الصابئة العراقيون يمارسون طقوسهم الدينية
يتعرض أتباع الديانة الصابئية القديمة المسالمة والضاربة في عمق التاريخ العراقي، لتعسّف واضطهاد أديا إلى إجبار عدد كبير منهم إلى مغادرة البلاد والعيش في المهجر القسري، حتى يكاد العراق أن يفقد فصيلاً مهماً من مكونات مجتمعه المتميزة.
عبد الجبار العتابي من بغداد: شكا العديد من المواطنين من اتباع الديانة الصابئية المندائية في العراق، في احاديث مع "إيلاف" مما يتعرضون له من قتل وتهجير وتعسف فضلاً عن اطلاق صفة (الكفار) عليهم، مؤكدين ان الصابئي اصبح عند الكثيرين هو "الدجاجة التي تبيض ذهباً وقتله حلال".
مليشيات دينية ومعاناة
تقول راهبة الخميسي الكاتبة والشاعرة والناشطة المندائية المعروفة إن الصائبة يتعرضون الى انواع عديدة من الاضطهاد والخوف.
وقالت لـ"إيلاف": "هناك الكثير من الامور المهمة التي يعاني منها المندائيون في العراق، ومنها اولا حرمانهم من تبوّء مراكز قيادية متقدمة أو حتى بسيطة وحسب استحقاقاتهم، طبقًا لمقولة ( لا تتخذوا من غير المسلمين أولياء لكم)، حتى ان المكانات الوظيفية البسيطة التي كان البعض يترأسها كمدير قسم أو دائرة أو حتى مدير مدرسة الخ، قد استبدلت بأخرى مسلمة تحت ذرائع واسباب تافهة لمجرد الرغبة بإبعادهم.
أضافت: "ثانيًا، انهيار الوضع الامني وفقدان السلم الاجتماعي، فقد اصبح العراقيون يواجهون الخارجين عن القانون وجهًا لوجه وتسيّدت الميليشيات الدينية المتطرفة على الاوضاع الامنية وفقدان الثقة بالاجهزة الامنية وتكرر حالات الاختطاف والابتزاز المادي والتسليب والقتل وتشويه الجثث بهدف نشر الذعر والرعب والخوف وارسال رسائل للمندائيين بأن لا مكان لهم على هذه الارض وأن مصيرهم الى زوال خاصة وان اغلب المندائيين يعملون في مهنة صياغة الذهب، والتي حولتهم الى اهداف جاهزة للصوص والقتلة والمجرمين والميليشيات التي تمول نفسها من عمليات السرقة والسلب والاختطاف وطلب الفدية وتجارة الممنوعات".
واشارت الى أن هناك ضغوطاً يتعرض لها المندائيون في حياتهم اليومية ترغيبًا وترهيبًا لارغامهم على اعتناق الاسلام وتغيير دينهم وخاصة النساء المندائيات ومحاولات ابتزازهن وتقديم عروض الزواج لهنّ وتغيير ديانتهن، اضافة الى حالات اختطاف وتغييب عديدة للمندائيات لم تستطع عائلاتهن من الاستدلال على مصيرهن، اضافة الى فرض الحجاب الاسلامي عليهن خاصة في المدارس والجامعات وكذلك ما يجري من مضايقات مشابهة على الشباب المندائي في المدارس والكليات والادارات الحكومية".
وتابعت الخميسي: "في ظل ظاهرة تسيد العشائر على الحياة الاجتماعية في العراق وفرضها لقوانينها غير المتماشية مع العصر بعد أن غابت الدولة والقانون، وبما أن المندائيين لا ينتظمون اجتماعيًا كعشائر فإنهم يتحالفون مع العشائر الكبيرة لحمايتهم امام الاخرين، لكن غالبًا ما تميل كفة حكماء هذه العشائر بالضد من المندائيين بالرغم من أنهم يؤدون التزاماتهم المادية والاجتماعية للعشيرة التي تحالفوا معها".
وختمت الخميسي بالقول: "وبعد كل هذا وغيره الكثير فكيف للصابئة المندائيين العيش في وطن اصيب بالسعار وفلتت زمام اموره، وهم اقلية الاقليات، وحيث لا يزال المندائي يُعامل بمبدأ النجاسة ويحرمون عليه في الاسواق مسك الخضار أو الفاكهة أو الخبز، وحتى انه لا يسمح له التواجد في بعض المدن التي ولد وعاش فيها وتحولت لاحقًا الى مدن وارض مقدسة لا يجوز أن يدنسها غير المسلمين !!!؟
يمشي خائفًا
المواطن المندائي سلام الزهيري، اكد لـ"إيلاف" انه عندما يمشي في الشارع فإنه مرعوب، فربما يقتل أو يتم خطفه!
وقال: "مُنذُ سقوط النظام السابق ولحد اليوم فقدنا الكثير من الشباب، حيث تم قتل الكثيرين، والقضية الآن تتمحور في خطف وقتل مباشر خصوصاً للصاغة المندائيين، وهُناك ضعف إستخباراتي كبير جداً لملاحقة المجرمين وتصعيب القضايا من قبل القضاء العراقي، حيث يذهب الشخص المتضرر للقاضي والذي إما يقول لهُ إن هذه القضايا تحدث لجميع العراقيين أو يقول لهُ إن الصابئة يعملون بالسحر ولذلك يتعرضون لمضايقات".
واكد قائلاً: "مررتُ بذلك شخصيًا حيث تم اختطافي قبل سنتين تقريباً ثم تم تعطيل القضية من قبل التحقيق والقاضي والشرطة والإستخبارات ولحد الآن لم يتم إلقاء القبض ولا على شخص واحد ولو مشتبهاً بهِ".
ويوضح انه استطاع الهرب من الخاطفين، ولما تم تسليمه من قبل سيارة تنقل ركاباً إلى سيطرة الشرطة لم يخرج ولا شرطي للمداهمة في المنطقة.
واشار الى انه "قد تم ايضًا اختطاف عمه في منطقة الشعب ببغداد فتمت مقايضته بالمال، ثم قتل إبن خالته في محافظة ميسان الجنوبية بدم بارد أمام المارة ونادوا عليه بالكافر، وتم قتل أحد أبناء عمومته في بغداد سنة 2007 وكذلك أحد عمومته في بغداد سنة 2008، كما تم قتل أحد عمومتي سنة 2006 في بغداد أمام الناس، وبدم بارد تم قتل شابين في ميسان في سنتي 2005 و2008 أمام المارة فضلاً عن خطف شاب في ميسان سنة 2012 ومقايضته بمال قدره 17 الف دولار أميركي".
وتابع قائلا: "الصابئي هو عبارة عن دجاجة تبيض ذهباً، وماله وعرضه حلال وقتله يسهّل دخول الجنة لأنه كافر! لقد نادينا كثيراً ولكن لا من مجيب يسمع النداء وطالبنا منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والهجرة الدولية والحكومة، بالتدخل وإيجاد حل ولكن بلا جدوى، ناشدنا كثيراً واستنجدنا كثيراً وبلا فائدة فمصيرنا نحو الإنقراض ولا يوجد شخص مسؤول قادر أو راغب في التدخل ليجد حلاً".
كفار وقتلهم حلال!
يعمل المواطن المندائي صفاء زهرون صائغًا، ويشير في إفادته لـ"إيلاف" الى تعرضه الدائم للابتزاز، وقال: "من الحقوق التي ننعم بها هي إصدار قوانين خاصة لنا وخصوصاً في ميسان حيث كان آخرُها هو اعتبار الأعياد المندائية عطلاً رسمية لأبناء الطائفة واستحصال قرار بإمتلاك أرض المعبد في المحافظة وبناء المعابد وترميمها، ولكن في مقابل ذلك حصلت الكثير من قضايا الإضطهاد وفي نظام صدام قُتلَ شخص سنة 1995 وآخر سنة 97 وآخر سنة 99".
واضاف: "ولكن في ظل الحكومات التي تشكلت بعد سقوط النظام السابق ولحد الآن حصلت الكثير من المضايقات منها دخول عصابات للبيوت وسرقتها وتهديد العوائل المندائية بالسلاح بأنهم كافرون وقتلهم حلال، تم قتل العشرات بل المئات من المندائيين في محافظات بغداد وميسان والبصرة وكركوك والناصرية وتم خطف كثير من المندائيين ومقايضتهم بالمال من خلال إبتزاز أهاليهم والبعض الآخر تم قتله قبل أو بعد استلام المال وقسم آخر تم تحريرهم من قبل الشرطة أو الجيش ولكن هذه حالات نادرة".
قلق دائم وخوف مستمر
من جهته، سرد عبد الجبار جميل، ويعمل موظفاً، العديد من الحوادث التي عايشها.
وقال: "عذابات لا تنتهي والخوف يحاصرنا اينما نكون، ولا اعرف كيف اشرح لكم معاناتنا، فأي معاناة اوصف لك وأطفالنا حين يذهبون الى المدارس يقول لهم الطلبة أنت (صبي نجس) قتلك حلال ولا نريدك أن تعيش بيننا! كيف يقول الأطفال ذلك لو كان الآباء لم يتكلموا بهذا أو ان الأهل لم يسمحوا لأولادهم اللعب في الشارع أو الذهاب للأسواق أو المدارس، ولما يخرج شخص من البيت لقضاء اي عمل يقلق أهله عليه ويتصلون به في كل ساعة".
أضاف: "تم سلب مندائي في ميسان أثناء الغروب وأصيب، ولكنه استطاع قتل أحد أفراد العصابة بمسدسه الشخصي وأصاب الآخر والثالث لاذ بالفرار ولكنه لم يتخلص من العشائر ومطالبها بالفدية، كما تم خطف شاب من ميسان قبل ثلاثة أشهر وتم دفع فدية، ومصيره مجهول لحد الآن، وقتل ايضا أحد أبناء عمومتي قبل شهرين بعد خطفه ودفع فدية قدرها 50 الف دولار بعد أن دخلت عصابة على عائلة مندائية وتم ضرب رب الأسرة لحد تكسير عظامه وسرقة أمواله، وتم قتل شاب بعد 18 يومًا من خطفه وشنقه ووضعه في برميل للحوامض وايضًا قتل شاب في ميسان قبل أيام في قضاء المجر بعدما سرق القتلة منه ذهباً يقدر بكيلوين و400 غرام، حيث قتلوه بكاتم وتم خطف بنت عمتي قبل نحو شهر ولحد الآن مصيرها مجهولاً، كما اختطف شاب في ميسان سنة 2007 وتم تحريره بعد مقايضته بالمال وتم إلقاء القبض على العصابة ولكنهم خرجوا بعد فترة بعد دفع رشوة".
واكد ان عصابة دخلت على شيخ بشير في قضاء المجر وهو رجل دين مندائي قبل سنتين وأطلق افرادها النار عليه وأصابوه، ثم عادوا بعد حوالي 6 أشهر من جديد ليدخلوا عليه ويصيبوا أخته في ساقيها مما ادى الى اصابتها بإعاقة، لكنه قاومهم بسلاح ولاذوا بالفرار، كما دخلت عصابة على بيت خالتي بمنطقة الشعب في بغداد سنة 2008 وحاول افرادها ذبحها وزوجها بسكين لولا تدخل جارهم وإطلاقه النار على عليهم، كما تعرض رئيس مجلس الطائفة المندائية في مدينة الناصرية الجنوبية للضرب بالسكاكين هو وزوجته قبل سنتين وهو يسير في احد الشوارع، ثم قتل شاب في البصرة بذبحه وإحراق جثته قبل سنة وقتل شاب في كركوك في باب بيته قبل سنة وتم حرق طفل وهو حي في قضاء الكحلاء في ميسان، كما دخلت عصابة على بيت مندائي وضربوا رب الأسرة وابنه بالحديد بلا سبب قبل 4 أشهر، وكذلك تم حرق بيت عائلة مندائية لدى مغادرتها له، والأحداث مستمرة.
الجهل هو السبب
قال الكاتب ماجد عبد الكريم لـ"إيلاف": بقدر ما هنالك عراقيون يحترمون المكون الصابئي وهذه الاقلية ويتعاملون معها بالحسنى، فإن هناك الكثير من الجهلة الذين يتعمدون ايذاء افرادهها بسبب الجهل حتى وان قلنا اننا اصحاب كتاب وان القرآن قال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/62).
واضاف: "المندائيون أقدم قوم سكنوا العراق منبعهم من فلسطين واستوطنوا قبل ذلك عدة مناطق، وتعرضوا في معظم الأزمنة لجميع أنواع الإضطهاد وفي كل الأمكنة التي سكنوها، حيث قاموا بعدة هجرات جماعية كان آخرها هجرتهم من فلسطين إلى جنوب العراق سنة 70م بعدما قام اليهود بإصدار فتاوى تبيح قتلهم حيث تم قتل 365 رجل دين في هذه السنة، وعلى أثرها تمت مغادرة المندائيين إلى مدينة حران الداخلية في سوريا ومن ثم اصطحبهم الملك إردوان (يسمى عربياً أرطبانوس) إلى شمال العراق في جبال ميديا، وهنا كان الإضطهاد الأكبر حيث تعرضوا لبعض أنواع الفتاوى التي أصدرها الحاخامات اليهود والقساوسة المسيحيون، وعندما جاءت الديانة الإسلامية أنعموا ببعض الراحة ولكنهم لم يسلموا من بعض المفتين كالشيخ أحمد الطبري وغيره.
وختم: "أما في العصر الحديث، فإن اضطهادهم متباين بين حكومة وأخرى فكان نصيبهم الأكبر في السنوات الاخيرة أي بعد تغيير نظام صدام ولكنهم في المقابل تنعموا بكثير من الحقوق ولا يجب نكران ذلك".
977 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع