السفير فريد ياسين - الوزير العراقي ساسون حسقيل مات في باريس ودفن في مقبرتها - الطيارة الفرنسية هيلين بوشيه
باريس: «الشرق الأوسط»:فريد ياسين، سفير العراق في باريس، أقام في دارته حفل استقبال على شرف الدبلوماسي مارك باريتي، السفير الفرنسي الجديد الذي يستعد لتسلم مهمات منصبه في العاصمة العراقية. وألقى ياسين كلمة استعرض فيها العلاقات التاريخية بين بغداد وباريس، وقال إنها تمتد لعدة قرون وليست مقتصرة على التعاون الاقتصادي الذي نشط في ثمانينات القرن العشرين.
بدأت الصلات منذ طلب الملك شارلمان من الخليفة العباسي هارون الرشيد، عام 797، التدخل لحماية الأديرة الشرقية وتأمين طريق الحج إلى الأرض المقدسة. وقد أثمر التعاون عن تبادل السفراء والهدايا منذ تلك الفترة المبكرة، ومنها فيل آسيوي وساعة مائية شهيرة قدمها هارون الرشيد للملك الفرنسي وأذهلت حاشيته. وقد استؤنفت العلاقات بعد الحروب الصليبية، أواسط القرن 17، وسمحت الدولة العثمانية بافتتاح قنصليات في كل من بغداد والموصل والبصرة، كانت بوابة لنقل التقنيات الفرنسية الحديثة إلى الشرق.
كان تعليم اللغة الفرنسية قد بدأ في العراق، مع نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، في مدارس الطائفة اليهودية والإرساليات المسيحية التي لقيت رعاية من فيصل الأول، الملك الذي أبدى اهتماما بأوجه الثقافة الفرنسية وكان يتردد على المعارض ومحترفات الرسامين البارزين في باريس. وفيما بعد، انطلقت أولى البعثات لدراسة الفن في العاصمة الفرنسية، مع فنانين تركوا بصماتهم على الحركة التشكيلية العراقية، أمثال فائق حسن وجواد سليم وجميل حمودي.
ومن ضمن الوقائع التي توقف عندها السفير ياسين، ذلك الملصق الدعائي الشهير لقطار الشرق السريع الذي رسمه الفنان الفرنسي روجيه برودير (1883 - 1953)، أشهر مصممي الإعلانات في النصف الأول من القرن الماضي، وفيه عبارة تدعو المسافرين للقيام برحلة بين لندن وبغداد تستغرق 8 أيام. وهذا يعني أن الرحلة بين باريس والعاصمة العراقية لم تكن تزيد على 7 أيام. لكن العراق، بالنسبة لبعض المغامرين والرحالة الفرنسيين، كان أيضا محطة عبور إلى بلدان أبعد. ولعل الكثيرين لم يسمعوا بسباق السيارات المسمى «الجولة الصفراء» الذي نظمه رائد صناعة المركبات الفرنسي أندريه سيتروين بهدف الوصول إلى آسيا الوسطى. وقد انطلق السباق في ربيع 1931، قاطعا الصحراء ومارا ببغداد لينتهي في أوائل العام التالي. وكان رائد الطيران الفرنسي لودفيك أراشار (1897 - 1933) قد قام برحلة جوية مع أخيه الصغير بول، بين مطار «لو بورجيه» في باريس ومطار البصرة، جنوب العراق، في يونيو (حزيران) 1926، على متن طائرة من نوع «بوتيز 28» استغرقت زمنا قياسيا هو 26 ساعة و25 دقيقة، قطعا خلالها أكثر من 4300 كيلومتر. وبعد ذلك قامت الفرنسية هيلين بوشيه (1908 - 1934)، رائدة الطيران وصاحبة الأرقام القياسية في السرعة، برحلة جوية بين باريس وطهران، عام 1933، توقفت خلالها في بغداد. وبوشيه هي من أبرز المناضلات في سبيل السماح للنساء بالمشاركة في الانتخابات.
من الإشارات الدالة التي وردت في كلمة السفير ياسين، في سياق حديثه عن تأثر شخصيات سياسية محلية بالثقافة الفرنسية، تلك التي توقف فيها عند ساسون حسقيل، أول وأشهر وزير للمالية في تاريخ العراق الملكي. ويعود الفضل لحصافة ذلك الوزير اليهودي في تحقيق أوفر الأرباح لخزينة بلاده، عندما أصر على تحديد بيع النفط العراقي بالجنيه الإنجليزي (الذهب)، منعا لتقلبات العملة. وقد توفي الرجل في باريس، عام 1932، ودفن في أشهر مقابرها «بير لاشيز».
ثم جاءت العلاقات الاقتصادية مع تأسيس الشركة الفرنسية للبترول، التي صارت تعرف بـ«توتال»، وما تبعها من تعاون في المجالات كافة. وعلى الرغم من أهمية التبادلات التجارية في الزمن الراهن، فقد دعا السفير العراقي نظيره الذاهب قريبا إلى بغداد، إلى ضرورة تذكير العراقيين بأن العلاقات بين بلديهما عريقة وقد قامت على قيم بناءة.
1051 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع