ناظم ياسين: تُلقي التطوراتُ المتسارعة منذ سقوط الموصل بأيدي جماعات مسلحة بظلالها على المشهدين السياسي والأمني على نَحوٍ يُــنذرُ باحتمالات التصعيد عراقياً وإقليمياً.
جماعة (الدولة الإسلامية) التي أسقطت العراق والشام من اسمها بعد سيطرتها على نينوى وأجزاء من مناطق عراقية أخرى الشهر الماضي ثم أعلنت إقامة "الخلافة" أقدَمت على تحدٍ علَني آخر للمنظومة الجيو سياسية في المنطقة بنشرها تسجيلاً مصوّراً يظهر مَن عرّفته بأنه زعيمها أبو بكر البغدادي وهو يلقي خطبة الجمعة في جامع الموصل الكبير. وتزامن هذا التطور مع إعلان إيران مقتل أحد طياريها في العراق وتأكيد السعودية رسمياً أنها تواجه الإرهاب إثر هجوم لمسلحي القاعدة عبر اليمن على أحد منافذها الحدودية الجنوبية.
ردّ فعل بغداد جاء على لسان الناطق باسم وزارة الداخلية العراقية الذي وصف التسجيل المصور بأنه مزيّف. وصرّح الناطق العميد سعد معن لرويترز بأن الرجل الذي نُشرت صوره ليس البغدادي بكل تأكيد، مضيفاً أن الوزارة قامت بتحليل التسجيل وخلصت إلى أنه مزيّف. كما نُقل عنه القول إن القوات العراقية أصابت البغدادي مؤخراً في هجوم جوي وإن مقاتلي الدولة الإسلامية نقلوه إلى سوريا لعلاجه هناك. ورفض تقديم تفاصيل أخرى فيما لم يتسنّ التحقق من صحة التسجيل من مصادر مستقلة.
وأفادت رويترز بأنه أذا تأكدت صحة التسجيل المصور فسيكون هذا أول ظهور علني لزعيم الجماعة التي سيطرت هي وفصائل أخرى في حزيران على مناطق في شمال العراق وغربه.
وفي المقاطع التي نشرتها وكالات أنباء عالمية أخرى أيضاً، نُقل عنه القول إن "إخوانكم المجاهدين قد منّ الله عليهم بنصر وفتح ومكّن لهم بعد سنين طويلة من الجهاد والصبر لتحقيق غايتهم، فسارعوا إلى إعلان الخلافة وتنصيب إمام وهذا واجب على المسلمين قد ضيع لقرون"، بحسب تعبيره.
جاء بثّ التسجيل المصور بعد ساعات من تأكيد الداعية الإسلامي البارز يوسف القرضاوي الذي يُـــعد من أهم مرجعيات تيار الإخوان المسلمين أن إعلان تنظيم (الدولة الاسلامية) إقامة "الخلافة" هو "باطل شرعاً" و"لا يخدم المشروع الإسلامي".
وقال بيان للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بتوقيع القرضاوي الذي يرأس الاتحاد إن الخلافة "نتمنى أن تقوم اليوم قبل غد"، لكن الخطوة التي اتخذها التنظيم تترتب عليها "آثار خطيرة على اهل السنة في العراق والثورة في سوريا".
واعتبر الاتحاد أن إعلان الخلافة وتعيين أبو بكر البغدادي خليفة لا يلبي عدة شروط شرعية لاسيما مبدأ كون الخليفة "نائباً عن الامة الاسلامية" بأسرها، ومبدأ "الشورى"، فضلاً عن ربط الخلافة "بتنظيم بعينه اشتهر بين الناس بالتشدد"، ما يؤدي الى إلحاق ضرر بمشروع الخلافة.
واعتبر البيان أيضاً أن إعلان الخلافة "أشبه بالانقضاض على ثورة الشعب التي يشارك فيها أهل السنة بكل قواهم، من العشائر والفصائل المتنوعة من مناطق عديدة بالعراق"، بحسب ما نقلت عنه وكالة فرانس برس للأنباء.
في غضون ذلك، أفادت طهران بمقتل طيار من منتسبي الحرس الثوري الإيراني أثناء مشاركته في القتال في العراق. ونُقل عن وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) قولها في خبر مقتضب أن العقيد شجعات علم داري مرجاني قتل اثناء "دفاعه" عن مواقع مقدسة في مدينة سامراء. فيما نشرت وكالة مهر للأنباء شبه الرسمية صوراً لمراسم تشييع ودفن جثمان الطيار في مسقط رأسه قرب شيراز يوم الجمعة.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني تعهد في منتصف حزيران بحماية العتبات المقدسة في العراق ومن بينها سامراء التي يوجد فيها مرقد الإمامين العسكريين.
لكن طهران ذكرت أنها لن ترسل جنوداً بل يمكن لها أن تزوّد بغداد بأسلحة ومعدات عسكرية إذا طلبت ذلك. فيما أشارت تقارير إعلامية إلى تكهنات بأن فيلق القدس التابع للحرس الثوري يعمل على الأرض الى جانب القوات العراقية رغم نفي الحكومة الإيرانية.
وفي إطار التهديدات الإرهابية للأمن الإقليمي، أعلنت السعودية أن شخصين يشتبه أنهما من متشددي تنظيم القاعدة فجّرا نفسيهما السبت بعد محاصرتهما داخل مبنى حكومي في جنوب المملكة إثر هجوم على منفذ حدودي مع اليمن أسفر عن مقتل أربعة من أفراد الأمن.
الناطق باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي صرح بأن الاثنين كانا ضمن مجموعة من ستة أفراد من متشددي القاعدة هاجموا منفذ الوديعة الحدودي يوم الجمعة من اليمن. وقتل ثلاثة من المتشددين يوم الجمعة وأصيب رابع وجرى اعتقاله. وأضاف الناطق الرسمي السعودي في مؤتمر صحفي في الرياض ليل السبت أن "المملكة مستهدَفة، ليس في المنافذ فقط، ولكن المملكة مستهدَفة. وكلكم تتابعون شبكات التواصل الاجتماعي وتلمسون الاستهداف. ونحن لا نستبعد في أي حال من الأحوال وقوع العمل الإرهابي"، بحسب تعبيره.
وفي نشرها لمقتطفات من تصريحات التركي، ذكرت وكالة رويترز للأنباء "أن السعودية تشعر بالقلق من أي تسلل محتمل للقاعدة من العراق حيث اجتاح متشددون مناطق واسعة من هذا البلد المجاور للمملكة."
ولمزيدٍ من المتابعة والتحليل، أجريت مقابلة مع مدير (مركز الاستشارية للدراسات الإستراتيجية) في لبنان الدكتور عماد رزق الذي تحدث لإذاعة العراق الحر أولاً عن مغزى نشر جماعة (الدولة الإسلامية) شريطاً مصوّراً يظهر زعيمها وهو يلقي خطبة الجمعة، قائلاً "إن التطور الأخير وإعلان الخلافة من الموصل ..رغم كل ما يقال وقيل عن قدرة هذا التنظيم فإننا أصبحنا نعاصر الجيل الثالث من هذه المجموعات، الجيل الأول انطلق من أفغانستان وباكستان لأهداف خاصة وبعدها تحوّل إلى تنظيم عالمي بأهداف محددة ولكن بعد فشل إقامة الإمارة مع طالبان في أفغانستان والمحاولات التي جرت لإقامة دولة إسلامية في اليمن، نرى اليوم الإمكانية التي باتت تتمتع بها بعد السيطرة على الموصل ومناطق أخرى خلال بضعة أيام ما أظهر امتلاكها قدرات لوجستية وعسكرية تخطيطية فضلاً عن أموال وربما هذا ما دفع البغدادي لإعلان الخلافة"، بحسب تعبيره.
وفي المقابلة التي أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، أجاب رزق عن سؤال يتعلق بدور إيران الميداني في الساحة العراقية إثر الإعلان عن مقتل طيار من الحرس الثوري في سامراء. كما تحدث عن موضوعات أخرى ذات صلة بالتهديدات الأمنية التي يُشكّلها إعلان إقامة "الخلافة" على منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
من جهته، اعتبر محلل الشؤون الأمنية والسياسية أمير جبار الساعدي في تعليق لإذاعة العراق الحر حول تداعيات التطورات العراقية المتسارعة على الأمن الإقليمي أن الشريط المصوّر الذي نشرته جماعة (الدولة الإسلامية) لخطبة زعيمها في أحد مساجد الموصل يأتي في أطار سعيها لكسب "معركة الإعلام التي غالباً ما نشطت بها تنظيمات القاعدة مسبقاً واستلمتها داعش..وبالتالي فهي تحاول أن تغازل مشاعر وأحاسيس كل الشباب المنهك اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ليس في العراق وحسب بل حتى في عموم منطقة الشرق الأوسط لتستطيع استقدام الكثير من المجنّدين والمقاتلين لصفوف ما يسمى بهذه الخلافة المزعومة والدولة الإسلامية"، بحسب تعبيره.
916 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع