نزع سلاح الميليشيات في العراق.. إيران تدير معركة النفوذ "بلا مواجهة"

(أ ف ب):مع بدء مسار نزع سلاح الفصائل العراقية، تتجه الأنظار إلى طبيعة الموقف الإيراني وحدود تأثيره في هذا الملف المعقد، خاصة أن هذه الفصائل تعد جزءًا من منظومة إقليمية أوسع، ترتبط حساباتها بما يتجاوز الساحة العراقية الداخلية.

ويأتي ذلك بالتزامن مع مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وارتفاع منسوب الضغوط الأمريكية التي جعلت ملف السلاح معيارًا سياسيًا وأمنيًا في تقييم مستقبل السلطة التنفيذية المقبلة.

سياسة طهران
ويبرز في هذا السياق ما قاله السفير الإيراني لدى بغداد محمد كاظم آل صادق، خلال لقاء متلفز، حين أكد أن بلاده "تحترم مسار الحكومة العراقية، لكنها تتعامل مع ما يحفظ حقوق المقاومة"، في إشارة فُهمت على أنها عدم قبول بخطوات تمس جوهر الدور الذي تؤديه الميليشيات المرتبطة بطهران داخل معادلات الإقليم.

واعتُبر تصريح الدبلوماسي الإيراني مؤشرًا على سياسة إيرانية قائمة على إتاحة مساحات مناورة للميليشيات الحليفة لها في بغداد، في ظل مرحلة إقليمية تتسم بإعادة ترتيب النفوذ بعد تحولات متسارعة شهدتها ساحات عدة في الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق، يرى الباحث والأكاديمي خالد الغريباوي أن "الفصائل ذات الارتباطات العقائدية والإقليمية العميقة، مثل حركة النجباء وكتائب حزب الله، لا يمكن فهم استجابتها المحتملة لمسار حصر السلاح بمعزل عن حسابات المحور الأوسع الذي تنتمي إليه".

ورجّح الغريباوي خلال حديثه لـ"إرم نيوز"، أن "يكون الخيار المفضل لدى هذه الفصائل هو إعادة توزيع الأدوار، عبر تخفيف الظهور العسكري العلني، وتعزيز الحضور السياسي والمؤسسي، والتحول إلى قوة ردع كامنة، بدلًا من الانخراط في مسار نزع سلاح كامل".

ويتقاطع هذا التقدير مع مواقف معلنة للفصيلين، إذ أكدت كتائب حزب الله رفضها أي حديث عن نزع السلاح أو التوصل إلى تفاهمات في الوقت الراهن، وربطت الملف بخروج القوات الأجنبية من العراق.

كما شددت الحركة على أن سلاحها مرتبط بحماية السيادة والشعب والمقدسات، وأن أي انتقال كامل إلى العمل السياسي مشروط بزوال التهديدات الخارجية.

وفي موقف متقارب، أكدت حركة النجباء، بزعامة أكرم الكعبي، المدرج على "لائحة الإرهاب" الأمريكية، أن بقاء القوات الأجنبية يمثل انتهاكًا للسيادة، وأن "المقاومة" حق مشروع ما دامت هذه الظروف قائمة.

ملف استراتيجي إيراني
من جهته، يرى الباحث الأمني كمال الطائي أن "إيران تتعامل مع مسار نزع سلاح الفصائل في العراق بوصفه ملفًا استراتيجيًا مرتبطًا بأمنها القومي الإقليمي، وليس شأنًا عراقيًا داخليًا فحسب".

وأضاف الطائي لـ"إرم نيوز"، أن "طهران لا تدفع باتجاه تسليم شامل للسلاح، لكنها في الوقت نفسه لا تشجع على صدام مفتوح مع الحكومة العراقية أو المجتمع الدولي".

وأوضح أن "السياسة الإيرانية تقوم على مبدأ إدارة التوازنات، عبر الإبقاء على أوراق القوة داخل العراق، مع السماح بهوامش حركة تكتيكية للفصائل، بما يخفف الضغوط السياسية والإعلامية من دون المساس بجوهر النفوذ".

ضغوط أمريكية
وتشير معطيات سياسية متداولة في بغداد إلى أن طهران تفضل عدم إصدار موقف رسمي حاد أو قاطع من ملف نزع السلاح، مكتفية برسائل دبلوماسية غير مباشرة، تترك هامش القرار للميليشيات نفسها، وتربط أي تحول جذري بتغيرات أوسع في المشهد الإقليمي، ولا سيما العلاقة مع الولايات المتحدة.

وتبرز هذه المقاربة في ظل تصاعد الضغوط الأمريكية، التي عبّر عنها مارك سافايا مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العراق، حين شدد على أن بيانات النوايا غير كافية، وأن نزع السلاح يجب أن يكون شاملًا ولا رجعة فيه، وهو ما دفع الفصائل الحليفة لإيران إلى التشدد في مواقفها، خشية أن يتحول الملف إلى مدخل لتقليص نفوذها السياسي والأمني.

وتذهب قراءات سياسية، إلى أن السيناريو الأقرب يتمثل في استمرار التأجيل المتكرر للملف، بحيث تبقى التصريحات المتبادلة قائمة من دون قرارات تنفيذية حاسمة، إلى حين اتضاح صورة الحكومة الجديدة، وتوازناتها الداخلية، وحدود قدرتها على فرض قرار سيادي في ملف يُعد من أكثر الملفات حساسية منذ عام 2003.

ويُعد فصيلا "حركة النجباء" و"كتائب حزب الله" من أكثر الفصائل ارتباطًا بإيران، في وقت لا تزال فيه مشاركتهما السياسية محدودة وغير واضحة المعالم، إذ تمتلك "كتائب حزب الله" تمثيلًا نيابيًا محدودًا لا يتجاوز 3 نواب، فيما تكتفي "حركة النجباء" بوجود مكتب سياسي من دون حضور مباشر داخل مجلس النواب، ما يؤشر إلى تفضيل الفصيلين الإبقاء على نفوذهما ضمن الإطارين الأمني والعقائدي أكثر من الانخراط الكامل في العملية السياسية التقليدية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1209 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع