أبو مرتضى والد الجندي المصاب
المدى برس/الديوانية:لم يتمكن أبو مرتضى (63 سنة) من أهالي الديوانية، من حبس دموع عينيه، حين تذكر طفولة ابنه، ولعبه مع أخوته وأبناء الجيران وعشقه لتمثيل دور الجندي دائما ليقاتل الأعداء ويدافع عن قطعة أرضهم الزراعية، في ناحية السدير (10 كم جنوب مركز مدينة الديوانية)، اذ ان الدموع انهمرت رغما عنه وهو يراه راقدا لا يقوى على تحريك جسده او الكلام، لكثرة الإصابات التي تعرض لها بعد ان انفجرت عبوة ناسفة بسيارته، وقتلت زملاءه وتركته يعاني الم الذكريات والجراح، فيما يؤكد أن وحدة أبنه العسكرية تطالبه "إما بالالتحاق أو عدّه هارباً".
ويقول أبو مرتضى، محمود كامل محمود، في حديث الى (المدى برس)، إن "مرتضى أب لخمسة أطفال وأخ الى أربعة، تطوع قبل ستة أعوام ليحقق حلم طفولته في ان يدافع عن بلده، ويرفع بنا رأسه"، مشيرا إلى أن "مرتضى أصيب في الثامن من أيار الماضي، بعد ان انفجرت عبوة ناسفة بسيارته التي تحمل أعتدة لإنقاذ السرايا اثناء معاركها مع الإرهاب في منطقة جرف الصخر".
ويضيف محمود أن "ولده مصاب بكسرين مركبين في ساقه الشمال، وكسر مركب في ذراعه اليمين، وتهشم فكه الأسفل، ناهيك عن الشظايا التي ملأت جسده"، معربا عن أسفه "لعدم وصول أحد مسؤولي وحدته أو ممثل او مندوب لوزارة الدفاع لزيارته أو الاطمئنان عليه، ومعرفة حاله بعد أن ضحّى بحياته من أجل الوطن".
ويطالب والد الجندي "القائد العام للقوات المسلحة، ووزير الدفاع وآمر وحدته بإيجاد حل لعلاج ولده خارج القطر، بدلا من رميه في مستشفى الديوانية التعليمي، من دون اية متابعة إلا من الأطباء والممرضين الذين لم يتركوا سبيلا إلا واتخذوه من اجل علاج الجرحى في الردهة، لكن الإمكانيات متواضعة"، متسائلا عن "أسباب إهمال المسؤولين في الوزارة والوحدة لولدهم الذي لم يصب في منزله بمشاجرة، بل أثناء آدائه واجبه في جبهات القتال، حيث دماء أبنائنا تكون تضحية من أجل أن يبقى فلان وفلان بمناصبهم في الحكومة".
وبشير أبو مرتضى إلى ان "جراح ولدي وإخوته في القوات المسلحة واستشهادهم وتضحياتهم بأنفسهم، لم تشفع لهم بعد أن ورد أخوه مكالمة من وحدته تطالب بالتحاق مرتضى فورا وإلا فإنهم سيقطعون مرتبه ويعدونه هاربا من الخدمة، على الرغم من أنه شبه جثة هامدة تعاني الألم والوجع طيلة الوقت من أثر الإصابة".
وليس بعيدا عنه يقول الجندي أحمد غالي غاوي، الذي يرقد بسرير مجاور بردهة الكسور بمستشفى الديوانية التعليمي، في حديث الى (المدى برس)، "أنني أصبت بإطلاقة قناص، في معارك الملاحمة بمدينة الرمادي، بعد أن دخل الفوج الثالث التابع الى اللواء (40) في الفرقة العاشرة الى المدينة، في (25 أيار الماضي)"، موضحا أن "الرصاصة سببت لي كسرين في الكتف، ونزفا داخليا أتعبني للغاية".
ويلفت غاوي إلى أن "وحدته لم تفعل شيئا له سوى تقديم الإسعافات الأولية ونقله الى المستشفى فاقدا للوعي، ولم يسأل عنه أي من أفراد وحدته، ورمينا هنا كما يرمى العجزة او اللقطاء"، مشيرا إلى أن "المشكلة تكمن في منح وحداته إجازة مرضية له مدة 20 يوماً فقط، وتطالبني بالالتحاق الى الرمادي، وأنا لا استطيع التنفس فكيف لي بالالتحاق او تحمل أعباء الطريق والسفر".
ويوضح غاوي أنه "متطوع منذ عام 2007، وشارك في الكثير من المعارك ضد القاعدة وقوى الإرهاب"، وأعرب عن "خيبة أمله، بعدم إرسال وزارة الدفاع مبعوثاً منها للاطمئنان على الجرحى والسؤال عنهم وتفقد حاجاتهم، وللأسف أن يرمى الجندي كما ترمى الفضلات بعد الانتهاء منها في مكب".
ويتابع أن "الجندي في زمن النظام السابق حين يستشهد تكافأ أسرته وتميّز بالكثير من الامتيازات والمكارم، أما من كان يجرح فتتبنى الحكومة علاجه ويحترم ويقدر ويعوض، واليوم نحن لا نريد مكافأة او هبة من أحد، بل نريد إجازة مرضية حتى تشفى جراحنا لا أن يتم استدعاؤنا الى الالتحاق للقتال بهذه الوضعية".
وبجواره يرقد الجندي، كاظم كاطع، من أهالي محافظة المثنى، (يبعد مركزها 270 كم جنوب بغداد)، بالكاد يجر أنفاسه ويقول في حديث الى (المدى برس)، أن "القوة التي كنت معها، تعرضت الى إطلاق نار كثيف في منطقة الراشدية، من قبل مجموعة إرهابية، فأصبت بطلقات عدة سببت لي كسورا مركبة في يدي اليمنى وتهشما بيدي اليسرى"، مبينا أن "الحادث وقع قبل 20 يوما، وللأسف لم يصلني أحد من مسؤولي وحدتي، على الرغم من أن انتسابي الى الوحدة كان قبل ست سنوات".
وأعرب كاطع استغرابه من "مطالبة وحدته بالتحاقه فورا، وحالته الصحية لا تسمح له حتى بالكلام فكيف بي الانتقال وركوب السيارات والوصول الى وحدتي بهذا الحال"، ويوضح أن "العلاج وشراء الأدوية أثقلني كثيرا، ولا أعرف كيف سأدبر إيجار بيتي ومصرف ولديّ حسين وآيات وأمهما، أو من سيتكفل بمعيشتهم، لاعتماد عائلتي على مرتبي بالكامل وليس لنا مورد معيشة آخر يمكن أن يؤمن لي ولهم احتياجاتهم فيما لو قطع راتبي ان لم التحق الى وحدتي خلال يومين".
فيما يرى شقيقه طالب كاطع، في حديث الى (المدى برس)، أن "رمي حماة الوطن ودرعه الذين استتر بهم رئيس الوزراء وغيره، أمام باب مستشفى الكندي من الساعة الثانية عشرة ليلاً حتى الثانية عشرة ظهراً، من دون علاج، الأمر الذي اضطرنا الى نقله الى مستشفى الرحمة الأهلي، يبعث إشارة خطيرة ليس لأخي فقط بل الى من يراه من أخوته الجنود وما ينتظرهم من مصير".
ويتابع أن "العملية التي أجريت له في مستشفى الرحمة، كلفتنا ثلاثة ملايين دينار، نقلناه بعدها الى مستشفى الديوانية التعليمي هربا من المصاريف وغلاء الأدوية"، ويتساءل "ماذا لو كان أخي ابنا لرئيس الوزراء أو أحد المسؤولين أكان ملقياً هكذا؟"، داعيا "رئيس الوزراء إلى الانتباه إلى أبنائه إن كان راعيا لهم، خاصة وأننا لا نمتلك القدرة على تكفل نفقات العلاج والسفر وغيرها حتى يشفى أخي".
من جانبه يقول رئيس لجنة الصحة في مجلس محافظة الديوانية، باسم الكرعاوي، في حديث الى (المدى برس)، إن "لجنتنا رصدت وصول نحو ثلاثين جريحا من أبناء قواتنا المسلحة، الى مستشفى الديوانية التعليمي، أصيبوا جراء المعارك الدائرة غربي البلاد والمدن الساخنة، حالة أغلبهم خطرة"، مشيرا إلى "مطالبة ذوي الجرحى للجنتنا بالتدخل لنقل معاناتهم في طلب وحداتهم بالتحاقهم خلال موعد أقصاه عشرون يوما، وهم في حالة صحية حرجة، وعرضها أمام رئاسة الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الدفاع".
ولفت الكرعاوي إلى ان "أغلب الإصابات بليغة والجروح خطيرة تحتاج الى إجراء عمليات جراحية عدة تتطلب أشهر للشفاء، لكن تهديد الوحدات بقطع رواتبهم جعلهم بين مطرقة الألم وسندان قطع الراتب الذي يعيلون به أسرهم"، مطالبا "القيادة العامة للقوات المسلحة ورئاسة الوزراء ووزارتي الدفاع والداخلية، بتعويض الجرحى والتكفل بعلاجهم، بدلا عن التلويح بقطع مرتباتهم، ليكون حافزا لزملائهم يسهم في رفع معنوياتهم في التصدي لقوى الإرهاب".
ودعا رئيس لجنة الصحة "وزارة الدفاع الى تعميم كتابها على المؤسسات الصحية لنقل جميع الجرحى الى الطوابق الخاصة، لا أن يقتصر التعميم على جرحى العمليات العسكرية الدائرة في الانبار فقط واستثناء الآخرين منها إذا ما سقطوا في أماكن أخرى، على الرغم من أنهم تابعون الى وزارة واحدة".
يذكر أن محافظة الأنبار، مركزها مدينة الرمادي، (110 كم غرب العاصمة بغداد)، تشهد عمليات عسكرية واسعة النطاق تستخدم فيها مختلف الاسلحة بما فيها الأسلحة الأميركية والروسية التي بدأ العراق باستيرادها ضد التنظيمات المسلحة، وتوتراً شديداً على خلفية اعتقال القوات الأمنية النائب عن قائمة متحدون، أحمد العلواني، ومقتل شقيقه، فضلاً عن مقتل ابن شقيق رئيس مجلس إنقاذ الأنبار، حميد الهايس، ونجل محمد الهايس، زعيم تنظيم أبناء العراق، في (الـ28 من كانون الأول 2013 المنصرم ).
1208 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع