كما يُقال في أحد الأمثال المشهورة “الحاجة أُم الاختراع” ولعلّ أشدُ أوقات الحاجة هي أوقات الحروب.
خلال الحرب العالمية الأُولى كانت الدول المنخرطة في الحرب تمر بأوقات صعبة وتحديات فرضت على شعوبها أن تعمل بلا راحة لخدمة وطنها وكانت النتيجة في النهاية ما نستمتع به اليوم من تقنيات متقدمة وتكنولوجيا.
في الواقع الجيوش ووزارات الدفاع في أي دولة تحظى دائماً بأفضل مراكز الأبحاث والتطوير والتمويل، لذا نلاحظ أن الكثير من التقنيات الحديثة منبعها في الأصل من مراكز أبحاث الجيوش والتي ما إن تطمئن أنها لم تعد بحاجة لهذه التقنيات أو أنها توصلت لما هو أفضل منها تتركها للمدنيين.
في السطور القادمة نستعرض سوياً بعض الاختراعات والابتكارات التي كانت نتيجة من نتائج الحرب العالميه الاُولى.
الاتصال بالطيارين
قبل الحرب العالمية الأولى لم يكن بإمكان الطيارين أن يتواصلوا مع بعضهم البعض أو مع أي أحد على الأرض، وكان المسؤلون عن حركة الطيران يعتمدون على الإشارة والصراخ لتسهيل عملية الإقلاع والهبوط.
في ذلك الوقت كانت موجات الراديو “التي نستخدمها في معظم وسائل الاتصالات حالياً” قد تم اكتشافها فعلياً ومُستخدمة في بعض التطبيقات ولكن كان يلزمها بعض التطوير ليصبح استخدامها في الاتصالات العسكريه ممكناً، في عام 1916 حدثت تلك التطوّرات وأصبح بإمكان الطيارين التواصل لاسلكياً مع بعضهم البعض ومع رفقائهم على الأرض.
أكياس الشاي
من الابتكارات التي رأت النور مصادفة أثناء الحرب أيضاً، أكياس الشاي .. كان أحد تجار الشاي الأمريكيين يبيعُ الشاي في أكياس صغيرة وبشكل مباشر أو غير مباشر تم وضع أحد هذه الأكياس في الماء وأصبحت منذ ذلك الوقت أكثر من مجرد وسيلة لتوصيل الشاي.
فيما بعد شركة ألمانية قامت باستغلال الفكرة في بيع الشاي وأطلقت عليها “قنابل الشاي”.
المعدن المقاوم للصدأ – ستانليس ستيل
أحد أهم المعادن المستخدمة في العصر الحديث ويتميز بمقاومته للصدأ والقوة، في مدينة شيفيلد البريطانية الشهيرة بصناعة المعادن نشأ Harry Brearley وهو مهندس معادن بارع.
في عام 1913 واجه الجيش البريطاني مشكلة مع بنادقه حيث كانت الأجزاء المعدنية للبندقية تتعرض للتشوّه والإنحناءات بعد إطلاق النار لذا طلب من هاري أن يجد حلاً لهذه المشكلة.
وبدأ هاري تجاربه بإضافة الكروم إلى الفولاذ ولكن سرعان ما تخلى عن هذه الفكرة وبحث عن غيرها ثم بعد فتره اكتشف أن تلك المعادن التي تركها في معمله لم تتعرض للصدأ وهذه كانت نشأة ذلك المعدن.
السحّاب
يُعد السحّاب أحد أهم وأشهر الإختراعات التي لا يمكننا الإستغناء عنها وتكاد ملابسنا لا تخلو منه، منذ منتصف القرن التاسع عشر والناس تستخدم الخطاطيف أو المشابك لغلق ملابسهم عليهم إلى أن توّصل المهاجر الأمريكي من أصل سويدي Gideon Sundback إلى اختراع السحّاب “السوسته”ليستخدمه الجيش الأمريكي في ملابس الجنود وأحذيتهم في الحرب العالمية الأولى ثم أصبح متاحاً للاستخدام المدني بعد ذلك.
ساعة اليد
قبل الحرب العالمية الأولى كان من الشائع للرجال وضع الساعات في جيوبهم وكانت النساء تعمد إلى ربطها بسلسة حول أيديهم، مع دخول وقت الحرب أصبح للوقت قيمة وأصبحت الدقائق والثواني ذات تأثير لا يمكن إهماله خاصة لدى جنود المدفعية والمشاة حيث تبدأ هجماتهم بالتزامن فيما بينهم لكي لا يصيب أحدهم الآخر، لذا دعت الحاجة لاستخدام الساعات وفي نفس الوقت الحفاظ على حرية اليدين ومن هنا ظهر ابتكار ساعات اليد واستمر استخدامها بعد الحرب وكانت تُعبِّر عن الرفاهية والانضباط.
السجق النباتي
سجق الصويا “مصنوع من فول الصويا” اخترعه Konrad Adenauer وهو جنرال ألماني كان مسؤلاً عن مدينة Cologne، بعد فرض بريطانيا لحصارها على ألمانيا بدأت المجاعات وعندها فكّر Konrad في حل وبدأ في استبدال المواد النادرة والغير موجودة بمواد أخرى متوفرة لصناعة الطعام، حيث استبدل القمح بدقيق الأُرز والشعير ودقيق الذره لصناعة الخبز واستبدل اللحم بالسجق الذي استخدم فول الصويا لصناعته بدلاً من اللحم وأطلقو عليه “سجق السلام” وهي مفارقه عجيبة إذ تم إختراعه وقت الحرب وليس السلام.
التوقيت الصيفي
بالرغم من أن Benjamin Franklin إقترح فكرة تقديم الوقت في الربيع وتأخيره مرة أخرى في الخريف إلا أن أحداً لم يلتفت للإقتراح حتى بدأت الحرب العالمية الأولى.
حين واجهت ألمانيا نقصاً في مخزون الفحم لديها قررت السلطات أنه بدءاً من 30 أبريل 1916 سيتم تقديم التوقيت بمقدار ساعة وبالتالي تقليل اعتماد المواطنين على الفحم.
بعد ذلك انتشرت الفكرة وبالرغم من هجرها بعد الحرب إلا أن بعض الدول قررت استخدامها مره أخرى لخدمة أغراض مختلفة.
المصباح الشمسي
في شتاء 1918 أُصيب نصف أطفال برلين بمرض “كُساح الأطفال” والذي يسبب تكلس وتليّن العظام فتظهر مشوهة ومقوسة، وسبب المرض هو نقص فيتامين دال وقد كان الفقر هو العامل الأكبر في انتشار المرض، لاحظ Kurt Huldschinsky والذي قرر البحث عن علاج لهذا المرض أن معظم المصابين كانت ألوانهم شاحبة وبدأ تجاربه بوضع أربع مرضى أمام مصابيح الزئبق والكوارتز “أكسيد السيليكون”والتي تطلق أشعة فوق بنفسجية واكتشف أن العظام تصبح أقوى بعد التعرض لذلك الضوء.
اكتشف الباحثون بعد ذلك أن الأشعة فوق البنفسجية تساهم في إطلاق التفاعل الذي يسمح لفيتامين دال ببناء العظام باستخدام الكالسيوم.
المناديل الورقية
خلال عام 1920 ظهرت فكرة صناعة المواد الورقية باستخدام السليولوز وبعد عدة تجارب تم ابتكار المناديل الورقية التي نعرفها اليوم تحت اسم Kleenex.
المناشف الصحيه
ظهرت فكرة تصنيع المواد من السليولوز والقطن قبل الحرب العالميه الأُولى وهي مواد ذات قدرة على الإمتصاص تعادل خمس أضعاف القطن وبنصف السعر تقريباً، عندما اندلعت الحرب كان معدل إنتاجها 500 قدم في الدقيقة وتستخدم كحشو لضمادات الجروح واستخدمتها الممرضات أيضاً في النظافة الشخصية ، بعد إنتهاء الحرب قامت الشركه المصنّعه بترويج منتجها للمدنيين كمناشف صحية للنساء.
1028 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع