إيلاف/ عدنان ابو زيد:بروز مرجعية سنيّة (مُطاعة) في العراق، يشير الى تعادلية في المرجعيات الدينية بين السنة والشيعة تمخضت عنها الاحداث الاخيرة. وفي الوقت ذاته، يبعث على السؤال عن احتمال انحسار تأثير الكثير من القيادات (السنيّة) السياسية التقليدية التي لم يكن لها أي دور، لا في تأجيج المظاهرات والاحتجاجات ولا في اسلوب تهدئتها، وقيادتها الى تحقيق مطالبها .
ينظر الكاتب السعودي جاسر عبد العزيز الجاسر، بعين الاعجاب الى ظاهرة جديدة في الوسط (السنّي) العراقي، تتجسّد في بروز المرجع الديني العلامة عبدالملك السعدي، كمرجعية دينية لأبناء السنة في هذا البلد، معتبرًا أن "هذا الشيخ الفاضل هو إحدى الإضافات الإيجابية التي أبرزتها الانتفاضة العراقية"، لاسيما وأن أهل السنة في العراق "يفتقرون إلى مرجعية دينية مسموعة الكلمة تقدم مصلحة الوطن على مصلحة الطائفة، ولا يمكن شراؤه مثلما حصل لكثير من الرموز السياسية، ودعوته إلى إبعاد الطائفية عن الانتفاضة العراقية لابد وأن تساعد على إعادة اللحمة للوطن والعراق الذي تسعى الأحزاب الطائفية إلى تفكيكه" .
ويرى الجاسر في مقال له نشرته صحيفة (الجزيرة ) السعودية أن " عبدالملك السعدي مرجع أهل السنة أصبحت له كلمة مسموعة ومطاعة " ، مشيرًا الى ما قاله السعدي حول المظاهرات والاعتصام في المناطق السنية العراقية بأنها " لم تقم على أساس القومية ولا على أساس الطائفية ولا العرقية ولا المذهبية ، بل دعوة من أجل المطالبة بحقوق العراقيين جميعاً، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية " .
ويذكّر الجاسر بما قاله السعدي " نحن جميعنا شركاء في هذا الوطن، والكل في هذا البلد اكتوى بنار المحتل وأذنابه، مطالباً المتظاهرين بأن يحتووا الجميع، وأن يقولوا لمن انحرف عن مساره بأن عليه العودة إلى جادة الصواب، وأن يسلكوا الطريق السليم" .
كما يلفت الجاسر الانتباه الى كلمات السعدي ، حيث يقول: "نحن على طريق آل البيت رضى الله عنهم وأرضاهم، وأكبر دليل على أننا نحب آل البيت صلاتنا لا تتم إلا بالصلاة على آل البيت" .
كلام الجاسر وخوضه في ظاهرة بروز مرجعية سنيّة ( مُطاعة ) في العراق ، يشير الى تعادلية في المرجعيات الدينية بين السنة والشيعة تمخضت عنها الاحداث الاخيرة . وفي الوقت ذاته ، يبعث على السؤال عن احتمال انحسار تأثير الكثير من القيادات (السنيّة) السياسية التقليدية التي لم يكن لها أي دور، لا في تأجيج المظاهرات والاحتجاجات ولا في اسلوب تهدئتها، وقيادتها الى تحقيق مطالبها .
مفاتيح السلطة
غير أن الجاسر يعتقد في مقاله أن حكومة نوري المالكي تسببت في " بسط حزب طائفي واحد وهو حزب الدعوة على كل مفاتيح السلطة في العراق، فأغلب وكلاء الوزارات والمديرين العامين وقادة الفرق العسكرية من هذا الحزب، ففي العراق توجد سبع عشرة فرقة عسكرية يرأسها خمسة عشر من أعضاء حزب الدعوة أو المتعاطفين معه، بينما يرأس إحدى الفرق من الأكراد، وواحد من أهل السنة وهو متزوج من شيعية ويشاع عنه أنه تشيّع " .
لكن القيادي البارز في دولة القانون النائب عباس البياتي يتداول في حوار له مع صحيفة (الصباح الجديد) العراقية (حقيقة التوازن) في مؤسسات الدولة العراقية، مؤكدًا أن التحالف الوطني يطالب الشيخ عبد الملك السعدي بتشكيل وفد عن المتظاهرين يتفاوض مع الحكومة .
وقال البياتي إن "الحديث عن التوازن صار هدفه تعبئة الشارع وإثارته ، والإحصائيات تؤكد حصوله بنسبة 85% من مؤسسات الدولة"، مشيرًا الى أن "التوازن حاصل في مستويين داخل مؤسسات الدولة ، الاول السيادي ، فالسُّنّة لديهم منصب رئيس البرلمان ونائبي رئيس الجمهورية والوزراء، وبالتالي فإنه متحقق في المناصب السيادية بنسبة 100%"، منوهًا الى أن "التوزان متحقق بنسبة 75% في المناصب الخاصة كوكلاء الوزراء والمفتشين والمستشارين".
النزاع الطائفي
الكاتب والسياسي العراقي بهاء الدين نوري ينبري في مقال له في صحيفة ( (الصباح الجديد) ايضًا ، بالحديث عن المشكلة الطائفية في العراق ويعتبرها " المشكلة رقم واحد، التي تقف وراء تأزم الوضع لهذه الدرجة الخطيرة ".
ويُرجِع نوري جذور المشكلة الى ما قبل مئات السنين، إذ "تسنى للطائفة السنية أن تمسك بأيديها زمام السلطة لأن الحكم في العهد العباسي ثم العهد العثماني كان في أيدي السنة" .
وزاد في القول: " لكن سقوط صدام في 2003 غيّر الوضع ولم يعد بمقدور السنة أن يحتفظوا بكرسي السيطرة التقليدية بعد أن تغيّر الوضع وحل صندوق الاقتراع محل أوامر الحاكم المستبد ، وكانت الطائفة الشيعية (الجعفرية) تحس بالغبن ولكنها لم تكن قادرة على عمل شيء قبل سقوط صدام لأن السلطة الحاكمة حافظت على التوازن المطلوب عن طريق الارهاب الدكتاتوري ".
يقول نوري: " كان التسلط السني طيلة مئات السنين على أساس طائفي، حيث لم يجلس خلالها رجل شيعي على كرسي رئاسة الدولة ولا مرة. فالصراع الطائفي الحاد اليوم بين العرب السنة والشيعة إنما هو من صنع الماضي" .
ارتكبت الادارة الاميركية ، بحسب نوري ، خطأ كبيرًا عندما اعتمدت المحاصصة الطائفية أساسًا لإعادة بناء الحكم دون أن تحسب الحساب الجدي لعواقبها الوخيمة ، و بالأخص في ظروف اختلال التوازن بين قضيتي المحاصصة الطائفية من جهة ، والبناء الديمقراطي من جهة أخرى.
ويرى نوري أن "النزاع الطائفي الدائر اليوم بين العرب العراقيين من السنة والشيعة لا يمت بصلة الى التقدم الحضاري المعاصر ".
وأحكم فكرته بالقول: " يعرف كل طرف حق المعرفة بأن الصراع طائفي صرف ولكنه يبرئ نفسه ويوجه الاتهام الى الطرف الثاني باعتباره هو الذي يخوض الصراع الطائفي. فالمالكي يقول لخصومه السنة العرب: (إنكم طائفيون وتخوضون صراعًا طائفيًا) وهو محق في كلامه. ويقول ممثلو السنة العرب من أمثال صالح المطلق نفس الشيء للطرف الآخر، وهم محقون ايضاً". والحقيقة ، بحسب نوري ، أن كلا الطرفين "غارق حتى الأذنين في الصراع الطائفي".
626 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع