أقدم مسؤول أمريكي في العراق يروي القصة الكاملة: لماذا علقنا مع المالكي وخسرنا العراق

    

بغداد/ واي نيوز:نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا بعنوان "لماذا علقنا مع المالكي وخسرنا العراق "،  لـ "علي الخضيري"، وهو رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي لـ "دليل الترجمان في دبي"، والذي عمل مساعدا لخمسة سفراء في الولايات المتحدة، ومستشارا لثلاثة من كبار رؤساء القيادة المركزية الامريكية، ويعتبر اقدم مسؤول امريكي في العراق.

كتب الخضيري: لتفهم لماذا ينهار العراق، يجب ان تتعرف اولا على رئيس الوزراء نوري المالكي واسباب دعم الولايات المتحدة له منذ عام 2006.

لقد عرفت المالكي (المعروف بـ "ابو اسراء" لدى الاشخاص المقربين منه) لأكثر من عقد من الزمان. سافرت معه الى ثلاث قارات، وتعرفت على عائلته وبطانته عن قرب، وعندما كان المالكي عضوا غير بارز في البرلمان العراقي، كنت من بين عدد قليل جدا من الامريكيين الذين تلقوا مكالمات هاتفية منه في بغداد.

في عام 2006 ساعدت في تقديمه للسفير الامريكي وترشيحه، بوصفه خيارا واعدا، لمنصب رئاسة الوزراء، وفي عام 2008 عندما سقط مريضا، قمت بترتيب رحلته العلاجية الى لندن ورافقته حوالي 18 ساعة في اليوم في مستشفى ولينغتون. ثم عملت على الضغط على العائلة المالكة الاقليمية التي كانت متشككة آنذاك لدعم حكومة المالكي عام 2009، لكن بحلول عام 2010 حذرت نائب رئيس الولايات المتحدة وكبار موظفي البيت الابيض من دعم المالكي واوصيت بسحب دعمهم له، حيث ادركت حينها ان استمراره في منصبه سوف يخلق انقساما في الحكومة العراقية، بسبب الاستبداد والطائفية التي من شانها ان تمزق البلاد وتدمر المصالح الامريكية، ومع ذلك تمسكت الادارة الامريكية بالمالكي، ونتيجة لذلك نواجه الآن هزيمة استراتيجية في العراق وربما في الشرق الاوسط الكبير.

وتحدث الخضيري عن نشأة المالكي وبيئته قائلا: ولد نوري المالكي في قرية طويريج الواقعة على نواحي مدينة كربلاء، وأبو اسراء هو حفيد لاحد زعماء العشائر الشيعية التي ساعدت في انهاء الحكم الاستعماري البريطاني عام 1920. نشأ في عائلة شيعية متدينة، وتربى على رفض حكم الاقلية السنية في العراق،خاصة حزب البعث الذي كان قمعيا رغم علمانيته.

انضم المالكي الى تنظيم حزب الدعوة الذي كانت دعوته ترمي الى ضرورة انشاء دولة شيعية متدينة في العراق بأي وسيلة، وبعد تصاعد الاشتباكات بين العلمانيين السنة والبعثيين الشيعة والمسيحيين والجماعات الاسلامية الشيعية بما في ذلك الدعوة، قررت حكومة صدام حسين حضر الحركات المتنافسة واعتبار الانتماء لها جريمة عقوبتها الاعدام., وقد تم اعتقال العديد من منتسبي حزب الدعوة الذي اتُّهم بأنه احد ملحقات رجال الدين وضباط المخابرات الايرانيين. وعادت العديد من جثث المعتقلين الى عوائلهم مشوهة، وكان من بين القتلى بعض من اقارب المالكي، الأمر الذي كان عاملا في التكوين النفسي لشخصية رئيس وزراء العراق الحالي.

واستمرت تحركات المالكي على مدى ثلاثة عقود بين ايران وسوريا، حيث نظم عمليات سرية ضد نظام صدام حسين، وعين في نهاية المطاف رئيسا لفرع حزب الدعوة العراقي في دمشق، وقد تلقى الحزب رعاية ودعما من قبل "آية الله الخميني" في جمهورية ايران الإسلامية.

وعندما استخدم العراق الاسلحة الكيمياوية الموردة من الغرب خلال الحرب العراقية – الايرانية التي اندلعت عام 1980، ردت طهران باستخدام وكلاء الاحزاب الشيعية كحزب الدعوة في معاقبة مؤيدي صدام، حيث فجرت عناصر من حزب الدعوة السفارة العراقية في بيروت عام 1981 في احدى الهجمات الانتحارية المتطرفة، وقصفوا ايضا السفارتين الامريكية والفرنسية في الكويت وخططوا لاغتيال الامير، ونظموا العشرات من المؤامرات لاغتيال كبار اعضاء حكومة صدام، بما في ذلك الديكتاتور نفسه، والتي فشلت فشلا ذريعا، ما ادى الى اعتقالات جماعية وعمليات اعدام لأعضاء الحزب.

يواصل الخضيري حديثه: ثم خلال الغزو الامريكي للعراق عام 2003، عاد المالكي الى وطنه وحصل على وظيفة مستشار رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري، وترأس لجنة اجتثاث البعث التي احتفل بتأسيسها الاسلاميون الشيعة كوسيلة للانتقام، والتي انتُقدت علنا من قبل السنة باعتبارها اداة للقمع.

ويضيف الخضيري: تطوعت للخدمة في العراق بعد احداث 11/9، وكنت قد أُرسلت الى بغداد من قبل مكتب وزير الدفاع الامريكي في مهمة لمدة ثلاثة اشهر، والتي استمرت لعشر سنوات في نهاية المطاف، كمساعد خاص للسفير باتريك كينيدي، وهمزة وصل مع سلطة الائتلاف المؤقتة لمجلس الحكم العراقي، على اعتباري احد المسؤولين الامريكيين القلائل الذين يجيدون الحديث باللغة العربية، واصبحت على تواصل دائم مع القادة العراقيين، و على دراية بكل ما يجري في المنطقة الخضراء. وعملت بعد احتلال العراق على تسهيل "تطبيع" الوجود الدبلوماسي الامريكي في بغداد. كانت الفترة الاولى بعد الاحتلال مرهقة لكنها مرضية للقادة العراقيين والامريكان الذين خططوا للتعاون معا في ازالة مخلفات حكم صدام حسين.

ويتابع الخضيري: اصبح المالكي في هذه الفترة من اصدقائي المقربين. ثم ظهرت بوادر الكارثة خلال فترة حكم الجعفري. حيث ارتفعت التوترات العرقية والطائفية، خاصة من قبل قادة الشيعة الذين بقيت جرائم صدام ماثلة في اذهانهم، فبدأت مخططات الانتقام ضد السنة، مما ادى الى حلقة مرعبة من التعذيب والاغتصاب وغيرها من الانتهاكات، فأطلق اعضاء حزب البعث المجتثين تمردا دمويا، في حين جند تنظيم القاعدة مقاتلين في هجمات ارهابية بسيارات مفخخة وعمليات خطف كمحاولة لإثارة الفوضى.

وبعد تفجير مرقد الإمام العسكري في سامراء عام 2006، اطلق زعماء الشيعة الاسلاميين هجمة مرتدة شرسة مما ادى الى حرب اهلية خلفت عشرات الآلاف من القتلى الابرياء، وقد فرض حينها الجعفري عقوبات على الحرب الاهلية  والتطهير العرقي على نحو فعال، رافضا مقترح الامريكان بحضر التجول كمحاولة لتقليص حركة المواطنين والحد من عمليات القتل.

ويقول الخضيري: قررت واشنطن بعد تلك الاحداث اختيار زعيم بإمكانه سحق الميليشيات الشيعية المدعومة من ايران وتوحيد العراقيين تحت راية القومية من خلال حكومة شاملة. كنت انا وزميلي بيلز من الامريكان المتحدثين باللغة العربية وعلى علاقة جيدة مع شخصيات قيادية في البلاد من بينها المالكي، الذي كان الرجل الوحيد الذي بدا من المرجح ان يكون قائدا فعلا وعلى دراية بكيفية  اقتناص الفرص لكسب تأييد جميع الفصائل العراقية، ومقبولا للإسلاميين الشيعة الذين يشكلون نحو 50 بالمئة من سكان العراق.

وعلى الرغم من تاريخ المالكي الغامض والعنيف، الا انه كان يعمل بجد وحسم بعيدا الى حد كبير عن الفساد، وكان ضعيفا سياسيا، مما رجح احتمالات اعتماده التعاون مع زعماء عراقيين آخرين للحفاظ على ائتلاف متماسك. وقد شجع بدوره السفير الامريكي "زلماي زادة" على دعم المالكي، وتفاجأ المالكي في باديء الامر بترشيحه لمنصب رئيس الوزراء لكنه انتهز الفرصة ليحتل المنصب في 20 مايو 2006، متعهدا بقيادة قوية وموحدة للعراق.

 ويتحدث الخضيري عن فترة حكم المالكي قائلا: واجهت حكومة المالكي في السنوات الاولى من قيادة العراق تحديا هائلا، تزايد العنف الذي تسبب بقتل  الآلاف من الابرياء شهريا وتشريد الملايين وانهيار صناعة النفط وانقسام الشركاء السياسيين وظهور ساسة فاسدين، لكن مع زيادة القوات الامريكية عام 2007 ووصول السفير رايان كروكر والجنرال ديفد بترايوس، تزايدت الآمال حول امكانية حفظ الدولة العراقية من الانهيار.

وعلى عكس منافسيه، لم يسافر المالكي خارج البلاد الا لفترات قليلة، وعمل بشكل روتيني لساعات مطولة مع كروكر وبترايوس لتنسيق السياسات السياسية والاقتصادية والعسكرية، والسعي لتذليل العقبات التشريعية وتعزيز النمو الاقتصادي، فيما تواصل توسع تنظيمات القاعدة والبعث والميليشيات الشيعية. وقد كان دوري آنذاك مساعدا خاصا ومرافقا لـ "كروكر" في لقاءاته مع القادة العراقيين ووكيلا عنه احيانا عند اختلاف القادة فيما بيهم، حيث اضطرت الولايات المتحدة مرارا للتوسط بين اعضاء القيادة العراقية، لاننا شعرنا بأن البلاد لن تصبح مستقرة الا مع قيادة موحدة متماسكة يدعمها استخدام القوة ضد العنف والتطرف.

وكانت من اكبر الإنجازات في هذه المرحلة "حركة الصحوة"، التي وافق على دعمها المالكي بعد مفاوضات طويلة مع كروكر وبترايوس، والتي تمت باتفاق بين المسلحين السنة والامريكان على مواجهة تنظيم القاعدة بدلا من مقاومة القوات الامريكية وبالتالي اندماج السنة في العملية السياسية، بشرط اقامة مشروع قانون في وقت لاحق لتوظيف وتمويل بعض مقاتلي العشائر السنية، لكن الكثير من الوعود لم تلب، مما ترك المقاتلين عاطلين عن العمل وعرضة للتطرف.

ورغم ان المالكي شكا في عدة مؤتمرات صحفية من عدم كفاية صلاحياته الدستورية، وجوبه دائما بالحث على الصبر من قبل حكومة بوش، الا ان حكومته قاربت على الاستقرار بحلول عام 2008، وعم الهدوء في العلاقات مع حكومة الاقليم، وعمل المالكي وخصومه السياسيين على صياغة التسويات، ووقعت عقود بمليارات الدولارات مع شركات متعددة الجنسيات للمساعدة في تطوير العراق، وعادت الآمال في وضع البلد على المسار الصحيح.

لم يتصرف المالكي دائما بحنكة، فلم يتحرر من عقدة نظرية المؤامرة بعد عقود من مطاردة اجهزة صدام الاستخباراتية له، فكان دوما مقتنعا بأن منافسه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر يسعى الى تقويض سلطته. حتى قرر في عام 2008 شن هجمات على ميليشيات جيش المهدي التابعة للمرجع الشيعي الصدر والمدعومة من ايران في عملية سميت " صولة الفرسان"، داهم خلالها الجيش العراقي مقرات ميليشيات جيش المهدي في مدينة البصرة، بهجمات تفتقر الى التخطيط والخدمات اللوجستية والدعم السياسي من القادة الآخرين او الغطاء الجوي.

ورغم خطورة القرار والقلق من تبعاته الا انه وبعد اجتماع دام ساعات طويلة بين كروكر وبترايوس بحضوري، طالب كروكر قيادات العرب السنة والشيعة والقيادات الكردية بالوقوف علنا وراء المالكي، ونجحت "صولة الفرسان" واعتبر المالكي زعيما قوميا وطنيا كونه اول رئيس وزراء شيعي اسلامي في التاريخ  يهزم ميليشيا اسلامية مدعومة من ايران، اضافة الى محاربة الميليشيات السنية المتمردة.

ثم يتناول الخضيري مرحلة تولي اوباما رئاسة الحكومة الامريكية فيقول: قبل الاشهر الاخيرة من عام 2008، نجحت المفاوضات العراقية – الامريكية في جعل التزام اميركا المستمر للعراق من اهم حتميات البيت الابيض، لكن مغادرة بوش لمنصبه وانهيار الاقتصاد العالمي كانا سببان في عدم ابرام الاتفاق، وقد غادرت العراق حينها مع كروكر في 13 فبراير عام 2009، اي بعد تعرض بوش لهجوم بزوج من الاحذية من قبل احد الصحفيين العراقيين.

ومع مجيء ادارة اوباما، الذي تعهد بإنهاء "الحرب الغبية" كما اسماها والتركيز على الازمة الاقتصادية، تصاعدت فرص المالكي بالاستيلاء على السلطة، فبدأ حملة تدمير الدولة العراقية، حيث اقال القادة المهنيين واستبدلهم بموالين له شخصيا، وارغم كبير القضاة في العراق على منع بعض منافسيه من المشاركة في انتخابات مارس 2010، وبعد اعلان النتائج وفشل المالكي في تكوين ائتلاف معتدل يشمل كل الجماعات العرقية والطائفية الرئيسية، اصدر القاضي الحاكم قرارا منح المالكي اول فرصة لتشكيل الحكومة، ما ادى الى تصاعد التوتر واعمال العنف.

يقول الخضيري: حدث ذلك في ظل فراغ القيادة في السفارة الامريكية في بغداد لعدم وجود السفير لمدة شهرين، وكنت انا حينها في مهمة عبر عواصم الشرق الاوسط مع الرئيس الجديد للقيادة المركزية الامريكية "بترايوس"، وقد كانت التقارير التي ترد من مسؤولين امريكيين وعراقيين في بغداد مثيرة للقلق تتحدث عن تراجع الروح المعنوية للقوات الامريكية وانهيار العلاقات بين القيادة الامريكية الدبلوماسية والعسكرية على عكس ما كانت عليه في فترة كروكر – بترايوس، مما ادى الى نمو قوة الدولة البوليسية للمالكي يوما بعد يوم.

في عام 2010 شكك المالكي في نزاهة الانتخابات واتهم الولايات المتحدة وبريطانيا والامم المتحدة والمملكة العربية السعودية بتزويرها، ومع تصاعد الازمة السياسية بين قادة الاحزاب، عدت الى العراق بناء على طلب السفير الجديد للولايات المتحدة "جيمس جيفري" للتوسط بين القيادات العراقية، وادركت ان جزءا كبيرا من النجاحات التي قدمتها القوات الامريكية قد تبدد على يد المالكي وزعماء عراقيين آخرين، حيث تولدت انقسامات كبيرة بين الاحزاب، كاعتراض الاكراد على بقاء اجزاء من مناطقهم التي تعرض مئات الآلاف من سكانها الى القتل منذ عام 1980 تابعة الى العراق، وشعور الكتل السنية بالغضب من ان يطلب منهم التنازل عن رئاسة الوزراء بعد ان تغلبوا على الانقسامات الداخلية بينهم وشكلوا ائتلافا عراقيا علمانيا، حتى زعماء الشيعة الاسلاميين عبروا عن عدم الراحة لحكم المالكي واطلقوا عليه علنا لقب "طاغية"، والاسوأ من ذلك كله لم يعد ينظر الى الولايات المتحدة على انها وسيط نزيه.

ادركت حينها ان من ساعدت على إحضاره الى السلطة عام 2006 يجب ان يرحل والا سوف يؤثر بقاؤه على المصالح الحيوية للولايات المتحدة خاصة ان اميركا والعراق فقدوا آلاف الارواح، فنحن في حاجة الى زعيم يفكر في اعادة بناء العراق وصيانة العملية الدستورية والعمل على تطوير اقتصاد البلد،, ولسنا بحاجة الى طموحات الرجل الواحد او الحزب الواحد.

وفي محادثات اجريتها مع اعضاء في البيت الابيض اقترحت ان يكون "عادل عبد المهدي" بديلا للمالكي حيث انه بعثي سابق وذو خلفية اسلامية معتدلة وثقافة فرنسية، ويتميز بعلاقات جيدة مع الشيعة والسنة والاكراد وكذلك مع تركيا وايران والمملكة العربية السعودية.

و في 1 سبتمبر 2010، عند حضور نائب الرئيس بايدن حفل رحيل الجنرال راي اوديرنو ووصول الجنرال لويد أوستن قائدا للقوات الأميركية. في تلك الليلة، واثناء حفل عشاء اقيم في مقر إقامة السفير بحضور الجنرالات وكبار مسؤولي السفارة، قدمت نبذة وجيزة عن موقفي ضد سياسة المالكي وضرورة احترام العملية الدستورية. ولكن نائب الرئيس "بايدن" قال ان المالكي هو الخيار الوحيد.

يقول الخضيري: لم أكن المسؤول الوحيد الذي وقف ضد استمرار أبو إسراء. بل سعى مسؤولون بينهم نائب السفير الامريكي روبرت فورد، أوديرنو، السفير البريطاني السير جون جنكينز والسفير التركي مراد أوتشيليك في الحث ضد المالكي، ووصلنا الى طريق مسدود في تضارب الآراء بين مؤيدين ومعترضين، خاصة وان القادة العراقيين كانوا غير قادرين على الاتفاق حول بديل للمالكي .

وفي غضون ايام من زيارة بايدن الى العراق استدعى الجنرال قاسم سليماني رئيس فيلق القدس التابع الى الحرس الثوري الايراني، استدعى زعماء العراق، كمحاولة للتعاون مع الحكومة الامريكية في حل الازمة العراقية. واقنع سليماني القادة ببقاء المالكي رئيسا للوزراء، وطلباني ذو العلاقات الطويلة العقود مع ايران رئيسا للجمهورية، والاهم من ذلك بذل الجهود لمغادرة الجيش الامريكي مع نهاية عام 2011، مؤكدا على ضرورة استمرار التوافق الايراني – العراقي، معللا ذلك بأن الامريكيين سوف يغادرون يوما، لكن ايران ستبقى دائما جارة للعراق (وفق تصريحات لمسؤول عراقي سابق). واشار سليماني الى ان القادة العراقيين الذين تعاونوا معه سوف يتلقون غطاء سياسيا ودعما متواصلا، اما الذين اتحدوا ضد الجمهورية الاسلامية سوف يعانون عواقب وخيمة اكثر من غيرهم.

كنت مصمما على عدم السماح للجنرال الإيراني الذي كان قد قتل من القوات الأمريكية ما لا يعد ولا يحصى ان يملي نهاية اللعبة بالنسبة للولايات المتحدة في العراق، و بحلول شهر أكتوبر، حاولت اقناع السفير جيفري باتخاذ خطوات لتفادي هذه النتيجة، واشرت الى ان ايران عازمة على إجبار الولايات المتحدة على الخروج من العراق، ودعم حكومة الانقسام والطائفية في بغداد برئاسة المالكي، مما سيؤدي بالتأكيد إلى حرب أهلية أخرى وربما الى صراع إقليمي شامل. يمكن تجنب هذا إذا جابهنا مقترحات إيران من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة ودعمنا بديلا مثل عبد المهدي، لم انكر ان الامر سيكون صعبا للغاية، لكن مع 50 الف جندي امريكي لا يزالون على الأرض، تبقى الولايات المتحدة لاعبا قويا، وقد استخدمت كل صلاحياتي السياسية من اجل ترتيب لقاء لجيفري وانتوني بلينكين، مستشار الامن القومي واحد كبار مساعدي بايدن مع احد مراجع الشيعة الكبار. وقد صرح المرجع الشيعي بلغة واضحة انه يعتقد بقدرة اياد علاوي الذي شغل منصب رئيس وزراء مؤقت عام 2004- 2005 وعبد المهدي على توحيد العراق، وان حزب الدعوة بقيادة المالكي سيقود البلد الى الخراب.

لكن مع كل هذه المحاولات، وبحلول نوفمبر كان البيت الابيض قد استقر على دعم المالكي وتم تجاهل العملية الدستورية ونتائج الانتخابات، مع محاولات ابعاد طالباني وتثبيت علاوي كمحاولة ترضية للائتلاف العراقي.

ويتابع الخضيري: وفي اليوم التالي كررنا انا وزملائي في السفارة الامريكية مرة اخرى تحذير الادارة الامريكية من ارتكاب خطأ ذو ابعاد تاريخية، وذكرت شخصيا ان المالكي سوف يستمر في توطيد سلطته بعمليات التطهير السياسي ضد خصومه، وان طلباني لن يتنحى عن منصبه بعد عقود من الكفاح، وان السنة سوف يثورون من جديد اذا رأوا بأننا لم نقف الى جانبهم، خاصة بعد هزمهم لتنظيم لقاعدة من خلال عمليات الصحوة، اِلّا ان انصار المالكي في البيت الابيض التزموا بموقفهم في دعمه، وتم ايفادي من قبل السفير الامريكي الى الاردن للقاء مجلس كبار زعماء السنة في العراق، حاملا رسالة مضمونها وجوب انضمامهم الى حكومة المالكي، لكن الرد جاء (وكما توقعت)، بقبول الانضمام الى الحكومة في بغداد لكنهم لن يسمحوا ان يُحكم العراق من قبل ايران ووكلائها، ولن يعيشوا تحت حكم رجال الدين الشيعة، او يقبلوا بالتهميش والمعاملة على اساس انهم مواطنين درجة ثانية، وحذروا من العودة الى حمل السلاح اذا لم تتحقق مطالبهم، كذلك لم يوافق طالباني على التنحي، بل لجأ الى ايران لدعمه في الحفاظ على منصبه، ومن جهة اخرى بدأ المالكي بتشكيل حكومته التي ضمت رجالا مفضلين لدى الحكومة الايرانية، كهادي العامري قائد فيلق بدر سيء الصيت، وخضير الخزاعي، وابو مهدي المهندس، ولم يعين المالكي وزيرا دائما للداخلية والدفاع ولا رئيسا للمخابرات بل تولى تلك المناصب بنفسه، ونبذ اغلب الوعود التي قطعها بتقاسم السلطة مع خصومه السياسيين.

ويضيف: وفي ديسمبر من عام 2011، وبمجرد مغادرة القوات الامريكية، بعد ان رفض تجديد الاتفاقية الامنية التي تتيح بقاء القوات الامريكية في العراق، اسس المالكي دولة بوليسية وسعى الى اعتقال قادة من السنة مثل النائب طارق الهاشمي الذي حكم عليه بالاعدام غيابيا بعد فراره من بغداد، وكذلك رافع العيساوي.

اضافة الى ان المالكي لم يف بالتعهدات التي ادلى بها الى الولايات المتحدة، فلم يتخل عن قوات سوات العراقية المتدربة تحت اشراف الولايات المتحدة بل جعل منها حرسا تابعا له بحجة مكافحة الارهاب. ولم يعمل على تفكيك المخابرات ومقرات السجون والتعذيب السرية، ولم يصدر قرارات العفو الشاملة التي من شأنها المساعدة في اخماد الاضطرابات من قبل الفصائل السنية والشيعية.

يقول الخضيري: باختصار، تحول العراق الى رجل واحد (نوري المالكي) وحزب واحد (الدعوة) يشبه الى حد كبير من الرجل الواحد (صدام حسين) والحزب الواحد (حزب البعث)، لكن صدام لم يتخذ من عدو اميركا "ايران" حليفا استراتيجيا له، رغم ان اميركا لم تنفق ترليون دولار في دعمه، ولاجل تحقيق الديمقراطية التي لم يتضح منها شيء، بل ان اتخاذ ايران حليفا وثيقا مسيطرا على مرافق الدولة كالقضاء والشرطة والجيش واجهزة الاستخبارات وعائدات النفط والبنك المركزي، من شأنه ان يجدد الحرب الاهلية الطائفية في العراق.

ويقول الخضيري انه قدم طلب الاستقالة في 31 ديسمبر 2010 احتجاجا على ما حصل، وانه شعر بالالتزام الاخلاقي والمدني الذي يحتم عليه سرد التفاصيل حول ما أدى الى الوصول للمأزق الحالي.

واضاف: ان الازمة التي تجتاح العراق والشرق الاوسط كانت متوقعة وكان بالامكان الوقاية منها، لكن عدم استجابة الادارة الامريكية وخاصة من قبل انصار المالكي وتسليم مصير العراق بيد جنرال ايراني عام 2010، اجج الحرب الطائفية بين السنة والشيعة، والرئيس اوباما اليوم يوسع دائرة الصراع الذي بدأه الرئيس غير الحكيم بوش.

ويختم الخضيري حديثه بالقول: ومن المفارقات، ان هؤلاء المسؤولين الذين يتدافعون الآن لإنقاذ العراق، هم نفسهم الذين يرفضون ادانة انتهاكات المالكي وتزويده بالأسلحة التي يمكن ان يستخدمها لشن حرب ضد خصومه السياسيين.

من هالة السلام

خاص بـ "واي نيوز

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

855 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع