عبدالجبار العتابي/بغداد: تدور في الوسط الثقافي العراقي تجاذبات تتوسع الى حد الصراعات والاتهامات التي تصل الى نقطة خطيرة جدا وهي الاشارة الى ان المثقف هو الاب المؤسس للطائفية !!، فيما تزداد الحيرة امام هذا الرأي الذي تتباين حوله وجهات نظر المثقفين انفسهم.
في ظل ما يعانيه المجتمع العراقي من بروز واضح للطائفية، يحاول المثقفون اخراج انفسهم خارج اطارها مؤكدين انهم اكبر من هذا السوء الذي يلتصق بالبعض لا سيما السياسيون منهم، الا ان هناك من لا يبريء المثقفين منها بل انه يجعلهم في قلبها ومن اسبابها بل انهم مشعلو حرائقها ومثيروها، وهو اتهام خطير لا يمكن النظر اليه بعين الاهمال او عدم الاهتمام، فالمثقف الذي يجب ان يكون على مستوى عال من المسؤولية لا يمكن ان يتساوى مع الذي يشار اليه بالجهل او غير المثقف او غير المتعلم، وصولا الى السياسي الذي تحوم حوله الشبهات وتشير اليه الاتهامات بأنه المثير للطائفية بتصريحاته والبحث عن مصالحه الى غير ذلك،فقد يرى البعض في انتماء البعض الى الاحزاب وتسمية نفسه ناطقا لها ومعبرا عن نهجها وبرامجها ومدافعا عنه في الندوات واللقاءات..سبة تؤدي الى تخليه عن ما تمنحه الثقافة من ارتقاء، فهل فعلا المثقف كما يقال عنه؟.
فقد ايد الكاتب رباح آل نوري مشيرا الى المنظومة الثقافية، وقال: عندما أقول إن المثقفين هم الآباء المؤسسون للطائفية. هنا أتحدث عن منظومة ثقافية وإعلامية ودعائية متكاملة تشكلت في المجتمعات عبر العصور بمختلف وسائل تهييج مشاعر الرأي العام واستثارته بالقصيدة، بالمنبر، بالكتاب، بالإذاعة والتلفزيون، بالصحافة، باللوحة والأغنية والمسرح، لا أتحدث هنا عن مثقفين أفراد أو مجموعات متصالحة مع نفسها ومع الآخر. أمقت كلمة ( الآخر ) لكن هذا هو واقع المشهد، أعلم أن هناك من المثقفين وبينهم أصدقاء وزملاء يضعون أقلامهم فداء لقيم الوطن والمواطنة من أجل ما يعتقدون أنه حق. لكنني أتحدث عن منظومة ثقافية وإعلامية تريد تسميم الأفكار، وتفخيخ الأغاني، وتفجير التاريخ. أن تصنع جيشا من الظلاميين.
واضاف: لم يعد غريباً في العراق اليوم أن يُخرجوا الطبري من قبره تارة أخرى، ليحاكموه على كتابه ( الأمم والملوك ) ويعلقوه في حبل مشنقة.. أو يلقوا القبض على ابن خلدون، أو يصادروا رأس الجاحظ، أو يحبسوا ابن الأثير، أو يحرقوا مخطوطات المسعودي.. فكلّ شيء مباح ما دام مدوّن التاريخ يكتب لحساب هذه الجهة، أو يقبض من تلك بلا حساب.. متعللاً بقصيدة للرصافي رأى في بيت من أبياتها، أن كلّ كتب التاريخ بما روت لقرائها، ما هي إلا حديث من الخرافة والتلفيق،عندما يسألون الألماني: لماذا بلدكم جميل وعظيم؟.. فإنه يجيبهم: إننا خرجنا من الحرب لنتعلّم كيف ندفن الثارات، ونجعل من بلادنا وطناً حدوده السماء.. تعلّمنا كيف نغادر عصر البكاء على الأطلال، ونبني خراب الحروب، ونستبدل الثكنات بناطحات السحاب.
وتابع: يؤسفني أن أقول لك إنني وجدت كثيراً من المثقفين انحازوا إلى طوائفهم لا إلى وطنهم. هؤلاء مثقفو طواحين الهواء، لا الثابت لديهم يبقى ثابتاً ولا المتحول يبقى متحولاً، هناك شعراء ببغاوات، صاروا تجاراً يزنون قصائدهم لا بـ ( ميزان الذهب ) كتاب أحمد الهاشمي الشهير، إنما يزنونها بميزان الطائفة والربح والخسارة
اما الشاعر مروان عادل فقال: بينما يدّعون مايدّعون، يظل داخل كل واحد منهم واحد آخر منهم يسهر على قذاراتهم، لولا ان خطاب الثقافة المفترض هو الانسان في ذاته ﻻ في انتماءاته لجاهر ثلاثة ارباع مدعي الثقافة بطائفيتهم لكنهم يعتقدون الثقافة ادعاء لذلك هم يسايرونها فيما تدعي شخصيا انا اتصت لقلوبهم كثيرا وكثيرا ما تعمل عندي الترجمة الفورية لكل ما يقولونه فلكل مفردة على لسانهم مفردة تعاكسها في دواخلهم
واضاف: تأكد ان اﻷرهاب الذي يحاربه المثقف السني هو اﻷرهاب الشيعي، والارهاب الذي يحاربه المثقف الشيعي هو الإرهاب السني والطائفية التي يمقتها الاثنان هي طائفية احدهم التي يحملها تجاه طائفة الآخر وبالنتيجة طائفيون، لكن مايختلفون هم به عن عامة الطائفيين الذين يملؤون البلد هو كونهم طائفيين مثقفون باستطاعتهم ان يدعوا عكس ما يحملونه
فيما قال الكاتب عبد المنعم الاعسم: ليس صحيحا القول بابوة المثقفين للطائفية..، في رأيي انها محاولة لتصريف المسؤولية وإبعادها عن المشروع السياسي الذي يعد الاب الشرعي لها، لانه المستثمر الوحيد لهذا الحقل، على مر العصور، فلم تتاجج الطائفية يوما إلا وراؤها روافع سياسية، وطبعا ينخرط فقهاء ودعاة واسياد حرب وبعض المقفين في خدمتها.. واستطيع القول ان شرارة معارضة الطائفية تبدأ دائما من الوقدة الثقافية وعلى يد مثقفين طليعيين.
اما الناقد محمد يونس، فقال: اعتقد تماما ان المعادة مغلوطة وان المثقف هو قطب التعددية الثقافية والسلم الاجتماعيين رغم ان البعض في اطار الاسم وهو العنوان الاساس قد يبدو طائفيا، ولكن لا يعني ذلك الا بعد غير مضموني للقضية، وطبعا كل تعميم فيه نسبة مما لا يتفق معه كليا، وبعض الادباء اذا اعتبرنا المثقف موقفا وطنيا، فهم قد تركهم طائفة او ايدلوجيا دينية، ومن الطبيعي ان يلتزم بما لها من فكر ويسلم، وهذا موجود حتى لدى الذين ينتمون الى احزاب علمانية، والمسالة في هذا الجانب معقدة وغير واضحة وليس من السهل الوقوف على جميع ابعاد القضية، ومؤكد ان التغيرات تلعب دورا هنا في التاثير او تغيير المسار.
واضاف: ان تعبير مثقف ضخم وواسع وطبيعي فيه نسبة من الايدلوجيا بكل الاحوال، وهذا مايجعل فكرة ان يكون ابا للطائفية، لكن ايضا هو طاقة خلاقة ومنظم ايضا، وهناك موجهات استجابة لديه لما يتفق مع منطلقه التفكيري، او يتوافق مع رؤياه التي يعول عليها، ولكن الاشكالية تكمن في مرجعيات المثقف، فان كانت تلك المرجعيات متحررة من قيود القبيلة والتدين والتبعية الايدلوجية، فان ذلك طبيعي يكون له جدوى وفائدة ويعول عليه، ويكون منتجا للحقوق وامينا عليها، وان كانت على العكس تلتزم بتلك المرجعيات كمقومات اساس، فأن المثقف سيتخلخل دوره بمستوى واضح، وسيفقد ارادته بنسبة كبيرة، وطبيعي سيكون هنا طائقيا، وفي رأيي تسقط هويته الوطنية هنا ولا يكون بمقامها، لأنه سيكون خطرا وعاطفيا وغير مدرك لحق الاخر، ورجعيا بمستوى ضار ووضيع، اعتقد ان هنا تكمن اسس العلاقة بين ابوية المثقف للطائفية من التخلي عن شرعية الابوة.
من جانبه قال الشاعر حمدان طاهر المالكي: المثقف العراقي بصورة خاصة بعد 2003 تعرض لحالة تشظي واضحة، بعض المثقفين ينتمون لاحزاب دينية وجهات سياسية معروفة الشكل والنهج وهؤلاء وضعوا ثقافتهم وراء ظهورهم واصبحوا ناطقا رسميا بأسم الجهات التي ينتمون اليها، والبعض الاخر لاينتمي ولكن كان له نصيب من القول الطائفي نتيجة ضغط البيئة والمدينة والشارع الذي منه خرج قلة قليلة حافظت على الاعتدال وهؤلاء دائما خلف الكواليس.
واضاف: هناك ازدواجية واضحة عند المثقف العراقي حين يعلن علمانيته ومدنيته ثم يروج لامور مخزية، نعم للاعتزاز والانتماء للطائفة دون التعصب واخراج الاخر المختلف من دائرة الانسانية والمواطنة، وبصراحة.. هناك اعلام طائفي واضح وهناك صحف صفراء طائفية وهذه المؤسسات لها طبعا رجالها اما مسألة المثقف من انه مؤسس فأنا لست مع هذه المقولة، المثقف في العراق لايصنع الحدث وانما قوله وفعله دائما هو رد فعل سواء اتفقنا معه ام اختلفنا.
الى ذلك قال الكاتب هادي الحسيني: في السابق لا احد من الادباء يعرف الطائفية ولم يقتربوا الى منطقتها ولا حتى بالتلميح لها، بدليل ان جيلنا الثمانيني والتسعيني لا يعرف هوية شعراء العراق الكبار الطائفية ولا حتى ديانتهم سواء كان مسلما ام مسيحيا، كانت الهموم ادبية، ابداعية محضة. ولهذا لم يقترب احدا من الطائفية، لكن بعد عام ٢٠٠٣ والزلزال الذي اسقط نظام صدام الدكتاتوي برزت الطائفية خاصة بعد سيطرة الاحزاب الاسلامية على المشهد السياسي وقامت تلك الاحزاب بتنصيب ادعياء على الثقافة العراقية ومن الطائفيين ! واصبح هؤلاء مثل آ باء ومؤسسين للطائفية بعد ان انظمت اليهم مجاميع من الادباء والمثقفين لتفكيك النسيج الانساني داخل العراق وكذلك انسحب الامر على النصوص الابداعية واصبحت لا تخلو من الطائفية التي اسس لها مثقفو ما بعد ٢٠٠٣ !.
واضاف: الطائفية آفة دمرت العراق ارضا وشعبا وقضت على تاريخ ثقافي كبير. لكن بالمقابل ستنتهي هذه المرحلة لا محال، فلم يبق سوى الثقافة والابداع الحقيقي وسينتهي دور مضحك مارسه آباء طائفيون في هذا الظرف العصيب.
وقال الكاتب والاعلامي عدي الهاجري: اعتقد ان المثقفين العراقيين شريحة كبيرة في المجتمع العراقي لكنها مغيبة، ولا يعلم السبب الكامن وراء ذلك، ربما هناك بعض الاسماء الثقافية التي تلعب على حبال الطائفية او المدينة العائد لها، لكن نسبتها قليلة ولا يمكن ان تكون مساهمة في تأسيس التخندق الطائفي في العراق.. ينبغي على هذه الشريحة ان يكون لها دور اكبر في الفترة القادمة وان تساهم في اعادة بناء المواطن العراقي، وان لا تكتفي بالجلوس في المقاهي والنوادي الثقافية ويكون دورها اكبر في الواقع العراقي بشكله العام.
1220 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع