في قائمة أقدم عشرين مدينة مأهولة في العالم، نال الشرق الأوسط الحصة الأكبر، بتصدر أريحا الفلسطينية، وفوز أربع مدن لبنانية، ومدينتين سوريتين، ومثلهما عراقية.
اذ تصدرت مدن الشرق الأوسط، الذي تعاقب عليه الكثير من الحضارات، قائمة أقدم المدن المأهولة. وكان للبنان الحصة الأبرز إذ حلت مدينة جبيل في المرتبة الثانية عالميًا، ومدينة صيدا في المرتبة السابعة. أما العاصمة بيروت فحلت في المرتبة العاشرة، لتليها صور في المرتبة الثانية عشرة. وكانت المرتبة الاولى من نصيب فلسطين، إذ احتلتها مدينة أريحا في الضفة الغربية لنهر الاردن. وحلت في المرتبة الثالثة عشرة أربيل العراقية، التي سُكنت منذ العام 2300 قبل الميلاد. تعاقبت على أرضها الحضارات بدءًا من الأشوريين إلى الفرس والساسانيين ثم العرب والعثمانيين، إلى أن أصبحت جزءًا من مملكة العراق. اسمها يعود إلى الاسم الأشوري للمدينة (أربانيلو) أي اربعة آلهة، وهي كناية عن المعابد الأشورية المهمة في أربيل، وكانت في العهد الأشوري مركزًا رئيسا لعبادة الإلهة عشتار. ويوجد فيها أكثر من مئة موقع أثري يرجع تاريخها من العصر الحجري إلى العصر الإسلامي.
وحل العراق أيضًا في المرتبة الرابعة عشرة عبر مدينة كركوك التي أصبحت مأهولة منذ العام 2200 قبل الميلاد. كانت تعرف باسم عرفة عندما كانت عاصمة للأشوريين. تعاقب على حكمها البابليون والأشوريون والساسانيون والسلاجقة والعرب والمسلمون والعثمانيون، وتركوا العديد من الآثار.
من أرض كنعان
تحتفظ المدن العشرون المأهولة بمعالمها الأثرية والتراثية التي تكونت عبر العصور، لتقدمها إلى زوارها صفحات من تاريخ مشرق سجلته حضارات تعاقبت.
في المرتبة الاولى، تحل أريحا الفلسطينية، وهي من أقدم مدن التاريخ، صارت مأهولة منذ العام 9000 قبل الميلاد. واريحا مدينة كنعانية في الضفة الغربية لنهر الأردن، تعود تسميتها إلى اصل سام، ويعني اسمها القمر عند الكنعانيين. وأريحا في السريانية تعني الرائحة أو الأريج. ازدهرت في عهد الرومان، وقد عثر علماء الآثار فيها على بقايا مستعمرات تعود إلى 11000 عام.
وفي الثانية حلت جبيل اللبنانية، الفينيقية التي صارت مأهولة منذ العام 5000 قبل الميلاد. اعتقد الفينيقيون أن الإله ايل نفسه اسس مدينة جبيل، وتعني تسميتها "جب ايل" اي بيت الله. اطل الإغريق عليها اسم بيبلوس لعلاقتها بالورق والكتابة، لأنها مهد الأبجدية الفينيقية. وتؤكد الكتابة المنقوشة على ناووس الملك أحيرام في متحف بيروت انطلاق الحرف الفينيقي من شواطئ جبيل إلى العالم.
تضم جبيل، إضافة إلى قلعتها التاريخية، الكثير من المعالم السياحية، كالمعابد الفينيقية، والسوق القديمة، ومرفأ جبيل وأبراجه، وكنيسة القديس يوحنا المعمدان التي بناها الصليبيون في القرن الثاني عشر، والسور الأثري الذي يعود إلى القرون الوسطى، والمسرح الروماني.
وفي العام 1984، وضعت منظمة الأونيسكو جبيل على لائحة المواقع التراثية العالمية، باعتبارها مدينة مأهولة منذ العصر الحجري الحديث. واختيرت في العام 2013 كأفضل مدينة سياحية عربية.
مدن أثرية
في المرتبة الثالثة حلت حلب في سوريا، التي سُكنت منذ العام 4300 قبل الميلاد. تضم حلب العديد من المواقع الأثرية بسبب تعاقب الأكاديين والبابليين والآراميين والحيثيين والسومريين والرومان والإغريق والبيزنطيين والعرب والمسلمين عليها. لكن الكثير من هذه الآثار قد تعرض للدمار، بسبب الحرب الأهلية الضروس التي ما زالت تشهدها المدينة.
واحتلت العاصمة السورية دمشق المرتبة الرابعة، إذ أصبحت مأهولة منذ العام 4300 قبل الميلاد. وتمتاز دمشق ببيوتها العربية وشوارعها وبواباتها وأسواقها ذات الطابع الهندسي الفريد، وبجوامعها وكنائسها.
ازدهرت العاصمة السورية بعد أن سكنها الآراميون، وشهدت الكثير من الغزوات بدءًا من فتوحات الإسكندر الكبير إلى الحكمين الروماني والعربي، وصولًا إلى العهد العثماني. وفي العام 1979، سجلت دمشق القديمة على لائحة التراث العالمي في منظمة الأونيسكو.
قصة يوسف
حلت مدينة شوشان أو سوسة الإيرانية في المرتبة الخامسة. سُكنت منذ العام 4200 قبل الميلاد وهي من أقدم المدن المأهولة في إيران. خضعت للحكم الفارسي في عهد قورش الكبير بعد أن كانت عاصمة امبراطورية عيلام إلى أن وقعت بيد الأشوريين، واسمها مدون في سجلات أشور بانيبال الذي افتتحها في العام 650 قبل الميلاد.
وسادسًا تأتي مدينة الفيوم المصرية، المأهولة منذ العام 4000 قبل الميلاد. اختلف المؤرخون حول تسميتها، فمنهم من اعتبر الاسم "بيوم" أي بركة الماء، ومنهم من أطلق عليها اسم الفيوم نسبة إلى قصة يوسف، الذي استصلح أراضي هذه المنطقة في ألف يوم، فأصبحت الفيوم.
نمت حضارة الفيوم حول بحيرة قارون، وكان الناس هناك يعبدون الإله سوبك، اي التمساح. وتحتوي الفيوم على آثار من الحقبات اليونانية والرومانية والقبطية والاسلامية، ومن أهم آثارها مسلة الفيوم المتميزة برأسها المستدير، إضافة إلى أهرامات الفيوم. كما في الفيوم أديرة قديمة.
أقدم مدن فينيقيا وأوروبا
في المرتبة السابعة تحل صيدا، عاصمة جنوب لبنان. صيدا مأهولة بالسكان منذ العام 4000 قبل الميلاد، وتعد من أقدم المدن الفينيقية، إذ يعتبر المؤرخ الفرنسي جاك نانتي أنها أول مدينة أسسها الفينيقيون قبل نحو 2800 قبل الميلاد، وأنشأها صيدون ابن كنعان، فأخذت اسمها منه.
في صيدا آثار كثيرة تروي حكايات المدينة القديمة والقلعتين البحرية والبرية، والميناء ومرافئ الصيادين، والجامع العمري الكبير، والكنائس وخان الإفرنج، والحمامات الأثرية. ذكرها هوميروس في إلياذته متحدثًا عن نتاج صيدون وتجارتها وغناها. فالصيدونيون أول من برع في صنع الأواني الزجاجية والخزفية، ونقلوها إلى بلاد اليونان. زارها السيد المسيح والقديس بولس، وورد ذكرها في الكتاب المقدس.
استولى عليها الإسكندر الكبير في العام 333 قبل الميلاد.
وحلت مدينة بلوفديف البلغارية في المرتبة الثامنة، وهي المأهولة بالسكان منذ العام 4000 قبل الميلاد. تعد هذه المدينة من أقدم مدن أوروبا، فتحها فيلبس الثاني والد الإسكندر المقدوني الكبير، ثم حكمها التراقيون وضمت إلى الإمبراطورية الرومانية. احتلها السلاف في القرن السادس، ثم البيزنطيون والعثمانيون. في بلوفديف الكثير من الآثار، مثل المدرج الروماني والحمامات العثمانية.
مطمع الحضارات
حلت مدينة غازي عنتاب التركية في المركز التاسع، إذ صارت مأهولة منذ العام 3650 قبل الميلاد. يمتد تاريخ هذه المدينة إلى عهد الحثيين، وهي من أقدم المراكز الثقافية في شرق الأناضول. كانت مطمعًا لكثير من الحضارات إذ كانت تتمتع بموقع استراتيجي هام على طريق الحرير. وحافظت المدينة على مكانتها في العصرين الإغريقي والروماني، وتحتوي على فسيفساء رومانية قديمة.
وعاشرًا تأتي العاصمة اللبنانية بيروت، وقد سُكنت منذ العام 3000 قبل الميلاد، وتمازجت فيها الحضارات عبر العصور، فشكلت صلة وصل بين الشرق والغرب.
يعود تاريخ بيروت إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وكانت إحدى أهم مدن الساحل الكنعاني الفينيقي. ورد اسمها في نصوص مسمارية تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد. سيطر عليها الرومان في القرن الأول قبل الميلاد، وكانت تعرف بإسم بيريتوس. مرت عليها الفتوحات الإسلامية والصليبية والمماليك والأتراك والفرنسيون، وعرفت بأم الشرائع لأنها كانت حاضنة لأهم معهد للحقوق في الإمبراطورية الرومانية. ودلت الحفريات على المكانة العلمية والأدبية التي كانت لبيروت عبر عصورها التاريخية. أهم آثارها خمسة أعمدة قرب كنيسة ما جرجس، والحمامات الرومانية، وأعمدة مزخرفة كانت جزءًا من كاتدرائية رومانية، أرضية من الفسيفساء تعود إلى كنيسة بيزنطية، السراي الكبير، المتحف الوطني، برج الساعة، سور كان يحيط ببيروت في عصري الصليبيين والمماليك.
القدس وصور
احتلت القدس المركز الحادي عشر. وقد سُكنت منذ العام 2800 قبل الميلاد، وتقع ضمن سلسلة جبال الخليل، وهي مقدسة عند أتباع الديانات السماوية الثلاث، تضم حائط المبكى اليهودي وكنيسة القيامة المسيحية والمسجد الأقصى الاسلامي. وأظهرت التنقيبات الأثرية وجود أوان خزفية في مدينة داوود الواقعة ضمن حدود القدس حاليًا، والتي تعود للألفية الرابعة قبل الميلاد. وأظهرت اكتشافات أخرى وجود مستعمرة بشرية تعود إلى العصر البرونزي. ويقول مؤرخون إن الكنعانيين أسسوها، فهم سكنوا فلسطين في الألف الثالث قبل الميلاد.
وبعد القدس، تحل صور اللبنانية في المرتبة الثانية عشرة. فهي سُكنت منذ العام 2750 قبل الميلاد، بعدما أسسها الفينيقيون، وأصبحت منذ أواخر الألف الثاني قبل الميلاد من أكثر المدن الفينيقية شهرة بصناعة الأنسجة المصبوغة باللون الأرجواني، وأطلق عليها إسم سيدة البحار دون منازع، إذ تفوق الصوريون بالتجارة عبر البحار بعد أن بنوا اسطولًا تجاريًا ضخمًا من السفن المصنوعة من خشب الأرز. ونسب إليهم اختراع المكاييل والأوزان والنقود وفن الحساب.
ويروي الأقدمون أن الصوريين كانوا أول من عرف أهمية النجم القطبي للملاحة وتعلموا أن يهتدوا به ليلًا، ولذا دعاه الإغريق النجم الفينيقي. وفي صور آثارات من كل الحقبات التاريخية كالإغريقية والبيزنطية والعربية والعثمانية، وحصلت فيها أولى عجائب السيد المسيح الذي حول الماء إلى خمر في قانا. أدرجت في العام 1979 على لائحة التراث العالمي.
وحلت بلخ في افغانستان في المرتبة الخامسة عشرة. سُكنت في العام 1500 قبل الميلاد، وأطلق عليها اليونانيون القدماء إسم باكترا. إزدهرت قبل الغزوات الفارسية والميدية. تشتهر بزراعة القطن.
وحلت أثينا، عاصمة اليونان، في المركز السادس عشر. أصبحت أثينا مأهولة منذ العام 1400 قبل الميلاد، يعود إسمها إلى إلهة الحكمة الإغريقية. تعد من أقدم مستوطنات أوروبا. في عهد بريكليس، كانت مدينة الفنون والثقافة، وظلت مدرسة للثقافة حتى سنة 529 قبل الميلاد، وظهرت فيها التراجيديات والكوميديات الإغريقية الشهيرة. وتحتوي على آثار يونانية ورومانية وبيزنطية وعثمانية.
بين قبرص والهند
احتلت مدينة لارنكا القبرصية المرتبة السابعة عشرة. سُكنت هذه المدينة منذ العام 1400 قبل الميلاد. أسسها الفينيقيون وكانت تعرف باسم كيتيون. من أهم أثارها المتحف البيزنطي لكنيسة آيوس لازاروس ويقال إن القديس لازاروس كان يعيش في المنطقة بعد أن عمد من قبل المسيح، متحف لارنكا وكنيسة ميتامورفوسيوس تو سوتيروس (تجلي المخلص) ويعود تاريخها إلى الحكم الفينيقي.
المرتبة الثامنة عشرة كانت لثيفا اليونانية، التي سُكنت منذ 1500 قبل الميلاد. تكمن أهميتها في علاقتها بتاريخ وميثولوجيا الإغريق، فهي موطن الإله ديونيسوس ومكان ولادة البطل الأسطوري هرقل. مؤسسها هو قدموس الفينيقي الذي ابتكر الحروف الإغريقية وعلمها للهيلينيين. وهو شقيق أوروبا التي أعطت اسمها للقارة الأوروبية. من أهم آثارها كنائس بيزنطية، متحف ثيفا الذي يحتوي على ألواح مسمارية تربط المدينة بالفينيقيين كما يحتوي على مجموعة من القطع تعود للفترة الميسينية.
في المرتبة التاسعة عشرة، حلت مدينة غادس الاسبانية، التي أصبحت مأهولة منذ العام 1100 قبل الميلاد. بناها الفينيقيون لتشكل مركزًا لتجارتهم في المتوسط، وشكلت القاعدة الحربية لأسطول هنيبعل.
وفي المرتبة العشرين حلت فاراناسي الهندية، التي سُكنت منذ العام 1000 قبل الميلاد. تعرف أيضا بإسم باناراس، وهي على ضفاف نهر الغانج المقدس. تعتبر فاراناسي مدينة مقدسة عند الهندوس والبوذيين والجاينيين، لها ارتباط وثيق بنهر الغانج، ويبرز ذلك في ثقافتها، وتعرف المدينة بإسم مدينة المعابد ومدينة الهند المقدسة وأقدم مدينة سكنية على الأرض
969 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع