الإبراهيمي: قلت للسيستاني إن الحرب السنية - الشيعية قد تدوم ثلاثين سنة إذا اندلعت اهدى الأميركيون العراق لايران فراحت تتصرف بوصفها «الدولة المهمة» في الاقليم
الحياة - باريس - غسان شربل :الأخضر الإبراهيمي حذر باكراً من احتمال انتقال النزاع في سورية إلى ما وراء حدودها. والأخضر يعرف الملف العراقي، فقد كلفته الأمم المتحدة في 2004 بمساعدة العراقيين على تشكيل حكومة تتولى استعادة السيادة من الاحتلال الأميركي.
> بماذا تشعر حين تسمع أن تنظيم «داعش» استولى على مساحات واسعة من العراق؟
- مشاعر كثيرة تتسارع لدى الإنسان حين يعرف بتطور من هذا النوع. للأسف أن هذا قد حصل، وكنت قد حذرت من أن ما يجري في سورية يصعب ضبطه داخل أراضيها في حال استمراره. لا يمكن إقفال نزاع من هذا النوع داخل الحدود السورية. وقلت بصراحة أن هذا النزاع يمكن أن يسبح ويتخطى الحدود.
الأمر الثاني هو ما يثيره مثل هذا التطور من تساؤلات. هناك من يقول إن مقاتلين قدموا من سورية واستولوا على الموصل، وهي المدينة الثانية في العراق. كيف سقطت المدينة في أيديهم؟ وهل يمكن أن تسقط مدينة بهذا الحجم لأن مسلحين تسللوا من بلد مجاور؟ المدينة الثانية في بلد من أهم الدول العربية تسقط فجأة بيد جماعة كأنها جاءت في مهمة سياحية!! الوضع يطرح تساؤلات كثيرة، بينها هل يمكن أن تسقط المدينة بيد ألف أو ألفين من المقاتلين من دون أن يحصلوا على مساعدة أو تعاطف ومن دون أن يكون الجو محتقناً إلى درجة المساعدة أو التسهيل. أتمنى أن يتم التعامل مع الموضوع انطلاقاً من الإجابة على التساؤلات التي يطرحها
> هل تعتقد أنها احتلت على يد من قدموا من سورية؟
- لا، بكل تأكيد. آخرون لعبوا دوراً. السؤال لماذا تعاونوا لإخراج المدينة من تحت سلطة الحكومة المركزية. لا بد من الاعتراف بحقيقة المشكلة لتسهيل البحث عن حل. منذ بدء مهمتي في سورية دعوت إلى التعامل بجدية مع النزاع الدائر فيها، نظراً لتشابكه مع أوضاع المنطقة. تذكر أنني قلت إن الوضع في سورية سيئ ويزداد سوءاً. وهذا شعور أن سورية لن تتكسر لوحدها، وقد تكسر منها الكثير، وإنما الخطر الذي دهمها يمكن أن يصيب الجوار، وربما ما هو أبعد منه بكثير.
> إلى أين يتجه الوضع العراقي وقد كنت مبعوثاً للأمين العام للأمم المتحدة فيه في 2004؟
- كنت في الأمم المتحدة، وبرغم ضوابط العمل أدنت علناً الغزو الأميركي للعراق. وذهب الأميركيون إلى الأمم المتحدة واحتجوا على موقفي وكنت يومها أعمل في أفغانستان.
وافقت على التوجه إلى بغداد في مطلع سنة 2004، لأن بول بريمير (الحاكم الأميركي للعراق) وأعضاء مجلس الحكم جاؤوا إلى نيويورك. قالوا نحن كنا جئنا إلى نيويورك في تموز (يوليو) 2003 وطلبنا من مجلس الأمن أن يعترف بالولايات المتحدة كدولة محتلة للعراق، وتم لنا ذلك. نحن الآن غيرنا رأينا ونريد إعادة السيادة إلى العراق. من غير الممكن أن ترفض الأمم المتحدة المساعدة في إعادة السيادة. ولا يمكن لي أيضاً أن أرفض مهمة هذا هدفها على رغم معارضتي الغزو وكل ما يحصل بعد وقوعه. ذهبت كممثل للأمين العام من أجل المساعدة في تشكيل حكومة عراقية تتولى استعادة السيادة. وعلى هذا الأساس شكلت حكومة أياد علاوي.
حصلت انتقادات كثيرة، وثمة من قال لماذا جاء وهو يعمل مع الأميركيين. الحقيقة أنني قبل حسم قراري سألت كثيرين من العراق وخارجه ولم يزد عدد من نصحوني برفض المهمة على واحد أو اثنين. وهناك من اعتقد أنني سأكون طليق اليد في تشكيل الحكومة التي أريد إلى درجة انه اقترح علي اسماً، فلما سألت عن صاحب الاسم تبين انه كان المسؤول عن البرنامج النووي لدى صدام حسين. (يضحك).
هذا النوع من الأوضاع يطلق كل أنواع السيناريوات والتخيلات. في أي حال، الحكومة التي شكلت كانت أفضل مما سبقها، وهناك من يقول إنها افضل مما تبعها.
> هل تلمح إلى مسؤولية الغزو؟
- الغزو كسر العراق. لا أعتقد أنه كان هناك من يعارض سقوط صدام باستثناء قلة. لكن إسقاط صدام مع تكسير العراق وتفكيك المؤسسات وانطلاق هذه الطائفية المفرطة وتقسيم العراق عملياً، كما هو حاصل الآن، مسائل بالغة الخطورة على العراق والمنطقة.
سمعت رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير يقول إن ما يحصل الآن لا صلة له بالغزو. كيف ذلك؟ الغزو هو أمُّ كل ما يجري في العراق من جيد وسيئ. كل ما هو قائم هو من ثمار الغزو الجيد منه والسيئ.
لنعد قليلاً إلى الوراء. قبل الغزو لم تكن «القاعدة» موجودة على أرض العراق. لعب الغزو دور المغناطيس الذي اجتذب «القاعدة». جاء أبو مصعب الزرقاوي وآخرون من غير العراقيين بذريعة مقاومة الاحتلال واجتذبوا عراقيين ودربوهم وجندوهم. هذه وقائع. الأب الشرعي أو غير الشرعي لـ «داعش» هو أبو مصعب الزرقاوي. بهذا المعنى، فإن سلوك بلير وجورج بوش يحمّلهما قدراً من المسؤولية. لا يستطيعان إنكار هذه الحقائق. عليهما دين للعراق لم يقوما بالوفاء به. احتلوا البلد وحطموه ثم قالوا وداعاً وغادروا. يجب على الأقل أي يقبلوا بوجود مسؤولية معنوية. طبعاً أنا لا أقلل من مسؤولية الممارسات والسياسات اللاحقة. أردت فقط الإشارة إلى أن الغزو أدى إلى انهيار الدولة العراقية.
> والمشهد الآن؟
- الحقيقة أن شمال العراق أصبح شبه مستقل. القسم الباقي يعيش في وضع سيئ. مستوى الخدمات لم يرجع بعد مرور 11 عاماً على الغزو إلى ما كان عليه في أيام صدام وفي ظل العقوبات القاسية التي كانت مفروضة. قلت لبعض الإخوة العراقيين وغيرهم إن الكلام على الديموقراطية في العراق لم يشمل عملياً إلا الرشوة والفساد. كان الفساد سابقاً ضمن حلقة ضيقة، الديموقراطية نشرته ووسعته وصار عاماً في البلد. الديموقراطية الوحيدة التي حصلت هي ديموقراطية الفساد. النزاع الطائفي شديد الخطورة على العراق والمنطقة. في 2004 لفتُّ إلى هذا الموضوع في لقاء مع المرجع الشيعي السيد علي السيستاني.
> ماذا جرى في لقائك مع السيستاني؟
- قلت له إنني آت من أفغانستان التي شهدت قتالاً عنيفاً بين السنة والشيعة، لكن القتال توقف، أما في باكستان، فإن القتل مستمر حتى في المساجد. إذا تقاتل الشيعة والسنة في العراق فإن حرباً دينية من هذا النوع قد تستمر ثلاثين أو أربعين سنة وتنهي العراق. لذلك أرجوكم بذل كل ما في استطاعتكم لتجنيب العراق هذا الخطر.
> كيف كان اللقاء؟
- كان ممتازاً، واستغرق أكثر من ساعتين. لمست أنه رجل مطلع اطلاعاً جيداً، بمعنى أنه لا يعيش في عزلة عن الأحداث والتطورات. قال لي: «أنا أعرفك وقرأت عنك الكثير وآخر ما قرأته كان عن لقائك في لندن مع محمد حسنين هيكل وإدوارد سعيد». وأضاف: «أنا قرأت ما ترجم من كتب لإدوارد سعيد وقرأت أيضاً كتب هيكل». قلت له: «سأرسل إليكم كتب هيكل الأخيرة»، فرد: «كثر خيرك». ولعله بهذه الإشارة أراد القول إنه لا يقفل على نفسه ويقطع صلته بالعالم، وإن قراءاته لا تقتصر على الجانب الديني أو الروحانيات الشيعية، وإنه يطلع على ما يجري في المنطقة ويُطرح فيها.
> ماذا قال عن الغزو الأميركي؟
- طبعاً كان موقفهم أنهم ضد الغزو الأميركي ولا يتعاملون مع الأميركيين. الحقيقة أنه رفض مقابلة أي مسؤول أميركي ولا حتى أي مبعوث أميركي. تولى عدد من الوسطاء العراقيين مهمة نقل الأجواء أو الأفكار بينه وبين بريمر. كان موقفهم المبدئي معارضاً للغزو، لكن ذلك لا يلغي أنهم أفادوا من حصوله لجهة إطاحة صدام وانتقال السلطة في العراق.
> لكنه لم يحض على قتال الأميركيين؟
- كان موقفه معارضاً للاحتلال لكن لم يصدر عنه ما يدعو إلى قتال الأميركيين.
> ما هي النقطة الجوهرية في اللقاء؟
- كان لهم موقف يعتبر أن عودة السيادة يجب أن تتم بعد إجراء انتخابات تشكل حكومة بناء على نتائجها. شرحت له أن هذا الموقف يعني تمديد الاحتلال على الأقل لسنتين لأن وضع العراق حالياً لا يسمح بإجراء انتخابات ذات صدقية. اقترحت عليه أن يتم تشكيل حكومة موقتة. قبل كلامي وهو كان في السابق يرفض كلام الأميركيين عن تشكيل حكومة.
> هل طرحت عليه اسم أياد علاوي؟
- لا ليس في هذا الوقت. اتصلت بهم لاحقاً لدى البدء في تشكيل الحكومة. الحقيقة أنه في المرحلة اللاحقة طرح أسماء عدة وكان علاوي بينها. حكي الكثير عن أن علاوي فرض عليّ. هذا غير صحيح على الإطلاق. أنا اقترحت علاوي وفوجئ الأميركيون.
> هل كان لدى الأميركيين مرشح؟
- كانت لديهم عدة أسماء. رفضوا أي اسم عروبي متشدد، ولم يكن هذا النوع مطروحاً. فوجئ الأميركيون حين طرحت علاوي وحين أبلغتهم أن السيستاني لن يعارض وكنت تحدثت إليه هاتفياً. اخترت علاوي لأنه بين الأسماء المطروحة، كان معروفاً بأن لديه مقداراً ما من النفَس العربي، وبأنه غير طائفي. هذا هو السبب. وكنت أعرف عنه أكثر مما أعرف عن الآخرين. طبعاً كانت هناك أيضاً أسماء أخرى تصلح للمهمة.
> هل تحدثت مع السيستاني في العلاقات الشيعية- السنية؟
- نعم. في نيسان (أبريل) أدليت بتصريح حذرت فيه من خطر الانزلاق إلى حرب أهلية. احتج البريطانيون والأميركيون واحتج عراقيون. قلت لهم لن ينهض أحد صباحاً ويقول سأشن حرباً أهلية. ما هكذا تبدأ الحروب الأهلية. انظروا إلى لبنان، الذين هاجموا الباص في 13 نيسان 1975 لم يقولوا إنهم بدأوا الحرب الأهلية.
> هل أيد الأكراد علاوي؟
- ترددوا في البداية ثم قبلوا.
> هل كان لديهم مرشح؟
- لم أسمع ذلك منهم.
> والقوى الشيعية؟
- كان كل فريق يريد رئيساً للوزراء من صفوفه. طبعاً لاحظت من موقف السيستاني وتصرفاته حرصه على ألا يظهر في صورة من ينفذ برنامجاً إيرانياً أو أنه يندرج في سياقه. كان حريصاً على إبعاد هذه الشبهة أو التهمة. وأعتقد أنه نجح في ذلك في تلك المرحلة.
> كيف وجدت شخصيته؟
- وجدته شخصاً هادئاً ومطلعاً وسياسياً من الدرجة الأولى. حين لفتُّه إلى مخاطر الحرب الشيعية– السنية في حال اندلاعها لمست منه تفهماً لمخاطرها. شجعني على محاورة السنّة وأكد أنه سيدعم أي توجه يحفظ حقوق الجميع.
> هل حاولت مع القادة السنّة؟
- الواقع أن معظم القيادات السنية كانت تعيش في عالم آخر. كانت هناك حالة إنكار لما حدث. رغبة في عدم الاعتراف بأن واقعاً جديداً قد نشأ. في تلك الأيام كان المشهد غريباً. استمر الشيعة في التصرف كأنهم أقلية. واستمر السنّة في التصرف كأنهم الغالبية. هناك طرف تأخر في إدراك انتصاره وطرف تأخر في إدراك هزيمته. كان الموقف محتاجاً إلى التفكير والواقعية وتبادل شيء من التنازلات والضمانات لمصلحة العراق.
من جملة ما ارتكبه صدام حسين في حق بلده، إصراره على إلغاء أي شخص آخر يمكن أن يكون له وضع أو وجهة نطر، خصوصاً داخل طائفته. لم يسمح بوجود شخصيات لها اعتبار أو دور خارج حلقته التي كان فيها الآمر الوحيد. كان هناك فراغ لدى السنّة. يمكن القول إن هناك من حاول من العراقيين الذين كانوا خارج العراق في أيام صدام. عدنان الباجة جي شخص وطني لم يشارك في الدعوة إلى الاحتلال لكنه تعامل مع الوضع الذي نشأ. هناك من رفض التعامل مع هذا الوضع، مثل صديقنا أديب الجادر. كان يمكن أن يكون صاحب دور بارز لكنه قال إنه يرفض تولي أي منصب في ظل وجود الأميركيين. وأنا أحترم هذا الموقف.
أتابع مشاهد اليوم في العراق وألمس مدى التدهور الذي حصل. في 2004 كان هناك أكثر من سياسي يرفض مناقشة أي حل من زاوية توزيع الحصص بين الشيعة والسنّة. كان عدد من السياسيين يسارعون إلى القول إنهم عراقيون أولاً وأخيراً. هذا يصدق أيضاً على عدد من السياسيين الشيعة، لكن من جاؤوا مع الاحتلال كانوا يستخدمون لغة من يعتبر أنه كان مغبوناً وجاء اليوم للحصول على حقوقه.
> وتعاملت مع القادة الأكراد أيضاً؟
- نعم التقيت جلال طالباني ومسعود بارزاني. كان للأكراد وضع خاص. قبل الغزو وتحت المظلة الأميركية وعلى مدى سنوات أنشأوا كياناً لهم في الشمال، بمعنى أنهم قاموا بترتيباتهم في الشمال وجاؤوا للبحث عن دورهم في الجزء الباقي من العراق. قالوا رأيهم وحصلوا على حقوقهم.
> اقتصرت مهمتك على المساعدة في تشكيل الحكومة؟
- نعم، هذه حدودها.
> لم تكن لك علاقة بإعداد الدستور؟
- لا، واستمرت مهمتي من آخر كانون الثاني (يناير) إلى آخر حزيران (يونيو).
> هل واجهت مخاطر أمنية خلال إقامتك؟
- لا.
> أين كنت تقيم؟
- للأسف في ما كان سابقاً القصر الجمهوري وتم تحويله إلى مكاتب. أقمت هناك لأسباب أمنية. تتذكر بلا شك أنه كان للأمم المتحدة ممثل في العراق هو سيرجيو فييرا دي ميللو، والذي قتل في تفجير نجا منه صديقنا غسان سلامة بأعجوبة. عملياً كان ممنوعاً على الأمم المتحدة بعد تلك الجريمة أن يكون لها مكاتب خارج المنطقة الأمنية.
> بماذا يشعر المرء حين ينام في قصر كان ينام فيه صدام حسين؟
- أسوأ أيام في حياتي هي تلك الفترة التي أمضيتها في هذا المكان. شعور صعب للغاية. بلد محتل ومفتوح على كل أنواع الأخطار. كل يوم كان صعباً. كل دقيقة كانت صعبة. كان علي أن أعمل في مكتب والقصر يعج بالعسكريين الأميركيين.
كنت أفكر في وضعنا العربي البائس. يمارس الحاكم أحياناً كل أنواع الارتكابات ويتمسك بالكرسي حتى ولو عرّض بلاده لخطر الاحتلال والتفكك والحرب الأهلية. ثم إنك في هذا النوع من المهمات لا تستطيع أن تنسى ما يتعرض له المدنيون من قتل وتنكيل وتهجير، فضلاً عن تبديد الموارد وتدمير المؤسسات.
> أجريت اتصالات إقليمية لتسهيل مهمتك؟
- نعم. ذهبت إلى إيران والتقيت الرئيس محمد خاتمي على ما أذكر.
> ماذا كان موقف إيران؟
- كان شبيهاً بموقف السيستاني، أي أنهم ضد الغزو، لكن في الحقيقة كان لديهم ترحيب بعمل أدى إلى تخليصهم من وجود صدام حسين ونظامه. كانوا يقولون نحن لا يمكن أن نؤيد (الغزو) بل إننا ندين ما يفعله «الشيطان الأكبر»، لكن عملياً تعاملوا مع الواقع الجديد وزار الرئيس أحمدي نجاد المنطقة الخضراء.
> ماذا كان الإيرانيون يريدون؟ اختصار فترة الوجود العسكري الأميركي؟
- (يضحك) كان مطلبهم كما أعتقد تسليم السلطة في العراق إلى أصدقائهم من الشيعة. الدول تبحث عن مصالحها.
> أكد الرئيس حسن روحاني أن إيرانيين كثيرين على استعداد للدفاع عن المقدسات في العراق وهناك ملامح حرب دينية في العراق وهناك مطالبة بإقليم سني. هل تعتقد أن العراق يمكن أن يعود دولة موحدة كما كان؟
- مع الأسف الشديد يمكن القول إن الحرب الدينية موجودة أصلاً ولم تبدأ الآن.
حصلت في أفغانستان لبعض الوقت. وهي مستمرة في باكستان. وحصلت في العراق ابتداء من أواخر 2004 والتهبت في السنوات الثلاث التالية.
موقف إيران هذا ليس مفاجئاً، وللأسف للنزاع في المنطقة هذا الطابع. صحيح أن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله يحاول أن يضع التدخل في سورية تحت لافتة المقاومة، لكن الناس لا تنظر إليه من هذه الزاوية. تدخل الحزب في سورية زاد من الطابع المذهبي للنزاع في سورية والمنطقة من دون أن ننسى دور المتطرفين في المعسكر الآخر.
هناك كلام أيضاً عن سقوط سايكس- بيكو وولادة خرائط جديدة. أنا لا أظن الأمر بمثل هذه السهولة. طبعاً لا يمكن تجاهل أن الأكراد يتطلعون إلى بناء دولة لهم ويعتبرون خرائط سايكس- بيكو ظالمة لهم. لكنني لا أرى حتى الساعة إمكان تمزيق خرائط مجموعة دول من أجل قيام هذه الدولة. أنا لا أعتقد أن الحدود بين الدول ستتغير حتى ولو شهدنا حالياً انتهاكات صارخة ويومية لها. أعتقد أن الدول ستتغير ضمن حدودها الحالية، أي التوزيع الداخلي ضمن هذه الخريطة أو تلك. سورية في النهاية ستنظم نفسها بطريقة مختلفة والأمل أيضاً أن ينظم العراق نفسه بطريقة مختلفة تضمن له الاستقرار.
> هل تلمح إلى قيام أقاليم في الدول الغارقة في نزاعات مذهبية وعرقية؟
- ليس بالضرورة أقاليم لكن علينا أن نكون واقعيين. بعد الذي حصل في سورية لا يمكن هذا البلد أن يعود إلى ما كان عليه في آذار (مارس) 2011.
> هل تريد القول إن سورية لن ترجع كما كانت؟
- نعم. مستحيل أن ترجع. بعد كل هذا التمزق والتدمير والقتل والاعتقالات والتعذيب لا يمكن أن تحل المشكلة بالقول عفا الله عما سلف ولنرجع إلى الماضي. يجب أن يحصل تغيير، وأن يكون حقيقياً.
> هل تعتقد أننا سنرى في سورية بعد الذي جرى أقاليم للعلويين والسنّة والأكراد؟
- أنا اعتقد أن لدى الشعوب قدرة على تجاوز الأحقاد بعد مرور بعض الوقت. لدينا تجربة لبنان. اندلعت الحرب وتحولت مواجهة بين المسيحيين والمسلمين. مع الأسف النزاع اليوم في لبنان هو بين الشيعة والسنّة. لدى الشعوب قدرة كبيرة في التغلب على الأحقاد. ثم إن سورية كانت في تاريخها مثالاً جيداً للتعايش بين أطراف الفسيفساء السورية على حد تعبيرهم. العلويون اليوم موجودون في دمشق وحلب وحمص وقد تحسنت أوضاعهم بعد وجودهم فيها وليس بسبب وجودهم في جبل العلويين. حين تنتهي هذه المأساة سيكون من مسؤولية السوريين تحديد الصيغة المقبلة التي توفر لهم العدالة وتحترم كل المكونات.
في اعتقادي أن الشرخ في العراق أكبر وأعمق بين الشيعة والسنّة وبين العرب والأكراد. طموح الأكراد القديم هو أن تكون لهم دولة.
> هل ذكرك التمزق السوري بالتمزق اللبناني الذي ساهمت في محاولة إنهائه عبر اتفاق الطائف؟
- الفارق كبير جداً. أحد الأقلام التي أشرت إلى طبيعتها سابقاً قال إن خطأ الإبراهيمي الكبير هو انه حاول أن يعيد في سورية ما عمله في لبنان (يضحك). لا أعرف من أين جاءته هذه الفكرة السخيفة. أنا لم أفكر أبداً بذلك ولو ليوم واحد. لم أفكر على الإطلاق بإيجاد طائف آخر في سورية. الوضع مختلف تماماً.
> هل أفهم أن الفكرة لم ترد أبداً في ذهنك؟
- نعم هذا صحيح. الوضع مختلف تماماً. ثم إن الأمر يتعلق بمبدأ كنت بين الذين حاولوا ترسيخه في الأمم المتحدة. لا وجود لأزمتين متماثلتين. كل أزمة مختلفة عن الأخرى. ويجب أن يصاغ لكل أزمة حل خاص بها. لا يجوز نقل تجربة ناجحة في مكان لتطبيقها في مكان آخر. لم أفكر أبداً في طائف سوري. ما كتب في هذا السياق هو كلام فارغ.
> لإيران حضور بارز في الأزمات التي كلفت إنهاءها في أفغانستان والعراق وسورية. هل التقيت قائد فيلق القدس قاسم سليماني؟
- التقيته للمرة الأولى في أفغانستان.
> واللقاءات التالية في بغداد؟
- لا. في إيران.
> لماذا يقال إنه صاحب دور كبير في الهلال الشيعي أو هلال الممانعة؟
- التسميات موضوع يتخطاني. هذا كلام تطلقه دول وأجهزة استخبارات. أنا التقيت الرجل وسمعت أن دوره مهم وأنه صاحب كلمة مهمة في ملفي سورية والعراق.
> ألا تعتقد أن التوتر في الإقليم يرجع في جانب منه إلى الدور الكبير الذي انتزعته إيران لنفسها في العراق وسورية ولبنان؟
- أقول دائماً للأصدقاء الأميركيين: أنتم جئتم إلى المنطقة وقلتم للإيرانيين نحن سنخلصكم من أكبر عدو لكم، وهو صدام حسين، فقالوا لكم كتر الله خيركم شكراً. وفعلتم. وحين جاؤوا لشكركم قلتم هناك ما هو أكثر، نحن سنعطيكم العراق على طبق من ذهب، فقالوا لكم أهلاً وسهلاً كتر الله خيركم.
> أفهم منك أنك تعتبر أن أميركا أهدت العراق لإيران على طبق من ذهب؟
- نعم. هذا ما أقوله للأميركيين. إيران كانت تعتقد دائماً أنها دولة مهمة جداً في المنطقة. بعد هذا التغيير الجيواستراتيجي الضخم وبعدما أصبحت صاحبة النفوذ الأول في العراق وصاحبة كلمة في النفط الإيراني والعراقي معاً، تغيرت لهجة ايران. قالوا ذلك في أيام محمود أحمدي نجاد وعلى لسان غيره. قالوا نحن لسنا دولة مهمة في المنطقة نحن الدولة المهمة في المنطقة. وهذا يعني أنهم يعتبرون أنفسهم الدولة الأهم في المنطقة. ويعتبرون بالتالي أن شؤون المنطقة لا يمكن أن تعالج بعيداً منهم.
عندما حصل الموضوع المؤسف وسحبت الدعوة التي كانت وجهت إلى إيران للمشاركة في «جنيف 2»، كان رد وزير الخارجية الإيراني معبراً عن نظرة إيران إلى نفسها ودورها. قال: سواء دعوتمونا أم لا، لا يمكن حل الموضوع في سورية من دوننا.
> وجه الأمين العام للأمم المتحدة دعوة إلى ايران ثم جمدها، ما السبب؟
- نعم، وجهت دعوة وسحبت. لا أعتقد أن بان كي مون رضخ لضغوط. شعر أن مشاركة إيران ستعني غياب المعارضة السورية وكذلك السعودية ودول أخرى. وهذا يعني أن المؤتمر لن ينعقد.
> ماذا كان رد الفعل الإيراني أيضاً؟
- زعل شديد. قالوا: نحن لم نطلب أن ندعى، لكن أن توجه دعوة وتسحب فهذه إهانة لم يكن لها داع. رجاء لا تطلبوا غداً مساعدتنا. في وقت لاحق هدأت الأمور.
> الإيرانيون يعتبرون أنفسهم الدولة الأهم في المنطقة؟
- نعم. قال أحمدي نجاد شيئاً من هذا النوع. حين كانت الحرب الداخلية في العراق على أشدها قلت لعلي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني حالياً: لا يمكن أن تتركوا العراق على هذا الحال، أنتم الدول الكبيرة في المنطقة، واقصد إيران وتركيا والسعودية، لا يمكن أن تتركوا البلد يحترق بهذه الطريقة. أجاب: معك حق، لكن يمكن أن يساعد في العراق من لديه نفوذ، أي الأميركيون ونحن.
> هل تعتقد أن «حزب الله» أنقذ دمشق من السقوط في يد المعارضات السورية؟
- أشك في أن دمشق كانت على وشك السقوط في أي وقت. في 2012 كان النظام يتعرض لضغوط عسكرية شديدة لكنني لم أشعر أن دمشق كانت مهددة بسقوط وشيك. ربما أكون مخطئاً، ولكن هذا هو اعتقادي. في الحقيقة لا أعرف إلى أي درجة كان تدخل «حزب الله» حاسماً في حماية دمشق.
> هل يمكن أن تتخذ إيران اليوم قراراً بمنع سقوط نوري المالكي كما كانت اتخذت قرارا بمنع سقوط الأسد؟
- مرة أخرى أقول إن الأزمة مختلفة. لا أعرف درجة ارتباطهم بالمالكي شخصياً وإن كان واضحاً أن لديهم ارتباطاً بكل التنظيمات والقوى الشيعية البارزة.
> على ذكر اتفاق الطائف، كثيرون ينسبون إلى أنفسهم أدواراً حاسمة في الطائف. مَن أصحاب الأدوار الكبرى فيه؟
- طبعاً يجب أولاً تسجيل دور النواب اللبنانيين، وفي مقدمهم رئيس مجلس النواب آنذاك الرئيس حسين الحسيني. وثانياً هناك المفاوضات مع سورية، وهذه كانت أساسية. الحقيقة أن الشخص الذي عمل بصورة مستميتة من أجل ضمان التوصل إلى اتفاق هو الأمير سعود الفيصل، الذي قام بعدة رحلات إلى دمشق، فضلاً عن دوره مع اللبنانيين. ثم إن الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله كان شديد الاهتمام بلبنان ويعرفه معرفة جيدة. طبعا كان للسوريين دور لأنه كان لا بد من إقناعهم، وقواتهم كانت منتشرة في لبنان ولهم تأثير واضح. وكان للرئيس رفيق الحريري رحمه الله دور مع النواب اللبنانيين وكذلك مع السعودية وسورية. الأمر المؤسف هو أننا لم نستطع إقناع الجنرال ميشال عون أن يأتي إلى جدة لحضور احتفال التوقيع. كنت أخطط للمجيء من بيروت مع الرئيس سليم الحص والجنرال عون، وأن يتولى الجنرال تسليم القصر شخصياً للرئيس الجديد المنتخب. للأسف لم يحصل ذلك. لم أعرض عليه حصة معينة، احتراماً لدور اللبنانيين في التفاهم بينهم. الحقيقة أن الدور الأكبر كان للأمير سعود.
> هل كنت تتمنى حياة أخرى غير حياة الوساطات والنكد، بمعنى أن تكون رئيس الجزائر أو في موقع آخر؟
- أنا لا أفكر بهذه الطريقة. ولم أخطط كي أكون مبعوثاً أو وسيطاً. عملت في لبنان وكان الشغل حقيقياً وناجحاً نسبياً. وعملت في العالم العربي وكانت لي علاقات فيه. لم أدرس فن الوساطة ولم أعدّ نفسي لهذا الدور، لكنني سعيد بما أقوم به.
> هل تنزعج حين يقال إنك فشلت في سورية؟
- لا أبداً. صحيح أنا فشلت في سورية، والأمر مؤسف. طبعاً القصة ليست شخصية. في النهاية سورية تدفع الثمن. فهل أنا الذي فشلت شخصياً أم أن العالم فشل في إنقاذ سورية؟
1084 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع