الإخفاق العراقي.. مسؤولية من؟

      

            نتيجة للتعصب الديني والانفجار الطائفي

فريدة جيتس .. محللة سياسية أميركية:مع تداعي العراق وسقوطه المريع ينخرط الجميع في لعبة تبادل التهم وتحميل المسؤوليات، فـ«اليسار» الأميركي يقول:

ما يجري في العراق حالياً من انهيار يهدد سلمه الأهلي يتحمل مسؤوليته جورج بوش الابن، فيما يصر «اليمين» الأميركي على أن اللوم كله يُلقى على عاتق أوباما بسبب تقصيره طيلة الفترة السابقة، فأيهما على حق يا تُرى؟ الحقيقة أن ما يشهده العراق هو انفجار كبير للتعصب الديني والغضب الطائفي، والإرهاب الأهوج في وجه الجميع، والنتيجة اجتياح الراديكاليين من متطرفي «داعش» مناطق واسعة من غرب العراق، وانسحاب مخجل للجيش العراقي ينذر بعواقب وخيمة تنتظر العراق، وربما الجوار أيضاً، فالعراق مهدد بالانهيار التام والتحول إلى دولة فاشلة يعوزها الاستقرار ومنقسمة إلى مناطق متناحرة، كما أن البلد قد يتحول إلى قاعدة جديدة لشن الهجمات على الغرب، وبقية دول الشرق الأوسط، فيما قد تتحرك إيران التي أبدت بالفعل تأهبها لمساعدة ودعم نظام المالكي المتحالف معها.

وفي خضم كل ذلك لم يحسم الغرب موقفه، حيث ما زالت واشنطن ولندن تدرسان الطريقة الأمثل للتعامل مع الموقف، فيما يقف الشرق الأوسط متفرجاً على ما يجري في الوقت الذي تصدر فيه «داعش» تهديداتها الواضحة لكل الأنظمة في المنطقة، ما يعني أن ما ينتظرهم قد لا يختلف كثيراً عما يعانيه النظام العراقي حالياً من فشل، بعدما نجحت بضعة آلاف من الميلشيات المتطرفة في دحر جيش بأكمله.

هذا الوضع الذي يعيشه العراق ولعبة تبادل التهم يذكرنا بمقولة جون كيندي من أن «للنجاح آباء عدة فيما يظل الفشل يتيماً»، وإن كان عكس المقولة هو ما ينطبق على العراق، حيث للإخفاق عدة مسؤولين، أما النجاح فغير موجود أصلاً. ولعل أول من يتحمل مسؤولية الفشل، بل يمكن وصفه بعراب الإخفاق نفسه، هو رئيس الوزراء، نوري المالكي، فقد حكم العراق كسياسي طائفي، وكان همه الوحيد الانتقام من السُنة وتقسيم بلد يعاني أصلاً التشظي وعدم الاستقرار، وليس غريباً والحالة هذه أن يخلع الجنود زيهم العسكري، رافضين مواجهة فلول «داعش» المتقدمة ومحاربتهم من أجل الوطن، حتى وثاني أكبر مدينة عراقية تسقط في أيدي المتطرفين، وللتذكير فقط فتنظيم «داعش» الذي دخل الموصل قبل أيام هو أكثر تطرفاً من القاعدة نفسها، بل إن هذه الأخيرة تبرأت منه، ورفضت أساليبه الموغلة في وحشيتها، وقبل أن تتحول إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، كان نفوذها في السابق مقتصراً على العراق لوحده. ومهما كانت المسؤولية الكبرى التي يتحملها الساسة العراقيون في عدم التوجه نحو المصالحة الشاملة، وعجزهم عن التوصل إلى تفاهمات، تبقى الحرب في سوريا عاملاً آخر أدى إلى الوضع الحالي في العراق، لكن قبل ذلك دعونا أولاً نلقي نظرة على الدور الأميركي في الموضوع.

فتنظيم «داعش» هو أحد ورثة الجماعة التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي في العراق، وقاتل من خلالها الأميركيين أثناء وجودهم في البلد، وهو نفسه الذي لقي حتفه على يد القوات الأميركية، لكن أيضاً ومن دون التدخل الأميركي الذي قاده جورج بوش في العراق، واحتلاله البلد ما كان لهذا التنظيم أن يرى النور، وبالطبع لا أحد ينكر القتل الطائفي في العراق الذي لا علاقة له بأميركا، كما أن أكثر العراقيين قتلوا على يد صدام حسين، إلا أنه مع ذلك يعد الوضع العراقي الراهن من إفرازات الغزو الأميركي، دون أن يعني ذلك تحميل المسؤولية لبوش وحده، ذلك أن الأزمة الحالية هي أيضاً من نتائج سياسة أوباما، فـ«القاعدة» في العراق كانت على وشك التلاشي عندما غادرت أميركا هذا البلد عام 2011، وبعد أن قتلت الزرقاوي في 2006 استعاد العراق بعض هدوئه، وعمت فترة من الاستقرار النسبي، ثم حدث أن اندلعت الحرب في سوريا لتنطلق بعدها الأحداث التي قادت إلى دخول «داعش» للعراق، ورغم مناشدات الجماعات المعتدلة ضمن المعارضة السورية بالحصول على السلاح، ظلت إدارة أوباما مصرة على رفضها، ما أتاح الفرصة للعناصر المتطرفة، حيث تمكنت «داعش» من السيطرة على أراض واسعة في شرق سوريا وشمالها، وأسست نظامها الخاص القائم على المحاكم الشرعية، وفرض العقوبات على المدنيين.

وفيما اكتسبت «داعش» وغيرها من التنظيمات المتطرفة زخماً وقوة في الصراع السوري، ظلت أطياف المعارضة الأقرب إلى التوجه الأميركي والمعتدلة في نهجها مهمشة وضعيفة.

وبالموازاة مع الحرب السورية كان المالكي في العراق يتصرف مِصداقاً لما كان يخشاه الخبراء لدى مغادرة القوات الأميركية، حيث تصاعد العنف الطائفي، وساءت الأوضاع السياسية والأمنية، وفيما كان البعض في أميركا يحاول إبقاء عشرة آلاف جندي في العراق لمنع المالكي من نسف ما تحقق من مكاسب، توقف ذلك كله فور مجيء أوباما إلى السلطة، فهذا الأخير الذي بنى حملته الانتخابية على إنهاء حرب العراق أراد قوة أصغر لا تتجاوز ثلاثة آلاف جندي، بل حتى هذه القوة الصغيرة لم يكتب لها البقاء في العراق، بعدما فشلت المفاوضات مع المالكي في التوصل إلى تفاهم بشأن الحصانة القانونية للجنود.

وبين الفشل في دعم المعتدلين بسوريا وعجز إدارة أوباما عن إقناع العراق بإبقاء بعض القوات في البلد كانت الأرضية مهيئة لبروز الوضع الحالي، وفيما تتعدد الجهات التي تتحمل مسؤولية الأزمة العراقية، سواء كان العراقيون، أو الإيرانيون، أو النظام السوري، أو توزيعها بين بوش وأوباما، يبقى الأكيد أنها لن تفيد في وقف زحف المتطرفين على العراق، كما لن تجدي في التخفيف من حجم الكارثة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

918 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع