الاتفاق.
عام 2000، فشلت المفاوضات بين الرئيس عرفات وباراك وكلينتون حول قضايا الحل النهائي للقضية الفلسطينية ، فاندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وانتهى عمليًا مسار أوسلو دون تحقيق أهدافه.
كيف استطاعت حماس والفاصل الفلسطينية الاخرى المواجهة الاستراتيجية للكيان في السابع من تشرين الاول / اكتوبر 2023
نتيجة لما تقدم في تهميش دور الشعب الفلسطيني صاحب الارض نهضت المقاومة الفلسطينية الممثلة بحماس في مواجهة الغطرسة والعربدة الصهيونية في السابع من اكتوبر2023 .
في ادناه بعض المبادئ الاستراتيجية والتنظيمية والعسكرية، كما يلي:
المباغتة الاستراتيجية
الخرق الشامل لمنظومة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية ( السافاك ) وتوابعها من الاقسام بالغة الدقة ،هما ابرز ما ميّز عملية طوفان الاقصى.
استطاعت المقاومة في إخفاء الاستحضارات لعدت اعوام رغم الرقابة الإسرائيلية الشديدة على غزة، باستخدام الطائرات المسيّرة، والتنصّت الإلكتروني، والعملاء...الخ.
نفّذت عمليت طوفان الاقصى بتوقيت مزدوج يوم عيد ديني يهودي + يوم عطلة للجيش الإسرائيلي)، مما عطّل بل شل ردود الفعل السريعة.
استخدمت أساليب التمويه الإعلامي والتكتيكي كنشاطات تدريبية ظاهرها دفاعي داخلي ، بينما كانت استعدادات هجومية(1) نتيجة لذلك فشل في تقديرات المخابرات الإسرائيلية التي لم تقدر القدرات القتالية والمعنوية للمقاومة الفلسطينية .
القيادة والسيطرة
اعتماد المقاومة على غرفة عمليات موحدة تُنسق مع كافة الفصائل الفلسطينية .
استخدام شبكات اتصال محلية مجفرة غير متصلة بالإنترنت تعتمد على الألياف الأرضية أو إشارات لاسلكية قصيرة المدى لتجنب التنصّت(Short-range radio links) .
كان هناك تسلسل قيادي واضح لكافة الاختصاصات الميدانية في توزيع ألادوار القتالية بدقة متناهية منها الوحدات الخاصة للتسلل ووحدات الصواريخ، والطائرات المسيّرة وغيرها .
الاختراق الميداني
الهجوم اعتمد على اساليب مشتركة ومتوافقة مابين البر والجو والبحر،واختراق الجدار الحدودي عبر استخدام (بلدوزرات) وانفجارات متزامنة في أكثر من 30 نقطة، إنزال مقاتلين بالمظلات لتجاوز المناطق المحصّنة،استهداف منظومات المراقبة الإسرائيلية مثل الكاميرات، أبراج الاتصال، نقاط المراقبة، في الدقائق الأولى من العمليات ،هجوم مكثف ومنسّق بالصواريخ ،أكثر من 3000 صاروخ في أول ساعتين لارباك الدفاعات الجوية خاصة القبة الحديدية ، ثم السيطرة السريعة على عدد من المواقع العسكرية مثل قواعد (نحال عوز وكيبوتسات غلاف غزة).
استناج عام . فشل القيادة الجنوبية الإسرائيلية في السيطرة خلال الساعات الأولى، وهو ما لم يحدث منذ قيام إسرائيل عام 1948.
الاستحضارات اللوجستية والتعبوية
استخدمت حماس وكافة الفصائل الفلسطينية استخدام اسلوب مضاعفات القوة وحتى ايقاف القتال في تشرين الاول/ اكتوبر 2025 .
فرغم التفاوت الهائل في موازين القوى العسكرية بين إسرائيل وحماس ، فقد كشف هجومها المفاجئ يوم السبت 7 تشرين الأول/ اكتوبر2023 ، عن مستوى جيد من التسليح والتدريب لها ، تضمن انواع جديدة من الاسلحة ذات القدرات العالية ، منها الطائرات المسيرة محلية الصنع، والطائرات الشراعية البسيطة التي حملت مقاتلي حماس إلى مسافة 25 كيلومترا داخل المدن الاسرائيلية ، وقنابل حارقة دمرت آليات ودبابات إسرائيلية، بالإضافة إلى صواريخ جديدة بعيدة المدى وصلت تل أبيب، ومنظومة دفاع جوي محلية الصنع ،وقد تبين للمقاومة مصانع محلية للصواريخ ذات مديات 10 – 250 كلم ، ومصانع لمدافع الهاون وقذائفها ضد الدبابات ، بالاضافة الى منظومات لصناعة بنادق كلاشنكوف واعتدتها في غزة ، استفادة حماس من الاسلحة القديمة طورتها بامكانياتها منها رشاش سوفيتي قديم من طراز دوشكا، عيار 12.7ملم، تم تعديله وتجهيزه ليناسب التاثير على شاحنة صغيرة ويشغله شخص واحد وهو مصمم لاختراق العجلات والطائرات خاصة السمتيات ، كما استخدمت حماس صواريخ كورنيت الروسية الصنع المضادة للدبابات، وقد أثبتت الصواريخ الموجهة بالليزر فعاليتها ضد دبابات ميركافا الإسرائيلية ، اضافة بنادق القناصة بعيدة المدى، ومن المفاجآت التي أظهرتها حماس في هذه المواجهة، الطائرات المسيرة الانتحارية ،ونشرت الحركة فيديو لعملية استهداف جنود إسرائيليين بقنبلة أسقطتها مسيرة محلية الصنع، وفيديو آخر لاستهداف أبراج مدافع رشاشة في موقع إسرائيلي على طول الحدود.
كما كشفت حماس عن سلاح نوعي هام وهو الطائرات الشراعية، التي نقلت مقاتلي حماس إلى داخل المدن الإسرائيلية ومعهم الأسلحة والمتفجرات. وبحسب تقرير لشبكة سي إن إن الأمريكية، فمن الصعب أن يرصدها الرادار الإسرائيلي لضعف انعكاسها الراداري فضلا عن طيرانها على ارتفاعات منخفضة.
اما الانفاق فهي من اهم الاجراءات الدفاعية في مضاعفات القوة ،التي قامت بها حماس في ترسانتها العسكرية حيث قامت ببناءِ شبكةٍ متطورة من الأنفاق العسكرية منذُ سيطرتها على القطاع في عام 2007، تتفرع الأنفاق أسفل العديد من المدن الفلسطينيّة بما في ذلك خان يونس و‌جباليا و‌مخيم الشاطئ،وهي نوعين داخلية وخارجية، أما الداخلية فتمتد على مدى عشرات الكيلومترات داخل قطاع غزة، وتستخدم لأغراض عدة بما في ذلك إخفاء مخزونات حماس من الصواريخ تحت الأرض، والذخيرة يصل عمق البعض منها إلى 30 أو 40 متراً تحت الأرض،مما يَصعِب على الاحتلال كشفها عبر طائراته المسيرة. وقد باتت الأنفاق التي حفرتها حركة حماس كابوسا أمام الاجتياح البري الذي ينفذه الجيش الإسرائيلي بالقطاع (2).
الأثار الاستراتيجية
لأول مرة منذ تأسيس الكيان الصهيوني تم نقل المعركة إلى العمق الإسرائيلي وليس فقط عبر الصواريخ، ناهيك عن انهيار هيبة الردع الإسرائيلي أمام العالم اجمع بالاضافة الى انخفاظ بشكل كبير جدا موقفها السياسي ، وقد أُصيب الداخل الإسرائيلي بصدمة استراتيجية لم يتوقعها ، كما كشفت هذه العملية البطولية هشاشة العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تفاخر بها والردع بالقوة، كما عرف العالم ان اسرائيل لايكون لها وجود لولا الدعم الامريكي والاوربي
الدعم والمساندة الإقليمية
رغم أن العملية نفّذتها فصائل غزة وحدها ميدانياً، إلا أنها استفادت من خبرات إيرانية في مجال تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة بالاضافة الى تنسيق معنوي وسياسي مع محاور المقاومة في لبنان واليمن والعراق .

الخلاصة
مضى على حرب غزة اكثر من سنتين حتى وقف اطلاق النار الحالي في اكتوبر 2025 ،تكبد الفلسطينيين حوالي 69000 الف شهيد ولايزال حوالي 10000 الف تحت الانقاض و170000 الف جريح ، ناهيك عن فرض التهجير والتجويع والابادة الجماعية ، وكل ماهو خارج عن القيم الانسانية والاخلاقية التي تقوم بها اسرائيل ، تدمير المباني السكنية بشكل كامل ، تدمير كافة مستلزمات الحياة والمرافق العامة ( المستشفيات ، المدارس والمؤسسات التعليمية ،شبكات الماء والكهرباء ،الاراضي الزراعية ، الصرف الصحي ...الخ )، كل ذلك ولا يزال الشعب الفلسطيني رغم ظروفه الصعبة والضغوط الاسرائيلية والامريكية متمسك بارضه وحقوقه المشروعة .
كما نجحت المقاومة الفلسطينية في طوفان الاقصى بفضل إدارة استخباراتية دقيقة وتخطيط ميداني طويل المدى، وليس بسبب تفوق عسكري عددي أو نوعي ولكن ياستخدام موازين مضاعفات القوة والابداع والمطاولة والابتكار الفلسطيني في التصنيع العسكري وحفر الانفاق تحت غزة بالكامل دون دراية من العدو الصهيوني مكنتهم من اكمال السيطرة الاستراتيجية وتحقيق الانتصار في طوفان الاقصى ،لقد ظهر أن المعركة غير المتكافئة (Asymmetric Warfare) يمكن أن تشلّ جيشاً متطوراً إذا ضُبطت عناصر الامن والمباغتة والتوقيت المناسب والروح القتالية العالية والصبر المرتكز على المواطنة ، ختاما ماقامت به حماس وكافة الفصائل الفلسطينية (سرايا القدس،الوية الناصر صلاح الدين،كتائب المجاهدين الفلسطينيين،كتائب المقاومة الوطنية،كتائب شهداء الاقصى ،كتائب عبد القادر الحسيني، كتائب الانصار،جيش الاسلام )، في ظل ظروف الواقع العربي وابتعادهاعن القضية الفلسطينية في مواجه العدو الصهيوني مع الدعم الامريكي والاوربي نيابةً عن الامة ماهو الا نبراس مضيئ لواقعنا العربي ، اظهر للعالم الحق الفلسطيني ،وحجم التجاوزات الاسرائيلية حيال شعبنا الفلسطيني الصابر .
عاشت فلسطين حرة ابية
المراجع
Samia Nakhoul and Jonathan Saul، How Hamas duped Israel as it planned devastating attack
د علوان العبوسي : غزة تنتصر2 : مجلة الكاردينا الثقافية : 17 / 12 / 2023: سويسرا .
 

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

728 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع