مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (5)
على خطى أجداهم السومريون والبابلويون والآشوريون مشوا، وولجوا دروب التعليم والمدارس رغم وعورتها، لأنهم ايقنوا بأن طريق الأنسان للتقدم والتطور يحتاج الى اللبنة الأولى، الا وهي التعليم، فتحملوا ظروفا صعبة، وأضطروا لمسايرة عددا من (الأميين) الذين فرضتهم الأنظمة والحزب الحاكم عليهم، فآثروا ان يضحوا بالكثير من اجل ان لا يفقدوا الفرصة في زرع القيم الطيبة والمحبة والأمل عند اجيالا كثيرة،
مازال بعضها يتذكرهم ويجللهم كلما تتصادف اللحظات ويكون هناك اللقاء المباشر، لكن يبقى هؤلاء النوارس، والقناديل بتجاربهم وقصصهم وحياتهم مثار اعجاب وأحترام وتقدير، ولن يمنعنا حتى وأن عشنا بعيدا عن المدن والقرى والقصبات التي زرعوا فيها الآمال والبسمات والمعرفة، لن يمنعنا من شكرهم، وتقديرهم وأظهار محبتنا لهم، طالما كانت الأنظمة مشغولة بالسرقة والنهب والطائفية وتوزيع حصص الكعكعة العراقية، سنقول لهم ، ولعوائلهم وأهاليهم، شكرا لهم ولكم، كانوا جيلا رائعا ، سنرفعه عاليا اينما كنا وأينما حل بنا الزمان.
المربي يلـدا قرياقوس كوركيس قلاّ
ولادة مدينة تلكيف/ محافظة نينوى، في العام 1930، وفي محلة (أسمر). متزوج من السيدة سـعاد عبد حنا كجل، ولهم 5 بنات و 4 بنين و 23 حفيدا.
درس وأنهى الأبتدائية في "مدرسة تلكيف" والتي كانت تسمى (مكتب) ايضا في العام 1947، ودخل "دار المعلمين الريفية ذات الخمس سنوات" في محافظة بغداد/ منطقة الكرادة الشرقية، وسكن في القسم الداخلي التابع لها. تخرج منها (معلما) في العام 1952، وتبعها مباشرة ب (الدراسة الخارجية) للحصول على شهادة الدراسة الثانوية، وتم ذلك في العام 1953.
تم اول تعين له في:
- معلما في "مدرسة اتروش"- التابعة لمحافظة نينوى حتى العام 1956، ثم عيّن
- مديرا في " مدرسة الجرحية" القريبة من مدينة القوش، اعقبها
- معلما في "مدرسة العرفان" في مدينة تلكيف، ثم
- معلما في مدرسة "الصلاحية" في محافظة اربيل، بالقرب من منطقة (الكيارة) لمدة سنتان، ثم
- معلما في "مدرسة ابتدائية" في منطقة (زمّار) التابعة لمحافظة نينوى لمدة سنة واحدة، ثم
- معلما في "مدرسة باطنايا الأبتدائية" ولمدة سنة واحدة،وأخيرا
- معلما في "مدرسة تلكيف الثانية" والتي تسمى ايضا (العرفان) حتى سنة الأحالة على التقاعد عان 1978، وعين
- مدرسا منتدبا في "ثانوية تلكيف" لتدريس اللغة العربية، لمدة 4 سنوات حتى العام 1982.
بعد هذه الرحلة مع التعليم والتلاميذ، انتقلنا الى بغداد بحثا عن عمل يساعد في اعالة العائلة التي كبرت كثيرا، وفعلا عملت مديرا لفندق السراب في منطقة شارع السعدون، وعدت الى تلكيف وعملت ملاحظا للعمال في الجمعية الأستهلاكية عام 1989. في العام 1991 قررت العائلة مغادرة العراق والألتحاق ببقية الأهل والأقارب وتم ذلك، ونحن نسكن مدينة ديترويت منذ ذلك الزمان.
عندما وصلنا امريكا كان عمري (61) عاما، والبعض يعتبره كبيرا، والقسم يعتبره متوسطا، اما انا فأعتبره (عمر الشباب)، فقد اقدمت على الألتحاق بالمدرسة الخارجية هنا للحصول على شهادة (جي اي دي) وهي مساوية للشهادة الثانوية الأمريكية، ولا يحصل عليها الشخص الا بعد اجتيازه اختبار اللغة، وهذا ساعدني على تعلم اللغة الأنكليزية، بعدها دخلت دورة لتعلم "اوليات الكومبيوتر" ونجحت، ثم اعقبتها بدروس لتعلم وأتقان كتابة "اللغة الآرامية"، لغتنا الأم، وتم ذلك ايضا.
كان تعلقي باللغة العربية شديدا لدرجة العشق، ولم اكتفي بتدريسها فقط، بل كنت قارئا نهما للكتب، واتمتع بقابلية جيدة جدا للحفظ، وهذا ساعدني كثيرا في حفظ مئات الأبيات الشعرية، علما اني قمت بتدريس نفسي "علم العروض" لشدة تعلقي بالشعر، وتمرنت عليه كثيرا بطريقة القرأة المقارنة، حتى تمكنت منه جيدا. ان هذه الرغبة ترجمت نفسها على شكل نتاجات كتابية بدأت منذ السنين الأولى لممارستي مهنة التعليم، اذ كنت اشجع التلاميذ على تحرير (النشرات الحائطية) وكانت فرصة لي لمساعدتهم ومشاركتهم تلك النشرات، تطور الأمر الى الكتابة النظامية المدروسة بحجم الكتاب، ومنذ ان كنت في العراق، حيث انجزت كتابان الأول عام 1969 بعنوان "ايام الرحيل" وهي عبارة عن مجموعة قصصية اجتماعية من واقعنا، والثاني عام 1970 بعنوان "تجاربي في تدريس الأنشاء" وهو مجموعة مقالات تلخص تجاربي مع التلاميذ، وما يزيدني فخرا، ونحن في العام 2014 ان يصل عدد الكتب التي كتبتها في هذه البلاد الى (17) كتابا منوعة، ما بين كتابات عن سير ذاتية لأناس عاصروني، بعض الأشعار، حكايات بلدية وقصص من واقعنا، معالجات اجتماعية، وأشعار مستوحاة من الكتاب المقدس (الأنجيل)، وقد ساعدتني دراستي للكومبيوتر على اتقان فن الطباعة، فأنا الذي اقوم بالكتابة، والطباعة، والتنضيد ، والبحث عن الصور والرسوم المناسبة للموضوع (مع مساعدة بعض الأصدقاء والفنانين ايضا) ثم اقوم بتجليده ، تماما كما كنا نجلد كتبنا في العراق، اما اختيار العناوين فأني اتبع قاعدة (الكل بأسم الجزء)، وها انت ترى مجموعتي التي اعتز بها كثيرا. اما فكرة طباعتها بشكل تجاري في المطابع، فهذا المشروع مكلف ماديا وغير عملي، اذ ان حجم قرّاء وأقتناء الكتاب محدود جدا، مع وفرة الأنترنيت والصحافة المجانية، لهذا اقوم بما اقوم ، لهوايتي الشخصية، ولمحبتي للكتاب والكلمة.
لقد سعيت في مسيرتي التدريسية ان اكون امينا للمعلمين الذين اخذوا بيدي منذ صباي ان كان بمثلهم السامية او بطرقهم التربوية الجيدة، ومنهم مدير مدرستنا الأبتدائية (خضوري) والذي علمنا درس اللغة العربية ايضا، وفي الصف الرابع ابن خالتي (ميخائيل القس شمعون) وفي دار المعلمين الريفية كلا من الأساتذة (كمال الراوي، و يحى العزاوي) مدرسي اللغة العربية ايضا، وحاولت ان انقل عنهم ماتعلمته، بعلاقاتي الحميمية مع التلاميذ والهيئة التدريسية، وتحضرني بعض المشاهد التي ترسخت في ذهني، وأشعر بالفرح حينما تمر على خاطري. فعندما عينت بمرتبة مديرا لمدرسة "الجرحية" قرب القوش، ساعدت على بناء تلك المدرسة، وأستقدام المعلمين، وتشجيع الأهالي على ارسال ابنائهم، وقمت بتعين مستخدمين للمدرسة وبرواتب ثابتة، فكان هذا مدعاة فرح وأعتزاز، ولازلت اذكر (آغا سـيدو) والذي كان بمرتبة (شيخ) في تلك القرية، وكيف قام بتقديم الفطور لي لمدة شهر كامل، اذ كنا نأكله سوية قبل الدوام، وذات الشئ مع العشاء، حيث نتاوله مع اهالي القرية. وقد نقل لي احد الأخوة ، بعد عدة سنين، بأن الأهالي مازالوا يتذكروك جيدا، وأنهم زرعوا شجرة في القرية اسموها (شجرة المعلم يلدا)، ان هذه القصة كفيلة بأن تزيح عني كل اتعاب النهار،وتمدني بطاقة وتفاؤل لا متناهيان. عندما استذكر تلك المشاهد الطيبة من الناس، تعيدني الى حيث كانت البدايات، اذ لعبت الصدفة وحدها دورا طيبا في دخولي (دار المعلمين الريفية) بعد ان رفض طلبي في محافظة الموصل، وضاعت مني سنة كاملة، فذهبت لبغداد بحثاعن الفرصة، وكان من شروطها ان يكون للمتقدم (كفيل) وصادف من حسن حظي ان يكون لي قريبة في بغداد تعمل بالوظيفة، فوافقت على كفالتي وتم ذلك، اذ اني انحدر من عائلة ، كانت متوسطة الدخل، لذلك لم تكن امكانياتنا كبيرة جدا، الا ان الحياة والنيات الصافية احيانا تلتقيان.
كانت تربيتي العائلية، ومنزلة وتأثير والدي الكبيرين عليّى كفيلان بخلق شخصية محبة للآخرين، وقد وجدت تلك الخصال طريقها للتطبيق في حياتي الخاصة والعامة. كنت محب بأستمرار للآخرين، وأعمل وأضحي لخيرهم، وحتى عندما وصلت لهذه البلاد ، فأني لم انسى او اتوانى عن مهمتي التربوية، فأنغمرت في الكتابة ، وتأليف (الكتب) ، ولأن هذا لم يكن كافيا، فقمت بالكتابة للمجلات والجرائد المحلية الصادرة في ديترويت، ولكي يرتاح ضميري، فقد استفدت من الفرصة التي وفرها لي (ابنائي وتلامذتي وأحبابي) في " الأذاعة الكلدانية" حيث اقدم ومنذ اكثر من 3 سنوات برنامجا اذاعيا اسبوعيا، يطرح على الغالب مواضيعا او عقدا اجتماعية احاول بخبرتي، وسعة معرفتي ان اتشارك بحلها او معالجتها مع جاليتي الغالية.
لو سالني احدهم عن تعريفي للتعليم فسأقول له او لهم بصراحة: ان التدريس، او التعليم ، فن وعلم وتجارب. وطرق التدريس وتنوعها تعتمد على ثقافة وتجارب الأنسان، لكن هذه يجب ان لا تكون سائبة، وأن تكون خاضعة لجملة من الأعتبارات مثلما ما هو معمول به في هذه البلاد، حيث يشترط على المعلم او المدرس الحصول على الشهادات الأضافية في مجالات علوم النفس والأجتماع وغيرها من الحقول، حينما يتعلق الأمر بالتدريس، وأقولها صراحة، انا مع فكرة ان تقوم المدرسة بدور (التربية والتعليم) وليس التربية (وأستعمال كل الممنوعات والمحرملات مع التلاميذ) كما كان يحصل عندنا في العراق، من ضرب التلاميذ او اهانتهم، ولست ايضا مع فكرة (التعليم الصرف) المتبع في هذه البلاد، حيث بعض التلاميذ يستهترون ، ولا يقيمون احتراما للأساتذة والتعليمين، هذه هي نظرتي.
بعضا من مؤلفات الأستاذ يلدا قلاّ
امنيتي الشخصية ان اخدم المجتمع بما اعرف وما املكه من معرفة، كما اتمنى مواصلة الكتابة، والمشاركة في الحياة الأجتماعية العامة بفاعلية ايجابية. اما امنياتي للعراق، فأني اقولها صراحة، بأن ما من احد على وجه الأرض لا يحب وطنه، وأنا منهم، لكني تعلمت بأن "كل مجتمع يأتيه حكام على مستواه"!، وقناعاتي الخاصة تقول، بأني عملت بأخلاص وتفاني له اكثر من 40 عاما، اما عندما غادرته (مرغما ومجبرا لا راغبا) فشعرت بأن صلة الوصل تلك قد تعرضت للأهتزاز! فما الذي كسبته، ان كنت قد غادرته، وليس لي فيه او منه ولا حتى راتبا تقاعديا عن عمل وتفاني وأخلاص لسنين طوال به وله!
المربي داود زيّا انطوان قوزا
من مواليد العام 1934، في مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى/ (محلة عبرو) .
أكمل دراسته الأبتدائية في مدرسة تلكيف الأولى، اما المتوسطة فكانت (متوسطة المثنى – الغربية)، وفي (الحدباء المسائية –المثنى) في الموصل. وأنهى الأعدادية في (الشرقية) بالموصل ايضا.
انتســب الى "دورة تربوية" والتي كانت عادة ما تقام لمدة سنة واحدة، وتخرج منها معلما في العام 1956.
الأستاذ داود زيّا قوزا في مدرسة - ترمي - قرب تلعفر 1961
اول تعين له كان في العام 1957 في "مدرسة الشوش المختلطة" شمال مدينة عقرة، ثم نقل الى (قرية ترمه) التابعة لقضاء "تلعفر" بصفة مدير مدرسة ولمدة 3 سنوات.
ما بين الأعوام 1963 – 1985 خدم في مدرسة تلكيف الأولى، وكان يدرس مادتي (العربية والأنكليزية) للصف السادس، لكن هذا لم يمنع ان تكلفه الجهات المختصة بالتدريس في "مدرسة العرفان الأبتدائية" مواد (اللغة العربية ومادتي العلوم والرياضيات) وذات الشئ في "ثانوية تلكيف المختلطة" مادة اللغة الأنكليزية .اما في السنين التي تلت التقاعد، فقد كان يقوم بالتدريس البيتي الخاص، وفي اغلب الأحيان كان مجانا.
الأستاذ داود زيّا قوزا مع الهيئة التدريسية في ثانوية تلكيف
يستذكر المربي داود قوزا، عبير تلك الأيام بالقول: كانوا دائما ما يقولون ان التعليم في الصغر، مثل النقش على الحجر، وللحقيقة اقول، ان واحدا من اكثر الشخصيات العالقة بطفولتي كان مديرنا في "مدرسة تلكيف الأولى" الأستاذ (خضوري فرجو) فقد كان اداريا جيدا بأمتياز، وللأمانة اقول بأني تعلمت اللغة العربية الصحيحة منه، فقد كان يدرسنا تلك المادة بالأضافة لعمله الوظيفي. وذات الذكريات تطوف لتلتقي بوجوه وأسماء عزيزة علـيّ خاصة بعدما عدت لمدارس "تلكيف" كمربي، فأذكر منهم : حبيب كتولا، دانيال جـدّو، صبري جـدّو، قرياقوس فاضل النجار وحبيب فاضل النجار، وآخرون ربما لا تسعفني ذاكرتي اليوم ان استحضر اسمائهم، لكني وفي هذا المقام، فأني اترحم على ارواح من غادرونا بسلام، وأتمنى للأحياء منهم مزيدا من الصحة والعافية.
لقد تميزت حياتنا في المدرسة مع التلاميذ بالكثير من الفعاليات والنشاطات، والتي كانت تعزز من قدراتهم وترفع من مستوى المدارس ، خاصة في السباقات الرياضية، والتي غالبا ما كانت تبرز العديد من المواهب الرياضية التي صارت تتنافس على مستوى المحافظة او المحافظات. وللحق اقول، فأن شيئا ما قد جرى حتى تتدنى علاقة التلميذ بالأستاذ، ففي سابق العهد، كان التلاميذ يتراكضون من امام المدرس حينما يشاهدوه في السوق او الحي، اما اليوم فأنهم لا يكترثون ، ومن المخجل ان اقول، بأنهم يدخون السكائر امامه ودون اكتراث!
اعود وأقول، ان هبوط مستوى هذه العلاقات، كان مؤشرا سلبيا لهبوط مستوى العملية التربوية برمتها، مع دخول عوامل خارجية مثل المحسوبية والمنسوبية ، هذا اضافة الى ان جيلا كبيرا لم يكن يكترث بالتعليم او المدرسة، اما لحاجة عائلته له في الحقل، او لأنه (يائس) من الوضع ويفكر بالسفر مع عائلته اصلا.
الأستاذ داود زيّا قوزا مع الهيئة التدريسية في ثانوية تلكيف
مع ان امكانياتنا كانت محدودة، لكن جهدنا الفردي كان له التأثير ايضا، يستطرد الأستاذ داود قوزا بالقول: كنت محبا للكتاب والقرأة، وهذا ما وفّر لي مادة خصبة، كنت دائما ما اعكس قرأتي على تلاميذي على شكل قصص هادفة او عبر جميلة لحياتهم، ولآننا من مجتمع محافظ وبقيم عالية، فكنت احثهم دائما على العمل النافع، وعلى الأخلاق الحميدة، وتكبر سعادتي حينما يصادفني في مناسبات الجالية العديد من (الشبان او الرجال) وهم يتوجهون لي بالتحية والأحترام والتقدير، هذا الأمر يثلج صدري، ويبعث الفرح في نفوس افراد عائلتي ايضا.
عن امنياتي الشخصية فأني بالحقيقة اتمنى اولا ان يرتقي ابنائي الى ارفع المستويات، وأن يكونوا نبراسا في خدمة المجتمع، وأن يكونوا سعداء بحياتهم الشخصية والعائلية، وأنا بالحقيقة سعيد جدا بهم، وهم يحيطوني بمحبتهم وتقديرهم، ولا توجد في الحياة ثروة اكبر من المحبة، ابدا. كما وأتمنى ان اكون بصحة جيدة حتى اواكبهم وأواكب مسيرة ابنائهم ايضا(احفادي)، ورغم اني لا اعمل ، اي متقاعد، ويفترض ان يكون لي وقتا فائضا كبيرا، فبالحقيقة ان هذا الوقت يتبخر بين متابعة الأخبار، والقرأة او التواصل مع الأهل.
ولأننا تحدثنا عن الأخبار وعلاقتها بوطننا الغالي العراق، فأني اتمنى ان يعود كما كان في السابق، وطنا جميلا لكل ابنائه، وأن تتوفر الفرصة لنا او لأبنائنا او حتى احفادنا من زيارته والتمتع به، فهو وطننا الأم، وأرض آبائنا وأجدادنا مهما اختلف الزمن. وأتمنى من قلب مؤمن ومحب، ان يعم السلام ارجائه وفي كل بيت من بيوته.
المربية نديمة حنا هـرمز حنا كجل
ولدت في مدينة تلكيف، التابعة لمحافظة نينوى وفي محلة (شنكو) في العام 1953.
درست الأبتدائية في "مدرسة الراهبات "بمدينة تلكيف، ثم اكملت "متوسطة تلكيف للبنات"، وبعدها تخرجت من "ثانوية تلكيف المختلطة". درست اللغة الأنكليزية في كلية الآداب التابعة للجامعة المستنصرية بين اعوام 1972-1976. بعد تخرجها من هذا الفرع، ظهر اول تعين لها في :
1- ثانوية ديبكة للبنين، في ناحية ديبكة التابعة لمحافظة اربيل، بعدها نقلت الى
2- ثانوية الكفاح في الموصل، ثم نقلت الى
3- ثانوية تلكيف للبنات، منذ نهاية 1979 حتى العام 2004، ســنة اتمام الخدمة والأحالة على التقاعد.
الأستاذة نديمة حنا مع الطالبات - ثانوية تلكيف 2002
لم تكن مهمة اكمال الدراسة الجامعية والأنتقال الى بغداد بالمهمة السهلة، ولم يكن طريقها معبدا بالورود كما يقولون، ان كان نتيجة لبعض التحفظات والحرص من قبل الأهل، او حتى بمستوى العطاء (الراتب) الذي يتقاضاه المدرس، ومنزلته بعد التخرج، ويعلم العراقيين الى اي مستوى وصل راتبنا (حوالي 3 آلاف دينار) ناهيك عن عدم مراعات الجهات المسؤلة وضعنا الأجتماعي بالتناسب مع رواتبنا – البائسة – فكانت تعيناتنا تظهر خارج مدننا ، وبعيدة، مما كانت تشكل عبئا اضافيا ان كان في التنقل، او في ايجاد السكن حيث الوظيفة التدريسية، لكن تلك المعوقات لم توقفني، او تجهض احلامي ، فبالحقيقة كان التدريس طموحي، وعندما مارسته، صرت احبه حد العشق، وكنت فرحة جدا، فقد كانت فرصة رائعة لي ان اجد نفسي، وأطور من قابلياتي، وأقيم اجمل العلاقات مع التدريسيات والمربيات اللواتي قاسمنني المهنة، وذات الشئ مع الطالبات اللواتي كنت لهن بمنزلة الأخت الكبيرة والصديقة والأم ، في النصيحة والمحبة وتقاسم الهموم.
اما عندما تعود بي الذكريات حيث المربين والمدرسين اللذين نوروا حياتي، وحياة المئات مثلي بعلومهم وآدابهم ومعارفهم، فتأتي في المقدمة منهم الراهبة "جيروم" في مدرسة الراهبات (ماسير جيروم) والتي درسّتنا اللغة العربية في الأبتدائية، فقد كانت كالملاك بلطفها وطلتها وأنسانيتها، وحتى بمظهرها الخارجي، كذلك مع معلمتي التي رحلت للأمجاد السماوية (جميلة صنديحة) والتي درستني في الأول ابتدائي ايضا. اما في الجامعة، فيحضرني اسم الأستاذ "عباس" مدرس قواعد اللغة، والذي كان متميزا بطريقته وأنسانيته في التدريس. وطالما تحدثنا عن المدرسين والمعلمين الذين تأثرت بهم، كان لابد ان اعرج على المدرسات الرائعات اللواتي جمعتنا تلك المهنة معهن سوية، وأعتذر مسبقا ان كان احد الأسماء قد سقط سهوا او لم اتذكره في هذه اللحظة، لكني اتذكر بكل اعتزاز المدرسة "فلورنسا كوريال سيسي" حيث كنا نتناوب احيانا من اجل تغطية جميع الحصص المطلوبة، والأخوات "مسعودة صليوا يونو"، "جميلة توما" و "رمزية دانيال كساب". لقد تطورت علاقاتنا الصداقية لدرجة راقية فيما بيننا، فقد كنا نتبادل الزيارات المنزلية، ونلتقي في اوقات الغروب (العصريات)، وفي ايام الأمتحانات كنا نتفق على اقامة مائدة مشتركة لكل التدريسيات وحتى الموظفين والمستخدمين، نتشارك بالطعام ان كان طهيا او تقديما و (تناولا )ايضا. لقد كنت سعيدة في مهنتي، وآمل ان اكون قد اديت رسالتي بأمانة وصدق، وربما تكون نتائج الأمتحانات وخاصة الوزارية، هي اكبر محطة وشهادة لي، فقد كانت تصل النسب الى حوالي 90% وهذه نتيجة طيبة جدا. ولأني احببت التعليم، فقد سعيت دائما نحو تطوير قابلياتي بالقرأة وفي شتى الحقول – فلسفة – اجتماع – سياسة – ادب، وكذلك مع الأستمتاع بالغناء والموسيقى العربية والتراثية العراقية، وهذا ساعدني الى طرح ما هو متميز في اساليب التدريس، وجعل المادة قريبة ومحببة ، وكنت غالبا ما ادعوا تلاميذي الى التحلي بالمثل العليا (تماما كما تربيت وتعلمت) في اتقان التصرف السليم والأبتعاد عن التهور، في احترام الكبير والشعور العالي بالمسؤلية تجاه نفسك، عائلتك، مدرستك، مجتمعك وبلدك.على ان اكثر موقف افتخر به غالبا ما يقع في الأماكن او المناسبات العامة، فتجمعني الصدفة بالكثير من تلميذاتي، وأستمع منهن لكلمات المديح والثناء والمحبة، فأشعر حقا بالفخر والأعتزاز وأقول في ســــرّي: ان تعبنا لم ولن يذهب سدى، طالما عندنا اناس بهذه الروحية الطيبة وهذه الشاكلة. وبعد السلام والتحية، اكتشف ان العديد منهن قد تسلق سلم العلوم والوظيفة ، بين الطبيبة او المهندسة او الباحثة في الدراسات العليا ، ومن الطريف ان اقول ان بعض شقيقاتي صـرن يلقبنني ب (المختارة أو مختارة الطرف) نسبة الى كثرة معارفي، او الناس التي تتعرف عليّ وتتذكرني من مدارس العراق اثناء تجوالي في الأماكن العامة أو اسواق التبضع.
الأستاذة نديمة حنا مع الطالبات - تلكيف 2001
بعد ان اكملت مدة الخدمة والأحالة على التقاعد، غادرت العراق الى الولايات المتحدة للألتحاق بباقي اسرتي التي انتهى بها الزمن في هذه المدينة (ديترويت)، ومنذ وصولي وأنا اعمل في سلك التعليم ايضا، لكني اخترت هذه المرة التعليم في الروضة، اذ اؤدي مهمة (مساعدة معلم) في احدى الروضات القريبة من سكني، فهو دوام ثابت طوال العام الدراسي، وممتع جدا مع هذه الورود وعالمهم الساحر والصافي، وعندي في الصف حوالي 18 تلميذ، نعلمهم القرأة والكتابة، الأرقام والحروف مستخدمين ارقى وسائل الأيضاح، كما ونقيم لهم الكثير من الفعاليات والسفرات بغية تعزيز شخصياتهم وتعزيز العلاقات الجماعية والأبتعاد عن الروتين والرتابة في الروضة.
الأستاذة نديمة حنا في توديعها 2004
وكم اتمنى لو تكون مؤسساتنا التعليمة في العراق بهذا المستوى، ولكم ان تتصوروا بأن هذه هي روضة للأطفال، بينما للأسف ان مدارس العراق تفتقر الى ابسط مقومات المدارس الحديثة، ناهيك عن الأساليب والمناهج التي لم يطرأ عليها التحديث لسنوات طويلة. وفي هذا المقام، والظرف الصعب الذي يمر به العراق، فأني اتمنى من اعماقي ان يعود الهدوء، وأن يشعر الناس بالأمان والسلام، وأن تسود روح التعايش بين كل مكوناته وقومياته وأديانه، انها امنية اعتقد بأمكانية تحقيقها لو عرف الناس حسن اختيار قادتهم الذين يأخذوهم لبر الأمان، وليس لسوح الحروب والقتل والدمار.
ملحوظة: اعتذر للأحبة، عشاق اللغة العربية والضليعين بقواعدها، عن عديد الأخطاء الأملائية والقواعدية التي تحفل بها كتاباتي، اعتذر لهم لأن ليس قصدي الأسائة الى هذه اللغة الجميلة او قواعدها، بل ان امكنياتي هي هذه، وغالبا ما اكتب، لنصرة وأعلاء الأنسان وليس لأي شئ آخر، وهذا ما يجعلني ان ابرر لنفسي تلك الأخطاء عملا بمقولة (الغاية المشروعة، تبررها الوسيلة المشروعة).
كمال يلدو
تموز 2014
895 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع