بسام شكري
الفهلوة ستكون التطور القادم للتفاهة
بعد التطور الهائل الذي شهده عالم التفاهة فان العالم اليوم على أعتاب الانتقال الى مرحلة جديدة لمرض الفهلوة وهو تطور منطقي طبيعي لتطور عالم التفاهة، فما هي خلفية عالم التافهين لكي يتحولوا الى عالم الفهلوة؟ ولكي نتعرف على تفاصيل ذلك علينا العودة الى بدايات عالم التفاهة , فبعد التطور الهائل في وسائل الاتصالات وتوفر الكم الهائل من المعلومات فقد استسهل جمهور من الناس الحصول على تلك المعلومات لغزارتها واعتقدوا انهم قد حصلوا على الحقيقة من خلال المختصرات التي يقرؤونها على الأنترنيت في حين إن تلك المعلومات هي عبارة عن عناوين وقشور للموضوعات الأصلية, والتعرف عليها لا يعني اكتساب المعرفة والوصول الى الحقيقة ومن تلك الثقة فقد وصلوا الى مرحلة الغرور والذي عزز لديهم ذلك الشعور بالغرور هو التطور الهائل والسريع في عالم الأنترنيت فبدلا من التعمق في المعرفة اكتفوا بالتعرف على عناوين المعرفة واصبحوا يتنقلون من علم لآخر دون فهم العلم الأول وبذلك شعروا بانهم ملمين بكل تلك العلوم وقد تشكل عالمهم من خلال التطبيقات الكبيرة على الأنترنيت التي سهلت لهم الوصول الى كل مكان (حسب اعتقادهم) في حين انهم ما يزالوا يراوحون في مكانهم على صفحات الأنترنيت
إن المسؤولية الأخلاقية تحتم على الحكومات في العالم أن ترشد الناس الى الاستفادة من التطور الهائل للأنترنيت وتوفر المعلومات وأن لا تتركهم يضيعون فيها بدون إرشاد, فتصميم تطبيق على الأنترنيت مثلا له أخلاقياته وقوانينه ومن تلك الأخلاقيات أن يؤدي الغرض من توفير الخدمة وان يكون التطبيق واضحا ومحددا وبسيط لكن اختلاط الغباء من الجشع مثلا جعل بعض المبرمجين يضعون خدمات عديدة في تطبيق واحد بهدف انتشار ذلك التطبيق وسيتم استخدامه من قبل عدد كبير من الأشخاص لكثرة الخدمات التي يقدمها وان كل تطبيق فرعي داخل التطبيق الرئيسي سيكون مستقل عن التطبيقات الفرعية الأخرى والخطورة هنا تكمن في إمكانية اختراق احدى تلك التطبيقات الفرعية من قبل قرصان أو جاسوس والجاسوس هنا اخطر من القرصان لان القرصان سوف يسرقك مرة واحدة ويهرب لكن الجاسوس سوف يتجسس عليك وعلى شبكة معارفك ويسبب الضرر للجميع سواء باختراق معلومات شخصية أو سرقة أموال ومستندات قد تؤدي على أعمال إجرامية.
مثال بسيط على ذلك قبل أسبوعين حضرت معرض الرياض الدولي للكتاب ومن اجل الدخول للمعرض كان يجب على أن استعمل هذا التطبيق الأمريكي:
www.Webook
والتطبيق كما هو ظاهر لمن يزوره يحتوي على مئات الخدمات في كل السعودية وفي كل أنحاء العالم, ومن اجل الحصول على التذكرة المجانية لزيارة معرض الكتاب يجب تحميل التطبيق, وقد رفض جهازي المحمول تحميل التطبيق لأن جهازي يحتوي على برنامج حماية من القرصنة والتجسس وفي محاولة ثانية لاستعمال التطبيق فقد أرسل التطبيق لي صديق وقال لي هذه بطاقتي يمكنك الدخول بواسطتها فقط افتح التطبيق تظهر بطاقتي وقام جهازي برفض ذلك، هنا ظهر عندي سؤال هل كل هؤلاء الناس تم اختراقهم والتجسس عليهم؟ وأين أخلاقيات المهنة عندما يتم تصميم موقع الكرتوني مثل هذا فيه مئات الخدمات في تطبيق واحد وفيه مئات التطبيقات الفرعية؟ ومن يضمن عدم اختراق تلك التطبيقات أو يضمن عدم دخول فايروس واحد يقوم بتدميرها جميعا وإيقاف كل الخدمات التي تعلن عنها أو تقدمها؟
سوف اثبت لك عزيزي القارئ إن تلك التطبيقات مخترقة
عند وصولي الى مطار الرياض يوم 1-10-2025 الساعة السادسة صباحا قمت بشراء رقم موبايل من المطار من شركة زين للاتصالات وفي مساء ذلك اليوم وصلتني رسالة من امرأة تقول لي مساء الخير حبيبي فسالتها من أنت؟ هل أنت كومبيوتر فردت على لا أنا أدمية، أنا صاحبة الرقم السابقة عملت لها بلوك ونسيت الموضوع وفي الليلة التالية وفي تمام الساعة الواحدة وخمسة وعشرين دقيقة فجرا فقد رن على الموبايل فلم أرد عليه لان الرقم لا اعرفه والوقت متأخر فأرسل المتصل رسالة على الواتس اب واقل لي أنا اسف اعتقد هذا رقم صاحبتي القديم فكتبت لها ولو كان رقم صاحبتك القديم لماذا تتصلين وترسلين رسالة بعد منتصف الليلة؟ ماذا تريدين فردت على الاطمئنان عليك. فعملت لها بلوك.
هنا تأكدت إن أنظمة الاتصالات مخترقة ولا خصوصية شخصية فما الذي حصل؟ الاختراق تم لشركة زين للاتصالات وما إن اشتريت رقم من شركة زين فقد تم الحصول على اسمي ورقم الجوال وصورة جواز السفر التي تبين لهم أني احمل الجنسية الألمانية ومن اسمي يتبين اني عربي ولو اني دفعت عن طريق بطاقة البنك فان معلومات البطاقة سوف تصل الى القرصان والحمد لله فاني لا استعمل البطاقة في حينها بل دفعت نقدا، ومن هو ذلك القرصان؟ انهم فتيات، نساء يبحثون عن علاقات. هذا أنا زائر لمدة أسبوع فماذا يحصل يومين لملايين الموبايلات هناك؟
فكم اختراق الكرتوني وتجسس على تطبيقات الخدمات التي تم تصميمها من قبل أشخاص لا يفقهون أخلاقيات التصميم والبرمجة؟ وانا في غرفتي في الفندق وعلى قناة العربية صباح يوم 2 أكتوبر سمعت خبر انعقاد مؤتمر الأمن السيبراني في الرياض في تلك اللحظة أصابتني موجة غضب وتمنيت أن يكون عندي رقم موبايل سمو الأمير محمد بن سلمان حفظه الله لاتصل به وأخبر سموه عن قصتي مع الأمن السيبراني والاختراق الذي حصل لي تزامنا مع مؤتمر الأمن السيبراني.
تطور التفاهة الى فهلوة
الفهلوة كلمة من اللهجة المصرية وهي التحايل والمكر الذكي وهي فائض العبقرية للمحتال أو النصاب وقد انتشرت ظاهر الفهلوة في المجتمع المصري بشكل كبير بعد وباء كورونا نتيجة للضائقة الاقتصادية واصبح النصابين يدعون معرفتهم بكل شيء ويقومون بالاحتيال على الأخيرين من اجل الحصول على المال, وظاهرة الفهلوة ظهرت حديثا عند جيل متصفحي الأنترنيت العرب بشكل كبير , فهم يعتقدون انهم يعرفون كل الحقيقة وليس الظاهر من الحقيقة فتحول سلوكهم الى مرض اجتماعي فمثلا يعطيك احدهم موعد ولا يحضر في الموعد ولو قابلته بعد ذلك بالصدفة فلا يعتذر منك ويعتبر سلوكه طبيعي والأدهى من ذلك هو من يطلب الموعد ولا يحظر وذلك لغروره الكبير أو لانشغاله بالفهلوه على شخص أخر.
ومثال أخر : شخص يدعي معرفته بكل شيء لان لديه خزين من المعلومات ( حصل عليها من خلال تصفحه الأنترنيت ) وتلك المعلومات طبعا سطحية وذلك الشخص يقوم بنشر معرفته السطحية على الأخرين على إنها حقائق ثابتة ولو سألت شخص عن تفاصيل اكثر عن معلومة قد ادعى معرفته بها سوف يرسل لك رابط الأنترنيت الذي حصل من خلاله على المعلومة ولا يتمكن من تفسير حتى ما هو موجود في ذلك الرابط ومن هناك تبرز ظاهر مرضية هي ظاهرة الفهلوة وتطور مجتمع التفاهة الى الفهلوة هو تطور طبيعي لان التافه مع مرور الوقت يعتقد انه إنسان طبيعي وليس مصاب بمرض التفاهة وكذلك فان المجتمع المحيط بالتافه يعطيه ثقة بالنفس تجعله يتطور الى فهلوي.
ومثال أخر: أنت تعرض فكرة أو مقترح على شخص تافه وتقول له مثلا إني مرسل لك من قبل شركة كذا العالمية وتشرح له الأفكار فتراه منصتا لك لكنه في عالم أخر هو عالم التفاهة و لم يفهم ما تقول لأنه قد قام بتخزين معلومات مسبقة عن نفسه تعطيه الغرور بانه يعرف كل شيء وفجأة يرد عليك بشكل لا علاقه له بما عرضته عليه من موضوع.
مثال أخير: نتيجة لفوضى المعلومات لدى مجتمع التفاهة وعدم قدرتهم على فرز الحقائق فقد أصبح الكذب سلوك يومي لان التافه يعتقد إن لا أحد يدقق ورائه أو يعتقد بان الكذبة هي ليست كذبة لان في كل لحظة تظهر حقائق جديدة وهنا ضاع الفرق بين الحقيقة والكذب، وقد اختفى لدى التافه علم المنطق لديه بحيث لو قلت له اليوم سيزورنا على العشاء ناس من كوكب المريخ فانه سوف يصدقك. ويمكن أن ينقل تلك المعلومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الى مجتمع التفاهة فيتناقله التافهون والناس العاديين ويصاب المجتمع بالحيرة، وهناك تافهين يقولون: دعنا نتكلم فمن ذا الذي يدقق ورائنا؟ وهؤلاء أشخصهم بالنخبة من مجتمع التفاهة.
خلاصة القول إن عالم التفاهة يتطور الى عالم الفهلوة بعد إن اكتسب ثقة كافية بنفسه وأصبح مجتمع التفاهة مجتمع موازي للمجتمع الإنساني، لذلك يجب على الجهات الحكومية المسؤولة في العالم وضع أسس واضحة لعلم الأنترنيت والذكاء الاصطناعي لكيلا يتحول الى غباء اصطناعي يدمر المجتمع الإنساني.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
684 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع